أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد السلطاني - اشكاليات تعاطي الاخر مع - الاخر - : العمارة نموذجا /القسم الثاني ً















المزيد.....


اشكاليات تعاطي الاخر مع - الاخر - : العمارة نموذجا /القسم الثاني ً


خالد السلطاني

الحوار المتمدن-العدد: 1475 - 2006 / 2 / 28 - 10:33
المحور: الادب والفن
    


في الاونه الاخيرة حفل المشهد المعماري في بعض الدول العربية ، ولاسيما " النفطية " منها على حضور مؤثر لنماذج عديدة ومميزة في صياغتها التكوينية لتيار " الهاي – تك " Hi- Tech ، كاحد تجليات عمارة " مابعد الحداثة " في الممارسة المعمارية العربية . ومعلوم ان " الهاي- تك " معني في عكس المستوى المتقدم و" العالي " الذي حصل في مياديين الانشاء وتاثيرات ذلك على اللغة المعمارية للمباني المشيدة ، عن طريق جعل الاستخدمات النفعية للتراكيب الانشائية تعمل بصفتها عناصر تكوينية تمنح المنشأ المبتدع قيمته الفنية التزينية ، جنبا الى جنب توظيف عناصر المنظومات الهندسية والخدمية لبلوغ ذلك الهدف الجمالي / الاستيتـيكي . ويلاحظ في نماذج هذه الممارسة الابداعية سعي المصممون ذوي الثقافات المختلفة العاملون في البيئة العربية الجديدة والمغايرة ، سعي بعضهم الى تبني تأثيرات المكان على نوعية الصياغات التكوينية لهذا النمط من المقاربات المعمارية ؛ رغم ان مرجعية " الهاي – تك " تظل اساسا تعتمد في رؤاها الابداعية الخاصة على " عمرنة " الانشاء ، اذا صح التعبير ، الانشاء المتحصل عن حسابات رياضية والناتج عن هندسية مجردة ، يفترض ان يتقبلها الجميع كحقائق علمية صرفة ، بغض النظر عن طبيعة المكان .. ومراحل الزمان .
واذ حرصت هذه المقاربة المعمارية في بعض امثلتها المبنية في الارض العربية الى ترسيخ سمات عمارة " الهاي – تك " بصيغتها ذات اللغة التقنية العالية الصافية والنقية كمثال " برج الفيصلية " بالرياض / المملكة العربية السعودية (1993- 2000 ) ، المعمار : نورمان فوستر ( 1935 ) Norman Foster ، وكذلك " برج المملكة " بالرياض ذاتها ( افتتح في ربيع سنة 2003 ) ، المعمار : اليربي بيكت Ellerbe Becket ، فان مصمم مبنى " برج العرب " في دبي بالامارات العربية المتحدة ( 1994-99 ) المعمار :WS Atkins & Partners اضاف الى هيئتة المعمارية ، بنجاح واضح ، استحضارات ثقافة المكان وخصوصيته البحرية .
ينشد " نورمان فوستر " في برج الفيصلية الى تأكيد ذات المبادئ المعمارية التى يعتمد عليها في تصاميمه والتى لا يتوق الى تغييرها رغم انها مخصصة الى مناطق جغرافية وثقافية متباينة ، ذلك لانه يعتقد بان منظومته الانشائية المختارة ، التى منها تنبثق لغة عمارة المبنى ، والمستندة على النجاحات التى حققها التقدم العلمي والهندسي والتقني ، والمتمثلة في توظيف دائم لاجزاء مصنّعة خارج الموقع مع استخدامات واسعة لمكونات " مودوليرويه " Modular في تكوينات التصميم ، بامكانها ان تكون مقبولة ومفهومة من قبل الجميع . وبرج الفيصلية يمتلك هيئة هرمية مقوسة الحواف ، يصل ارتفاعه الى 266 مترا ، بضمنه الجزء المعدني المفتوح المحيط بكرة زجاجية ، والذي يصل ارتفاعه الى 93 مترا متوجا فورم المبنى . ويستند الجزء الاخير على القسم الخرساني الاساسي للمنشأ . يمتاز المبنى باستخداماته المختلطة، اذ يحتوي على فندق من فئة خمسة نجوم وشقق سكنية وسوق للبيع بالمفرق وموقع لصالة احتفالات كبرى تسع لحوالي 4000 شخص. وتعد هيئة البرج المميزة في الوقت الحاضر احدى معالم مدينة الرياض الهامة ؛ الى جانب مبنى " مركز المملكة " ( 1997-2003 ) الشاهق الذي صمم اصلا ليكون رمزا "ايقونيا " للمدينة التى تنمو بشكل كبير ، بالاضافة الى تلبية متطلبات وظيفية اخرى .
