أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - احمد البهائي - بورسعيد .. صنعت تاريخ















المزيد.....

بورسعيد .. صنعت تاريخ


احمد البهائي

الحوار المتمدن-العدد: 5735 - 2017 / 12 / 22 - 14:59
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


بورسعيد ..ليست 1956 بل صنعت تاريخ
يقول الدكتور يحي الشاعر احد رجال المقاومة الشعبية في كتابه "الوجه الآخـر للميدالية ، حرب السويس 1956 القاومة السرية المسلحة " الذي يروي فيه تفاصيل ما حدث يوم 22 ،23 ديسمبر 1956 قائلا (..يعتبر يوم السبت 22 ديسمبر 1956 ، من أحد أهم الأيام في تاريخ بورسعيد ، فقد احس أهل بورسعيد في هذا اليوم ، بإلحرية التي "إكتسبناها لأنفسنا" بايادينا وبفضل الله ورجالنا جميعا ...تشكيلات المقاومة السرية المسلحة ومعهم أعضاء المقاومة السلبية ...أبلغنى مصطفى عبد الوهاب بأن آخر سفينة للقوات الانجليزية قد غادرت منطقة ميناء بورسعيد بشكل سريع جدا فى الساعة السابعة تماما, وأن السفينة مرت أمام تمثال ديليسبس فى السابعة وعشر دقائق تماما متوجهة الى الغاطس وأنها تواجدت أمام آخر دشمة مدفعية على حاجز الأمواج فى الساعة السابعة وثلاثين دقيقة بالضبط ومن هناك دخلت الغاطس واصبحت على الأفق فى الساعة السابعة وخمسين دقيقة تماما وأن منطقة الميناء خالية تماما من أى سفن أو لنشات أو نقط رقابة حربية أنجلوفرنسية..).

