أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - ثنائية الحب والجنون (رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح2















المزيد.....

ثنائية الحب والجنون (رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح2


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5739 - 2017 / 12 / 26 - 22:44
المحور: الادب والفن
    


حملت مريم ما كان في البيت من مستلزمات وطرحتها أمام الباب في حين تولى صاحب الستوته نقلها إلى أول الدربونة والليل ما زال لم يغادرهم، ذهبت لتركب مع عفشها وبقي الشيخ يقفل الأبواب ويتطلع في كل مرة للشارع خوفا من وجود من يمر، أخيرا سحب رزاق بهدوء وأخرجه ليرميه على باب دارهم ، يلتفت يمينا وشمالا لا أحد هناك لا أحد يرى، عدل هندامه وركس العمامة الكبيرة التي غطت بحجمها كامل رأسه وأعاد ترتيب هندامه ومضى ليلتحق بمريم.
حين وصل دار أبو عباس الملاصقة لمحله كاد يطرق الباب حتى خرج منها الرجل وهو يستغفر ويحوقل وسلمه المفتاح وطلب منه براءة الذمة كما يفعل الجميع، قطع خطوتين ثم عاد ليسأل أبو عباس عن شاب مرمي في أخر الدربونه، قال له يظن أنه أما سكرانا وأما مريض فهو لا يتحرك ولعله غريب، فأندهش الرجل وسأله (أين) قال بالقرب من الدار التي تركها، هرع أبو عباس ليستكشف الوضع فيما ذهب الشيخ صوب (الستوتة).
أمتلأت الدربونة على صياح النسوة وفز الرجال والشباب من نومهم ليشاهدوا كريم وهو أشبه بالجثة الملقية على باب الدار، حاول البعض أن يتصل بالشرطة أو الأسعاف لكن العجوز جدته حاولت منعهم خوفا من القادم، أدخله بعض الشباب إلى داخل الدار فيما هرغت عمته للمطبح لتعد له شيئا ساخنا فشفتاه المتورمة من أثر الركل والضرب توحي أنه لم يأكل شيئا من مدة، تجمعت نسوة الجيران فيما خرج الرجال والشباب أمام محل أبو عباس وكلا منهم يدلي بدلوه في تفسير المشهد وخلفياته، لم يظن أحد أن رزاق الذي لا يؤذي نمله في طريقه قد أرتكب شيئا يستوجب كل هذا العذاب.
أم جبار أو الحجية نجية من أقدم الملالي في المنطقة والتي أخبرت جدته يوم أمس أنه قريب جدا وسيعود ولا خوف عليه، حضرت المشهد وقرأت على رأسه آيات من القرآن الكريم، إنها المرأة المباركة التي يلجأ لها الجميع لتتفائل لهم بصفحات القرآن عما سيكون، بعد أن أسقته عمته قليلا من الحساء الدافئ عاد شيئا من النشاط لجسده وبدأ يفتح عينيه ببط يتكلم بكلمات غير مفهومة ولا مترابطة، أنه يهذي من حالة الحمى التي أصابته، ما كان من الحاجة نجية إلا أن تطلب ممن حضر أن ينادوا على أبو مهدي المضمد ليزرقه أبرة ضد الحمى، هكذا بدأ صباح الجميع وهكذا عاد الأمل من جديد لبيت بدأ وكأنه لوقت مر مجرد مناحة دائمة تذكر العائلة بمأسي قديمة حيت توفي الآب في ظرف غامض.
ما أن أنتصف النها حتى عاد رزاق من غيبوبته ليسأل الجميع بكلمة واحدة (ليش) ويكررها حتى ظنت الجدة أن شيئا ما قد تلبس جسد وحيدها، أسرعت عمته التي يناديها كما تعلم أمي لتحتضنه بحنو وحنان الأمر فيرفضها ويدفع بجسده عنها، كان الأمر أكثر غرابة ووحشية فهي من تولت تربيته مذ كان طفلا في الثالثة من العمر وها هو يبلغ الثامنة عشر فلا بد أن شيئا ما قد حدث حتى ينكر تلك الأمومة النادرة التي منحته إياه، بكاء العمة والجدة لم يجلب إلا المزيد من الصراخ في وجههن حتى تحول هذا الضجيج إلى نوبة هستريا أفقدته ما كسب من قوة لينهار مرة أخرى ويفقد وعيه نائما على أرضية الدار.
بقي رزاق على هذا الحال لأيام عدة بين أن يفيق ليصرخ أو تأخذه الغيبوبة بالرغم من زيارة الطبيب له لأكثر من مرة، لقد خفت حالات الهوس والنوبة الأنفعالية، لكنها لم تختفي كما أختفى من وعيه التركيز وتذكر الأشياء، أنعزل في غرفة صغيرة في أكثر الأحيان يتركها مظلمة وينزعج بشدة من أشعال أي نور أو أضاءة، لم يعد رزاق ذلك الفتى الدمث الطيب، صار يضرب عمته ويهم أن يضرب جدته لو حاولت أن تمنعه من الجلوس الطويل في الظلام.
إنها اللعنة التي حلت على الروح الطاهرة حتى لم يعد يتذكر الأكل أو الجوع أو حتى لا يهتم بتغيير ملابسه، منذ أن ظهر أمام الدار لم تتغير ثيابه إلا مرة واحدة، حزن لا يشبهه أي حزن ساد البيت وحل عليه القهر ورزاق أشبه بالمجنون الذي لا يعرف عنه غير الصراخ وأحيانا البكاء، لم تنفعه كل ما فعلت الحجية نجية من تعاويذ وبخور وقراءات، أنه خارج الوجود تماما لا يعي ما حوله ولا يدرك أنه تحول إلى كائن أخر يحمل الأسم وترك كل شيء خلفه إنه الآن رزاق المخبل.