يعد مبنى " مركز المملكة " بهيئته المميزة وبطوابقه الثلاثين وارتفاعه العالي الذي يصل الى نحو 300 مترا ، يعد حدثا تصميما اساسيا في المشهد المعماري لمدينة الرياض ، . يتألف شكله الاستثنائي من جذع اسطواني بمقطع بيضوي ، اهليجي ، هو بالواقع شكل لمساقط مخططات طوابق المبنى ، اما قمته المتكونه من عقد مقلوب فانها ترفع بطرفي العقد الاثنتين جسرا بطول 65 مترا يتيح لزوار المبنى التمتع باطلالة بونارامية على مدينة الرياض . يشتمل المبنى على استخدامات مختلطة فبالاضافة الى وجود مركز تسويقي كبير ، توجد ايضا صالة كبرى للاحتفالات تسع حوالي 3000 شخصا ، وادوار مكتبية وشقق سكنية فضلا على وجود فندق ضخم وعدد كبير من المطاعم والاسواق التجارية ، هذا عدا عن تقديمه للكثير من الخدمات كمواقف سيارات فسيحة تستوعب حوالي 3000 سيارة ومخازن وفضاءات لخدمات اخرى .
ولكون مهمة عمارته واضحة وصريحة كونها تنشد لتكون رمزا ً ايقونياً بصريأ للمدينة ، حاول مصمموه ان يرسخوا بشكله العام تينك الناحيتين الوضوح و الصراحة ، اذ تم ّ التركيز على اختزالية الهيئة العامة للمبنى واستثنائيتها معا ؛ من هنا يمكن فهم غاية حيادية مواد التغليف المتكونة من الواح زجاجية بلون ازرق مع استخدام الغرانيت لتشديد حضور صلادة الشكل الاسطواني النحيل للمبنى مع الفتحة الواسعة التى تشكلها هيئة العقد المقلوب في القمة، ؛ كي يمنح المبنى لزواره وناظريه صورة جلية وواضحة سهلة التذكر ، تتيح لهيئته المبتدعة امكانية اداء دورمؤثر في خط سماء المدينة . كما لعبت انارة المبنى المميزة ليلا دورا هاما في تكريس " اميج " المبنى من خلال محاكاة ضوئية "لتضاريس " الهيئة العامة للمبنى .
في دبي ، بالامارات العربية المتحدة ، شكلت هذه المهمة : مهمة تكريس" معلم " محدد ومعين للمدينة عن طريق تقصي هيئة فريدة واستثنائية لمبنى مميّز، شكلت اهمية قصوى في صياغة الشكل المعماري لمبنى فندق " برج العرب " ، الذي تم ذكره توا . فقد جاءت الحلول التصميمة لتعكس نزوع رب العمل ليكون المنجز التصميمي رمزا بصريا مؤثرا في ذاكرة مستخدمي المبنى وناظريه معا . وهي وظيفة هامة لا تقل اهميتها عن وظيفة المبنى الاساسية كونه مشـيد ليكـون فنـدقا ً .
ينهض مبنى " برج العرب " على جزيرة اصطناعية في خور دبي بالخليج ، تبعد حوالي 280 مترا عن الشاطئ الذي يتصل به مبنى الفندق بممر منحرف بزاوية 90 درجة . يقدر ارتفاع الفندق بـ 321 مترا ، وهو بهذا يكون من اعلى المباني الفندقية في العالم . يشمل المبنى على 202 جناح ، كل واحد منها يمتد على طابقين وكلها تطل على مياه الخليج . تقدر مساحة كل جناح بـ 170 مترا مربعا، وهناك اجنحة محدودة العدد بمساحة كبيرة تصل مساحتها الى 780 مترا مربعا . يحتوي مبنى الفندق على فناء داخلي مسقف بارتفاع 180 مترا ، ويعد هذا الفناء الداخلي ايضا ً ، من اعلى الافنية المسقفة في العالم .
