أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - نائل الطوخي - عن إنكار الهولوكست.. القيم الغربية , إذا كان هناك ما يسمى بالقيم الغربية, تنهار















المزيد.....

عن إنكار الهولوكست.. القيم الغربية , إذا كان هناك ما يسمى بالقيم الغربية, تنهار


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1475 - 2006 / 2 / 28 - 10:32
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


تتوالى ردود الأفعال العالمية على حكم المحكمة النمساوية بحبس المؤرخ البريطاني ديفيد إيرفينج و الذي كان قد شكك في عام 89 في إصدار هتلر أوامره بالإبادة الجماعية لليهود. ما يلفت النظر هنا ليس فقط حماقة إنكار الهولوكست, و التي لن تفيد إلا مجموعة يمينية من النازيين الجدد يروجون للتفوق العنصري الغربي الذي يأتي على رأسه الجنس الألماني, و يكرهون كل المختلفين, عربا و يهودا وسودا, و لكن أيضا الحماقة المقابلة, حماقة حبس كاتب بسبب رأي عبر عنه منذ سبعة عشر عاما, الهوس العالمي بتجريم من يشكك في الهولوكست و الذي يقابله البرود اللا متناهي لحجة حرية التعبير إزاء نشر الصور التي تسيء للرسول. يأتي الجدل من إسرائيل حول الحكم بحبس المؤرخ ديفيد إيرفينج مستعرا بشكل خاص, فبوصف إسرائيل هي وريثة اليهود في العالم, كما تحب تصوير نفسها بغض النظر عن مدى هشاشة هذه الصورة, فإنها تصبح المدافع الأول عن الذكرى المقدسة للهولوكست. هنا يكتب الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي في صحيفة هاآرتس مقالا يحلل فيه هذا النفاق و استغلال إسرائيل له. و كالعادة, و لأن مقالته حملت عنوانا مثيرا يدافع عن المؤرخ البريطاني "لا تحبسوا إيرفينج" فقد أثار ردود أفعال كثيرة للغاية, تراوحت ما بين السباب المقذع و الإعجاب و القليل من النقاش العقلاني لمقالة لا تسلم هي الأخرى من بذور الأيدولوجيا الصهيونية. يقول جدعون ليفي:
***
"الكلمات لا تقتل, لذا ليس هناك من قول يمكن بسببه دفع الإنسان للسجن. أساس حرية التعبير مطلق, حتى عندما يتعلق الأمر بشيء حقير و مثير للسخرية مثل إنكار الهولوكست, من يبدأ بالتشكيك في هذا المبدأ لن يعرف أين يتوقف, هل إنكار الهولوكست اليهودي يستحق العقاب و إنكار الهولوكست الأرمني على يد تركيا لا. و لماذا لا؟ ألأن هناك أبيد فقط "مليون و نص المليون" شخصا؟
و ماذا عن التجاهل العالمي, العنصري, لمقتل مليون من أبناء التوتسي في رواندي أو عن القتل الجماعي لأربعة ملايين في الكونغو؟ العالم يتجاهل هذه الهولوكستات, حتى إذا كان لا ينكر وجودها بصراحة, و لم يفكر أحد في معاقبة شخص ما بسبب هذا التجاهل المستفز. الرسوم الكاريكاتيرية الدانماركية, و التي مست ملايين الأشخاص, ألا تستحق العقاب؟ و كذلك إنكار الأعمال الإجرامية لإسرائيل في الأراضي المحتلة, حتى و إن كان لا يمكن مقارنتها, بالطبع, بأي هولوكست. كان لليهود هولوكست, و كان هو الجريمة الأكثر إخافة في تاريخ القرن العشرين, ليس من شبيه له في شيطانيته, و من يتجرأ على إنكاره يستحق الإدانة, العزل و المقاطعة, حتى الطرد – و لكن بأي حال ليس الحبس.
ألقى المؤرخ البريطاني ديفيد إيرفينج محاضرتين هامشيتين في النمسا في عام 1989. قال في نوفمبر ل300 مستمعا احتشدوا في القاعة في مدينة لوبان المجهولة أن هتلر لم يأمر أبدا بإبادة اليهود. في حجرة خلفية بعد ذلك بأيام ادعى أن "أوشفيتز كانت أكذوبة". ينبغي تجاهل هذه الطرفة الشيطانية, الساخرة, الصادمة, المسرنمة, الجادة بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالآذان النمساوية- و لكنها لا تستحق الحبس. في مؤتمر دولي في بريسل سمعت لأسابيع بعضا من مريدي النظريات عن الارتباط المزعوم بين الموساد و انفجار برجي مركز التجارة العالمي. و عندئذ؟ هل ينبغي حبس هؤلاء الأناس المجانين بسبب كلماتهم؟ هل سيتوقف إيرفينج و مريديه عن الإيمان بنظريته لأنه تم الدفع به إلى السجن؟ حبس إيرفينج لن يؤدي إلى توقف الموجة المظلمة – و يمكنني أن أقول: الهامشية – من إنكار الهولوكست, في العصر الذي تحظى به ذكرى الهولوكست باعتراف غير مسبوق. في الولايات المتحدة, و التي يتم فيها تقديس حرية التعبير و لذا فليس بها أي قانون ضد إنكار الهولوكست, يتزايد الانشغال بهذا الموضوع. ليس هناك تقريبا من مدينة هامة بدون متحف عن الهولوكست.