((2))
مرت سنة كاملة منذ أن غادر الشيخ عناد المنطقة ولكنه ما زال بين الحين والحين يتردد على أبو عباس يجلس قليلا أمام القالية يسأل عن جيرانه الذين كانوا، يمر رزاق المخبل أحيانا من أمامه وجوقة الأطفال كعادتها تلاحقه فينشرح صدره ويتذكر تلك الساعة التي أفلتت كل جنونه من عقالها، ....
_ أبو عباس هذا الشاب منذ متى كان هكذا يدور في الشوارع لا يعي ما يفعل؟....
_شيخنا الله لا يسامح الذي كان السبب إنه من خيرة أولاد المنطقة ولكن يد الحرام هي من أفسدت حياته.
_ لا أرجوك ليس هذا هو الكلام الصحيح فلا أحد يسلب عقل أخر ما لم يكن مذنبا بشيء أنته أنتقام الرب منه.
_ولكن يا شيخنا لم هذا من دون الناس فقد كان طيبا وهادئا ولا يؤذي نملة.
_ أنت أعلم أم الله فقد لا تدري ما فعل هو أو غيره، الله لا يغير بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
_ الله أعلم ولكن ما نعرفه عنه أنه كان طيبا فقد كان أبوه صديقي وجده كان صديق وجار قديم ونحن نعلم أن هذا البيت لم يخرج منه سوء.
_نعم الله أعلم ...
استأذن من الرجل وذهب وفي نفسه حديث لكنه يعلم أن أفشاء الأسرار قد يقلب الأمور ضده، محتفظا برباطة جأشه ليذهب إلى مريم يحكي لها قصة رزاق المخبل الذي يدور في الشوارع وكأنه قطعة من ممسحة أرض قذرة، كانت تجابهه أحيانا بدموع على خديها لعلها تغسل بها بعضا من الذنب الذي صنعته بيدها، فينهال عليها بكلام بذى لا أول ولا أخر له، لقد تعودت على تلك اللغة السوقية وهي التي تركت بلدها ورافقته ليكون لها الزوج الحنون بتقواه وما كانت تظنه من أنه ملاك يمشي على الأرض.
عرفت صباح الفتاة الجنوبية ذات الأصول الدينية الشيخ عناد في سوريا قبل ثلاث سنوات مقيمة لأغراض الدراسة، وقبلت به زوجا متشاركا وهي تعلم أنه متزوج واحدة، فقد كانت زوجته الأخرى سورية لم تمانع أصلا في زواجها منه وهي من كانت السبب بمعرفتها به، وحينما عاد الجميع للعراق بعد عام 2005 تفاجأت الزوجتان أن للشيخ عناد زوجة ثالثة تركها قبل أن يهرب لأيران منذ سنوات، الزوجة الأولى بنت عمه ولها منه ولد أصبح الأن شابا في مقتبل العمر لم تجمعهم سوى أيام متباعدة كلما سنحت الفرصة له للسفر إلى سوريا.