يسترجع شكل المبنى العام الى الذاكرة شكل اشرعة السفن التقليدية القديمة التى كانت تمخر مياه الخليج ، وهذا الشراع / الواجهة معمول من اغشية بطبقتين من " الفابير غلاس " المغطى بمادة " التلفون " Telfon . وتنم المنظومة الانشائية للفندق وكذلك اسلوب انارته المتغيرة بالوان عديدة ومختلفة تتبدل كل عشرين دقيقة ، والنوعية الفخمة للمواد للانهائية المستخدمة فيه ، تنمّ على حرص رب العمل ليكون المنشأ المشيد من الاعمال البنائية التى لا يمكن بسهولة ان تتخطاها الذاكرة ، ولتعبر عمارته عن هذا التميز واستثنائية الحدث المبني .
ينشد المعمار الفنلندي " هيكي سيرين ( 1918 ) Heikki Siren في تصميمه لمبنى " قصر المؤتمرات " ( 1978-82 ) في بغداد بالعراق الى اشراك تأثيرات ثقافة المكان البنائية ، ولا سيما في تجلياتها التاريخية ، في صوغ التكوين المبتدع لمبناه . ولئن انتسب القرار التكويني الخاص في توزيع احياز المبنى ضمن مساقط المخططات على تماثلية صارمة هي في الواقع صدى لخصوصية الاسلوب " البروتالي "Brutalism المفضل لدى المعمار ، فان نتائج هذا القرار افرز في نهاية المطاف حلا تكوينيا قريبا جدا من اسلوب تكوينات ابنية اسلامية نافذة ومعروفة ، اعُتبر حضور التماثلية / السميترية فيها حالة مألوفة ومحببة . ولعل وضوح التوزيع الفضائي لمكونات المشروع ، المتأسس على القرارالتماثلي ، هو الذي يمنح فراغات المبنى تلك الالفة التى يشعر بوجودها مستخدمو المبنى المحليين .
بيد ان الاشارة المهمة الى خصوصية المكان في عمارة المبنى تجسدت في اسلوب اكساء مناطق مختارة وواسعة من الواجهة بقطع من بلاط مزجج ذي لون ازرق فاتح ، يعيد الى الذاكرة - كما يطمح المعمار – تقاليد اساليب العمارة البابلية التى نشأت سابقا في هذه الديار وكونت بمنجزها المعماري بواكير الحضارة الانسانية . وليس ثمة خطأ ايضا ، ربط رؤية اشكال الابراج الدائرية التى تظهر مجتمعة في الواجهتين الرئيسيتين : الشمالية والجنوبية بالتداعيات البصرية الناجمة عن استحضار مبنى " قصر الاخيضر " ( منتصف القرن الثامن الميلادي ) ، والذي زاره المصمم ضمن مواقع اخرى في العراق ، نظمت خصيصا للمعمارين المشاركين في المسابقة اياها .
وعلى العموم ، فان الوسائل الخارجية المستخدمة للتقليل من سطوة سلبيات المناخ البغدادي الحاركمنظومة كاسرات الشمس واساليب البستنة وحضور السواقي والاحواض المائية في موقع المبنى ، بالاضافة الى ما تم ذكره في اعلاه ، اسهم في تقريب انتماء المبنى الى مكانه ، وبالتالي فان نوعية القرارات التصميمة المتولدة عن فعالية التلاقح الثقافي والمعماري ، التى عكستها عمارة المبنى ، قد اضافت بما لايدع للشك ، قيما تصميمة جديدة اثرت بمحصلتها مقاربات الخطاب المعماري الاقليمي والعالمي على حد سواء .
لا يغفل " اوسكار نيماير " ( 1907- ؟) Oscar Niemeyer ، المعمار البرازيلي الشهير في اعماله " العربية " ، لا يغفل عن تأثيرات المكان وثقافته المتميزة . فقد انجز مشروعا تصميما كبيرا ، في الجزائر وهو مشروع مجمع "جامعة القسطنطينة " في شرق الجزائر (1972 ) . ويعود تاريخ تكليف " نيماير " الى هذا المشروع لعام 1968 ، عندما تعرف على منهاج متطلبات الجامعة ، الذي كان يقتضي بناء مجموعة من المباني العديدة تجاوزت 40 مبنى . وفي ضوء تجربته الغنية في تصميم المؤسسات التعليمية ، اعاد المعمار النظر في المنهاج المقترح ، ساعيا الى ان يكون المخطط المستقبلي للجامعة متسما على مركزية واضحة تتيح مرونة كافية لاداء كفء للنشاطات الجامعية .
