أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عادل صوما - ثورة المسيح على مفهوم الايمان















المزيد.....

ثورة المسيح على مفهوم الايمان


عادل صوما

الحوار المتمدن-العدد: 5735 - 2017 / 12 / 22 - 15:01
المحور: المجتمع المدني
    


قد يبدو غريبا ان يتحدث شخص علماني عن المسيح في موقع علماني لا يؤمن بالاديان، لكن الغرابة ستزول عندما سيجد القارىء إنني اتحدث عن إنسانية المسيح وحيوية رسالته، لأن المسيح في عمق تعاليمه نادى بأمور يحتاج إليه أي مجتمع ليستمر.
في عالم مضطرب بالعدائية والخرائط الدموية لنشر الحرية والديموقراطية، والايمان بهدر دم الاخر والتحريض عليه وإستباحة ممتلكاته، والتوترات الاجتماعية والعرقية والدينية والسياسية في كل دول العالم تقريبا، وصناعة الارهاب الديني ونشره كدعوة غير قابلة للمساومة، تبدو تعاليم المسيح أرّق وأجمل ما انتج أصحاب الادبيات الابراهيمية كافة، ورغم بعدها عن السياسة، تصب في خانة السلم الاهلي، من خلال السلم النفسي ومحبة الآخر والغفران، وهو الوحيد القائل بين أصحاب الادبيات الابراهيمة: "طوبى لصانعي السلام فانهم ابناء الله يدعّون"، متجاوزا نصوص إلههم الذي قاتل بنفسه معهم احيانا، أو أرسل الملائكة ليقتلوا الناس.
رؤية المسيح هذه، لفتت نظر بعض السياسيين الذين كان همهم السلم الاهلي في مجتمعات متعددة المذاهب، وعدم إراقة الدماء حتى لمقاومة المحتل، وليس تحقيق المكاسب وبيع الاوهام وامتلاك السلطة والسيطرة على الناس، وأهم هؤلاء المهاتما غاندي الذي إتخذ المسيح معلماً في فلسفة المقاومة السلمية أو سياسة اللاعنف.
النصوص والعبادة
أحدث المسيح ثورة في مفهوم الايمان منذ اختراعه، لأنه تجاوز الانصياع لصرامة نصوص الدين التي يُقال عنها في الادبيات الإبراهيمية إنها موحاة. لم يتبن المسيح هذه المقولة، وسخر من التلقين والترديد وهوس ممارسة الطقوس الظاهرية، وشدد على تفهّم روح الشريعة وأباح تجاوز النصوص إذا كان الامر في مصلحة الإنسانية.
عبادة الله عند المسيح مسألة ضميرية لا تُفرض بل تُعاش كحالة وجدانية. والله، حسب المسيح، أبو البشر، وهو يحبهم كلهم بدون تمييز، وهي فكرته هو وحده، ومن ثمة يجب على البشر أن يحبوا ويساعدوا بعضهم بعضا لأنهم من مصدر واحد لتستمر الحياة.
لم يذكر المسيح أن الله يعاقب بالنار ويثيب بالمتعة. الله لن يدين العباد قال المسيح، بل العباد هم من سيدينون أنفسهم. عقاب الآخرة حسب المسيح هو الندم على عدم فعل الخير وإطعام الجائع وشراء كسوة لمن يحتاجها وزيارة المسجون ومساعدة الارملة وعمل الخير بصمت .
فسّر المسيح النصوص السابقة عليه بروح تستجيب وتتفهم الوعي الإنساني الذي يتطور، ومن ثمة إكتسب عداوة المتربحين من النص ومفسري لامعقولياته بتفاسير أشد لامعقولية، وكانت نهايته تآمر المتربحين من الدين عليه ما أدى إلى صلبه بتهمة سياسية.
حرر المسيح الإنسان من رهبة الخالق بصفته كائن هائل القوة يغضب، ومن ثمة يجب المسكنة والتزلف له حتى يفرح، وكان ثوريا حين قال ان الله ليس بحاجة إلى طقوسنا، ولم يشر مطلقا إلى أن الله خلقنا لنعبده فقط، وقال عدة مرات بوضوح تام ان الطقوس لا قيمة لها وغير مقبولة عند الله بدون فعل الرحمة والغفران ومساعدة الآخر وإغاثة المنكوب، بل أن فعل الرحمة ومساعدة الآخر وسداد الديون أهم من الطقوس حسب المسيح، ومن ثمة إبتعد المسيح عن تقديم نصوص لا تقبل التغيير، وإتجه إلى تعليم وتنوير الناس عن طريق المحاورة والامثلة.
التطهر عند المسيح ليس بغسل الجسد كما قالت كل الاديان بل بنقاء الروح. الايمان عند المسيح طوعي، من يرفض الايمان شأنه مع الله وليس مع الناس، لذلك طلب تبشير الاخرين وليس قتالهم حتى يؤمنوا به أو بالله. تجنب المسيح تماما إدانة الناس. كما تجنب الدخول في محاور سياسية ورفض أن يكون ملك اليهود الذي يقاوم الامبراطورية الرومانية المحتلة.
جاور المسيح حمورابي وقورش وغوتاما بودّا على لائحة أهم المصلحين الاجتماعيين القدامى، الذين سبقوا عصر التنوير بقرون كثيرة. ومما قاله في شأن التكافل الاجتماعي مَثَلْ السامري الصالح، وكان هو نفسه مثال تطبيق معانيه بالغة السمو، وحسب الاناجيل وشهادة الناس فيه، أحب غير المستحقين وبارك اعداءه وتحنن على من لا يعرفهم، وأطعم الجياع مجانا، وشفى عشرات ولم يتلق الشكر سوى من شخص واحد فقط، وأقام موتى ناس سخروا من قدرته على عمل ذلك، فدخل الخلود على أنه المُعلّم.
ولأنه رجل إيمان قالت المجتمعات التي آمنت به عند نشر رسالته بصفائها الاول "المُبجل رسول الله"، وصُنعت الاسطورة التي جعلته ممثل صفاة الإلوهية على الارض.
المصالحة والكره
المسيح لم يولد في الخامس والعشرين من كانون الاول/ديسمبر، بل ولد في ايلول/سبتمبر في يوم غير معروف، وهو شهر إجراء التعداد السكاني الذي اجرته الامبراطورية الرومانية، المذكور في الاناجيل ومضابط الامبراطورية، والامبراطور قسطنطين هو الذي إختار بدء دورة طول النهار الفلكية في الخامس والعشرين من كانون الاول، وهي "عيد الشمس" حسب التقويم الامبراطوري الروماني، ليكون يوم ميلاد المسيح، وكان الاختيار الكوزموبوليتاني يلائم تماما عالمية تعاليم المسيح التي اعجب بها الامبراطور، ووجدها تناسب إمبراطوريته متعددة الاديان والمذاهب.
ثم تطورت شتلة الامبراطور بعيد النظر مع القرون، لدرجة ان حضارات العالم كله أصبحت تحتفل بميلاد المسيح، حتى لو لم تكن تؤمن به، واتخذوها مناسبة للبهجة وإنعاش الاسواق تجاريا، واللافت للنظر ان الجميع يحتفلون بإضاءة الشموع والانوار والاغاني التي لا تمجد المسيح أحيانا، لأن الرجل صانع سلام ومحبة ورحمة وهي صفات محبوبة عالميا ويأنس إليها أي مجتمع، ولا يتوجس منها سوى كارهي السلام والمحبة والرحمة.
شكرا للمسيح الانسان لأنه لم يترك مدونات يستحيل تجاوز صرامتها لأن الله أملاها عليه، ويتم هضم تناقضاتها وعدم إنسانية محتواها بالترهيب، ما يؤدي لاحقا إلى أزمة الصدام مع النفس والناس والعلم وحقائق التاريخ والكون، وكتابة أطنان من التفاسير لتشرح ما هو غير مُفسر اخلاقيا أو عقليا باسدال العتمة على العقل نفسه وترهيبه بالعقاب.
ترك المسيح سيرة أثّرت في التاريخ وهي مقبولة في العصور المختلفة، ومن ثمة لم يكن غريبا أن تنطلق العلمانية وثورة المعرفة من أتباعه، فالمسيحيون لم يصطدموا بحقائق العلم والكون والتاريخ بسبب سيرة المسيح، لأنهم لم يجدوا أي نص تركه يتعارض مع القوانين الوضعية، ومن جهة أخرى قالوا ببساطة للمؤسسة الكهنوتية عندما أصبحت مملكة تتربح من الدين على الارض وأعطت نفسها حق منح صكوك الغفران وتأشيرة مرور للسماء: المسيح لم يقل ذلك، وتعايشت المؤسسة الكهنوتية في نهاية المطاف مع العلمانية واقتبست منها، لأن المسيح كان رجل إيمان ولم يكن رجل نصوص أو حرب أو سياسة.



