أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - فاطمة ناعوت - جميعُنا قتلة … لا أستثني أحدًا














المزيد.....

جميعُنا قتلة … لا أستثني أحدًا


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5733 - 2017 / 12 / 20 - 10:29
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    





عزيزي القارئ، كم شخصًا قتلت اليومَ؟ لا تتعجَّلِ الإجابةَ النافية رجاءً وتقول مستنكرًا: "ما أنا بقاتل!" فجميعُنا قَتلَ مراتٍ عديدة، عمدًا ومع سبق الإصرار والترصّد.
قبل أسبوع، جمعني عشاءٌ في مؤتمر عن الصحة النفسية بصديقي الفنان هاني رمزي . وبينما نُنصِتُ باستسلام ورهبة إلى نغماتِ البولندي العظيم "فريدريك شوبان"، بتوقيع أنامل المصري العظيم "رمزي يسّى" على البيانو، كان كلُّ واحدٍ منّا يُفكّر في أزماتِه النفسية مع الحياة، ومع الناس، ويحاول غسلها بشلال النغم. بعد انتهاء العزف الآسر، رُحنا نتكلم عن حالات نعرفها من الناس، تعرضوا للضغط النفسي.
حكيتُ عن أعظم مريضة نفسية في الوجود، فرجينيا وولف، التي صنعت مجدَها الأدبي رغمًا عن، أو ربما بسبب، إصابتها باضطراب المزاج ثنائي القطب Bi-polar Mood Disorder. الذي دفعها للانتحار غرقًا؛ حين أثقلت جيوبَ معطفها بالأحجار، ونزلت نهر "أوز" بانجلترا، لتنتهي حياتُها الثرية عام 1941. هي البريطانية اللامعة التي غيرت مسار الرواية في أوائل القرن الماضي، والتي أفخر دائمًا بأنني ترجمتُ للعربية كتابين من أعمالها الخالدة صدرا عن المركز القومي للترجمة.
ثم جاء دور هاني ليحكي لي عمّن صادف من المأزومين نفسيًّا. حكى لنا عن الممثلة “حنان الطويل" التي شاركته فيلمه الجميل: "عاوز حقي". في أحد أيام عام 2003، دخل "هاني رمزي" لوكيشن التصوير فوجدها تبكي والناس من حولها يضحكون. ثم عرف أنهم يسخرون منها حين انتشر خبرُ أنها كانت رجلا وتحوّلت بالجراحة إلى امرأة. بعد تلك الواقعة، دخلت "حنان الطويل" المصحة النفسية، وماتت. انتحارًا كان أو غير انتحار، المهم أنها لم تعد موجودة. هل تذكرونها؟ هي صاحبة الجملة الضاحكة الشهيرة: “البيت ده طاهر وهايفضل طول عمره طاهر.”
لكن هناك فارقًا هائلا بين موت"فرجينيا وولف" وموت "حنان الطويل”. الأولى لم يقتلها أحدٌ. بل دعمها كلُّ من حولها من زوج وأصدقاء وجيران وأهل، للحد الذي قررت معه الرحيل حتى ترفع حملها عن الجميع، كما ورد في رسالتيها اللتين تركتهما لزوجها. كان مَن حولها متحضرين. أما حنان الطويل، فكانت أسرتها متحضرة داعمة، لكنها تعرضت للاغتيال الجماعي السافر السافل من المحيطين والجيران والجهلاء من زملاء المهنة. هذا قتلٌ عمدٌ لا رحمة فيه.
كلُّ كلمة سخرية سخرنا بها من شخص مأزوم، قتلٌ عمد. كلُّ شائعة روّجناها حول إنسان، قتلٌ عمد. كلُّ مساعدة لم نؤدّها إلى شخص يحتاجها، قتلٌ عمد. جرائم القتل العمديّ، لا حصر لها، وجميعُنا ارتكب شيئًا من تلك الجرائم، ونحن نبتسم!