اقترح المصمم تجميع فراغات الجامعة الاساسية في مبنيّين اثنين اساسيين ، احدهما مخصص الى القاعات الدراسية ، والاخر الى المختبرات العملية ، مع عدد من المباني المساندة تتجمع حولهما ( مثل المكتبة ، ادارة ، قاعة اجتماعات ، قاعات رياضية الخ ..) ، واقترح ان تكون الادارة المركزية للجامعة في بلوك مستقل وفي مبنى متعدد الطوابق يشغل موقعا بين القسمين الاساسيين للجامعة .
يثير الانتباه في في الحل التصميمي للمجمع اسلوب اختيار هيئات المباني واشكالها الانسيابية المميّزة المطلية بالون الابيض ، الذي يذكرنا بخصوصية تقاليد المكان ، وبيئته المبنية ؛ وليس العمارة لوحدها ، هنا ، مثيرة ، وانما الانشاء ايضاً مثير؛ الانشاء الذي تكفل بانجاز قرار المعمار على درجة عالية من الكفاءة والاهلية .
نصادف في سيرة اوسكار نيماير المهنية تصاميم عديدة انجزها في البلاد العربية ،. ففي عام 1962 صمم معرض طرابلس التجاري الدولي – لبنان ،( معرض رشيد كرامي الدولي ) ، وثمة مركز ترفيهي مشغول الى" ابو ظبي " (1981 ) ، كما اعد تصاميم لمركز تجاري في بنغازي –ليبيا ، وكذلك صمم نصب تذكاري الى ليبيا ايضاً .

تعتبر مباني السفارات الاجنبية المشيدة في البلدان العربية بمثابة تمرين تصميمي ممتع لتجسيد مقاربة احتفاء الاخر بالاخر المختلف عنه ثقافيا واثنيا ، المقاربة الناجمة عن قبول الاخر – المصمم ليكون قراره المعماري حاصل شراكة متكافئة بين ثقافته وثقافة المكان الجديد . وقد اشرنا سابقا في هذا السياق الى محاولة " خوسيه لويس سيرت " في التعاطي مع هذه الاشكالية ، عبر تصميمه مبنى السفارة الامريكية بغداد / العراق ( 1955-61 ) وما نجم عنها من ولادة مقاربة معمارية ، رأينا ، بانها اثرت ، من دون شك ، تنويعات الخطاب المعماري العالمي . وفي الفترة الاخيرة ، ساهمت فعالية تصميم وبناء سفارات لدول اجنبية في الارض العربية الى تأكيد هذا المنحى التصميمي من خلال نماذج معمارية ذات لغة تصميمية جذابة مثيرة للاهتمام ، نابعة عن تلاقي الثقافات البنائية المختلفة على " سطح " واحد : ثقافة الدولة الممثلة للسفارة ، وثقافة المكان المشيد فيه مبنى السفارة . تشكل عمارة السفارات المبنية حديثا تنويعا تصميما مدهشا لثيمة المقاربة التى نحن بصددها ، فاختلاف الثقافات التى تمثلها شعوب تلك السفارات مع النزعة الواضحة لتأويل ثقافة المكان المحددة ، افضت في النتيجة الى تعددية الطروحات المعمارية ، وابانت امكانات التأويل " الهرمينوطيقي " Hermeneutical الواسعة في عملها مع هذه الاشكالية المحددة .
في عمارة مباني بعض السفارات الاجنبية المشيدة حديثا في البلاد العربية يمكن للمرء ، بسهولة ان يرصد تجليات مثل تلك المقاربة وتتبع حلولها التصميمية المتباينة التى يقترحها المصممون ذوي الثقافات المختلفة ؛ ولعل البانوراما المعمارية المثيرة التى توفرها فعالية تصميم هذه السفارات ، والتى تعد اليوم احد منجزات المشهد المعماري العالمي المميزة لهو دليل على اهمية هذه المقاربة وعلامة حيويتها وقوة ابداعها .