#عادل_صوما (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاموات يحكمون الاحياء
- شيما واخواتها
- ذكرى الاربعين للربيع العربي
- الاساطير أقوى من الوقائع احيانا (2)
- الأساطير أقوى من الوقائع أحيانا
- فارق التوقيت سبب عدم التوافق وكراهية الآخر (2)
- فارق التوقيت سبب عدم التوافق وكراهية الآخر
- بولين هانسون لم تحرض على الاسلام بل الظلاميين
- الادبيات الإبراهيمية بين صناعة الفتن والوئام (2)
- الادبيات الإبراهيمية بين صناعة الفتن والوئام
- التحايل على القانون والشريعة حلالٌ عند المتزمتين
- نفاق المسجد الكبير وورطة دول العالم
- منع النقاب حمايةً للشخصية القومية
- بناء المدارس أفضل من الجوامع في البلاد المتزمتة
- الخليفة الحالم بعضوية الاتحاد الصليبي
- إذا كان الدين تنمّرا فالمجد للعلمانية
- المفعول السادس الذي أضافه المتزمتون للنحو
- عقائد الدول وطقوس الغيبيات
- الظلامية أخطر من يافطة الخلافة
- الحب قيمة غربية والعلم نورن


المزيد.....




- أستراليا.. اعتقال سبعة مراهقين يعتنقون -أيديولوجية متطرفة-
- الكرملين يدعو لاعتماد المعلومات الرسمية بشأن اعتقال تيمور إي ...
- ألمانيا تعاود العمل مع -الأونروا- في غزة
- المبادرة المصرية تدين اعتقال لبنى درويش وأخريات في استمرار ل ...
- مفوض أوروبي يطالب باستئناف دعم الأونروا وواشنطن تجدد شروطها ...
- أبو الغيط يُرحب بنتائج التحقيق الأممي المستقل حول الأونروا
- الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين لاستئناف تمويل الأونروا بعد إ ...
- مفوض حقوق الإنسان يشعر -بالذعر- من تقارير المقابر الجماعية ف ...
- مسؤول أميركي يحذر: خطر المجاعة مرتفع للغاية في غزة
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر خارج منزل تشاك شومر في مدينة نيويو ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عادل صوما - ثورة المسيح على مفهوم الايمان