أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود يوسف بكير - دراسة مختصرة لأزمة النظام الرأسمالي















المزيد.....

دراسة مختصرة لأزمة النظام الرأسمالي


محمود يوسف بكير

الحوار المتمدن-العدد: 5747 - 2018 / 1 / 4 - 21:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بالرغم من نجاح النظام الرأسمالي وسياساته وابتكاراته الصناعية في تغيير وجه العالم ورفع مستوى المعيشة لمئات الملايين من البشر في الغرب والشرق إلا أنه تسبب أيضا في أزمات عديدة وخطيرة ، لعل من أهمها مشكلة التفاوت الهائل في الثروة والدخل بين الأغنياء و الفقراء في جميع أنحاء العالم، وكذلك مشكلة التغيرات المناخية وارتفاع الحرارة التي أصبحت تهدد حياة كافة الكائنات على وجه الأرض بما فيها الإنسان نفسه. وكلا المشكلتين تتجهان من سيء لأسوأ.

وسوف نركز في هذا المقال على الجانب الاقتصادي للمشكلة الأولى على أن نعرض للمشكلة الثانية في مقال آخر. وباختصار شديد فإن فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى أوائل الثمانينات من العقد المنصرم شهدت انخفاضا كبيرا في فجوة الدخل والثروة بين الأغنياء والفقراء. والسبب في هذا هو أن تلك الفترة تميزت بأربع فعاليات:

- وجود حكومات قوية وذات سلطات واسعة على السياسات الاقتصادية والمالية والبنوك.
- فرض ضرائب مرتفعة إلى حد ما على الشركات والأغنياء.
- ارتفاع مستوى التعليم في المدارس والجامعات الحكومية.
- وجود نقابات مهنية قوية ومستقلة عن الحكومة.

وعادة ما تسود مثل هذه الظروف المواتية لعملية التنمية البشرية في فترات ما بعد الحروب والكوارث الكبرى حيث تتمتع الحكومات بسلطات واسعة لإصلاح ما افسدته هذه الكوارث وتوفير خدمات عامة جيدة للمواطنين من خلال الموارد السيادية وعلى رأسها الضرائب.
كما كانت الحكومات ترحب بوجود نقابات مهنية قوية كي تساعدها في التنظيم وتنفيذ سياساتها. ويستثنى من هذا الدول العربية التي يحرص حكامها عادة على اختراق ومحاصرة أي تجمعات وتنظيمات من شأنها تهديد سلطتهم المطلقة.

وحيث أنني من مواليد منتصف خمسينيات القرن الماضي فقد عايشت هذه المرحلة في مصر قبل رحيلي عنها في أوائل الثمانينات. وأشهد أنني تلقيت تعليما جيدا في مدارس الحكومة وجامعة القاهرة مما مكنني من الدراسة والعمل في الخارج. وقتها كانت الحكومة المصرية مسيطرة على كل شيء تقريبا كما كانت الضرائب مرتفعة والخدمات العامة أفضل بمراحل مما هي عليه الآن.
وكان هناك أثرياء ولكن ليس بدرجة التوحش السائدة حاليا، كما لم تشهد مستويات الدخل الفردي الفجوة السائدة حاليا حيث يتقاضى الإعلاميون والفنانون وكبار الموظفين الملايين مقابل بضعة آلاف من الجنيهات للأغلبية الساحقة.

والحاصل الآن على مستوى العالم هو عكس ما كان سائدا في الفترة المشار إليها حيث تقلص دور الحكومات سواء في الغرب أو الشرق مقابل دور أكبر للقطاع الخاص، كما أن ضرائب الدخل انخفضت في الكثير من الدول (20% في مصر، والآن 21% في أمريكا ترامب). وتلجأ الكثير من الحكومات الآن إلى عمليات بيع لأصول الدولة لصالح القطاع الخاص لتعويض النقص في حصيلة الضرائب.
كما أن التعليم الحكومي في تدهور مستمر خاصة في الدول المتخلفة مثل الدول العربية مقابل صعود قوي للمدارس والجامعات الخاصة التي تهدف إلى الربح أساسا وليس إلى التعليم الراقي والبحث العلمي وخدمة المجتمع كما هو حال الجامعات الخاصة في الغرب، أضف إلى هذا حالة الهزال التي أصابت النقابات المهنية على مستوى العالم.

