أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نادية خلوف - ولدن وفي أيديهن مكنسة














المزيد.....

ولدن وفي أيديهن مكنسة


نادية خلوف
(Nadia Khaloof)


الحوار المتمدن-العدد: 5740 - 2017 / 12 / 27 - 14:53
المحور: المجتمع المدني
    


نحنّ إلى الأعياد في أمكنة بعيدة فارقناها ربما طوعاً، وبعضنا يقول أنّه فارقها قسراً، وهذا الكلام يذّكرني بحقوقيّ مصري كان يعمل معي في الإمارات في نفس المكتب، وكان يقول عن نفسه دكتور بصوت عريض وملء فمه، وعندما استلم مرسي الحكم، قال لي:"هم هيسلموني وزارة" وقفت وصافحته. قلت له مبروك، وبينما كان المحامون يخفون ابتسامتهم. قال لي: بتتريقي عليّ يا أستاذه؟ "أهو أنا من المية وخمسين شخصية مصرية فاعلة، ومغيّبة قسراً"
لم أعد أعرف أخباره، كل ما أعرفه أن السيسي محتاجه من أجل محاربة الإرهاب ، والإسلاميين. "حسب ما يقول أصدقاؤه الذين هم أصدقائي" وأنا مقتنعة بأنّه سوف يصل يوماً لمكان هام، صحيح هو بلطجي، لكنّه يجيد تسويق نفسه، ودعس الآخرين، وقد أتيت بذكره عرضاً لأتحدّث عن المغيبين قسراً في السجون، وليس من رحلوا طوعاً سواء كانوا خائفين من الموت، أو يسعون لمستقبلهم، وأنا من المهاجرين طوعاً فلم أشعر يوماً أنني أشعر بالاستقرار، وكنت أبحث عن الحياة، فأنا لا أؤمن بالموت من أجل أي هدف، لكن هذا لا يعني أن الحياة كانت فارغة تماماً ، فلنا ذكريات بعضها ربما جميل، ومن تلك الذكريات طقوس الأعياد.
كان منيرو بائعاً متجوّلاً يبيع على عربته، وله محطة يقف بها على زاوية بيتي في القامشلي ويعرف الناس انه وصل عندما يصرخ " ص، ولبن، وقاطيرو" وهو اسم اللبن بالعربية والكردية، والسريانيّة. تكون النساء مستعدات للشراء حيث هنّ من يشرف على إطعام الأسرة، ولم أر الرّجال يحملون أكياس الطعام. كأنّ الأمر لم يكن يناسبهم.
ذات مرة ، وفي اليوم الذي قبل الميلاد أتى منيرو، واجتمعت النسوة حول العربية، ولم يكن لي مكان ، جلست على درج بيتنا أنتظر أن يوجد شاغر لي، وكنت أستمع للحديث، قالت له جارتي: غداً هو العيد، ويجب أن أعمل التبولة، علي أن أعمل المازة من أجل جورج. هو يحب المازة الجيدة قرب العرق. استغربت لماذا تشرح له لكنّني لم أعقب. أجابها:" أختي خدي الخضرة كلها ببلاش منشان أخي جورج ينبسط"
كانت تلبس ثياب الشّغل، وبيدها مكنسة جلست قربي على الدرج وقالت إنني متعبة قلت لها: إنّ تنظيف الشارع عمل صعب. لا تنظفيه. استغربت كلامي، وقالت: " يعيبون علينا لو كان أمام بيتنا وسخ"
وقد تعلّمت منها فيما بعد فأصبحت أنظف أمام بيتي.
تكافح النساء على مدى شهر قبل يوم الميلاد في التحضير لهذا اليوم الهام، وتنتهي السهرة، فتعمل عدة أيام في لملمة آثار العيد، لكنه راضية عن إسعاد عائلتهتا يتحضَر الرجال في اليوم التالي للمعايدات، وربما بشكل عائلي أحياناً، لكن عيد النسوان يستمرّ بعد العيد، وإلى أن ينتهين من التنظيف مرة أخرى خلف الزوار، وفي مرة كنت أذهب في الصّباح إلى المكتب بعد رأس السنة رأيتها تنظّف أمام البيت. سألتها مازحة: هل أنت هنا منذ عشيّة الميلاد؟ أجابتني: " يا جارة. نحن النسوان. خلقنا وبأيدينا المكنسة، وبخاصة جماعتنا. على المرأة أن تلف زوجها بالقطن، وتهزّ له"
ماذا قالت للتو؟ اعتقدت لفترة طويلة أنها لا تعرف أمراً عن معاناتها، ونظرت لنفسي بعين امعاتب. جميع البشر أذكياء.
وترحل جارتي في إحدى الأيام إلى ألمانيا، ولم تعلمني عن رحيلها كي لا تفشل رحلتها، في تلك الأثناء كانت الهجرة مقتصرة على السّريان، وبعض الأكراد، ولم أكن أعرف معنى الهجرة، فقط أبكي البيوت الفارغة، وعندما التقيت ببعضهم في السويد رأيتهم يحتفظون بعاداتهم، وعلاقاتهم بدا عليهم الرّفاه، ورغد العيش.
تلك الذكريات قد نراها اليوم دافئة، لكنّها كانت قاسية، كنت أستغرب مثلاً عندما تلف جارتي ورق العنب، أو تقطّع البطاطا للقلي تقول لي: يجب أن تكون ناعمة كعيدان الكبريت، أما هنا في السويد، فربما تقوم بالعمل كنوع من الفانتازيا وليست مرغمة على القيام بذلك كي يرضى عنها الضيوف، ومع هذا فهم يحبون القامشلي ويعتبرونها وطنهم الأساسي.
كنّا نحتفل بالميلاد كعائلة ، وكوننا لا ننتمي إلى المجموعة، ومن الصعب أن نشارك مهرجاناتها، أكثر ما هناك أن نذهب في المساء إلى المطعم، وقد يكون هناك حفلة.
هذا السّرد حول الحياة قد يشعرك بالدّفء، وكان الدفء ربما لا يشمل النساء، فهنّ مسخرّات لإسعاد العائلة في عيد الميلاد، وكلّ ما نتحدّث عنه لا يشمل الأغنياء ، حيث الخدم، والحواشي الذين يتبرعون بالعمل.
لم تكن الحياة جميلة . كانت رماديّة دون ألوان ، ولم يكن فيها ذلك الدفء الذي نتحدّث عنه عندما نستحضر اسم الوطن. كانت الحياة باهتة إلا إذا كنت تنتمي لمجموعة دينيّة-غير مسلمة-فلم يكن عند المسلمين تلك المناسبات عدا الأعياد الدينية، والتي تفتقد إلى العلاقات الجماعية، وحتى العائلية في المرحلة الأخيرة.
كانت الحياة ضيّقة على الأطفال والشّباب، فهم أمام خيارين: الشبيبة، أو الكنيسة حيث كانت نشاطاتها تلبي طموح الشّاب في إيجاد مخرج ما في رحلة، أو تخييم، أو مسير، وكذلك الأحزاب لها نشاطاتها، كانت الكنيسة هي مخرج للحياة العائلية وليست فقط للعبادة، وقد شارك أولادي في بعض النشاطات الرّياضية التابعة للكنيسة، وحتى ابني درس في مدرسة الاتحاد الخاصة للأرمن.
سمعت أن عيد الميلاد كان حزيناً في القامشلي هذا العام، ولا يحمل مظاهر تلك السنوات السابقة، وتمنيت أن يكون من عرفتهم بخير، فهناك الكثير ممن لا يرغبون في مغادرة بيوتهم والهجرة إلى أيّ مكان، لكن أغلبهم ليسوا من الشباب.
عندما سكنت في القامشلي كانت مدينة مميّزة، ثم تراجعت على جميع المستويات، وربما أكثر من باقي مناطق سورية، ولا أعرف كيف هي اليوم، ولا شكّ أنني سوف أزورها يوماً لأستعيد بعض لحظات ربما كانت سعيدة.



