أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله الزهري - قط من السعودية















المزيد.....

قط من السعودية


عبدالله الزهري

الحوار المتمدن-العدد: 5749 - 2018 / 1 / 6 - 14:07
المحور: الادب والفن
    


نحن ثلاثة إخوة نعيش في بلدة صغيرة جنوب السعودية وبحالة مادية متوسطة. توفي أبي في حادث سير قبل 12 سنة وهو عائد من وردية على الجبهة الجنوبية في حرب ال5 سنوات ضد الحوثيين. اتذكر حضوره المفاجيء من عمله وغيابه المفاجيء كان كتذوق حلاوة في الظلام. التصق أبي بقلبي منذ سني الصغيرة، كربي الصغير. وكان هذا الفرح المفاجىء والوجل المفاجيء الدرس المبكر في حياتي حين بدأت لاحقاً اعي واعتاد شعور فقدان الأشياء الثمينة. كانت مراهقتي بين أخ اكبر وأخ اصغر سنوات مرتبكة، فكان عليّ ان اراقب أخي الأكبر حمّاد واقلد ردود فعله البديهية والسريعة وان احمي اخي الاصغر عوّاد واقلد دور معلمه، كنت اعتقد اني امثل دوراً بطوليا بينهما لكني الآن اعرف تماما أن هذا كان شيئا زائفاً جداً. هذا ملخص ناقص وغير مهم وأنا غير مهتم باعادة كتابته واضافة تفاصيل اخرى إليه، ولكني اعد نفسي اني كلما تذكرت حادثة مسلية سأسردها على الفور في الأسطر القادمة ولن اعيد تنقيح هذه المسودة أو ارتب الأحداث لأن ناقدا مختلا يحتل زاوية في رأسي أو في رؤوسكم ويصدعني باحترام القارئ وعملية الكتابة الإبداعية، ففلسفتي اليوم تغيرت وهي على عكس فلسفة العالم المندفعة نحو العمل، اعتقد ان هذا الركض اليومي يصطدم مع نظام الطبيعة التي تعتمد الإسترخاء والكسل والتسالي والخداع أيضاً. لقد تعلمت هذه الجمل النقدية الاستباقية داخل النص من السيد خوزيه ساراماغو لكم اشعرني بغضب كبير اود أن تختبروا هنا القليل منه. كانت المرة الأولى التي عذبنا فيها قطاً نحن الثلاثة حين كنا عائدين من المدرسة مبتهجين ومتعرقين في ثيابنا البيضاء. دخلنا البيوت السفلية المهجورة التي تحتل كتلة متلاصقة في وسط قريتنا، حين سمعنا المواء الضعيف والمختلط للقطط الصغيرة شلتنا ابتسامة طفولية فرحة، رفعنا ثيابنا واخذنا نمشي على اطراف احذيتنا الرياضية بهدوء نتقفى اثر المواءات الحزينة والعمياء. بعد ساعة من التسلية رأى حماد ان نلقي طوبة خرسانية على رأس القط الأسود الرابع لأنه شيطان، وافقته سريعا وقلت أنا انه لايجوز انه نتركه وحيدا بدون اخوته الثلاثة فالأفضل ان نقتله. لم يكن تعذيبنا للهر مسليا في البداية، لكننا كنا نستكشف ونراقب الألم على القط الصغير ونحن ندوسه بأحذيتنا بالتدريج. تعلمت انه كلما زاد التعذيب زاد الصراخ والألم، درس الطفولة. مات القط دون أن نكمل حفلة التعذيب ونسوي رأسه بالأرض. انتعش عواد من لعبة التعذيب والألم ثم اصيب بحالة من الانتشاء واخذ يركل القط في كل اتجاه ويقفز عليه حتى انفجرت بطنه الصغيرة. في المتوسطة كان قد انضم إلينا صديقي محمود. كان محمود يعاني حينها من انجذاب متزايد عليه، فشخصيته مرحة جداً مع الجميع ومتهكمة جداً مع البعض وساخرة مع القلة وكان معي غاضباً حانقاً على كل شيء. وكالمرة الأولى التي شاركت اخوتي في سحق هرة صغيرة، قتلت مع محمود عدد لا يحصى من الكلاب في المزارع اليابسة والمهجورة بين قريتنا ومزارع قرى أهل الجبل. كان محمود يفوقني كثيراً. بعد أن يصطاد الكلب بالبندقية النارية يتقافز كالمسعور ويجري نحوه حتى يقف فوقه والكلب يموت ويتلوى، ثم الحظ تلك الابتسامة الحقيرة الخجلة حين يركع على ركبتيه بين يدي وقدمي الكلب ويتحسس سكينه في جيبه. كان يقول لا تفقد حرارة البطن، الروعة كلها في البطن.. العالم في البطن. شق محمود امامي بطون عشرات الكلاب التي كان لا يزال بعضها يلهث ويدافع الموت. بعد ذلك كان يدخل يده ويسحب أعضاء الكلب لازالت تنبض ويده مغطاة بالدم والشعر وحرارة