كل هذه التطورات السلبية وغير المواتية أدت إلى اتساع هوة الدخل والثروة بين قلة صغيرة لا تزيد عن 5% وبين الأغلبية. وعلى سبيل المثال فإن أغنى 80 شخصا في العالم يملكون ثروة تعادل ما يملكه أكثر من ثلاثة مليار إنسان على مستوى العالم.
وكما ذكرت سابقا فآن المشكلة تتفاقم، وفي هذا الصدد فقد لاحظ الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي في دراسته الهامة " رأس المال في القرن 21" أن الثروات تنمو بمعدلات أعلى من معدلات نمو الاقتصاديات الوطنية. ولعلي أوضح هذه النقطة لأهميتها، حيث أن متوسط النمو الاقتصادي العالمي لا يزيد عادة عن 4% سنوياً، بينما تنمو ثروات الأفراد سنويا في المتوسط بضعف هذا المعدل. وهذا يعني أن فجوة الثروة والدخل في زيادة مستمرة.

والسؤال هو لماذا تدهورت العوامل الاربعة التي ذكرناها سابقا بهذا الشكل السريع في خلال ال 30 عاما الماضية؟ الإجابة التي تحضرني تنحصر في أحد الافتراضات الأساسية التي يقوم عليها علم الاقتصاد وهي غريزة الطمع لدى الإنسان. فلكل غرائز الإنسان حدود معينة إلا غريزة الاكتناز والتملك، وحتى تنجح الرأسمالية فقد قامت على آليات من شأنها إشباع هذه الغريزة مثل المنافسة الشرسة، وأن معيار النجاح في كافة الوحدات الاقتصادية هو تحقيق أكبر ربح ممكن بغض النظر عن الاعتبارات الاجتماعية والبيئية.

وبالرغم من إدخال تعديلات على النظام الرأسمالي مؤخرا تهدف إلى تشجيع منظماته على مراعاة البعد الاجتماعي في عملها إلا أن هذه التعديلات غير ملزمة ولذلك لا تحمل على وجه الجدية ولم تحقق الاهداف المرجوة منها.

كما أن الحكومات ضعفت كثيرا وتقلص دورها بسبب سيطرة الرأسمالية عليها وعلى الإعلام وعلى السلطة التشريعية التي تصيغ القوانين، وهو ما أدي إلى انخفاض معدلات الضرائب على الدخل التي يستفيد منها الأغنياء وتضر بالفقراء وهو ما يضطر الحكومات للاقتراض من المؤسسات المالية سواء في الداخل أو الخارج لتمويل نفقات الخدمات العامة السيئة التي تقدمها للفقراء، بالإضافة إلى لجؤها إلى سياسات الخصخصة للشركات العامة التي تفتقر للشفافية عادة وسوء الإدارة والفساد وتؤول في النهاية إلى الرأسماليين ليزدادوا غنى .

وفي النهاية أصبح لكل شيء ثمن، فللتعليم الجيد ثمن وللرعاية الصحية الجيدة ثمن وللسكن الجيد ثمن وللنقل الجيد والطرق الجيدة ثمن.... وهكذا تتمدد اللامساواة إلى كل شيء.
وفي ذات الوقت ضعفت النقابات العمالية والمهنية بشكل غير مسبوق بسبب تقلص مساهمة القطاعين الصناعي و الزراعي في الناتج القومي الاجمالي مقابل نمو قطاع الخدمات بشكل مذهل ولذلك لم تعد الحاجة للعمال ملحة خاصة مع زيادة عمليات الميكنة والتقنيات الحديثة في القطاع الصناعي و الزراعي. وقد تزيد هذه المشكلة حدة مع دخول العالم إلى مرحلة الثورة الصناعية الرابعة والتي سيتم فيها الاعتماد على ما يسمى بالذكاء الاصطناعي “Artificial Intelligence”حيث ستحل الآلات الذكية محل الإنسان في كل ما هو ممكن وسيتبقى للعمال أنماط العمل التي تحتاج إلى عضلات أو نوع من الإشراف على الآلات.

إذن ما هو الحل؟

الحل البديهي لمشكلة اللامساواة الهائلة في الفرص والدخل يكمن في تصحيح السياسات التي تؤدي الى الانحياز وتركيز الثروات في أيدي القلة. ومن أمثلة هذه السياسات التصحيحية التي يدعو لها كل الاقتصاديون الليبراليون ومن بينهم ستجليتز وبيكيتي وميلانوفيتش وغيرهم ما يلي:

