أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حمدى عبد العزيز - فراندة تيسير عثمان















المزيد.....

فراندة تيسير عثمان


حمدى عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 5735 - 2017 / 12 / 22 - 21:53
المحور: سيرة ذاتية
    


في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي كانت الڤ---راندا التي يلتف سورها حول بيت تيسير عثمان في قرية الغبشة تعج بفلاحي الإصلاح الزراعي وأفندية رشيد المتعلمين ..

وسواء كان تيسير عثمان موجودًا أو غير موجود فإن شريكة حياته ونضاله صديقة غازي ناظرة المدرسة الإبتدائية بالقرية لاتكف عن تقديم أكواب الشاي وكلمات الترحيب المقترنة بوجهها المبتسم الودود ..
ولايكف هيثم وميدو وناصر تيسير عثمان علي المرور بالتحية والترحيب بالجالسين .. والابتسام في وجوههم وسؤال من يعرفون عن أحوالهم ومن لايعرفون عن أسمائهم علي سبيل التعارف ..

كنت شاباً غادر لتوه مرحلة الصبا
وكنت متيماً بإبداعات تولستوي وتشيكوف ويوسف إدريس وعبد الوهاب البياتي ومحمود درويش
وذلك كان مدخلي للقراءة عن الإشتراكية وتأجج قناعاتي بها كمذهب إنساني يعالج أوجاع البشر ويخلصهم من إستغلال البشر للبشر ..
هكذا كانت قناعاتي في البداية
وهكذا كان التكوين
ورأيت أن الأنسب لي أن أنضم إلي حزب اليسار الذي كان هو حزب التجمع ..
هكذا كان الطريق إلي ڤ---راندة تيسير عثمان …

كان تيسير عثمان من أوائل المؤسسين لمنبر اليسار الذي أصبح تنظيم التجمع الوطني الوحدوي ثم أصبح حزب التجمع ..

كان طبيعياً أن يجمع عليه الأعضاء المؤسسون في مركز رشيد كأول أمين للجنة الحزب في رشيد ..
فهو محامي الفلاحين والفقراء الذي ضم أوراق ومستندات قضاياه التي يتولي الدفاع عنها في المحاكم وغالبيتها قضايا لصغار ملاك الأراضي الزراعية ومنتفعي الإصلاح الزراعي ومستأجرين وعمال زراعيين ، وذلك بحكم إقامته في قرية "الغبشة" المكتظة بمنتفعي الإصلاح الزراعي

، وكنت أنا قد أصبحت عضواً بلجنة محافظة البحيرة ممثلاً لشباب الحزب باعتباري أمين إتحاد الشباب التقدمي ..
، وفي نفس الوقت كنت عضواً في مكتب التنظيم بالمحافظة والذي كان يرأسه واحد من أفضل مواهب العمل التنظيمي في حزب التجمع وهو الصديق مجدي شرابيه …
فقد كنت أمارس نشاطي الحزبي في مسارين :
مسار البناء التنظيمي لجناح الشباب في الحزب مع رفاقي من لجنة الشباب ومن ثم قيادة نشاطه العام
، ومسار متابعة الأداء التنظيمي والسياسي للجان الحزب وهذا كان جزءاً من مهام مكتب التنظيم

، وهكذا كان أن عهد إلي بمتابعة لجنة الحزب برشيد وهي اللجنة التي كانت تنعقد في بيت تيسير عثمان الذي كان قد تحول إلي جزأين .. الڤ---راندا التي لاتخلو من المقاعد المكتظة بالأصدقاء والزملاء وضيوف تيسير وعملاء مكتبه والدردشات والمناقشات سواء علي الصعيد السياسي العام أو علي صعيد القضايا المجتمعية المحلية
والقاعة الداخلية الكبيرة التي تحتوي علي أنتريهات الجلوس ومائدة الطعام والتي تحولت إلي قاعة إجتماعات سياسية لأعضاء لجنة الحزب ، في حين تظل الڤ---راندة الممتدة بإلتفاف حول بيت تيسير ذو الطابقين علي أكتظاظها بغير أعضاء الإجتماع الذين ينتظرون انتهاء الإجتماع وخروج تسير إليهم لتبدأ دورة أخري من النقاش يقودها تيسير حول قضايا المجتمع المحلي في علاقتها بقضايا الوطن ومن ثم مايحدث في المنطقة العربية والعالم ، في حين ينصت كل من هيثم وناصر وميدو أولاد تيسير عثمان لتلك المناقشات بشغف شديد وإعجاب مستحق بقدرة تيسير ورفاقه الزائرين له من قيادات الحزب علي تحليل الأحداث وطرح الأفكار المعالجة لقصور الواقع وتناقضاته ومشاكلاته ..

