أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دانة زيدان - رحلة لم أكن في حسابها.. بغداد الحب والشعر














المزيد.....

رحلة لم أكن في حسابها.. بغداد الحب والشعر


دانة زيدان

الحوار المتمدن-العدد: 5724 - 2017 / 12 / 11 - 00:23
المحور: الادب والفن
    


تلك رحلة لم أكن في حسابها، إذ يداعبني والدي في محاولات ناجحة لإغاظتي، يسألني: " أتذكرين رحلتنا للعراق، حين زرنا بحيرة الحبانية، ومدينة السندباد وسوق الشورجة؟ " ثم يتظاهر بنسيانه، ويقول بنبرة شريرة :"نسيت أنك جئت للحياة بعد رحلتنا بثلاث سنوات".
منذ طفولتي وأشعر بأن للعراق ألق لا يشبه أي مكان آخر، بالرغم أني لم أزره يوماً. قال لي أحدهم " تتبغددي علينا؟" سحرتني الكلمة حينها، كيف أن الدلع، والزهو يشبه بغداد منهل الرقي والعيش الرغيد.
(محطة 1)
في صفوف المدرسة، طلبت منا معلمة اللغة العربية أن نحفظ خمسة أبيات من أنشودة المطر لبدر شاكر السياب. بقيت أردد طيلة الطريق من المدرسة حتى المنزل:
"عيناك حين تبسمان تورق الكرومْ
وترقص الأضواء كالأقمار في نهَرْ
يرجّه المجذاف وهْناً ساعة السَّحر
كأنما تنبض في غوريهما النّجوم"
حتى حفظت القصيدة كاملة ورددتها على مسامع والدي الذي راح يحدثني عن السياب والمرض الذي سكن جسده، وقصة موته بعيداً عن زوجته وجيكور قريته التي أحب، وبقي يحن لها أبداً، في ظل الغربة الأبدية التي كان يشعر بها، وتنعكس في قصائده.
(محطة 2)
لم تكن المرة الأولى التي أسمع فيها اليتيمة "لا تعذليه فإن العذل يولعه" لإبن زريق البغدادي في الصف المدرسي. فقد كان والدي يردد كلما شد حقائب غربته:
ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ رَأيُ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ
كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ
لم يُعرف إبن زريق بكونه شاعراً، ولم توجد له أعمالاً غير هذه القصيدة التي كتبها بعد أن ترك قمره في الكرخ وإرتحل للأندلس طلباً للرزق، إلا أن العراقي شاعراً مع وقف التنفيذ، وكأن القريحة الشعرية تولد معه، وتسكن دمه.
(محطة 3)
حين إندلعت إنتفاضة الأقصى، تعرفت على الشاعر العراقي مظفر النواب، كنت أسمع أخي الكبير يتغنى بأِشعاره دوماً وهو يتابع نشرة الأخبار ويسمع خطابات الحكام وإستنكاراتهم، فيردد بعصبية:
" قمم قمم
هذا دم أم ليس دم؟
يا قمة الأزياء
سوّدت وجوهكم
من قمة
ما أقبح الكروش من أمامكم
وأقبح الكروش من ورائكم
ومن يشابه كرشه فما ظلم"

