|
دافيد فونكينوس و عصارة السخرية و العبث ( مراجعة لروايته الرِّقة)
أسامة تيسير قفاف
الحوار المتمدن-العدد: 5745 - 2018 / 1 / 2 - 20:37
المحور:
الادب والفن
دافيد فونكينوس و عصارة السخرية و العبث (مراجعة لروايته الرِّقة)
"- في سياق كتابتك التي لا تكف عن السخرية والجنون، هل تحلم بجائزة نوبل يوما ما؟ - لا أظن أنى يمكن أن أفوز بنوبل. كتبي تسخر من كل شيءٍ طوال الوقت، كما أنى لا أكتب عن السياسة ، ولا أدافع عن الأقليات أو حقوق المرأة. لماذا يمنحونني نوبل إذن؟!." من لقاء دافيد فونكينوس مع جريدة ( المصري اليوم ) الأربعاء 06-07-2011
ترجمت سلسلة إبداعات عالمية الصادرة في الكويت لفونكينوس روايتين من أصل ثلاثة مترجمة للغة العربية رواية (الرقة 2014- إبداعات عالمية ) و رواية (إني أتعافى – إبداعات عالمية 2015) و رواية ( الطاقة الإيروسية لزوجتي – المركز الثقافي العربي 2008 ) . يبدو هذا الكاتب للقراء و المترجمين كنبعٍ يتدفق باستمرار على الورق ، فرواياته ترجمت لأكثر من عشرين لغة ، عدا عن الجوائز التي حصدتها ، و الأفلام التي أُخِذَت من نصوصه عديدة ، و أهمها الفيلم الذي أُنتج من خيال روايته الرِّقة (La délicatesse ) و هي الرواية محور حديثي .
الرواية بين يدي من إصدار العام 2009 باللغة الفرنسية ، و صدرت مترجمة إلى اللغة العربية في العام 2014 من سلسلة إبداعات عالمية العدد 404 ، من ترجمة كامل عويد العامري ، و مراجعة الدكتورة ليلى عثمان فضل ، و قد نال المترجم جائزة الإبداع في حقل الترجمة من وزارة الثقافة العراقية . دخلت الرواية قوائم ترشيح أشهر خمس جوائز أدبية فرنسية ، و تم تحويلها إلى فيلم من بطولة النجمة الفرنسية العالمية ( أودري توتو Audrey Tautou ) . لقد قام الروائي دافيد فونكينوس بكتابة السيناريو و ساهم في إخراج الفيلم مع أخيه ستيفان . و قد فاز الممثل فرانسوا داميان بجائزة أحسن ممثل في مهرجان مدينة سارلا الفرنسي للأفلام عن تمثيله دور ماركوس عام 2011.
دافيد فونكينوس روائي و مسرحي و كاتب سيناريو و مخرج فرنسي ، من مواليد العام 1974 ، حائز على العديد من الجوائز في مجال الكتابة ، درس الفنون في جامعة السوربون ، و درس موسيقى الجاز في باريس . لديه حتى الآن أكثر من 16 عملاً منشوراً ، و قد ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات . و نالت روايته ( شارلوت ) الصادرة عام 2014 جائزة رينودو الرديفة للجونكور Prix Renaudot laureates ، وجائزة الجونكور لطلاب المدارس الثانوية Prix Goncourt des Lycéens ( هناك فرع من جائزة الجونكور العريقة يتم خلاله إعطاء الروايات المرشحة ال12 لمجموعة منتقاة من طلاب الثانوية في فرنسا عددهم ألفان و يقوم الطلاب بالتصويت على الرواية الفائزة ) .
تمتد الرواية على 202 صفحة من القطع المتوسط ، في 117 فصلاً ، فصول تطول لعدة صفحات و أخرى لا تتجاوز بضع كلمات أو أسطر . في خطٍ زمني متصلٍ بلا انقطاع سوى بعض الذكريات التي تضيفها شخصيات الرواية المعدودة على الأصابع . يضيف فونكينوس بعض المقاطع من أعمال أدبية و أفلام ، وبعض مقاطع من مجلات و صحف يومية ، شيءٌ من التناص و شيٌ من الملاحظات و من المعلومات التافهة المضحكة Trivia ، تثري النص و تضيف إلى الفكاهة اللاذعة التي تتميز بها لغته ، و تربط المعنى المراد إلى الأحداث الواردة في الرواية . الرواية جل أحداثها في مدينة باريس عدا نهايتها التي تقع في مدينة ليزيو شمال باريس .
الرواية مثل الفسيفساء ، منثورة بأحداثها بعناية و بدون تعقيدٍ يذكر ، سهلة التناول و القراءة ، و إن كانت الترجمة كما أراها متعبة حقاً و لا تساعد قارئ العربية باستيعاب أسماء الأماكن و الشخوص و الإحالات ، فلا يوجد هوامش في الرواية ، و برغم ما يذكره المترجم من اتصاله بالكاتب ، و أن الرواية تمت مراجعتها من قبل اثنين من مجيدي الفرنسية ؛ إلّا أني كقارئ أحسست بالضياع و فقدان بعض الكلمات التي كان من الممكن أن توضح الجمل الطويلة ، و قد يكون هناك أخطاء طباعية غفل عنها الناشر و هي السبب في هذا كله .