• تقديم سياسات ضريبية جديدة تمنح تفضيلات لصغار المساهمين في كافة الاستثمارات تجعلهم يحققون عائدا نسبيا أكبر على استثماراتهم مما يحققه كبار المساهمين وهذا سيؤدى إلى جذب المزيد من صغار المساهمين والبدء في تقليل الفجوة بينهم وبين الكبار بشكل تدريجي. وللعلم فإن السياسات السائدة الان تعمل عكس هذا.
• منح العمال حق تملك أسهم في الشركات التي يعملون بها وذلك في شكل أرباح موزعة أو حوافز أو بتسهيلات معينة في سداد قيمة هذه الأسهم مع إعفاءها من ضريبة الأرباح لفترة معينة.
• فرض ضرائب على الميراث والثروات الكبيرة التي تزيد عن مبلغ معين بحيث تستخدم حصيلة هذه الضرائب في منح شباب العاملين منح رأسمالية بقدر اجتهادهم في عملهم كي يصبحوا مساهمين في شركاتهم أو في اي شركات آخرى.
• تحسين التعليم العام وخاصة الجامعي لأن الحاصل الآن في كل دول العالم هو أن راتب خريج الجامعة يحدده اسم الجامعة التي تخرج منها، فمثلا نجد أن خريج اقتصاد الجامعة الأمريكية في القاهرة يتقاضى أضعاف ما يتقاضاه خريج اقتصاد جامعة القاهرة رغم أن خريج الاخيرة قد يكون أكثر موهبة واجتهادا من خريج الأولى والسبب في هذا الانطباع السائد بأن نوعية التعليم في الجامعة الأمريكية أفضل بكثير من الجامعات الحكومية وهذا يؤدي إلى نشؤ مشكلة فجوة الدخل بمجرد البدء في العمل. ولحل هذه المشكلة ينبغي على الحكومة أن تخصص اعتمادات مالية كافية لتحسين نوعية التعليم والابحاث في الجامعات الحكومية.

هذه بعض الأمثلة لما يمكن عمله لحل معضلة فجوة الدخل والبدء في محاصراتها والتخفيف الفاعل والتدريجي لحدتها.
وكما ذكرت سابقا فإنني غير متفائل بإمكانية عمل أي شيء في ظل الأنظمة الاستبدادية الحالية وتمدد الرأسمالية وانتشارها الخبيث وسيطرتها على كافة السلطات. ولكن اللحظة التي تنبأ بها ماركس والكامنة في الديالكتيك التاريخي للبشرية سوف تأتي حتما، بمعنى أن اللامساواة الحالية وهي وليدة النظام الرأسمالي سوف تزداد حتما وسيزيد معها تركيز الثروة والدخل في أيدي أقلية صغيرة. وإذا كانت الاغلبية صامتة الآن فأنها لن تصمت إلى الأبد وسوف تمل قريبا من الوعود الجوفاء وسياسة رفع الشعارات والمواعظ الدينية ومن ثم فإن الديالكتيك الصدامي بين الأقلية فاحشة الغنى والأغلبية المعدومة سوف يندلع حتما ما لم تصحح الاوضاع بشكل سلمي وسريع.



#محمود_يوسف_بكير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظاهرة الأمير محمد بن سلمان
- مقاربة للفكر الماركسي والفكر الديني
- الصراع الخطير بين دول نهر النيل
- الدين بين جبران وماركس وأينشتاين
- الدين والتراجع المستمر لحقوق الإنسان العربي
- جزر تيران وصنافير مهزلة أم قضية!
- السياسة النقدية تدمر الاقتصاد المصري
- تصريح مدهش لشيخ الازهر
- دراسة مختصرة حول أسباب تخلفنا
- مساوئ الرأسمالية وتناقضات الاشتراكية
- دراسة مختصرة حول مصر والتبعية للإعانات الأجنبية
- من أسوأ ما في العرب
- من المستفيد من سياسة تعويم الجنيه المصري؟
- الجانب المظلم للديمقراطية
- بحث حول أخطر أمراض العصر
- الدين أم الضمير الإنساني
- الاقتصاد المصري في غرفة الانعاش
- تأملات في الديمقراطية عند بريطانيا والعرب
- النيوليبرالية والفشل المحزن لليسار
- في ذكرى رحيل العالم العربي د. مصطفى طلبه


المزيد.....




- الناطق باسم نتنياهو يرد على تصريحات نائب قطري: لا تصدر عن وس ...
- تقرير: مصر تتعهد بالكف عن الاقتراض المباشر
- القضاء الفرنسي يصدر حكمه على رئيس حكومة سابق لتورطه في فضيحة ...
- بتكليف من بوتين.. مسؤولة روسية في الدوحة بعد حديث عن مفاوضات ...
- هروب خيول عسكرية في جميع أنحاء لندن
- العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يدخل المستشفى التخص ...
- شاهد: نائب وزير الدفاع الروسي يمثل أمام المحكمة بتهمة الرشوة ...
- مقتل عائلة أوكرانية ونجاة طفل في السادسة من عمره بأعجوبة في ...
- الرئيس الألماني يختتم زيارته لتركيا بلقاء أردوغان
- شويغو: هذا العام لدينا ثلاث عمليات إطلاق جديدة لصاروخ -أنغار ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود يوسف بكير - دراسة مختصرة لأزمة النظام الرأسمالي