في مبنى سفارة السويد بالرياض / السعودية ( 1983 ) ، المعمار " كارل نورين Carl Nyren " ، ومبنى سفارة اليابان في الرياض/ السعودية ( 1985 ) ، المعمار " كنزو تانغ " ،Kenzo Tange ؛ ومبنى سفارة المملكة المتحدة في الخرطوم / السودان ( 1984 ) ، المعمار " جون واطس John Watts " ، وكذلك في سفارة مملكة الدانمرك بالرياض / السعودية ( 1984-87 ) ، للمعمار " هينينغ لارسن Henning Larsen ، <التى سنتناول عمارتها بشئ من التفصيل في مكان آخر> ، وفي سفارة فرنسا بالدوحة / قطر ( 1988 ) ، المعمار " ريشين و روبرت Reichen and Robert " وفي مبنى سفارة الولايات المتحدة الامريكية في مسقط / عمان ( 1989 ) ، المعمار " جيمس ستيورت بولشك ومشاركوه James Steward Polshek and Partners " وفي سفارة امريكا ايضا في عمان / الاردن ( 1992 ) ، المعمار " بيري دين روجيرز وشريكه Perry Dean Rogers & Partner " كما في مبنى السفارة البريطانية في مسقط / عمان ( 1996 ) ، المعمار " واي . ار . ام . معماريون ومخططون YRM Architects and Planers " ،في مباني تلك السفارات وفي غيرها المبنية حديثا تتجسد نتائج تلك المقاربة بصيغ متباينة تبعا لنوعية طروحات المعمارالمهنية ومدى اجتهاده التصميمي .
في عمارة مبنى السفارة الفرنسية في مسقط بعمان ( 1988 ) سنحاول بشئ من التفصيل تتبع مسار ونتائج الفعالية التصميمية لهذا المبنى وعلاقتها بخصوصية المكان . يقع مبنى السفارة في الحي الديبلوماسي الذي يقع 30 كم جنوب مسقط ، والجامع لمختلف مباني السفارات المعتمدة في عمان . خصص لكل سفارة قطعة ارض بابعاد 80 × 180 مترا . تم اختيار تصميم السفارة الفرنسية المعد من مكتب " استديو العمارة Architecture Studio " اثر مباراة معمارية نظمتها وزارة الخارجية الفرنسية في عام 1987 .
ثمة ثلاث كتل رئيسية تشكل بمجموعها التكوين الفضائي – الحجمي لمبنى السفارة ، وهذه الكتل هي كتلة سكن الموظفين ، وكتلة مكاتب السفارة ، وكتلة مقر السفير موقعه ،على التوالي ، وطوليا في الموقع المخصص. وقد تم توحيدجميع مكونات المجمع بصريا وفيزياويا عبر استخدام منظومة تركيبة موحدة ، دعاها المعمار " بالمشربية " ، وهي كناية عن " تعريشة " Pergola ، متكونة من جسور خرسانية رابطة ، ترفعها اعمدة موقعة ضمن " وحدة شبكية متسامتة" Grid بابعاد 4.5 × 4.5 مترا . ويحدد تكرار هذه الوحدة او تنويعات مقاساتها ابعاد اشكال عناصر المباني التى يتألف منها مجمع السفارة ؛ فمفردات الواجهات الاساسية واطوال فتحاتها تستقي ابعادها من ذات الابعاد المحددة للوحدة الشبكية ؛ من هنا ذلك التآلف الكتلوي وذلك الانسجام البصري الذين تمتاز بهما لغة عمارة المجمع . ولاجل بلوغ نوع من التشويق البصري الخالي من الرتابة ، الرتابة التى يمكن ان تظهر تأثيراتها السلبية جراء المغالاة العددية في تكرار الوحدات الشبكية المتسامتة في التصميم ؛ فان المعمار يلجأ الى عمل تنويعات شكلية مختلفة لتلك الوحدات ؛ فيترك الفضاء المحصور بين الجسور الرابطة مفتوحا تارة ، ويغلقه تارة اخرى ؛ او يجزءه بوحدات اصغر، ثم يسقف بعضها منها بزجاج ملون ، مبتغيا احراز قيمة بصرية مؤثرة ، جراء رؤية " التعريشة " الخرسانية لذاتها او لجهة انعكاسات اشكالها الملونة على الارضية . ويضيف التغيير المستمر في اطوال الاعمدة الرافعة ، الناجم عن توظيف المصمم لواقعة انحدار مستوى ارضية الموقع ، مع قرار ميل سطح " التعريشة " ، يضيف تنويعيا اخرا لهيئة عناصر المنظومة الانشائية الاساسية في التصميم . وعلى العموم فان المعمار حريص على تكريس مبدأ " التنوع في الوحدة " الشائع في العمارة الاسلامية ، في التكوين المبتدع من خلال استخدام هيئات الاحواض المائية الموزعة بكثافة في الموقع ، واشكال الممرات وجميع مفردات التصميم الحدائقي والفضاءات الخارجية ، التى حددت قياساتها بابعاد متجانسة ومتناسبة مع ابعاد " الوحدة المتسامتة " .
