أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - فائدة تحرر العقل من الثوابت















المزيد.....

فائدة تحرر العقل من الثوابت


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5730 - 2017 / 12 / 17 - 15:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



من بين كوراث البشرية آفة اسمها (ثوابت الأمة) وبتحليل هذا التعبير، يتبيّن أنّ أصحابه يعيشون بيننا بأجسادهم، بينما عقولهم وميولهم ترتد بهم إلى زمن غيرزمننا، ومجتمع غير مجتمعنا وثقافة غيرثقافتنا. والأشد خطورة أنهم يـُـقاتلون لفرض رؤيتهم، ويقتلون كل من يختلف معهم، وكأنّ الزمن لم يتحرك وأنّ المجتمع لم يتغير، وأنّ الثقافة لم تتجدّد.
رفض كثيرون من الفلاسفة الانصياع لتعبير(ثوابت الأمة) وكان من بينهم– وبالأدق– من أبرزهم الفيلسوف الهولندى باروخ اسبينوزا (1632- 1677) فرغم نشأته الدينية (الدين اليهودى) إلاّ أنه اختلف مع تلك الديانة ورفض التسليم بما جاءتْ به من فرضيات تتنافى مع لغة العلم ووقائع التاريخ، ولذلك قال عنه من أرّخوا لحياته أنه ((كان منتميًا لعصره أكثرمما كان يهوديًا، وأنّ تفكيره كان أوثق صلة بتفكيرديكارت وغيره من المفكرين الأوروبيين البارزين منه بأى مذهب يهودى)) والأكثرمن ذلك أنّ اسبينوزا ((قد انفصل عن الأمة اليهودية التى تنكــّـرتْ له انفصالاتامًا وتعلــّـق بالوطن (هولندا) ودافع عن حزب (ديفيت) الجمهورى وفسّرماهية الدين تفسيرًا علميًا. ورغم ذلك– ونظرًا لمكانته الكبيرة بين الفلاسفة– فإنّ بعض الشـُـراح اليهود حاولوا– رغمًا عنه– التقريب بينه وببن اليهودية. بينما أنّ مذهب اسبينوزا مُـتحرّرمن كل أصل يهودى، وأنّ النتائج التى انتهى إليها تتعارض تعارضًا أساسيًا، لامع المبادىء الأساسية لليهودية فحسب، بل أيضًا مع صورتها المُعدلة، كما عبّرعنها فلاسفة يهود. كما أكد من أرّخوا لحياته وكتبوا عن فلسفته أنّ هدف فلسفته الأساسى هو (تحريرالمسيحية من تراثها اليهودى)) بينما رأى آخرون أنّ اسبينوزا ((قد ابتعد عن التراث الدينى اليهودى والمسيحى معًا، وأنه كان يعتمد على العقل وأنّ تجربة العقل ينبعى ألاتتشابه أوتتشابك مع أى دين، لأنها فريدة فى نوعها))
والشـُـراح اليهود الذين حاولوا التقريب بين فلسفة اسبينوزا واليهودية، فإنهم فى نفس الوقت يتجنبون ويتجاهلون واقعة طرده من الطائفة اليهودية وانفصاله عنها طوال حياته الناضجة (أى منذ كان فى الرابعة والعشرين من عمره) حتى وفاته. وتلك الواقعة دليل قاطع على عصيانه الروحى للطائفة اليهودية التى نشأ فيها، كما أنه لم يتراجع عن موقفه فى أى وقت، أوحاول استر ضاء السلطة الدينية، بل إنه رحّب بطرده من طائفتهم وبذل كل ما استطاع من جهد لإزالة آخرالمؤثرات اليهودية فى تفكيره.
اجتزأ بعض اليهود فقرات من كتابات اسبينوزا ليُـدللوا على أنه كان مع إقامة (دولة يهودية) تكون خاصة خالصة لليهود، من ذلك الفقرة التالية من كتاب (البحث اللاهوتى السياسى) قال فيها اسبينوزا ((إننى أذهب لحد الاعتقاد بأنه لولم تكن مبادىء عقيدة اليهود قد أضعفتْ عقولهم. ولوسنحت الفرصة وسط التغيرات التى تتعرّض لها أحوال البشربسهولة، فقد يُـنشئون مملكتهم من جديد، وقد يختارهم الله مرة ثانية)) ورغم روح السخرية فى كلام اسبينوزا فإنّ أحد اليهود (كايزر) هلــّـل لهذا النص الذى يتكرّرالاستشهاد به عشرات المرات فى مؤلفات الشراح اليهود المتعصبين لليهودية.
