|
هشاشة مجتمع المخيمات بؤرةٌ لانحراف المراهقين .
يوسف حمك
الحوار المتمدن-العدد: 5732 - 2017 / 12 / 19 - 20:51
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
يجمع علماء النفس على أن مرحلة المراهقة تعد من أكثر المراحل خطورةً يعيشها الأفراد . موضوعها مؤرقٌ ، و معاناتها شائكةٌ ، قساوتها مؤلمةٌ ، يتخبط فيها المراهق ، و تعكر صفو حياته . تداهمه موجةٌ من الإحباط و الاكتئاب التي لا يجب الاستخفاف بها البتة . و ناهيك عن إيقاظ النزعة العدوانية بدواخله ، و التصرف كثيراً تحت تأثيرها . و في السياق ذاته يؤكد الفيلسوف اليوناني أرسطو : ( إن المراهق تستهويه النزوات ، و هو عدوانيٌّ ، فليس من السهل السيطرة عليه . و يقول دائماً : أنا على حقٍ .... )
تغييراتٌ جديدةٌ تطرأ على حياته الجسدية و الانفعالية و العقلية داخل مجتمعه . انفعالٌ جارفٌ ، و رغباتٌ جامحةٌ ، و تمردٌ ينضح جديةً لفك قيوده الأبوية و لاءات مجتمعه بحثاً عن ذاته المكبوتة . هيجانٌ جنسيٌّ يقذف به إلى ساحة الصراع لينازع غرائزه تارةً ، و يعاند بقوةٍ العقل الجمعيَّ الذي يكبله بتقاليده تارةً أخرى . ذاتٌ حبيسةٌ تتوق إلى الانعتاق و التحرر . فتعصف بكل تعثراتها لترتكب الأخطاء ، و تمارس الممنوعات . يغزوه القلق من اعتماده على الأهل ، فيثير فيه الحماس لاستنهاض رغبة الانسلاخ من الاتكال على الغير .
و قلما تخلو هذه المرحلة من المعوقات و الضغوطات و المعانات ، فيسميها المختصون ( بالمراهقة السوية ) بلا عنفٍ . مع فئةٍ نادرةٍ انطوائيةٍ تنفرد بنفسها ، فتترك الآخرين و شأنهم ، و تدعى ( بالمراهقة الانسحابية ) .
أما في المخيمات و التجمعات الحديثة فيبدو الأمر أشد خطورةً ، و أعظم تعقيداً ، و أكثر انغماساً في أوحال مجتمعٍ جديدٍ ، تغلب عليه الهشاشة و التفتت ، و عدم التماسك. ثقافاتٌ متباينةٌ ، و لهجاتٌ متعددةٌ ، و عاداتٌ تناقض بعضها ، و تقاليدٌ لا تتشابه ، و فوضى عارمةٌ تساهم في تنشئة جيلٍ يميل نحو الانحراف و السلوك غير المنضبط ، فالسقوط في هاوية الرذيلة و الشذوذ ، و الانحدار إلى الفشل و العار . تسولٌ على أبواب المنظمات ، و طُعَمٌ تغري الراشد العاقل ، فربما يبتلعها الكهل قبل المراهق , أجواءٌ مشحونةٌ ضبابيةٌ بلا صفاءٍ ، و بطالةٌ متفشيةٌ تفرخ الإحباط ، و تولد الملل ، و غربةٌ تكسر النفس ، فقلة حيلةٍ تعصر الروح وجعاً و ضجراً .
لاحتواء المراهق علينا ألا نخوض معه جدالاً عقيماً ، أو نفتح معه جبهاتٍ في الخصام و الكلام الجارح ، أو التشهير به في كل صغيرةٍ قبل الكبيرة ، أو الاعتداء عليه بالضرب أو الزجر . ما أجمل أن نرفق به ، و نبادره بالابتسامة و بشاشة الوجه ، فنحتضنه بدفءٍ ، و نربت على كتفيه ، فباللباقة نصحح وجهته ، و بحسن الموعظة نقوم مسيرته ، و برفيع الأسلوب نزرع فيه النبل و الأمل . و ألا نبالغ في التدقيق على بعض أخطائه البسيطة ، و لا نذكر مساوءه أمام الآخرين – فمن منا نحن الكبار لا أخطاء له أو نقائص – لئلا يشعر بانتقاص شأنه ، أو الدونية .... و بنفسٍ راضيةٍ يجب أن نتقبل أخطاءه ، و نستوعبها . مع الحذر الشديد على ألا يشعر بأنه رازحٌ تحت مراقبتنا ، و أن عيوننا عليه أينما حل .