ويظل الاستخدام التجريدي لعنصر " المشربية " بهيئتها الافقية في التكوين المبتدع لمبنى السفارة ، يظل يعتبر محاولة مهمة وناجحة في مسعى تأويل تقاليد ثقافة المكان البنائية ، وايماءة احترام له ، كما تضيف في الوقت ذاته ، طريقة الاستخدام تلك معنى ً اضافيا معاصرا وطازجا الى العناصر التقليدية المعمارية المحلية .

في تصاميم " كينزو تانغ " ( 1913-2005 ) المعمار الياباني المعروف المخصصة لبلدان عربية مختلفة ، مواضيعها التى انطوت على تباينات كبيرة سواء لجهة الوظيفة ام لجهة سعة الاحياز ، مثل المدينة الرياضية في الكويت ( 1969 ) ، ومشروع مطار الكويت الدولي ( 1967-79 ) ، ومخطط جامعة وهران في الجزائر ( 1971 ) ، ومشروع تسهيلات الحجاج في منى ، بالسعودية ( 1973 ) ؛ ومجمع اسكان الطلبة في جامعة القسطنطينة بالجزائر ( 1975 ) ، وجامعة اليرموك بالاردن ( 1976 ) والقصر الملكي في جدة (1977-82 ) ، وجامعة الخليج العربي بالبحرين ( 1982 ) ، ومبنى السفارة اليابانية في الرياض بالسعودية ( 1985 ) ، وجامعة الملك سعود بالقصيم في السعودية ( 1994 ) وغير ذلك من المشاريع الاخرى ؛ يحاول " تانغ " في جميع تلك المشاريع ان يظل امينا ً لمقاربته الخاصة المتفردة ، ووفيا الى مبادئه التصميمية التى توصل اليها مؤخرا ؛ فالمباني المشيدة رغم اختلاف طبيعة المكان الفيزياوية والمناخية ، وتباين وظائفها ، وتفاوت حجومها ، فان طبيعة لغتها المعمارية ما انفكت تظل متقاربة فيما بينها ، كون قرارتها التصميمية تعتمد على مفهوم " الميتابولزم " Metabolism - المفهوم الذي يعتبره " تانغ " ورفاقه الاكثر تجاوبا مع متطلبات المجتمع المعاصر اياً كانت طبيعة ذلك المجتمع في متغيراته المستمرة الديناميكية .
تثير عمارة تلك المشاريع المصممة الى المنطقة العربية ، تثير مفارقة تصميمة طريفة ، فالمعمار ، المعروف عنه عالميا ، ريادته وولعه بجدل العناصر التقليدية البنائية المحلية ومزجها مع خصائص تيارات عمارة الحداثة ؛ نراه في تلك المشاريع يتغاضى بتعمد عن اطروحته " الوطنية " ، التى اثرى بها منجز العمارة العالمية . فما عدا مراعاته لعامل المناخ الذي لا يمكن لاي مصمم محترف ان يتغافل عنه ، لم نرَ في مشاريعه " العربية " اية محاولة جادة لتأويل تراث المنطقة البنائي الغني وتوظيف استحقاقاتها في فعالية انتاج تكوينات المشاريع المعدة .