وفى شرحه لما حدث كتب د. فؤاد زكريا ((من الملاحظ أنه ليس من الروح العلمية فى شىء أنْ يبنى المرء حكمًا عامًا على نص واحد، ويتجاهل آلاف النصوص الأخرى التى تشهد بطريقة قاطعة على خروج اسبينوزا على التراث اليهودى، بل وعلى كل تراث لاهوتى بشكل عام. وثانيًا فمن الضرورى لفهم هذا النص أنْ نـُوضح أنّ رأى اسبينوزا الخاص قى فكرة (المملكة أوالامبراطورية) وفكرة (اختيارالله لليهود) هورأى عرضه اسبينوزا مرارًا فى هذا الكتاب نفسه ويختلف تمامًا عن المعانى التى استخلصها (كايزر) وأمثاله مثل معانى العودة للدولة القديمة وإحياء مجد إسرائيل. وثالثــًا فإنّ هذا النص الذى استشهد به عدد كبيرمن شراح اسبينوزا اليهود، مُـنتزع من سياق لاشأن له على الإطلاق بتمجيد اليهود، بل إنه على العكس من ذلك يتضمّن انتقادًا مريرًا لهم. أما معنى (اختيارالله لليهود) فإنّ اسبينوزا لايكف عن القول بأنّ هذا الاختيارلايرجع إلى امتيازهم فى الفضيلة أوالعقيدة أوفى أية صفة أخرى، وإنما كان المعنى الوحيد لهذا الاختيارهوأنّ دولتهم القديمة خضعتْ لقوانين تكفل تنظيمًا سليمًا للمجتمع فحسب، والاختيارهنا لايضمن إلاّسلامة نظام الحكومة فحسب. أما فكرة امتيازشعب على شعب أوعلى بقية الشعوب، فإنّ اسبينوزا رفضها بشدة، وكتب اسبينوزا فى هذا الصدد ((هكذا نستنتج أنه لما كان الفضل الإلهى يعم جميع الناس على السواء، ولما كان الله لم يخترالعبرانيين إلاّمن حيث تنظيمهم الاجتماعى وحكومتهم، فإنّ اليهودى الفرد إذا ما نـُـظرإليه بمعزل عن تنظيمه الاجتماعى وحكومته، لايملك أية موهبة يخصه بها الله عن سائرالبشر، ولايوجد فارق يُميّـزبين اليهودى عن غيراليهودى)) (د.فؤاد زكريا فى كتابه عن اسبينوزا- دارالنهضة العربية- عام 1962- الصفحات من 357- 369)
وفيما يلى السياق الذى ورد فيه النص الذى استشهد به (كايزر) لتأييد مزاعمه فقد كتب اسبينوزا ((لايوجد على الإطلاق فى الوقت الحالى أى شىء يستطيع به اليهود أنْ يُباهوا به غيرهم من الشعوب، أما استمراراليهود كل هذا الوقت بعد تشتتهم وضياع ملكهم، فليس فيه ما يدعو إلى العجب، إذ أنهم قد انفصلوا عن كل أمة أخرى إلى حدٍ جلب عليهم كراهية الجميع، ولم يتحقق ذلك الانفصال فقط عن طريق طقوسهم، وهى طقوس تتعارض مع شعائرالأمم الأخرى، بل تحقق أيضًا عن طريق علامة الختان التى يحرصون كل الحرص على مراعاتها)) ثم ضرب اسبينوزا مثلا بيهود إسبانيا الذين أرغموا على التحول للمسيحية، ثم عوملوا معاملة حسنة، فاندمجوا مع السكان بمضى الوقت، بحيث تلاشتْ كل الفوارق بينهم وبين السكان الأصليين، أما يهود البرتغال الذين أرغموا أيضًا على التحول للمسيحية، ولكنهم اضطهدوا وعوملوا معاملة سيئة، فقد ظلوا محتفظين بهويتهم الدينية، وفى هذا الصدد يأتى النص الذى اقتبسه (كايزر) وتسبقه العبارة التالية ((إنّ علامة الختان وحدها لها من الأهمية ما يجعلها تكاد تكون كافية لحفظ الأمة إلى الأبد))
ومن الواضح أنّ اسبينوزا كان يسخرمن هذا الاعتقاد. وأنه انتقد اليهود بشدة وأكد على أنّ ما يُسمونه (معجزة البقاء) عبرالعصورالطويلة، لايرجع إلاّ إلى ماجلبوه على أنفسهم من كراهية الآخرين، فهى ليست معجزة على الإطلاق، وإنما هى مظهراعتلال وانحراف. وقد دلــّـل اسبينوزا على ذلك بمقارنته بين يهود عوملوا معاملة حسنة فتلاشوا– بوصفهم يهودًا– لا بوصفهم أفرادًا (أى مواطنين بغض النظرعن الدين) بينما احتفظ آخرون بديانتهم اليهودية عندما تعرّضوا للاضطهاد، أى أنّ هذه الكراهية التى جلبها اليهود على أنفسهم، والتى ضاعفها اضطهاد الآخرين لهم، هى التى تعمل على بقائهم، ولولاها لاندمجوا كغيرهم من الشعوب المتطورة عبرالتاريخ. وليس معنى الاندماج على الإطلاق أنْ تتلاشى الشعوب (أوتذوب الخصوصية لكل شعب) وإنما أنْ تخضع فقط لتطورالتاريخ خلال الزمان، وتستفيد من مزايا الاختلاط والانصهارمع غيرها، كما حدث مع عشرات الأمم القديمة التى لم يعد لها وجود بصورتها الأثرية، لا لأنها قد فنتْ، بل لأنها قد انصهرتْ واختلطتْ بغيرها عبرالزمان. وأفادها هذا الخضوع لمنطق التطورفائدة لاتقدر.