#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هويات نفتقدها
- حان الوقت كي نضع نهاية لتقديس عيد الميلاد مرة واحدة وإلى الأ ...
- عندما عرفت حلب عن قرب
- الأشياء التي تلمع
- الحبّ في قصص الحبّ
- سهرة مع الذّكريات
- بيع الجسد، أم بيع العقل
- حكاية قلب حزين
- الرّجل الذي حاز على كراهية العالم
- كان وطني نخلة
- الحقيقة أغرب من المنام
- لم تصل مي تو إلى هنا
- من أجل سلامتي
- هادي فريد: راجع ضميرك - وقم بإضاءة شمعة ضد معاداة اليهودية
- من أنا يازمن؟
- سلام رجل
- مترجم لغات. . .يجيد ترجمة لغة الكلاب
- محاصرة في جبل الكريستال
- الانتهازية من بين قيمنا المجتمعيّة
- لماذا يكون للقارة القطبية الجنوبية البعيدة دور مهم جدا في تس ...


المزيد.....




- الرياض -تأسف- لعدم قبول عضوية فلسطينية كاملة في الأمم المتحد ...
- السعودية تعلق على تداعيات الفيتو الأمريكي بشأن عضوية فلسطين ...
- فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي ...
- حماس تحذّر من مساع -خبيثة- لاستبدال الأونروا
- الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المت ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- بيان رسمي مصري عن توقيت حرج بعد الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلس ...
- مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة: عدم تبني قرار عضوية ف ...
- الأردن يعرب عن أسفه الشديد لفشل مجلس الأمن في تبني قرار قبول ...
- انتقاد فلسطيني لفيتو واشنطن ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نادية خلوف - ولدن وفي أيديهن مكنسة