هل تذكرون حلقات القتل الجماعية الرخصية التي دارت حول الفنانة "صباح" لأنها تخطت الثمانين من عمرها؟ نكاتٌ بذيئة كانت تنطلق كل نهار من أفواه كريهة، حول الجميلة التي أمتعتنا بصوتها الاستثنائي، ومازالت. لصالح مَن؟ صالح القبح والتفاهة والرخص والقتل العمديّ. وفي المقابل، انظروا إلى الأوروبية "دورو ديكاستر" التي احتفلت بالأمس بعيد ميلادها ال 102، بالقفز بالمظلة فوق سطح البحر. وقف الناس يصفقون لها بحب وإعجاب. تُرى هل بوسع مشهد رائع كهذا أن يحدث في المنطقة العربية؟! نحن غير متحضرين بكل أسف، نُحصي على المسنين سنواتهم، وكأننا ندفعها من أعمارنا!
التحضّرُ هو القدرة على معاملة الآخرين برِقّة وتهذّب. التحضُّرُ هو الحب. وبهذا المعيار قِسْ درجة تحضرك، وتحضّر العرب.
عزيزي القارئ. اجلسِ الآن على التشيزلونج في ركنك المفضل بالبيت. خفِّف الإضاءةَ من حولك، وأغمض عينيك، وراجع شريط حياتك، ثم احصِ عدد قتلاك. وقبل أن تنهض لتعيد دفن ضحاياك في قبر ذاكرتك من جديد، توضأ وصلِّ لله واستغفرْ؛ عَل الَله يغفر لك. والأهم من طلبك غفرانَ الله، لأنه الغفور الأرحم، أن تغتسل من دم ضحاياك. وذلك لن يكون إلا بأن تتعهد أمام نفسك بأن تزِن كلماتك التي ستخرج من فمك بميزان الذهب "قبل" أن تخرج، وليس بعد خروجها. لأن الرصاصة التي تنطلق من فوهة الغدارة، لا تعود أبدًا. وأبدًا.
عزيزي القاتل، أُعزّيك في قتلاك، وأعزّي نفسي في قتلاي. وطوبَى للرحماءِ لأنهم يُرحمون.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوسف زيدان …. اكسر كوّةً في الجدار… وامضِِ
- القدسُ بين اليهود والصهاينة ورشدي
- خذوا عيني شوفوا بيها!
- جاءنا من الحجاز البيانُ التالي
- ماراثون أطفال المستحيل
- إيترو-عا … حعبي
- -ولاد البلد- يجوبون أرجاء مصر
- حارسٌ للمسجد … حارسٌ للكنيسة … فتّشْ عن البغضاء
- دموعُ الفارس | إلى الفنان محمد صبحي
- اتبعْ ذاك الدينَ لأنه الأفضل
- -الألِفُ- الزائدة … عند فرسانِ الرحمة
- -المنيا- مهانةُ مصرَ … والسبب -قُبلة يهوذا-!
- عُبّادُ الوثن … عشّاقُ التماثيل
- عيد ميلاد البابا تواضروس
- خالد جلال يرفع مرآة ميدوزا في وجوهنا
- هل تذكرون الدكتور محمود عزب؟
- الفنون والسجون
- صناديقُ عمّ محفوظ
- جيشُنا العظيم أحبطَ حرقَ مصر
- صراعُ الخير والشر … عند أجدادنا


المزيد.....




- مقتل امرأة وإصابة آخرين جراء قصف إسرائيلي لمنزل في رفح جنوب ...
- “لولو بتدور على جزمتها”… تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر ناي ...
- “القط هياكل الفار!!”… تردد قناة توم وجيري الجديد 2024 لمشاهد ...
- السعودية.. امرأة تظهر بفيديو -ذي مضامين جنسية- والأمن العام ...
- شركة “نستلة” تتعمّد تسميم أطفال الدول الفقيرة
- عداد جرائم قتل النساء والفتيات من 13 إلى 19 نيسان/ أبريل
- “مشروع نور”.. النظام الإيراني يجدد حملات القمع الذكورية
- وناسه رجعت من تاني.. تردد قناة وناسه الجديد 2024 بجودة عالية ...
- الاحتلال يعتقل النسوية والأكاديمية الفلسطينية نادرة شلهوب كي ...
- ريموند دو لاروش امرأة حطمت الحواجز في عالم الطيران


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - فاطمة ناعوت - جميعُنا قتلة … لا أستثني أحدًا