نقدم له النصح بأسلوبٍ شيقٍ ، ليتعلم الصدق ، و عدم وقوعه في حبائل الكذب ، و بشاعة قبحه . كما أن عدم الكذب عليه من أولى واجباتنا ، لأن حبل الكذب قصيرٌ كما يقول المثل . و إلا ستسقط الأقنعة عن وجوهنا ، فيفقد الثقة بأقوالنا ، و يتعلم منا الكذب ، بدلاً من تجنبه ، فلم يعد يكترث لمواعظنا ، و نصغر في عينيه ، فنبدو أمامه قزماً ، و ردة فعله قد تدفعه ليزداد تورطاً في ارتكاب الممنوعات ، ثم يضطر إلى إخفائها باللجوء إلى الكذب .
نعم علينا منحهم الثقة في تشجيع مواهبه ، و إيقاظ كفاءاته الدفينة ، لملء فراغه ، و انشغاله بممارسة هواياته . كما علينا ألا ننسى ذكر مناقبه أمام الآخرين و إيجابياته أيضاً ، فتنتعش نفسه ، و تستحم روحه بسطوع نور الظفر و الاعتزاز بالنفس ، و التمسك برأس خيط النجاح متوجاً بنيل المعالي . فبالود نترك عليه أثراً إيجابياً ، و باللين نسطو عليه مطاوعاً ، و بالكلمة الطيبة ننجيه من مآزقه ، و بالحديث العطر ننتشله من أهواله . فإن تعذر علينا إصلاحه نستغيث بمرشدٍ نفسيٍ ، أو نستعين بطبيبٍ مختصٍ .
#يوسف_حمك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نفحاتٌ من همس الصحافة ، و أتون السياسة .
-
حقوق الإنسان كذبةٌ صبيانيةٌ .
-
عن العنف المزدوج ضد المرأة .
-
حروبٌ ترسم ملامح عهدٍ جديدٍ .
-
إمبراطورية الغرائز ، و وأد الطفولة .
-
الجلسات الحميمية تزيد الود ، و تعزز الوصال .
-
الهجوم على سياسة السيد البرزاني حجةٌ واهيةٌ و نفاقٌ
-
لوحةٌ سياسيةٌ ، ضبابيتها ستنقشع قريباً .
-
العبادي و مطرقة الحشد الشيعي .
-
ليلةٌ تنزف الرعب .
-
لا ضمير للسياسة .
-
المهم أننا سنصل .
-
كفاكم هرطقةً و سذاجةً .
-
سحقاً لك يا شرقُ .
-
هل الانتحار جبنٌ ، أم شجاعةٌ ؟
-
المعلم برسالته يخترق جدران كل الأزمنة .
-
النفوس اللئيمة تفتقد الوفاء .
-
يضعون الكرد دائماً في قفص الاتهام .
-
يومٌ ميمونٌ ليس كغيره من الأيام .
-
حينما بأمانيك يعبث الزمن ، بخلط أوراقك .
المزيد.....
-
الرياض -تأسف- لعدم قبول عضوية فلسطينية كاملة في الأمم المتحد
...
-
السعودية تعلق على تداعيات الفيتو الأمريكي بشأن عضوية فلسطين
...
-
فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي
...
-
حماس تحذّر من مساع -خبيثة- لاستبدال الأونروا
-
الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المت
...
-
إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف
...
-
بيان رسمي مصري عن توقيت حرج بعد الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلس
...
-
مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة: عدم تبني قرار عضوية ف
...
-
الأردن يعرب عن أسفه الشديد لفشل مجلس الأمن في تبني قرار قبول
...
-
انتقاد فلسطيني لفيتو واشنطن ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
المزيد.....
-
نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة
/ اسراء حميد عبد الشهيد
-
حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب
...
/ قائد محمد طربوش ردمان
-
أطفال الشوارع في اليمن
/ محمد النعماني
-
الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة
/ شمخي جبر
-
أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية
/ دنيا الأمل إسماعيل
-
دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال
/ محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
-
ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا
...
/ غازي مسعود
-
بحث في بعض إشكاليات الشباب
/ معتز حيسو
المزيد.....
|