رضي الجميع بالواقع وأستسلموا له على أنه سنة دينية ولا عار أو مثلبة طالما أنها جرت في أطارها الطبيعي، عاشت صباح وتقية الزوجة الأولى ورقية السورية في بيت واحد على قاعدة العدل ورضين بالحال بالرغم من المشاكل التي تثيرها تقية بين فترة وأخرى، لكنها لا تريد أن تفرط به بعد صبر سنين وخوفا من أن يأخذ منها أبنها، وهو لا يفرط بها لأنها تملك الكثير من الأسرار التي تطيح به في لحظة، إنها معادلة توازن بين المصلحة والخوف بين الأثنين، بقي الإثنان كل منهم يرصد الأخر ويتحين فرصة الإيقاع بالخصم ليضعه في موقف الضعيف ليحصل على ميزة، الشيخ يتحاذر من أي نقطة ضعف وهي في كل مرة تجره على الحافة لتمتع على ضرائرها بأنها المعززة المكرمة.... كل يضحك على الأخر.
هي تعلم تأريخه وتعلم أن الماضي وإن ذهب لا يشفع له لو تم نبشه من جديد أو كشف عنه غطاء الستر، وتعلم جيدا كل تلك الحكايات والقصص التي تزكم الأنوف حينما كان حلاقا قبل أن يلتحق بالدراسة الدينية بعد هروبه قبل سقوط النظام السابق بسنتين، حيث أتهمته أحداهن بالأعتداء عليها كانت فضيحة من طراز خاص، وحده الهرب من القضاء ومن مطالبة ذويها كان عنوانا للسماح له بدخول إيران وأنخراطه بالدرس الديني، فهو فضلا عن كونه حلاقا كان يملك صوتا جميلا في الأداء ساعده أن يكون قارئا دينيا أيضا، هكذا تحول وخلال سنوات قليلة من متهم سيء السمعة إلى واعظ يحظى بالتقدير والأحترام تحت غطاء التوبة.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثنائية الحب والجنون (رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح1
- إشكالية التابع والمتبوع في الواقع العربي والإسلامي وأثرها عل ...
- تحرير المرأة هدف لتحرير الإنسان
- من أغاني الفجر
- الوعي وإشكاليات المعرفة
- لعنات يومية في مذكرات شعب
- علم الأجتماع والنظرية الأجتماعية ودورها في التطور والتحديث ا ...
- أغنية السلام
- نظريات تعدد الأكوان
- المادة ومن أوجدها؟ ح7_1
- المادة ومن أوجدها؟ ح7_2
- المادة ومن أوجدها؟ ح6
- المادة ومن أوجدها؟ ح5
- المادة ومن أوجدها؟ ح4
- المادة ومن أوجدها؟ ح3
- المادة ومن أوجدها؟ ح1
- المادة ومن أوجدها؟ ح2
- الأصل في فكرة العلمانية
- الإسلام دين للإنسان وليس دولة ولا سلطان
- الرب إذا أحب


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - ثنائية الحب والجنون (رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح2