أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كريم عبد - أطوار بهجت تعود إلى سامراء كي تُقتل ثانية ً !!















المزيد.....

أطوار بهجت تعود إلى سامراء كي تُقتل ثانية ً !!


كريم عبد

الحوار المتمدن-العدد: 1476 - 2006 / 3 / 1 - 11:31
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


لم تكن أطوار بهجت مجرد فتاة عراقية أنهت دراستها في كلية الآداب وأحبت أن تعمل في الصحافة كما يحدث عادة، فلاقت حتفها في خضم أحداث الأيام الماضية، بل هي نموذج لجيل المأساة وقد حولها استشهادها إلى رمز من رموز هذا الجيل. فعندما ولدتْ أطوار بهجت في 1976 كان الشكل العام لصورة المأساة العراقية قد اكتمل : عسكرة المجتمع، هيمنت الحزب الواحد، السيولة النقدية، إمساك أجهزة الأمن والمخابرات بزمام المبادرة. كل شيء كان مهيأ لبزوغ نجم الديكتاتور .. كل شيء كان مهيأ لحفلة طويلة من الحزن والتعثر والتشرد والجروح والأمجاد الزائفة، حفلة طويلة ماتزال مستمرة، ما تزال عامرة تقدم كؤوسها المرة للمدعوين قسراً، جيلاً بعد جيل. لكن جيل أطوار بهجت كان مختلفاً. الأجيال السابقة كانت تختار الرفض أو الخضوع بارادتها، تنتصر على الموت بالشهادة أو تكسب شيئاً من فُتات السلطة بالتلطي على أبوابها لتكون جزءاً من أدواتها أو ديكورها. أما جيل أطوار بهجت فحين فتح عينيه لم يجد أمامه سوى صور الديكتاتور الكريهة وأناشيد الحرب الدامية وليس له خيار سوى الكآبة والقبول حتى لو أوهم نفسه بعكس ذلك. لم تنقطع الشهادة لكنها كانت تختنق في أوار الحرب وتتبعثر في قهقهات الديكتاتور، أما الجمهور فقد كان عليه أن يغرق طرباً بقصائد الشعراء الأنذال وكؤوس المأساة المرة ...
عندما اضطررنا للهروب من العراق نحن الجيل الأسبق، جيل تأميم النفط والمشانق وحملة التبعيث والرعب الأسود، كان جيل أطوار بهجت ما يزال يتلعثم وهو بالكاد يتلفظ أسمه، أطفال يولدون كالورود لكنهم لا يعرفون أية وحشة تنتظرهم خلف أسوار الطفولة ...
عندما دخل جيل أطوار بهجت إلى الصف الأول في المدارس الأبتدائة، كان السيد النائب قد تحول إلى السيد الرئيس القائد، والحرب تكبر لتدخل عامها الثاني. أطفال يدخلون ببراءتهم إلى الصف الأول بينما الحرب تسبقهم إلى صفها الثاني. كانت الحرب أكبر منهم، فرضت عليهم أناشيدها الكاذبة لتوجع حناجرهم الطرية وهم يرددون كلمات لا يعرفون معناها، وينظرون إلى صورة السيد الرئيس القائد المعلقة أمامهم فوق السبورة ولا يعرفون من هو هذا الرجل !! ولماذا وضعوا صورته هنا !! لكنه يعرف ماذا يريد منهم !! كان صدام حسين يعرف العراقيين واحداً واحداً في كل قرية ومدينة وزقاق. كانت سجلات دوائر الأمن والمخابرات تقدم له معلومات عن أية واحدة أو واحد منهم : ماذا يريد ولمن ينتمي وكيف يفكر وفي أية منطقة من إنسانيته يمكن أن تُطلق عليه النار كي يموت ويحيا ميتاً، نار الحقد والإذلال والمتجارة بإنسانيته وأسمه ومعنى وجوده، كي يتم دفعه ليجلس في المكان المطلوب ويتحرك في الوقت المطلوب من حفلة الليل الموحشة الطويلة .. المهم أن يجلس في المكان المطلوب مقتولاً لا يعرف من قتله بل لا يعرف أنه مقتول أصلاً لأن قهقهات الديكتاتور توقظه من موته دائماً كي لا يشعر بأنه مقتول. هذه هي مأساة الإنسان العراقي التي لا يعرفها أحد ما عدا الشعراء الأنذال وأجهزة الأمن والمخابرات وبعض الإعلاميين العرب الذين تركوا أطوار بهجت وجيلها والعراق كله يواجهون الموت والرصاص لوحدهم، فالعراق العظيم لا وجود له عندما لا تكون هناك دولارات ويد غليظة كيد الديكتاتور كي ينحنوا لتقبيلهم ..