هنا يتم طرح السؤال عن السبب الذي من أجله يهم إسرائيل جدا لهذا الدرجة مطاردة منكري الهولوكست, إذ يتعلق الأمر بمجموعة صغيرة جدا, في العالم الذي يحترم أكثر و أكثر ذكرى الهولوكست. هل يهتز اليقين في عدالتنا؟ حق إسرائيل في الوجود, كنتيجة للهولكوست, أقوى من كل منكريها, بمن فيهم رئيس إيران. يتسلل الشك أنه هنا بالتحديد لم نتعلم درسا هاما: لا يجب على إسرائيل أن تحاول استخلاص أرباح تافهة من ذكرى الهولوكست و لا ينبغي أن تعاود استغلالها لأجل إثارة المشاعر, كما فعلت على مدار السنوات. لإسرائيل الحق و الواجب في قيادة الصراع العالمي ضد العنصرية و معاداة السامية, و لكن عليها أن تحترس من أي تلاعب بروح الكلمات المخيفة لجولدا ميئير: "بعد الهولوكست, مسموح لليهود أن يفعلوا أي شيء".
بدلا من محاربة منكري الهولوكست, من الأفضل بالنسبة لنا أن نركز على استخلاص الدروس الصحيحة منها. أحد الدروس هي أن العنصرية هي عنصرية, سواء توجهت تجاه يهود و تم التعبير عنها في الإبادة المنهجية أو توجهت ضد فلسطينيين و تم التعبير عنها في حبسهم القاسي في تجمعاتهم, خلف الأسوار و الجدران. تجاهل هذا الدرس هو نوع معين من الإنكار, يمكن لانعكاساته أن تكون أكثر قسوة من محاضرة أخرى لإيرفينج."
***
في هذا المقال كما هو ملاحظ لا يكون ليفي جذريا بما فيه الكفاية, و أحيانا لا يكون جذريا أبدا. يقول هو: " و من يتجرأ على إنكاره – يعني الهولوكست - يستحق الإدانة, العزل و المقاطعة, حتى الطرد, و لكن بأي حال ليس الحبس." هنا لا يعارض الكاتب عقاب باحث على رأي أدلى به و إنما على نوع العقاب, و هو ما يشكل ردا هزليا على النزعة الأصولية المنادية بتجريم الرأي المخالف أيا كان, تثير هذه المساومة السخرية, حيث يمكن بسهولة جدا استغلالها في الاتجاه الآخر, الأكثر عنصرية بكثير. يقول قارئ في ملاحظة ساخرة على هذه الجملة: "وفقا لجدعون ليفي ف56% من الفلسطينيين الذين اختاروا حماس, و التي تنكر حق إسرائيل في الوجود, يجب أن يطردوا." هذه هي خطورة مغازلة الجمهور, إبقاء العقاب على حرية التعبير كما هو مع تخفيف درجته فقط. يقرر القارئ طرد الفلسطينيين من أرضهم لأنهم انتخبوا من ينكرون وجود إسرائيل. و كأن إنكار, أي نفي حدوث, حدث تاريخي كالهولوكست مشابه لإنكار, أي عدم الاعتراف بشرعية, دولة قامت على ذلك المزيج الطريف بين الاستعمار و العنصرية.
غير أن الأكثر هشاشة من كل شيء في المقال هو دفاع الكاتب المطلق عن إسرائيل, إسباغه البداهة شبه الأسطورية عليها, و كأنها العنقاء التي تولد من رحم رماد المحارق و الإبادة. يقول: " حق إسرائيل في الوجود, كنتيجة للهولكوست, أقوى من كل منكريها, بمن فيهم رئيس إيران.", تأملوا: هنا يتم ربط إسرائيل بالهولوكست, و هو الربط التقليدي و الهادف لإثارة عطف العالم ليس على اليهود و إنما على ظاهرة سياسية و هي دولة إسرائيل, التي كانت قد دعت إلى إقامتها الصهيونية قبل الهولوكست بما يقرب من خمسين عاما, كما بدأت الهجرات الصهيونية لإسرائيل قبل الهولوكست منذ بداية القرن, أي قبل الحرب العالمية الثانية بعقود. يلاحظ هذا قارئ آخر فيقول ردا على جدعون ليفي: "الهولوكست حدث, و التأكيد عليه أو إنكار أمم العالم لن يغير الحقائق.. دولة إسرائيل بصراحة ليست وارثة تراث الهولوكست و هي نمت هذا الهاجس الهولوكستي كمجرد حجة سياسية. لذا يبدو أن الهاجس الإسرائيلي عن موضوع الهولوكست مصاب بعدم احترام الذات الواضح, و هو الأمر المميز للشعب اليهودي في العالم, لأن شعب إسرائيل لا يحتاج لتصديق العالم أو إنكاره لوجود الهولوكست."
في نفس الوقت لفت نظر القراء محاولة تعرية النفاق التي قام بها جدعون ليفي في مقاله بين إنكار مذابح الأرمن و إنكار الهولوكست, فحاول أحدهم تبريرها قائلا: " تجاهل العالم لمقتل الأرمن هو تجاهل سياسي. تجاهل العالم لمقتل أبناء التوتسي هو تجاهل عنصري. و لكن إنكار الهولوكست ليس عنصريا أو سياسيا. إنه شامل "ثقافي و فلسفي" حيث إن الإنسان الأبيض المثقف لا يقف أمام السود و البدائيين. في إنكار الهولوكست تتحارب قوتان تشكلان نفس الثقافة الغربية و بهذا المفهوم فهو جوهري و وجودي بمفهوم الخير و الشر." أي أنه سواء إنكار الهولوكست أو تأكيده يأتيان من عمق الحضارة الغربية. هذا يسهم قليلا في تخفيف صورة وحدة الغرب التي تحاول إسرائيل تأكيدها في خطوة أولى لربط نفسها به, فمثلما أن الحدث الأول, الحرب العالمية الثانية بهولوكستها الرهيب, قد دارت رحاها في الغرب الذي يأخذ في التعفن, فإن الحدث الثاني, الصراع بين من ينكرون الهولوكست و من يؤكدون حدوثه, يدور في عمق الغرب. و الغرب الواحد, المتماسك الذي تحب إسرائيل تصوره, هو الغرب الذي يتم دوما تخيل أنه جنة الديمقراطية و حقوق الإنسان و حرية التعبير, هو ذلك الذي ينهار الآن ليس فقط بفعل الصراع بين مبدأ حرية التعبير و مبدأ حبس "أو عزل أو طرد" ذوي الآراء المختلفة, إنما بسبب تسيد الفريق الثاني الساحة تحديدا, ذلك الذي تم التعبير عنه في حكم المحكمة المأساوي, و في الهوس المحموم, غير العقلاني, للتأكيد على حقيقة بسيطة لا تحتمل كل هذا التشنج المثير للسخرية.