بطلة الرواية هي ناتالي الجميلة ، تبدأ الرواية و هي في العشرين ، تتعرف مصادفةً إلى فرانسوا الذي ينجح في إضحاكها ، فرانسوا الذي يكبرها بالعمر يبدأ معها قصة عشق ( نعرف لاحقاً أنها و فرانسوا من ليزيو و لم يلتقيا هناك ) . تتوج قصة العشق بزواجٍ سعيد يستمر سبع سنواتٍ بلا أطفال ، لتنتهي القصة بمقتل فرانسوا بحادث دهس . ناتالي تغلق قلبها لثلاث سنوات ، مديرها في الشركة السويدية التي تعمل بها اسمه شارل ، متزوجٌ و معجبٌ بناتالي منذ زمنٍ طويل ، تصدّه عنها و تتجه نحو شخصيةٍ غريبةٍ ، موظفٌ سويدي مغمور اسمه ماركوس . تقبله فجأة و تبدأ الحكاية . غرامٌ و أخذٌ و جذب و حزنٌ و غرابة . و تحت ضغط شارل و محاولته التفريق بينهما ، يتركان العمل سويةً ، لتنتهي بهما الرواية في بيت جدتها مادلين ، لتبدأ قصتهما الحقيقية عندما تفتح ناتالي عينيها .
الرواية تشبه نوعاً أساطير الطفولة بمزاجٍ فرنسيٍ حديث ، الأميرة ناتالي التي لا تخون ، الجميلة النقية المرغوبة من الجميع . العملاق الأبله ماركوس الذي يتعثر بقبلةٍ وليدة اللحظة ، فيحقق الحب الكامل لأنه صافي القلب و خيّر و الطيبون يفوزون دوماً . الشرير شارل يحاول التفريق بينهما ، و يحاول استغلال ناتالي فتصده و يلكمه ماركوس . كلوئه النمامة ناشرة الإشاعات . تحقيق الحب الرائع من خلال التضحية و إعادة اكتشاف الذات من خلال العودة إلى البراءة و الطفولة في بيت الجدة و لكن بولادة ايروسية جديدة ، عندما تتفح عينا ناتالي من جديد و تخرج من شرنقة الحزن . الإيحاءات و الإحالات التي تربط الأحداث و تعطي روحاً للتفاصيل مع أضافة لمسةٍ سخية ٍ لتقنية تقديم الرواية للقارئ . و لا ننس روح فونكينوس الساخرة و دقة الملاحظة بين السطور تضفي همسةً ناعمة لقصة الحب و الموت ثم العشق .
إذن كيف تبدو شبكة العلاقات في المدينة ؟ معقدة ! ربما . لكن للقدر و الزمن سيف الحسم ، إذ كيف يبدو حادث موت فرانسوا معقداً و بسيطاً هكذا ؟ فرانسوا يذهب للتريض ، زوجته جالسة في مكانها تقرأ ، لم تقبله ، لم تقل له وداعاً ، بل تركته يذهب ، و هو ما ستندم عليه لاحقاً ، و لكن كيف لها أن تعلم ؟ . شارلوت بائعة الزهور، التي سلمها جان ميشيل - بعد أن اضطر للذهاب لزيارة جده في المستشفى - مهمة تسليم الأزهار لخطيبة الزبون ؛ في إشارةٍ إلى عيد ميلاد لقائهما و طلباً للزواج . شارلوت التي دهست فرانسوا بالسيارة ، دمّرها الحادث نفسياً و عطّلها عن العمل ، و أفسد زواج الزبون عدم وصول الباقة في موعدها ( في تهكم على محبي الإشارات SIGNS في العلاقات و الحب. توصل الباقة لخطيبة الزبون في محاولة لاستعادة اللحظة الهاربة و ايحاءً باستمرار الحياة ، و تضع ورداً على باب بيت ناتالي لتواسيها .
هذه شبكة العلاقات و القدر ، الحب و الصدفة ، المدينة الكبيرة باريس ، و المدينة الصغيرة ليزيو مدينة ناتالي و فرانسوا ، و أيضاً أوبسالا مدينة ماركوس في السويد . كل شيء يبدو هادئاً خلف تلك القبلة التي غيرت كل شيء . و قبل ذلك الموت .
اقتباسات من الرواية :
صفحة 82 "فكرة لفيلسوف بولوني *** هنالك أناس رائعون نلتقيهم في الوقت الخطأ و هنالك أناس هم رائعون لأننا نلتقيهم في الوقت المناسب"
صفحة 68 "نهضت و أخذت تمشي ، ذهاباً و مجيئاً في مكتبها ، و يداها على وركيها ، و بسبب الموكيت لم يسمع أحدٌ صوت كعبيها المدببين ، الموكيت، هو قتلٌ للشهوانية ، و لكن من ذا الذي ابتكر الموكيت ؟"
صفحة 70 "ابتكار الموكيت يبدو من الصعوبة بمكان أن تعرف من الذي ابتكر الموكيت ، فحسب معجم لاروس ، فإن الموكيت ليس سوى (سجادةٍ تباع بالمتر)، و هذا التعبير يبرر الطبيعة البائسة لوجوده.
صفحة 80 " قرأت ناتالي البؤس في نظرة ماركوس ، فبعد آخر مقابلة بينهما ، مضى بكل هدوء ، من دون أن يثير ضجة ، و لما كانت بسيطةً مثل فاصلةٍ منقوطة في روايةٍ من ثمانمائة صفحة ، لم تكن تستطيع التخلي عنه هكذا ."
#أسامة_تيسير_قفاف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القضاء العراقي يوقف عرض مسلسل -عالم الست وهيبة- المثير للجدل
...
-
“اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش
...
-
كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
-
التهافت على الضلال
-
-أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق
...
-
الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في
...
-
جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا
...
-
مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين
...
-
-أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق
...
-
شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ
...
المزيد.....
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
-
الهجرة إلى الجحيم. رواية
/ محمود شاهين
المزيد.....
|