وأنّ اسبينوزا عاب على اليهود تحجرهم وافتقارهم إلى التكيف مع مجتمعاتهم التى يعيشون فيها، وحرصوا على تمييزأنفسهم بعلامة الختان حتى يظل جنسهم منفصلا عن غيره.
والنص الثانى الذى طالما استشهد به المفسرون اليهود، ورد فى رسالة اسبينوزا رقم 76 إلى ألبرت برج، وفى هذه الرسالة تحدث عن اليهود فكتب ((إنّ أكثرما يباهون به هوأنّ لديهم شهداء يزيدون على ما لدى أية أمة أخرى. وأنّ كل يوم يشهد أعدادًا جديدة ممن يتحملون العذاب من بينهم، بسبب عقيدتهم بقلب راسخ إلى حد يبعث على الدهشة. وتلك ليست أسطورة، فقد عرفتُ بنفسى، من بين الكثيرين ممن عرفتُ شخصًا يُـدعى (يهودا) ويُـلقب ب (المخلــّص) أخذ ينشد وسط اللهيب– فى وقت ظنه الناس ميتــًا– هذا النشيد: إليك يا رب أقدم روحى. ومات وهوينشد)) وهذا النص فى نظركثيرين من اليهود، اعتبروه عطف من اسبينوزا على اليهود، لكن هل هوبالفعل كذلك؟ لنتأمل السياق الذى ورد فيه النص: إنّ رسالة اسبينوزا كانت موجهة إلى كاثوليكى شديد التعصب هوألبرت برج، وكان اسبينوزا يُـناقش فيها الحجة التى سبق أنْ تقدم بها برج، وأيــّـد فيها عقيدته الكاثوليكية على أساس أنّ ملايين من الناس يؤمنون بها، وأنها ظلــّـتْ محتفظة بكيانها عبرالعصوردون انقطاع، والرد الذى أتى به اسبينوزا هوأنّ اليهود المُـتعصبين بدورهم يلجأون إلى هذه الحجة دائمًا، فهم– كما جاء فى الرسالة ذاتها- : يشيدون بنفس القدرمن الغروربكنيستهم التى ظلتْ حتى اليوم– من وجهة نظرهم– ثابتة راسخة، رغم ما يُبديه نحوها غيراليهود والمسيحيون من عداوة مريرة. وهم يحتجون خاصة بقدمهم ويدّعون– بصوت واحد– أنّ لديهم تراثــًا تلقوه من الله ذاته. وأنهم هم وحدهم حفظة كلمة الله المكتوبة وغيرالمكتوبة. ولكن أكثرما يفخرون به هوأنّ بينهم شهداء.