في عمارة مبنى " المقر العام لصندوق الملك فيصل " بالرياض في السعودية ( بمرحلتيه الاولى والثانية 1982؛ 1986 ) ، تكاد تكون طبيعة الكتل المختارة في التصميم معنية في تأكيد حضورها " الميتابولزمي " ، اكثر بكثير من الاستجابة لخصوصية ثقافة البيئة المبنية المحيطة ومراعاة قيمها . ويعجب المرء لشدة اصرار المعمار وتمسكه بمقاربته المعمارية وايمانه العميق بصوابيتها حتى وان تعاطى مع " تايبلوجية " بنائية شديدة الخصوصية ، ذات " اميج " راسخ في مخيلة متلقيها ومستخدميها ، كمثل مبنى " المسجد " ذلك المبنى الذي افرد له المنهاج التصميمي اهمية محورية ، ورفع من شأنه ليكون احد المفردات البنائية الاساسية في المجمع المقترح .
واذ يتقبل المرء قرار المصمم في اضفاء مسحة استثنائية لهيئة المبنى الاداري ،العالي ، تلك الهيئة التى جاءت على شكل مثلثين متجاورين في الرأس ، يرتبطان في وسطهما بجسرين / ممرين منفصلين في القسم الاعلى من قسمى المبنى الاداري ، واجهتيهما الاثنتين المزججتين تزجيجيا كاملا الواقعتين على ضلعين من اضلاع المثلثين جاورتا، بتضاد صارخ ، سطحوح الواجهات الاخرى المصمتة وشبة المغلقة ، عدا عن شريط شاقولي لفتحات نوافذ صغيرة ، اذا تقبلنا كل ذلك ، فاننا نقدر هنا رغبة المصمم ، وحرصه ايضا ، في اضفاء تركيب كتلوي فريد للمبنى الذي اريد به ليكون عنوان المجمع البنائي ومفردته الاساسية ؛ لكننا في الوقت ذاته نبدى اهتماما كبيرا لنوعية المقاربة التى تعاطى بها المعمار مع موضوعة " المسجد " ؛ مقترحا لنا هيئة كتلوية عمادها جذع اسطواني ينهض على قاعدة كتلة اخرى ذات شكل هندسي منتظم يتألف من متوازي المستطيلات .
ويؤكد المعمار بان شكل المنحى الشبيه " بالمنجل " الذي حصل عليه جراء القطع المائل للجذع الاسطواني ، ماهو الا تذكير لهيئات " الاهلة " المرفوعة دوما على اعالى المآذن الاسلامية . كما ان اكساء الجزء الاسطواني ببلاطات ملونة باللون الازرق ، هو ايضا ، وفقا للمعمار، استحضار بصري < وذهني ايضا > لهيئة " المسجد الازرق " الشهير في مدينة اسطنبول بتركيا . ويبقى الهاجس " الميتابولزمي " وتأثيراته الحاضرة بقوة على قرار تنطيق المنظومة التركيبية لكتل المجمع وصياغة تشكيلاته ، من اهم ما يسم عمارة مجمع مباني صندوق الملك فيصل في الرياض ؛ وهو ما اغنى ، بلا ريب ، انجازات المشهـد المعماري العربي ورسخ من تنويعـات خطابه المعاصر. □□



#خالد_السلطاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اشكاليات تعاطي الاخر مع -الآخر- : العمارة نموذجا
- جبرا ابراهيم جبرا : المثقف رساما ً
- تنويعات عمارة ما بعد الحداثة
- كتاب - خواطر السنين - : مكان .. يتوارى
- العمارة ، بصفتها قبولاً للآخر : عمارة مبنى سفارة الدانمرك في ...
- معاداة الاخر : ايران نموذجا
- عمارة زهاء حديد :واقعية الفضاء الافتراضي
- عمارة مابعد الحداثة : المصطلح والمفهوم
- زمن - الجهاد - الارهابي : زمن الارتداد المشين
- عمارة مكتبة الاسكندرية : الحيز ، المكان ، والزمان
- سلالة الطين : الكاتب ، والكتاب
- تسعينية جعفر علاوي - العمارة بصفتها مهنة
- مسجد ما بعد الكولونيالية
- رسالة مفتوحة الى برهان شاوي
- صفحات منسية من تاريخ العراق المعماري: مبنى مجلس الامة-الى ال ...
- تحية الى 9 نيسان المجيد
- نكهة العمارة المؤولة
- مصالحة ام ... طمس حقوق؟
- مقترح شخصي ، لادانة جماعية
- المشهد المعماري في الدول الاسكاندينافية بين الحربين - صفحات ...


المزيد.....




- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد السلطاني - اشكاليات تعاطي الاخر مع - الاخر - : العمارة نموذجا /القسم الثاني ً