الحياة والموت. بعد عدة تجارب وضعت توقيعي الخاص، كنت الوي لسان الكلب الذي اصطاده بيدي المغروزة داخل بطنه واحشرها في عنقه وفمه ثم اقتلعه واسحبه، وكثيرا ما كانت يدي تعلق في حلقه. هكذا كنت ارقب محمود وكان يرقبني. وفي السنة الأخيرة من الثانوية اصطدنا أول انسان. اصبحنا اربعة، أنا ومحمود وحماد وعواد. كان راعياً يمنياً ضمن الرعاة الذين يتدفقون علينا بوجوههم الكالحة واجسادهم الصلبة. أما ما حدث بعد ذلك فكان شيئا اخر لم نكن نستطيع ان نسيطر عليه أو نفهم كيف يحدث. تخدير الرعاة وخطف الأطفال من القرى والبلدات البعيدة جدا، ثم التألم بألمهم وهم معلقون في المسلخ الذي اعددناه في احدى غرف بيتنا القديم. من المؤذي ان احكي كيف كنا نخوض صراعنا على من يبدأ ليلة الترحيب الأولى بالضيف. كان يحق لمحمود وأخويّ ان يتفضلوا للغرفة مرتين او ثلاث على الأكثر اذا كانت ليلة الترحيب من نصيبي، كنت اود ان اشعرهم بتفوقي وانتصاري على مارديّ، كنت احتقر كذبي على نفسي. بينما في الليالي العادية التي تلي ليلة الترحيب يمكن ان يدخلوا الغرفة كما يريدون وان يشاركوا في التعذيب ان كان لازال في الصيد رمق. كان لكل منا شغف خاص، كنت احب ان اسلخ سيقان الهدايا سواءً كانوا رعيانا يمنيين أو صوماليين أو أطفالا سعوديين وهم معلقون بأقدامهم في وسط الغرفة، وانتشي اكثر حين يمتزج دم السيقان المسلوخة والممزقة بدم أفواههم وبطونهم. كان محمود يفضل الرهان، انه يتغطى به ويشفي داخله. يطفأ ضوء الغرفة ويمرجح الهدية المعلقة بالسقف بقوة ثم يجرب سكاكينه فيها. يقذفها بحمق وصرخات. كان محمود يتلذذ بالرهانات اكثر من اصوات الهدايا وهي تبكي وتصرخ وتقيء. يبتدأ أخي عوّاد اغلب حفلاته الترحيبية بقطع العضو الذكري للهدية، ويتسمر على الكرسي ينصت للوجع والصراخ ولا يتحرك الليل كله حتى تنزف الهدية كل دمها وقوتها وتهمد ثم يتوقف عن ملاقاتنا والحديث معنا اليوم التالي كله. أما حماد فلم يكن له اسلوب. في بعض الليالي يكون عنيفا جدا وتنتهي حفلته الترحيبية قبل ان نفترق عنه ونحن نستمع خارج الغرفة، يخرج الينا ينتفض لا يعرف من نحن وأين يضل طريقه للخروج وكأنه يفقد عقله ومشاعره كل لحظة. هناك اعترافات مؤلمة جداً يمكن ان اكتبها في فرصة اخرى. أما اليوم فقد قطعنا ثلاث سنين في هذا الظلام. اشعر اننا لا نستحق هذا المحو السوداوي لأرواحنا. الغرف الثلاث باردة وروائح فضلاتنا لم تعد تزكمنا فقد اعتدنا عليها ولكنها تزيد طبقات العفن بالجدران وترطب جلودنا التي اخذت تتقشر. افتش عن مذاق حلاوة في هذه العتمة، لازلت احلم بأبي، بحضوره المفاجىء، احلم ان يخرجنا من هذا السواد. احلم ان يحطم احدى هذه الحوائط الصامدة ويحملني كطفل مجروح بين يديه يغسلني بالماء والنعناع. احلم كثيراً بلون النعناع ورائحته. استقيظ مفزوعا من كابوس البطن المفتوح والمتقيح للقطة السوداء، وكل يوم احلم بأبي. اشعر أني اعيش في رأسي، لست في غرفة تتوسط غرفتي عواد وحماد وعلى مسافة 100 كيلو متر من اقرب قرية حدودية، على هضبة جبلية كانت طريقاً قديما آمناً لتهريب اليمنيين إلى السعودية. اكرر كلما استيقظت دعاء الظلام: انا اعيش في رأسي.. انا اعيش في رأسي.. لست في نفس المسلخ. وأخويّ ليسا هنا بجواري.. اللهم انهما فكرتين مزعجتين عن اليمين والشمال تحاصر عقلي وقوتي على البقاء. لقد قيدونا الى ثلاثة اعمدة ثم بنوا علينا ثلاثة غرفة بتلاصقة لا أبواب لا نوافذ. فقط انبوب في الزاوية العلوية يمررون عبره الماء القذر والخبز المعجون المبلل مما فضل عن الغنم. أما محمود فقد هرب بيوم من المداهمة ولم يخبرنا الكلب الملعون. الأهالي قبضوا علينا. الحكومة لا تعرف شيء عنا.



#عبدالله_الزهري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله الزهري - قط من السعودية