أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى يونس - دكه خشبية متآكلة وسط عشبٍ جاف














المزيد.....

دكه خشبية متآكلة وسط عشبٍ جاف


هدى يونس

الحوار المتمدن-العدد: 5749 - 2018 / 1 / 6 - 19:49
المحور: الادب والفن
    


دكه خشبية متآكلة وسط عشبٍ جاف
هدى يونس

وسط حشائش جافة تخترق أرجل السائرين ..
تتحمل هي وخز إبرها مرتدية جيبه قصيرة وبلوزة حريرية ..
مواصلة السير حتى تجلس على دكه خشبية بعدها تخرج تنهيدة محتضرة ...
يتطاير شعرها الفضي المسترسل و يعابث بشرتها الملساء ..
تحاول وقف العبث وتجمعه بيديها الواهنتين شديدتي النظافة ..
بينما عيناها غارقتان في استرجاع أحداث .. وتترقب أحداثًا قادمة ..
بعدها تحرك رأسها في اتجاهات مختلفة تستطلع المكان ..
تقوم من جلستها متوجهة إلى مصدر ماء ضئيل ، تغسل يديها وتحكم تجفيفهما بما يتاح لها من
ملابسها بعد نفاد المناديل.
*******
جلستُ على دكه خشبية ممددة الأرجل في إنتظار إبنتي ..
المكان يخلو من الجالسين في ساعة الظهيرة الحارة ، تحركت الشمس في مواجهتي
إنسحبت ، وإحتميت بالظل الكائن والممتد من شجرة متشعبة على دكة آخري ..
غفوت تحت تأثير الهواء البارد الذي تلاحق على وجهي ..
سمعت حوارًا هادئًا وبأسلوب متحضر إنتبهت لوجودها ..
كانت تحكي وتشرح الأسباب مسترجعة أحداثًا تؤكد ما تقوله ولم يكن الطرف الآخر موجودًا ..
الحوار متشعب يشمل أفراد أسرة ، تأثير المناصب والمواقع الثقافية والاقتصادية ..
تردد بالفرنسية عبارات اعتذار - اعتراض - موافقة - تأكيد - مخاوف ..
انسحبتُ وتركتها لأن موعد إنتهاء دروس ابنتي قد قرب.
*******
بعد انقضاء شهور الصيف ..
رأيتها ترتدي ملابس شتوية أنيقة وشديدة النظافة وتضع كوفية حول رقبتها ..
المكان الوحيد الذي به الشمس هو الدكة التي تجلس عليها ، هربت من الهواء البارد وجلست ..
تزحزحت من مكانها ، إبتعدت أكثر عنها ، طلبت أن أقترب منها ومن مصدر الشمس جوارها ..
شكرتها وصمتُ ..
كانت تحرك رأسها ويديها بلا كلام وكأنها تستكمل حوارًا ..
بعدها تصله بحديث عبارة عن فترات صمت ..
سمعتها توجه كلامًا لي تسألنني عن أفضل الطرق لمواجهة البرد ..
ذكرت مشروبات عديدة وتواصل بيننا حديث في أمور مختلفة ، وتحليل لسلوكيات البشر ..
وعن التحول الذي ساد بين الأهل ، ونتواصل في أمور عشناها معًا ..
برغم الانتقال المفاجئ أحيانًا من أمور نفسية إلى مواقف شديدة الخصوصية ، تشركني معها
وكأنني عاصرتها ، أتمالك نفسي بسرعة وأتعايش معها .
طوال اللقاءات التي تمت بيننا من دون موعد، أترك لها الحرية الكاملة في الحديث أو الإمتناع.

*******
حضرت يومًا بعد أذان المغرب والبرد في أكثر حالات الانخفاض ..
قالت : ما حكمك علىَّ ؟ هل أخطأت ؟ .. لم أسألها عن ماذا ؟
وقلت : نحن البشر معرضون للخطأ والصواب وليس علينا عقاب الذات ، بل الإفادة والإستعداد لما
هو قادم ..
هزت رأسها مستحسنة الرد وصمتت..
بعدها : .. كنت أستغرق معظم يومي في مراقبة حوائط قذرة ممتلئة بالشقوق ، وتسكنها حشرات متنوعة اتخذتها بيوتًا ، أتابع تحركاتها وحصر شروخ السقف وقضبان النوافذ العالية ..
لم يكن بيتًا للمسنين ولكن لمن خالفوا عرف الواقع واستمروا على قيد الحياة ..
فتم الحكم عليهم بالنفي والإبعاد عن الناس ..
وإذا أمروا بالخروج من المكان لم يستطيعوا التوافق مع مجتمع قاسٍ لا يخلو من السخرية والفرجة
عليهم باعتبارهم مغتصبي حقوق آخرين ، ويعودوا ثانية بإختيارهم إلى سجنهم!!.
كنت أتأمل علاقاتهم ، يتهامسون ، يتضاحكون ، يتألمون ، يصرخون ، يتعاركون ، ويكون العقاب
بلا مغيث ..
عند ظهور ذوات الأردية البيضاء أتخيل دائمًا حجرة إعداد الموتى بالمستشفى التي
كنت أعالج فيها مرضاي .. وتصمت .
بعدها تتنهد وتواصل الكلام
: لا يجدون من يتعاطف ضد قسوة العقاب ، وبعد جلسات العقاب يأتي التحول ،
يحاورون أنفسهم ، وعند ارتفاع سقف الهوان يحاورون الله دون حواجز بينهم وبينه ،
.. أما أنا كنت أتوجه إليه بعد عقابي بشكواي ، وعند ازدياد الوجع أطلب منه أن يعيدني
إليه فهو الذي أوجدني .
تتأرجح الحقيقة وانفعالاتها ، وتداعياتها ، أحيانا تلفظ نارًا و أحيانًا أخرى نورًا.
حالات الصراع مستمرة ..
ورغم كل شئ لا يستطيعون البعد ..
كلما خرجوا عادوا ثانية إليه ..
وكأنه طلسم سحر خفي غامض لا يستطيعون له مقاومة.
وتركت هي المكان تبحث عن مصدر ماء لتغسل يديها..
ووضعتني داخل دوامة لا أعرف بدايتها ولا نهايتها ..
أراها على البعد تعبر جسور اليأس ، تصارع الإغتراب وتلازمها هواجس الوحدة!!.



#هدى_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سطوع الخفوت
- حجاب شوق
- اللغّم
- غوايه الموج
- ذوى الأغطية
- تصفيه حساب
- كبف تصبحين كبشا
- حدث فى الشتاء
- وشم الوجدان


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى يونس - دكه خشبية متآكلة وسط عشبٍ جاف