ومن هنا نقول بورسعيد مدينة صنعها التاريخ ولكنها بذات المعيار صنعت التاريخ ، لم يكن تاريخ بورسعيد هو ماضيها وانما هو مستقبلها ،فزمنها كان موجود امامها ولا يمتد فيما وراءها ، بورسعيد مدينة أنشق الماء عنها لتظهر كحبة لؤلؤ مكنونة في محارة فتحت صدفتها حين دق ناقوس التاريخ معلنا ميقات ميلاد مدينة ذات طابع فريد وطبيعة فذة ، بورسعيد سمحت للحتم الجغرافي والحتم التاريخي ان يتصافحا على ارضها متخلين عن اسلحتهما ليكتبوا معا معاهدة فريدة واجبة النفاذ بنودها قوانين الحركة لتطبق على ارضها وتحت رعيتها وفي احضانها تحكمها مبادئها مبادئ الأناسة ( علم الانثروبولوجي ) ومن السهل الاطلاع عليه وقراءته من خلال تراكيب ومكونات الفكر البورسعيدي الذي يعتنق الاستقامة ويكفر بالالتواء والمداهنة والمداجاة والمخاتلة ، هي شخصية تعشق الحوار ومدمنة على التواصل منتصبة لا تعرف الانحناء مجاهرة بالحب او العداء ، هكذا شخصيتها وشخصية ابنائها ،مما يستدعينا ان نقول بورسعيد مدينة قامت بدورها على الاستقامة التى يسرح فيها النظر وينطلق الفكر وتتجول التأملات ..فكل شوارعها وحاراتها وأزقتها ودوروبها اما أن تبدأ من عند البحر اوالبحيرة او مجرى قناة السويس أو تنتهي إليها دون انثناء او انحناء ، فبوسع الناظر من اقصى المدينة أن يرى نهاياتها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ،فهى مدينة كل المواسم فالرياح واشعة الشمس بوسعهما ان يمرحا في شوارعها كما يشاء دون عراقيل ليتماسا عند الشروق ووقت الغروب ليبسطا غلالات ضوئها الشفافية تنتشر في شوارعها وطرقاتها ومبانيها مفعمة انحناءها بالدفء والوضاءة والوضاحة .
فمدينة بورسعيد تعتبر من مدن القرن التاسع عشر ،ومع ذلك فبورسعيد ولادة عملية جراحية دقيقة اجتمعا فيها الحتم الجغرافي والحتم التاريخي معا ، مستعينين في الولاده بقانون الحركة الاول الذي اعطى للجغرافية أمامية خشبة مسرح الاحداث والافعال والمؤثرات ، الذي مهد الولاده بتغير حالة السكونية الى حركه نشطة فاعلة ، ليرسم ويخطط على جغرافية الرمال ملامح دقيقة في صورة كائن فريد استعاب منطق الحقائق والاوضاع والتفاعلات الجغرافية , ليأتي دور قانون الحركة الثالث ليتحقق عمليا على ارض الجغرافيه بأن كل الافعال لابد لها من ردات أفعال تتساوى معها في مقدارالقوة وتتضاد معها في الاتجاه ،وحيث ان التارخ هو الشئ المحرك فإن على جغرافية ان تهيئ نفسها لتكون مسرحا مكانيا للتاريخ وان تأخذ معدلات سرعته وزوايا اتجاهه ،ولهذا دعونا نقول ((خلق الله البورسعيديين ..والبورسعيديون خلقوا جغرافيا مدينتهم ))، ومن ينظر الى الخريطة تبدوا المدينة وكأنها زورق في وسط بحارمن المياه تحيطه من كل جانب وكأنه مبحر دائما صوب الشرق حيث تشرق الشمس كل صباح ، فالمدينة لها بريق خاص تمتاز به يعشقها كل من يزورها .
عندما اذهب الى حبيبتي بورسعيد وانظر الى قاعدة تمثال ديلسبس هناك اتذكر رائعة شكسبير تاجر البندقية وكيف استطاع ديلسبس اعادة تشخيص دور تاجر البندقية أن يحصل من محمد سعيد باشا والى مصر على عقد امتياز اشتمل على مجموع كبيرة من التنازلات والامتيازات المجحفة بحقوق وسيادة مصر وقتها ، فاستطاع بحنكته الديبلوماسية ان يزين للوالي ما يمكن للقناة ان تسديه لمصر من منافع ومزايا ، واذا ما شقت القناة سوف تنتقل مصر الى الوقوف على قدم المساواة مع القسطنطينية ، وبالفعل بدأ الحفر في 15 ابريل 1859م ، وافتتحت القناة رسميا للملاحة حيت تلاقت امواج البحر الابيض مع البحر الاحمر في 17 نوفمبر 1869م لتتقاطر فيها البواخر بداية من بورسعيد مرورا بالاسماعيلية مودعة بالسويس ،فالقناة تعد حجر الزاوية بين القارات الثلاثة آسيا وافريقيا وأوروبا ، فتاريخ مصرالحديث كتبت صفحاته وسطوره بمداد مياه قناة السويس ، فمن النادر ان تخلو وقائع التاريخ المعاصر من احداث ارتبطت ارتباطا وثيقا بقناة السويس وموقعها من تفاعلات العالم الاقتصادية والسياسية والامنية .
فقصة حفرقناة السويس وكيف نشأت مدنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بقصة الانسان الذي حفرها لتتلاحما وتتناسجا معا ، فهؤلاء الاجداد الشجعان ضربوا اروع البطولات وكيف استعانوا بالصبر على فترات الشدة التى كانت تمسهم بالضراء ، ولا يزال أبنائهم واحفادهم يرون لنا بافتخار قصصهم وروياتهم التي لم تجد حتى الان من يمجدها كما يمجد الغربيون أقاصيص اجدادهم ويملأون بها ما بين السماء والارض .
تحية الى اجدادنا الذين حفروا قناة السويس ، ونترحم على ارواح 125 الف منهم مزقتهم كرابيج السخرة حتى دفنوا في قاع القناة عند حفرها بلا اكفان ،فهناك الكثير من الوثائق القديمة لقناة السويس التى امتلأت بطونها بالخروقات والتعديات ويمكن الوقوف عندها كثيرا . فتقول جريدة التايم اللندنية ..( ياللعجب ..لقد توجه العمال المصريون الذين وعدوهم بالخير والسعادة وبدأت أيديهم تحفر الرمال ثم مضت شهور وتبدد الامل ورأينا كيف يدفن العمال في قاع القناة ورأينا كرابيج السخرة ووسائل الارهاب والقمع والرقابة الدقيقة حينما عينوا دوريات تجوب الصحراء وتتعقب الفارين ان المنظر يثير الاسي في النفوس ..فهؤلاء الرجال الذين لفحت الشمس المحرقة اجسامهم ، ثم اضاءت الانوار الحمراء التي تنبعث من المشعل وجوههم العارقة ..تعج بهم الصحراء ..يملأون القفف بالرمال وهم في قاع القناة ويفرغونها بعيدا عن مجرى الماء ..وهم يؤدون كل هذه الاعمال يستعينون على التعب بالغناء ..بينما البنادق والكرابيج من حولهم ، تحول دون هروبهم او سقوطهم من شدة التعب او المرض او الجوع ).. أما " أوليفييه ريتس " كبير المهندسين الفرنسيين الذين شاركوا في حفر القناة فقد كتب في يومياته ..( كان العمال المصريين يخوضون في الماء والطين ويحملون الطين الذي ينساب ويغمر أجسادهم ..بينما رؤؤسهم في جحيم الشمس وأبدانهم في عذاب السخرة ، وألام الجوع والبؤس والاوبئة..لقد بلغوا مليون ونصف عامل مصري وكلهم مدهشون حقا ..كلهم ذوو صبر وجلد عظيمين ..لقد عرفتهم عن قرب ..وأحسب انهم ابناء شعب عريق حقا..) .
نعم هؤلاء هم اجدادنا ، فتاريخ مصرالحديث امتلأت صفحاته ببطولات وامجاد هذا الشعب العظيم بداية بملابسات الثورة العرابية، وحرب 48،وعدوان 56 ،وحرب 67 ،وحرب الاستنزاف ،واخيرا ملحمة 73 ،ليس ذلك فحسب بل ايديهم ممتدة بالخير والعطاء لنهضة مصرنا الحبيبة اقتصاديا وتجاريا بما انعم الله على مدنهم من ثروات وموقع استراتيجي متميز ..
فمنذ 144عاما شارك اجدادنا العظماء في بناء وتأسيس وطننا الصغيرليكون جزء من وطننا الكبير مصر ،واقاموا مجتمعا جديدا مميز وفريد اسمه بورسعيد تلاقت فيه قصص المعاناة المصحوبة بتطلعات تسعي الى تحسين الظروف والاوضاع لتدشن مجتمع قام على التكافل والمرحمة والاخلاص والتماسك مع قصص تروى فيها اروع بطولات المقاومة والنضال الشعبي لاجدادنا ،بداية من عام 1882 أي بعد 13 عام من افتتاح القناة سطع فجرالحسن النضالي والمقاومة ضد جحافل القوات البريطانية الغازية ولكن كانت بورسعيد مثل مقلاة الزيت شديدة السخونة لهم وهم يتلظون في جحيمها ،وفي عام 1914 ترسمت المقاومة حيث الغيت الخلافة العثمانية ، وفي عام 1919 أكتملت لوحة النضال الشعبي بالوانها الساطعة بالانضمام للثورة المجيدة وسقوط العديد من الشهداء في شوارعها القديمة, وفي عام 1951 وضع برواز للوحة المقاومة والنضال بإلغاء المعاهدة على ارض القناة ورفع علم مصر تمجيدا لاجدادنا الشهداء ،اما في عام 1956 افتتح معرض النضال الشعبي بالواح ضربت فيها اروع البطولات حيث كانت المقاومة مثل مارج من نار والمدينة واقفة في عين الاعصار، وفي 1967 هجرت المدينة وتبعثر شعبها ومع ذلك وقفت في الخط الاول للقتال لتكون فداءً للوطن بفداءيها الابطال طول فترت الاستنزاف ،وفي حرب 1973 كانت على موعد لتصنع النصر مع الابطال فكانت هدفا انتقاميا للطيران الاسرائيلى المسعور فدمرت مبانيها ومرافقها بسبب اللطمة الموجعة التى كالها له الجيش المصري والابطال .
هذه المقاومات والبطولات المتتالية تحولت الي ذخيرة تراثية مرتبطة بنسيج الشخصية البورسعيدية لتكون اساسا في بناءه البيولوجي كمورثاث تنتقل من الاباء الى الاحفاد ومن الاحفاد الى الاسباط لتصبح هي خريطة المميزات الجينية ،تلك هى بورسعيد بابنائها .