وكان تعقيب د.فؤاد زكريا ((من الواضح عندما يوضع نص اسبينوزا فى سياقه فإنّ المقصود به الرد على حجة هذا الكاثوليكى المتعصب بما يماثلها لدى اليهود، لإثبات أنّ الموقفيْن معًا باطلان، والمقصود من الأمثلة الأخيرة التى استشهد بها الشراح اليهود هوإثبات وجود أمة أخرى لايقل أفرادها عن الكاثوليكيين تمسكــًا بعقيدتهم واحتفاظــًا بها مهما كانت الظروف. وتكملة الحجة– كما هوواضح من السياق– هوكما يأتى: إنك تظن أنك صاحب الدين الحق لأنّ عقيدتك باقية، ولكن هناك أناسًا آخرين، هم اليهود، لديهم كل الأسباب التى تجعلهم يؤكدون أنهم أشد الناس تمسكــًا بعقيدتهم، فهل يكون لهؤلاء بدورهم أنْ يزعموا أنّ دينهم هو الحق؟ والواقع أنه لا الكاثوليكية ولا اليهودية، يحق لها أنْ تدّعى احتكارالحقيقة لنفسها، ومن الممكن الإتيان دائمًا– فى كل حالة تلجأ فيها إحدى العقائد إلى الحجة القائلة بقدرتها على البقاء – بأمثلة أخرى لعقائد مخالفة لاتقل عنها قدرة على البقاء، ولكن لاهذه ولاتلك يحق لها أنْ تدّعى لنفسها احتكارالحقيقة))
كما أنّ اسبينوزا تعرّض– بسبب حملته على فكرة (الشعب المختار) لانتقاد بعض معاصريه ممن كانوا يعتبرون هذا النقد– بما فيه من خروج على بعض تعاليم العهد القديم– منطويًا على مساس بتعاليم الإنجيل بأسره، وهكذا لاحظ (لامبرت دى فلتهويزن) فى الرسالة رقم 42 الموجّهة إلى اسبينوزا، أنّ هذا الأخيرأنكرفكرة اختياراليهود أوتفضيلهم على بقية الأمم، وأكد أنّ ممارسة الفضائل الأخلاقية أجدى من ممارسة شعائرالعقيدة اليهودية.
كما أنّ الشراح اليهود تجاهلوا نص اسبينوزا الذى قال فيه ((إنّ السعادة والبركة الحقيقية لكل شخص إنما تكون فقط من تمتعه بما هوخير، لافى مباهاته بأنه هووحده الذى يتمتع به دون كل من عداه. أما ذلك الذى يعتقد أنه أكثرمن غيره سعادة لأنه يتمتع بنعم يفتقرإليها الآخرون، أو لأنه أكثرغبطة أوأسعد حظــًا من أقرانه. فإنه جاهل بطبيعة السعادة والبركة، ولايمكن أنْ يكون السرورالذى يحس به إلاّصبيانيًا أوحسودًا خبيثــًا، مثال ذلك أنّ سعادة الإنسان الحقة لاتكون إلاّ فى الحكمة ومعرفة الحقيقة، وهى لاتكون أبدًا فى شعوره بأنه أحكم من الآخرين، أوأنّ الآخرين يفتقرون إلى مثل هذه المعرفة، فمثل هذه الأمورلاتزيد من حكمته أوسعادته الحقة. وعلى ذلك فإنّ كل من يغتبط لأسباب كهذه، إنما يغتبط لتعاسة الآخرين، وبذلك يكون خبيثــًا وشريرًا لا يعرف السعادة الحقة ولاطمأنينة الحياة الصحيحة.
ومع ملاحظة أنّ تلك الفقرة وردتْ فى فصل تناول فيه اسبينوزا موضوع اقتصارالنبوة أو عدم اقتصارها على العبرانيين، ومعناها الواضح هوأنه حتى لوكان اليهود ممتازين عن غيرهم بحق، فإنّ تباهيهم بهذا الامتيازيكفى لجعلهم أشرارًا، إذْ أنّ المرء يسعد بمتعه بالخير، لابإدراكه أنّ الآخرين محرومون منه. وهنا نقد أساسى لفكرة (الشعب المختار) مبنى على القول بأنّ الفكرة ذاتها ليست مما تشرف به أية أمة أويفخربه أى فرد يعرف معنى الأخلاق، إذْ أنها تنطوى على مقارنة فيها حط من شأن الآخرين، وليس الحط من شأن الآخرين من شيم الفضلاء. هذا فضلا عما تتضمنه الفكرة من أنانية واضحة، تظهرفى الاغتباط بافتقارالآخرين إلى السعادة التى يتمتع بها هذا (الشعب المختار) والأنانية صفة بعيدة كل البُـعد عن الفضيلة الحقة. وبعبارة أخرى ففكرة (الشعب المختار) فكرة مُـناقضة لذاتها، لأنّ من بلغ أسمى درجات الفضيلة لن يجد لذة فى تأكيد تميزه عن الآخرين. ولأنّ مجرد النظرإلى الآخرين على أى نحو ينطوى على الحط من شأنهم، معناه أنك (أيها اليهودى) لم تعد كامل الفضيلة ولم تعد (مختارًا)