لم ألتق الراحلة أطوار بهجت من قبل، لذلك فأنا لا أعرف شيئاً شخصياً عنها، لكنني كنت أرى مأساة جيلها في عينيها المترددة وهي تطل أحياناً عبر فضائية العراق نهاية التسعينات وقد دفعوها لتقف في مكان لا يمكن أن تكون قد اختارته أو أحبته، فهو مكان لا يمكن أن يحبه أحد، لكنهم دفعوها إليه كي تقف حيث يريدون هم لا حيث تريد هي، هذا ما فعلوه بأجيال كاملة. لقد رأيتها مرات عديدة تقدم نفس البرنامج، برنامج ثقافي بعثي بامتياز، يلمع صورة الديكتاتور بعد أن انطفأت عيناه من كثرة الهزائم والأحقاد ليُصبح روائياً، روائياً بعيون مطفأة، لذلك لم يكن يبدو على اطوار بهجت بأنها كانت مقتنعة بما تقول أو بما يقوله النقاد الذين تحاورهم عن الرواية والروائي المجهول. برنامج مخصص لتمجيد روايات لراويها وهي أول نمط من الروايات التي لا تحمل أسم من ألفها !! ليس لأن كاتبها رئيس جمهورية أو بطل قومي يترفع عن أن يظهر بمظهر أديب، لكنه رجل متخم بعقدة الأشمئزاز من ذاته، يعرف تماماً كم يكرهه العراقيون وكم يكرهون أسمه وصوره حتى صار هو أيضاً يكره نفسه وأسمه فلم يجرؤ على وضعه على الغلاف. هذا هو السبب الحقيقي الذي جعله يُصدر رواياته السيئة دون أسم !! صدام أكثر من سواه يعرف كم هو يكره نفسه وكم يحتقر أسمه، وكم قتل من البشر كي يصل إلى هذا المستوى من المشاعر المشينة، مشاعر كراهية الذات، حيث تلاحقه وجوه الضحايا في اليقظة والمنام، لذلك ظل يحقد على العراقيين كما يحقد على نفسه وأسمه، وهذه هي الضريبة التي تدفعها الشعوب عندما ترميها الأخطاء والأقدار إلى حفرة الديكتاتورية التي لن تستطيع الخروج منها إلا حين ترمي الأخطاء والأقدار بالديكتاتور ذاته إلى نفس الحفرة التي وُجدَ فيها هارباً جباناً ولم يستطع مواصلة حرفة القتل التي أدمنها بعد أن قتل آلاف العراقيين. لقد خانته النذالة حين وجد نفسه هو في الهدف والمسدس ذاته بيده لكنه لم يطلق النار على رأسه، بل ارتعد وسقط منه المسدس ليسقط هو في الحفرة. وحين خرج العراقيون منها لم تكن الحفلة قد انتهت كما كانوا يتوهمون، بل كان عليهم أن يواصلوا وجعهم واحلامهم وأيامهم الصعبة مع فصلها الثاني. وهنا وجدتْ أطوار بهجت فرصتها لتبحث عن المكان الذي تريده، الذي تريد حقاً أن تبدو واضحة على حقيقتها من خلاله رغم الخطورة بل المخاطر الكثيرة التي تحيط به، فعملت في الفضائيات العربية .. كانت صادقة مع نفسها عندما لم تشعر بالهزيمة لأنها هزيمة النظام وليست هزيمتها هي أو هزيمة جيلها، لقد أنخرطت في العمل قبل أن يخرج الرعديد من حفرته وبعد أن خرج منها، استمرت في العمل ولم تنهزم مع الشعراء والاعلاميين الأنذال الذين كانوا يدفعونها إلى الدور الذي يليق بهم هم وليس بها، فلم تكن هي من صناع المشهد أو المخرجين .. كانت تؤدي دوراً دُفعت إليه دفعاً، تؤديه رغماً عنها، جيل كامل كان يفعل ذلك !! فهي لا تملك أن ترفض فقد كانت مقتولة في حفلة القتل البعثية، وحين تكسرت أبواب القاعة عن تلك الحفلة المريرة غادرت أطوار بهجت مع المغادرين، غادرت إلى الهواء الطلق ولم تنهزم مع الشعراء والإعلاميين الأنذال الذين أصبحت لهم شقق ومحظيات في منافي الثعالب والذئاب .. كانت صادقة مع نفسها فبقيت في موقعها، تخلصت من آثار القتل الأول. غادرت الجوقة بشجاعة لتبحث عن مكانها تحت شمس العراق، تبحث عن مكانها كصحفية وكأنسانة لتتركهم في فضيحتهم، لذلك لاحقوها ليقتلوها في مدينتها سامراء، لقد قتلوها هذه المرة مباشرةً بعد أن عجزوا عن قتل إنسانيتها، لقد قتلوها حقاً، قتلوها دون أن يتمكن من نجدتها أحد مع الأسف ..
لن أخضع لسطوة الكلمات وأوهامها لأقول أنها بمقتلها وُلدتْ من جديد، فقد قتلها الأوغاد حقاً، قتلوها ولم نتمكن من نجدتها، تماماً كما يُقتل العراقيون كل يوم ولا يستطيع أحد أن ينجد احداً !! لماذا ؟! لأن الحفلة ما زالت مستمرة وايقاعاتها وخناجرها ما تزال بيد القتلة والمجرمين !! صحيح إننا خرجنا من حفرة الديكتاتورية ولكن إلى أين ؟! إلى فضاءً يَصعُب أن نقول بأنه فضاء الحرية وإلا لتمكن بعضنا من نجدة البعض الآخر كي نحيا ويحيا العراق معنا، كي لا نسمح لهم أن يقتلوا أطوار بهجت أخرى دون أن نتمكن من نجدتها فتصبح كلماتنا ووجودنا بلا معنى تماماً !!
فمتى نصحو إذا كانت كل أجراس الموت هذه ترن في فضاءات العراق دون أن يتمكن بعضنا من نجدة البعض الآخر، بل دون أن يفهم بعضنا البعض الآخر !! متى نصحو إذن ؟! ولمن تُقرع كل هذه الأجراس حقاً ؟!