#احمد_البهائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملف سد النهضة..من الإحتواء الى الإجهاض
- أذون الخزانة المصرية..إتساع الفجوة التضخمية
- فعل بن سلمان ما كنا نطالب به السيسي- تأميم الترستات -
- الاقتصاد المصري..صندوق النقد بين الأخطاء والفشل
- أحمد موسى..بين الطوارئ والقضاء العسكري
- بارزاني... الإستفتاء فيه سُم قاتل
- التصنيف الإئتماني لمصر وآثاره على المديونية الخارجية
- التضخم ..أخطاء الحكومة المصرية وتأثيرها على برنامج الإصلاحات ...
- اليك بعض السطور ( نفرتيتي انت السمراء )
- إتفاقية الحدود البحرية بين مصر والسعودية تعيين أم ترسيم؟..هن ...
- أدوات مكافحة التضخم في مصر نقدية أم مالية؟
- قياس التضخم ..تحديد أسعار السلع إداريا
- التضخم .. ورفع أسعار الفائدة
- زيارة البابا لمصر دينية ام سياسية ؟..
- شباب مصر بين الثرثرة والمؤتمرات والمحاكاة
- إعلام عمرو أديب..البلقنة من جديد
- الضغوط التضخمية بين الديون الخارجية والصادرات
- ..هكذا أفشلت البورجوازية النظرية الماركسية
- مؤتمر الأزهر ( الحرية والمواطنة )... شيزوفرينيا
- التضخم في مصر مركب..هل أخطأ صندوق النقد الدولي؟


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - احمد البهائي - بورسعيد .. صنعت تاريخ