أما الذين احتفلوا فى إسرائيل بمرور 300 سنة على طرد اليهود لاسبينوزا، وأرادو رد اعتباره بتشييد نصب تذكارى كتبوا عليه (أهلك) فسوف يجدون فى كتابات اسبينوزا نصوصًا عديدة نستطيع أن نستدل منها بكل وضوح على رأيه فى الدولة اليهودية القديمة. وبالتالى فى الدولة الحديثة التى تأسّستْ كى تكون إحياءً للقديمة أواستمرارًا لها، لأنّ اسبينوزا أكد تأكيدًا قاطعًا أنّ الدين ينبغى أنْ ينفصل عن الدولة، وأنّ الهيئات الدينية ينبغى أنْ تترك للدولة الكلمة الأخيرة. وأنّ الأحكام التى يفرضها الله على الناس لاينبغى أنْ تصدرإلاّمن خلال الحـُـكام الزمنيين. وأنّ الدولة مبنية على عقد بشرى وسلطتها مُستمدة من سيادتها لامن الأوامرالإلهية. أما فى الدولة اليهودية القديمة فقد خلط اليهود بين السلطتيْن الإلهية والزمنية. واعتقدوا أنّ دولتهم تنتمى إلى الله. وأنهم هم أنفسهم أبناء الله. ونظروا إلى الأمم الأخرى على أنها عدوة الله. وعاملوها بكراهية شديدة. ولأنّ اسبينوزا مرّبتجربة اعتناق اليهوديه واحتكّ بالطائفة اليهودية حتى تم طرده منها، لذلك جاء تشخيصه للعلل الحقيقة فى نفسية اليهود من واقع تجربته معهم. وتأكد من كراهية الشعوب الأخرى لهم ورفض اندماجهم فى مجتمعاتهم على أساس مبدأ المواطنة وليس على أساس الانتماء الدينى، وخلطهم بين السلطة الإلهية وسلطة الحكم فى دولتهم القديمة وهوخلط لابد أنْ ينعكس على دولتهم الحديثة. ولوصدرهذا الكلام من شخص غيريهودى لأصبح موقعه فى تاريخ الفكرفى قائمة (أعداء السامية) وهذا ما اتهمتْ به الطائفة اليهودية اسبينوزا فى أثناء حياته. ولكنه بعد وفاته ب 300 سنة أصبح فجأة فى نظرشراحه اليهود مدافعًا عن التراث اليهودى ومتعلقــًا بالأمة اليهودية. وهكذا تمّ تزييف الحقيقة وتشويهها عندما احتفلوا به فى إسرائيل، لمجرد أنْ يضموا إلى التراث اليهودى مفكرًا عظيمًا مثل اسبينوزا، الذى كان أعظم ما فيه ((تحديه لكل تراث سابق عليه))
ويبقى السؤال المهم من خلال عرض سيرة وفلسفة اسبينوزا: هل كان بمقدوره أنْ يُحدد موقفه من اليهودية (وهويهودى المولد والنشأة) إلاّبفضل استخدامه لعقله؟ وهل هناك سبب غير أنه رفض الإيمان بأكذوبة اسمها (ثوابت الأمة)؟
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل دور المفتى تضليل قرائه ؟
- ماذا يختارالكهنوت اسلامى: الارتقاء أم المذهبية؟
- الشعوب القديمة وتشابه الأساطير
- الرد على السيد (متابع)
- هل تتحرر الأوطان دون حرية المواطنين؟
- كيف يكون قتل الناس بأمر إلهى؟
- الإسلام والعروبة وجهان لمجتمع البداوة
- مجتمع انتفاضة يناير2011 الذى تم اجهاضه
- اليسار المصرى بين مرحلتين
- هل يمكن القضاء على العنف فى ألعاب الرياضة؟
- لماذا وافق ضباط يوليوعلى تصويرفيلم ضد مصر؟
- أثر الطب النفسى على علاج المرضى
- العلاقة العضوية بين أمريكا والإرهاب
- أعداء مصر وبناء الأهرام
- هل التبشير بدين يستدعى الاحتنلال الاستيطانى؟
- لماذا الربط بين عبدالناصروصلاح الدين الأيوبى؟
- تخاريف عصرية حول سجن النبى يوسف
- لماذا لايقتحم المبدعون المصريون التراث المسكوت عنه؟
- سيجموند فرويد والديانة العبرية
- اليمن ومقصلة العروبة


المزيد.....




- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - فائدة تحرر العقل من الثوابت