أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميرفت أبو حمزة - يوم قررت الرجوع














المزيد.....

يوم قررت الرجوع


ميرفت أبو حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 5716 - 2017 / 12 / 2 - 11:37
المحور: الادب والفن
    


يوم قررت الرجوع
.............................
كان قد مرِٕ زمنا طويلا بعد أن ودعتها وبيدي وردة ، لم يتسنى لي أن أقدمها خوفا من أن أراها تداس بأقدم الغرباء، كانت المدائن قد أشاحت بأنوار ضبابية لم أدرك معناها ، لا أعلم إن كانت هي ضبابية أم هي الدمعة العزيزة التي أبت أن تسقط ، وكأن نذير شؤم دق مسماره في رأسي ،رحلت وبعضي بقي هناك حيث بزغ ظلي لأول مرة ، هربت وقتها لكنه بقي ملتصق بأقدامي حتى أوشكت الشمس على الغروب ولم أجد سوى حضن أمي لأحتمي به ، وأروي فزعي ومنذ ذاك الحين وأنا أضحك بسري كلما تذكرت ، لم أكن أعلم بأني سأحمل كل هذه الصور بذاكرتي صوت أمي ضحكات أبي المنهكة من شدة التعب... صوت أخي وهو مقبل وبيده خبز تفوح رائحته في كل مكان ، مشط أختي الذي كنت أخبئه عنها لتبحث عنه كما المجنونة ، جدتي وتنورها الدافئ وذكريات شغب بعض بحت به والبعض الآخر خبأته حتى عن نفس ، كنت أتلقف الصحف بشوق كبير وأهرب بها إلى مكان هادئ ، لأفتش فيها عن خبر أتنفس فيه عطر بلادي، أقصقص صور الأماكن وأخبئها تحت وسادتي ، كان العمل يأخذني من نفسي فلا يتسنى لي الوقت لأقلب بالمحطات العربية فأنام وأنا أقلب ذاكرتي كرغيف خبز يستشيط تارةً ويعبق بروحي تارةً آخرى ، وفي أحد الأيام وصلتني الجريدة وقد تصدرت صفحتها الأولى أخبار بلادي والموت ينعق كالبوم في كل كلمة كنت أقرأها ، لا أعلم وقتها بما شعرت لكنني اضطربت لدرجة أني جلست لساعات لا أتذكر كم هي ولا بماذا فكرت ، غير أني استفقت من شرودي وأنا أقرّع نفسي على الغياب وكأن وجودي كان لغير شيء مما قد حصل لو أني بقيت ، مرت الأيام والأخبار بدأت تتصاعد وبدأت أتهرب من الجريدة وكأنها سبب الألم الذي حل علي ، وفي أحد الأيام... ذهبت إلى عملي وإذ بمديري يقرر فصل وترحيل بعض زملائي لأنهم سوريين بما أن السفارة سُحبت من بلدي وبما أن السوريين أقل حظا من أبناء جلدتهم مع أنهم في بلاد ظاهرها عربي ، غير أن كفائتي في العمل وعدم إيجاد بديل عني جعلتني بمأمن من الطرد وبات هاجسي.... ماذا لو ! ؟
مرت الأيام والشهور والحال على ماهو عليه ، فقط أخبار دمار ودماء عن بلادي ، لا أعلم ما الذي دهاني...!!!
ذهبت إلى مديري وقلت له أنني سأعود إلى بلدي ، فضحك بسخرية وقال.... ويش لي تحكا فيه انتو السوريين مو ويه نعمة ان ما طرردناكم تطردون روحكم.... مع السلامة
ههههه لم ينظر بوجهي حتى وكأنه ينتظر أن أرحل وحدي ودون أي تعويض وأنا الذي لم يتسلم راتبه منذ خمسة شهور بسبب إعادة ضبط الميزانية ، فذهبت لبعض معارفي وطلبت العون وإذ بهم يقدمون لي النصح بألا أعود ونعتوني بالمجنون ، غير أنهم أعطوني حاجتي من النقود لأنفق على سفري ، فذهبت وحجزت تذكرتي وكأنني ذاهب لموافات حبيبتي شعرت بغبطة لا توصف ولم أنم ليلتها وأنا أنتظر موعد السفر ، حملت حقائبي ولم أنسى كومة الورق المقصقص من الجريدة وذهبت إلى المطار مسرعا، كانت المعاملة سيئة بحقي وكأنني جرذ تسلل بين السلاطين... قلت بنفسي لا يهم المهم أني سأرحل من هنا ، صعدت الطائرة وأنا مبتسم على غير عادتي بعد أن سرق الإغتراب وهم أهلي في لظى الحرب كل ابتساماتي ، المفاجئة الكبرى كانت بانتظاري في مطار دمشق ، إسمي من بين المطلوبين لخدمة العلم مع أنني أعلم بأني في مأمن من ذلك ، فأنا قمت بدفع البدل الننقدي للجيش ، وعلى مايبدو هناك خطأ ما فإسمي من بين المطلوبين!!
ساقوني إلى الجيش دون أن يعلموا أهلي حتى بوصولي ، بسبب انقطاع الهواتف عن إدلب بلدتي ، ذهبت إلى الجبهة بشكل مباشر وأنا الذي لم يطلق رصاصة حتى على عصفور ، مضى من الأيام مامضى وأنا لا أعلم حتى أين أنا.... ! ؟
حتى أسرت من قبل إحدى العصابات هناك حيث الوجوه المريبة واللحى الطويلة ، لغات لغات.......... لم أكن أفهم منها شيء... كان الصراخ والضرب والتعذيب اللغة الوحيدة التي أفهمها ، وفجأت سمعنا صوت انفجار جعل من الكل في حالة ذعر ما أتاح لي الفرصة بالهروب أنا وبعض العناصر المأسوريين ، كان الجوع والبرد رفيقان وفيان لرحلتنا حتى وصلنا إلى أحد الحواجز فاحتمينا بها وأيدينا مرفوعة، وعندما أخذوا أسمائنا كنت أيضا من بين المطلوبين لكن هذه المرة بتهمة الانشقاق ، فساقوني إلى إحدى السجون ، وإلى الآن أنتظر المحكامة ، لا أعلم كم مضى لكنني أعتقد أنها سنوات ، لابد وأنني بذاكرة أهلي ذاك العاق الذي لم يسأل حتى عن أباه وأمه....
هذه رسالة كانت قد وجدتها في سترة ثقبها الرصاص وتلطخت بالدماء على إحدى النواصي ، في أطراف قريتي



#ميرفت_أبو_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما تبكي المحبرة
- أحاديث غير مشروعة
- لعنة راحلة
- دعوا الوسائد نائمة
- كون على حافة مقربة


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميرفت أبو حمزة - يوم قررت الرجوع