#كريم_عبد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقائق وأرقام أمام الحكومة العراقية القادمة !!
- هل لحكومة الجعفري أن تقلب السحر على الساحر ؟!
- عبد الكريم قاسم
- صناعة ( النجوم ) في قناة الجزيرة : ( فاضل الربيعي دكتوراً ) ...
- طبيعة الدولة ومفهوم الانتماء عند العراقيين !!
- هل بوسع حازم جواد أن يقول الحقيقة ؟!
- الإعلام السوري : تشجيع الإرهاب وإباحة دماء العراقيين ؟!
- مخاطر عودة الملكية إلى العراق !!
- أخي منذر مصري لماذا تقوّلني ما لم أقل ؟!
- مجتمع الارتزاق الثقافي العربي !!
- يعيش العراق .. يعيش العراق - قصائد
- رسالة إلى منذر مصري : هل بوسعك أن تعود معنا إلى العراق ؟!
- من اجل أن لا يتحول رفض القرار 137 إلى هجوم على مجلس الحكم !!
- جمال عبد الناصر بصفته ظاهرة ثقافية مصدَّرة من الماضي !!
- الديمقراطية بصفتها مقولة مـملّة
- أزمة الثقافة السياسية ومشروع تكوين الأمة العراقية
- تـحتَ مطرٍ خفيف
- المرأة في أروقة الدولة العربية !!
- المضطرب يُنتج أفكاراً مضطربة عن نفسه وعن الآخرين
- طبيعة السلطة وتأثيرات النسق الثقافي – الاجتماعي


المزيد.....




- استهداف أصفهان تحديدا -رسالة محسوبة- إلى إيران.. توضيح من جن ...
- هي الأضخم في العالم... بدء الاقتراع في الانتخابات العامة في ...
- بولندا تطلق مقاتلاتها بسبب -نشاط الطيران الروسي بعيد المدى- ...
- بريطانيا.. إدانة مسلح أطلق النار في شارع مزدحم (فيديو)
- على خلفية التصعيد في المنطقة.. اتصال هاتفي بين وزيري خارجية ...
- -رأسنا مرفوع-.. نائبة في الكنيست تلمح إلى هجوم إسرائيل على إ ...
- هواوي تكشف عن أفضل هواتفها الذكية (فيديو)
- مواد دقيقة في البيئة المحيطة يمكن أن تتسلل إلى أدمغتنا وأعضا ...
- خبراء: الذكاء الاصطناعي يسرع عمليات البحث عن الهجمات السيبرا ...
- علماء الوراثة الروس يثبتون العلاقة الجينية بين شعوب القوقاز ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كريم عبد - أطوار بهجت تعود إلى سامراء كي تُقتل ثانية ً !!