#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على ضوء الرسوم الدانمركية: عفاريت العنصرية الإسرائيلية تنطلق ...
- عن عملي كتايبيست حقير.. عالم بلا حبر أو دم
- إسرائيل, الجيتو اليهودي المحاط بالرومان و النازيين و العرب
- سوق الكتاب الاسرائيلي.. شكوى من انخفاض النوزيع لعشرين الف نس ...
- في النقاش حول رسام الكاريكاتير الدانماركي: العقم المطلق لحري ...
- عن الأدب الموصوف بأنه عبري. عن الجامعات المصرية و الإسرائيلي ...
- لماذا لا أدلع نفسي؟ لماذا لا أكتب مقالا عني؟
- البورنو في آخر أخبار حالة شارون الصحية
- الأديب الإسرائيلي دافيد غروسمان يمزق الضمادات بين الهولوكست ...
- فيلم الجنة الآن للفلسطيني هاني أبو أسعد.. إزاحة الستار عن ال ...
- أن يصبح الجنود الإسرائيليين جنودنا, أبناءنا الوسيمين
- سؤال في هاآرتس: لماذا لا يكون المطرب محمد منير قد مجد الإرها ...
- حوار مع نائل الطوخي في السفير اللبنانية: كلمة السر عندي إربا ...
- تموت أمي فتحيا الكتابة
- كتاب إسرائيلي يرصد: تقاطع الذكورة و النزعة العسكرية الإسرائي ...
- مجلة ميتاعام الإسرائيلية.. التعاطف مع المعاناة الفلسطينية لم ...
- المسلمون و الأقباط.. من يملك الصوت المصري؟
- الطرف الأقصى للكابوس
- silence
- خفض إضاءة العالم


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - نائل الطوخي - عن إنكار الهولوكست.. القيم الغربية , إذا كان هناك ما يسمى بالقيم الغربية, تنهار