عرفت في هذا الوقت تيسير كأنسان واقتربت منه وأصبحت فرداً من أفراد أسرته …
كانت ظروف الإستغراق في الإجتماعات تنتهي بي للمبيت عند تيسير عثمان وهذا بدوره يفضي إلي السهر والمناقشات في كل شئ ، لا أنسي أنني كنت في ليالي الشتاء كنت أجلس معه كواحد من أسرته هيثم وميدو وناصر ووالدتهم الرائعة المرحومة صديقه غازي رفيقة كفاحه وزميلتنا في الحزب بما كانت تمتلك من قلب فائض الحنو ويد فائضة الكرم ووجه متسامح ومبتسم دائماً ، لاأنسي دعوتها لي علي مائدة الطعام وتصميمها الذي لايمكن مقاومته وعزوماتها لنا أنا ومجدي شرابيه وعبد المجيد أحمد وعبد المجيد الدويل وسعد قنديل وعلي عبد الحفيظ ، هذه السيدة العظيمة التي كانت تحمل مقدرة فائقة علي إشاعة الدفء والبهجة علي الجميع ..

أذكر أنه ذات يوم من ليالي شتاء قرية الغبشة وإذا بتيسير عثمان الذي كان يجلس جانبي مرتدياً الروب ديشانبر والكوفية الصوف يدلف إلي حجرة جانبية ثم يخرج حاملاً آلة عود وريشة قائلاً سأسمعك شيئاً ..

بعد أن أتم تيسير دوزنته علي العود إذ به ينطلق في فضاءات من الطرب والموسيقي كموسيقي بارع وكمبدع أصيل مرهف الحس يعلو بنبرات صوته ويخفضها يتحكم في آهاته وتهدجاته وارتعاشاته وانطلاقاته بإحساس صادق ونبيل ..

عرفت وقتها كيف أصبح تيسير عثمان يسارياً وهو ابن مفتش الإصلاح الزراعي المقتدر مالياً ..
هذه الطاقة الإنسانية الكبري وهذا الحس الآدمي المرهف المرتقي إلي مراتب من الذوق والفن والنبل .. كانت كفيلة بأن تلفت نظره إلي قضايا الفقراء ومصائر صغار الفلاحين الذين تأكل شبابهم البلهارسيا ويفنون أعمارهم في زرع مالايمتلكون عائد حصاده وسط حياة جافة جفاف الخبز الذي يأكلون

كان تيسير عثمان يمتلك حساً وطنياً جعله يدرك البواكير الأولي للمتغيرات العاصفة التي أقبلت علي مصر عقب يونيو 67 من خلال تجمعات الثورة المضادة التي بدأت تتشكل داخل مؤسسات النظام الناصري بصفته كان عضواً في منظمة الشباب الإشتراكي ومن ثم عضواً في إحدي لجان الإتحاد الإشتراكي..

لذلك كان قراره الحاسم منذ البداية هو المشاركة في تأسيس التجمع الوطني ..

وهكذا انخرط تيسير عثمان في نضاله ابتداء من تأسيس منبر اليسار …

لا أنسي أنني كنت لم اتجاوز العشرين من عمري إلا بسنتين وقررت أن أخوض معركة انتخابية نقابية في أوائل الثمانينيات وكانت المعركة تقتضي أن أتجول في كل قري محافظة البحيرة علي اتساعها من حدود فرع النيل رشيد شمالاً إلي حدود محافظة الجيزة جنوباً ، لم تكن لدي المقدرة المالية الكافية لتغطية نفقات المرور علي تلك القري التي كان عددها يقترب من التسعين ..
وفي ظل هجمة شرسة مارستها الإدارة وأجهزة مباحث أمن الدولة لحصاري وإسقاطي

قرر تيسير عثمان المحامي الجنتلمان في مظهره وجوهره أن يتطوع هو سيارته الفيات بالتكفل بالمرور بي لمدة عشرين يوماً متواصلة علي قري محافظة البحيرة علي اتساعاتها ووعورة طرقها وتباعد معظم قراها عن الأسفلت

كان بوعي سياسي ونضالي عميق يقف بسيارته في أقرب مكان لمقر العمل الذي سألتقي فيه بالزملاء ، منتظراً إياي بعد أن افرغ من اللقاء والمناقشات دون أن ينزل هو من سيارته أو تتطأ قدمه عتبات المقر الذي أدخله قائلاً لي هذا شأن نقابي لاينبغي أن اتدخل فيه ..
"- شوف انت هاتقول لزمايلك إيه وأنا مستنيك هنا لما تخلص "
وهكذا كنا نمضي من قرية إلي قرية

