أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم مشارة - كان لي قلب














المزيد.....

كان لي قلب


إبراهيم مشارة

الحوار المتمدن-العدد: 5726 - 2017 / 12 / 13 - 00:52
المحور: الادب والفن
    


كان لي قلب في مثل براعم الثمار في آذار تتعانق الأكمام الفتية كأصابع الرضيع المخضلة وتغلق نفسها على سر الوجود ،الميلاد ،الإثمار، كان في مثل الساقية الصغيرة تخر خريرا عذبا شجيا إلى العشب ،إلى الغلات ، كان أوتارا طفولية نسجت منها شرايين ذلك القلب نسجتها أمي بمغزلها بيد مخضبة بالحناء وساق جرداء عجفاء إلا من الكدح والتعب، كان لي قلب لا يضخ الدم ولكن يضخ وجوه أصحابي ،بسماتهم ،مرحهم، شقاوتهم ، يضخ صور جباه الشيوخ المغضنة السمراء العالقة بها تربة السجود أثناء نوبة الساقية ، يضخ القهوة العتيقة التي تعدها أمي لنوية الساقية في إبريق بسيط ومسحوق قليل- للاقتصاد- ولكن لها شذا خاصا ومذاقا أعطر، كان قلبي يضخ ظفائر بنات القرية المدهونة بزيت الزتون والتثاؤب الذي ينم عن رغبة في الاستزادة من النوم ، والكلام الصبباني المحتشم الذي يعبر عن الشوق عن الرغبة عن الحب الطفولي ، كان لي قلب وتينه عقرب ساعة يتحرك على ميناء الحنين ،الشغف تستثيره رائحة أشجار السرو، رائحة البعر، رائحة التربة المبتلة بالمطرأو بالندى ،كان قلبي مجرة شموسها ونجومها هم وهن بالتصريحات والتلميحات وبلغة العيون.
قلبي اليوم ورم لا يضخ إلا الدم المؤكسد دماء الإحباطات والهزائم والملل، دما روتينيا، نمطيا يملأ تجاويف قلب ورم وشاخ وتآكل صار كصندوق أمي الذي تحفظ فيه أشياء الزينة القديمة الخاصة بها لما زفت عروسا أين تلك الظفائر الممسوحة بزيت الزيتون وتلك التثاؤبات الصباينية والمرح الطفولي؟ في دنيا ظنناها نحن الصغار ملوكها لا نتعب لا نمرض لا نموت يومنا منذور للعبث للضحك للمسرة للشقاوة ، حتى عقارب الساعات كانت تعاندنا تعربد تجري تقهقه تحلف باليمين الكاذبة مثلنا تماما يتماهى فرحها مع فرحنا.
وحتى القهوة التي نشربها نحتسيها اليوم على عجل كأننا نحتسي قطرانا و حتى الوجوه التي نصادفها نهرب منها كأن بها البرص والجذام، نفر منها فرارنا من الأسد!
سقط القناع على القناع لا يصلح القلب الورم إلا لحب عابر ونزوة ظرفية لأن البراعم قتلها الصقيع صقيع الاقتصاد السياسة والساقية جفت بفعل الجفاف الروحي وذوات الظفائر المجدولة صرن جدات يبحثن عن راتب التقاعد وضرورات الحياة والوجوه الصباينية العابثة مات فيها آخيل الحالم الشجاع الفارس ، انتحر أبو زيد الهلالي لأن الزمن ليس زمنهما.
من حكم أمي التي حفظتها :الدنيا العوجة بوبزيز- حيوان منحط- ولى خوجة، تماما كما يقول متعلم هذا زمن الرداءة ، تهرب إلى هناك تجد الجرح في نفسك ، ورم القلب لا رفاهية الشمال ولا رقيه يرجع ذلك القلب برعما، عصفورا، وترا، جرعة نبيذ، وتبقى تكابد الغربة، ولكنها غربة أهون من غربة تعيشها بين ناسك وفي وطنك إنها أقسى غربة جهنمها تلفحك في كل حين وزقومها تأكله في كل إبان !هذا العصر اليهودي جعل من كان أسفل عال :الحب دعارة والأصالة رجعية، والخصوصية انغلاق والدنيا كلها فلوس ،المرأة سلعة والقلب جيب يقبض والوطن مستودع، والخريطة لعبة بازل ، والسياسة مآرب شخصية والثقافة شطارة في اعتلاء المناصب وووو
ولدنا بأحلام أبي زيد وها نحن كنعود كأوديب ، ولدنا كأبطال الأساطير الشعبية وها نحن سننتهي كأبطال التراجيديا الإغريقية.
الوعي بقدر ما هو نعمة هو مأساة ألم يصدق ذلك المتنبي حين قال:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
ماأتعسنا نولد صغارا فرحين مبتهجين لا مبالين وننتهي كبارا حزينين كالحي الوجوه منكسري النظرات لكأن الميلاد والموت من رحم واحدة كلاهما يصاحبهما البكاء!
يا ربِّ: إن لكل جرحٍ ساحلاً..
وأنا جراحاتي بغير سواحل..
كل المنافي لا تبدّد وحشتي
ما دام منفاي الكبير...



#إبراهيم_مشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أشجان مقدسية
- الاعتراف
- سيدة لبنان وجارة القمر في عيد ميلادها
- سيدة الليل الأزرق
- أم كلثوم في وجداني
- مرافئ الذاكرة/ غيبة الحامدي
- من أجل ثقافة قومية إيجابية
- الناي والأحزان
- صوت أبي العلاء الاشتراكي
- عشر قصص قصيرة جدا
- الشريحة
- الكاتب الجيد يصنعه قارئ جيد وناقد جيد
- أي شيئ في العيد أهديكم؟
- كائنات الليل
- مذاق الكرز في فمي
- الكتابة بلون اللازورد:
- دز جوكر وأزمة النخبة في الجزائر
- مبارك جلواح رائد الشعر الرومانسي في الجزائر
- ياليلة العيد آنستينا
- الدين في خدمة الاستعمار قصة نشأة مسجد باريس


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم مشارة - كان لي قلب