زاد حبي للنواب في سني مراهقتي، حتى قرأت جميع أعماله، وحفظت الكثير منها عن ظهر قلب، لينتهي بي الأمر أرددها أمام نشرات الأخبار أيضاً! أبهرني هذا الشاعر القاسي، الصريح، الذي لا يداهن، ولا يوارب في حديثه عن الحكام، في حين يكون أكثر المحبين رقة حين يقول: " يا ريت العمر بس وياك/ بلياها الأوادم كلها والجنة".
(محطة 4)
فتح لي أخي نوافذاً كثيرة على عالم الشعر. كان يحتفظ بدواووين الشاعر السوري نزار قباني، فكنت أتسلل لمكتبته وأسرق دواووينه لأقرأها. أما أكثر قصائده التي تأثرت بها، فكانت قصيدة رثائه لزوجته العراقية الجميلة بلقيس الراوي. حين قرأتها لم أكن أعرف بعد شكل بلقيس، إلا أن وصف نزار لها بأجمل الملكات في التاريخ البابلي، وأطول النخلات في أرض العراق، وتشبيهها بأمواج دجلة، ونينوى الخضراء، هذا الوصف جعلني أرسمها في مخيلتي أجمل النساء. فكيف لا تكون جميلة وهي "رمحاً عراقياً"؟.
(محطة 5)
"إغضب كفاك وداعة... أنا لا أحب الوادعين
إغضب على الصمت المهين... أنا لا أحب الساكنين
إني أحبك نابضاً متحركاً ... كالطفل كالريح العنيفة كالقدر"
قبل فترة قريبة، كنت أتناقش مع صديق طفولتي حول أشعار نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي. أخبرني هذا الصديق العديد من القصص المثيرة عن حياة نازك، وعن العلاقة الفريدة التي جمعتها بوالدها، ونقاشاتها الفكرية الثرية معه، وإهتماماتها المتنوعة، ورغبتها الدائمة بتجربة أشياء جديدة، والتي بالرغم من نشأتها بين أبوين يسرعان دوماً لتلبية ما تطلبه، كان كل من يقابلها يشعر بأنها تحمل هموم البشر أجمع فوق كاهليها بسبب حساسيتها المفرطة وتفاعلها الدائم مع الأحداث حولها، وتألمها لآلام الأخرين.
دفعني الفضول لمطالعة أعمال نازك الكاملة، والقراءة عن طفولتها، ونشأتها، ونسبها، وأسرتها، ونشاطاتها الأدبية، والإجتماعية، حتى مرضها ووفاتها. لفت إنتباهي تمردها على العادات التي كانت تضع المرأة في قوالب إجتماعية معينة، ودعم والدها المثقف لهذا التمرد، حيث كان يرافقها عند خروجها من المنزل دون عباءة كي لا يتعرض لها أحداً. إزداد حبي لنازك كثيراً –وأتقصد إستخدام لفظة حب لا إعجاب فقط- بعد أن قرأت عن حياتها، ليزيد أيضاً ولعي بالعراق الذي قدم لنا هذا الكم من الثقافة، والجمال، والإبداع.
في دوامة بحثي عن قصص ربما قد تكون فاتتني عن حياة الشاعرة، ظهر لي مقهى ثقافي في الكرادة الشرقية ببغداد سُمي على اسم نازك الملائكة تُجرى فيه أمسيات أدبية وشعرية وتراثية. قمت فوراً بإرسال صور المكان لصديقي الذي يتغنى دوماً بالعراق -رغم أنه لم يزره يوماً، لكن تمكن الحب من قلبه بسبب قصائد بدر شاكر السياب- ليرد علي بأنه يتمنى زيارة بغداد أكثر من أي شيء آخر، لكنه يخشى الموت بتفجير هناك!
للحقيقة، الذي دفعني لكتابة هذه السطور، الغصة التي شعرت بها عقب ما توارد لذهننا حين فكرنا في زيارة بغداد، مجرد فكرة. العراق قبلة الشعر، لا يليق به سوى الحب والحياة والأدب والثقافة والأنُس، والموسيقى، والطرب. لا الموت والتفجير، والكراهية. هذا الوطن ينجب كل ما هو مبهج، وحسن، ويراقص قلوبنا مثل صوت ناظم الغزالي، وأنوار عبد الوهاب، وزهور حسين، وسعدون جابر.
أتوجس خيفة ألا يتحقق أملي بزيارة بغداد، وأن يبقى حلم إعادة تشكيل الفسيفساء العراقية يراودني في منامي فقط. أخاف أن يمضي العمر ولا يأتي يوم أغني فيه من وسط بغداد الآمنة كما غنت أم كلثوم :"بغداد يا قلعة الأسود يا كعبة المجد والخلود عصفت بالنار الحديد وعدت للنور من جديد". فمتى يعود النور لبغداد، ويعود العراق ليشرق نوراً، وشعراً، وحباً علينا ؟



#دانة_زيدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دانة زيدان - رحلة لم أكن في حسابها.. بغداد الحب والشعر