وعندما استطعت أن أفوز في تلك المعركة كان تيسير الرجل المحامي الوجيه الملبس يتصرف كمشجع كرة يحتفل بفوز فريقه بفرحة طاغية

كان تيسير عثمان تركيبة فريدة ..
كان يجمع بين المثقف الواسع الإطلاع ..
وابن البلد الذي يرطب أحاديثه بالطرافة والتندر ويصيغ أعمق الأحكام ببساطة وسلاسة ويمزجها بالحس الشعبي الساخر ..
ثم هو نفسه المحامي الوجيه الذي يتمتع بالشياكة والذوق الرفيع هو نفسه الذي يقبل أن يترافع في غالب قضاياه بلا مقابل تقريباً بالنسبة لأهل قريته ،
وهو تيسير عثمان الذي يعود إلي بيته فيرتدي الجلباب والعباية ويجلس في ڤ---راندته مع الفلاحين والشباب يتجاذب معهم النقاش والأحاديث ويقدم تحليلاته البالغة العمق في جمل قصيرة وبسيطة ومقنعة ..
وبروح طيبة متواضعة لاتعرف التحذلق ولا التعالي ..

هذا فضلاً عن كونه من أوائل الذين أسسوا لجنة الحريات التابعة لنقابة المحامين لمواجهة القمع البوليسي الساداتي ضد اليسار المصري والقوي الوطنية الحليفة له فكان متطوعاً دائمًا عن المعتقلين من مسجوني الرأي

تيسير عثمان الذي كان قيادة يشار لها بالبنان في التجمع فهو كان عضو لجنته المركزية وأمانته العامة ثم عضواً في مجلسه الإستشاري
..ومع ذلك كان يتعامل مع الجميع بود وتواضع وأدب جم ، كان صاحب حس رفيع في النقاش مع الجميع فلم يتورط أبدًا في التخندق مع أي طرف في صراع ما ، ولم يسمح لنفسه يوماً بأن يدفع من يختلف معه بعيداً إلي ضفة أخري ، دائمًا كانت الكلمات الطيبة الودودة حاضرة علي لسانه ، وكثيراً ماأصلح ماأفسده الخلاف في الرأي بين الرفاق ، فصار هو الحكيم الذي يلجأ له الجميع علي ثقة ..

ذلك هو ماتيسر من شهادتي الذاتية جداً عن تيسير عثمان الذي لااستطيع مطالعة سنوات عمري دونما أن يكون هو أحد العلامات المضيئة والمهمة في ملفات الذاكرة

ــــــــــــــ
حمدى عبد العزيز
20 ديسمبر 2017




#حمدى_عبد_العزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمر خطير ماكان ينبغي له أن يمر بمثلما مر
- سؤال اللحظة العربية
- حكايات رجل معتل الفقرات يطارد أرنباً برياً .. (1)
- متضامن مع فريدة الشوباشى فى مواجهة الوهابيين
- سلاما عل الاب الروحى للجندية المصرية
- الدماء الذكية والنصرالعسكرى والخسارة السياسية
- المنفعة المشتركة بين الفقه والسيف وتناقضات تحتمها الضرورات
- ندبات قدبمة
- استئصال الإرهاب والتطرف يرتبط أيضاً بمكافحة التهيمش الإجتماع ...
- الإنقلاب الإتصالاتي وبداية أفول الإعلام الرسولي
- سعاد حسنى
- علي هامش المسألة العراقية
- إنه الموت ... ليس إلا
- سطور من أصل الحكاية
- العراق في مواجهة لحظة حرج
- غابة تتأنق وحوشها
- ضرورة عودة السفير المصري إلي دمشق
- وعليك أن تصدق
- إنها -ريما- وعاداتها القديمة
- رفعت السعيد (الأروبة) ، وحسن البنا الكذاب


المزيد.....




- رئيسة جامعة كولومبيا توجه -رسالة- إلى الطلاب المعتصمين
- أردوغان يشعل جدلا بتدوينة عن بغداد وما وصفها به خلال زيارته ...
- البرازيل تعلن مقتل أو فقدان 4 من مواطنيها المرتزقة في أوكران ...
- مباشر: 200 يوم على حرب بلا هوادة بين إسرائيل وحماس في غزة
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر بأغلبية ساحقة مشروع قانون مساعدات ل ...
- محكمة بريطانية تنظر في طعن يتعلق بتصدير الأسلحة لإسرائيل
- بعد 200 يوم.. تساؤلات حول قدرة إسرائيل على إخراج حماس من غزة ...
- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حمدى عبد العزيز - فراندة تيسير عثمان