أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - نقاش سياسي -- الجمهوريون --















المزيد.....


نقاش سياسي -- الجمهوريون --


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 5714 - 2017 / 11 / 30 - 18:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مؤخرا حصل تطور جديد في الساحة السياسية الوطنية ، و هي ترديد كلمة الجمهورية في تغريديتين منفصلتين ومتقاربتين زمنيا .
الأولى للضابط السابق مصطفى أديب ، والثانية للاّجئ السياسي بمملكة السويد عبدالرحيم المرنيسي . وللإشارة فان الاثنين هما أعضاء بارزون في " الائتلاف للتنديد بالدكتاتورية في المغرب " .
ان مجرد ترديد كلمة الجمهورية ، هو استثناء لما سبق ، حيث ان الائتلاف كان يركز على الطابع الحقوقي أكثر من السياسي . كما يُعتبر تقدما نحو الوضوح ، والقطع مع الضبابية السياسوية التي جعلت كل تحركات الائتلاف تبقى رهينة التجريبية ، والإنتظارية في المجال السياسي .
فما تم استنتاجه من خلال الكثير من تغريديات الأستاذ مصطفى أديب ، انّه كان يشخصن الصراع في شخص الملك مع بعض الضباط الكبار ، دون ان يصل الى انتقاد نظام الملك كنظام يجسد الاستمرارية ، من حيث الأصل والفروع لنظام الحسن الثاني .
لكن مع مرور بعض الوقت ، وبسبب العديد من التفاعلات التي يكون الضابط السابق قد استوعبها ، سواء من خلال علاقته بالنهج الديمقراطي سابقا ، او احتكاكه باللاجئين السياسيين المغاربة ، وعلاقاته مع بعض التيارات السياسية الفرنسية ، سينتقل نشاطه ، من الاكتفاء فقط بالنضال الحقوقي والشخصاني ، الى النضال السياسي ، لكن بشيء من التحفظ والتردد دائما ، وذلك حين بدأ ومن خلال تغريديات يطالب بالديمقراطية ، دون أن يحدد الإطار النظام الذي ستمارس ضمنه الديمقراطية ، اي دون تحديد الراية والمظلة .
فهو مثل صديقة عبدالرحيم المرنيسي نطق بكلمة الجمهورية ، ولم ينطق بالنظام الجمهوري الذي يمثل المشروع الإيديولوجي العام ، الذي سيتولى تنظيم كل كبيرة وصغيرة في الجمهورية المقبلة . كذلك حين تكلم عن الديمقراطية، فهو لم يحدد أي نظام ديمقراطي سيستوعب الدولة الديمقراطية القادمة ، اي هل ملكية برلمانية ام جمهورية برلمانية .
فهل النطق بكلمة الجمهورية دون النظام الجمهوري ، والنطق بكلمة الديمقراطية دون تحديد نوع النظام الديمقراطي ، هي فلتات لسان ، أو هي الأنا الأعلى واللاّهُو يتفجر عفويا ، ومن تلقاء نفسه ، وبدون ضاغط خارجي ، ام هي رسالة موجهة إلى أكثر من جهة ، قد تكون تشتغل على المشروع الإيديولوجي الجمهوري ، والمشروع الديمقراطي لنوع النظام القادم .
ولنا ان نتساءل ، هل أصبح " الائتلاف المغربي للتنديد بالديكتاتورية " تنظيم سياسي جمهوري ، ومن ثم يكون قد خطا خطوة إلى الأمام في الوضوح ، وفي القطع مع الضبابية السياسوية ، والتردد ، وانتظار حدوث ما لا يمكن حدوثه ، بدون تحديد الممارسات ، والميكانيزمات ، والتكتيك ، وعلاقته بالإستراتيجية .
أسئلة تبقى مشروعة ومهمة لتحديد المسؤوليات ، و تُغْني في دراسة الأحزاب السياسية ، وجماعات الضغط المختلفة في المجتمع . كما تُغني وتفيد في معرفة نوع القوى السياسية الفاعلة ، وبرامجها وتخندقها ، اي الوضوح التنظيمي والأيدلوجي .
لكن رغم ذلك ، فلكي يُسْتبعد فقط النطق بكلمة الجمهورية ، عن كونها فلتة لسان ، او إفرازات اللاّهُو والأنا الأعلى ، على الائتلاف ان يحدد وبوضوح ، تصوره للنظام الديمقراطي ، او للنظام الجمهوري المقبل .
وهنا حين نتحدث عن النظام الديمقراطي ، فالهدف الرئيسي والمشترك ، يبقى في الأصل ، النظام الديمقراطي ، وتحت أية راية او مظلمة ، دون التشبث فقط بالقشور والضفاف ، من قبيل الجمهورية التي قد تكون غير ديمقراطية .
فعلى الائتلاف ان يحدد ، نوع وشكل النظام الجمهوري الديمقراطي المقبل ، إنْ كان يشتغل على مشروع إيديولوجي ومجتمعي عام ، كما عليه أن يوضح نوع الميكانيزمات والوسائل اللازمة للوصول الى الهدف الأسمى ، كأن يكون التغيير من فوق بانقلاب عسكري ، وإن كان الأمر كذلك ، فهل خطاب الائتلاف موجه الى عيّنة دون غيرها من الجيش ام هو موجه الى كل الجيش ؟
ام انْ يكون التغيير من خلال ثورة طبقية ، وإنْ كان الأمر كذلك ، ما هي الطبقة السياسية التي قد يُعول عليها الائتلاف في الثورة المقبلة ؟
ام ان يكون التغيير بثورة شعبية ، كما حصل في إيران في سنة 1979 وفي ثورة 1917 ؟
وهنا قد نتساءل عن درجة تغلغل الائتلاف ، وسط شعب تغلب عليه العاطفة ، والماضوية ، والانغلاق ، والأمية ، والرتابة ، وغير مُدرك لحقوقه الطبيعية في نظام يجعل منه رعية ، ويرجع له فقط كلما كان الحاجة تسمح بذلك ؟
ثم كيف ستكون الانطلاقة ان كانت ستعتمد الميكانيزمات الثورية ، شعبية كانت ام طبقية . هل بالشروع في إعلان الإضراب العام ، ثم الانتقال إلى الإضراب العام التصاعدي ، الى الإضراب العام الشامل والمستمر دون انقطاع ؟
ام عن طريق استغلال ظرف سياسي دقيق ، وقضية لها إفراط في الحساسية الشعبية ، كذهاب الصحراء وهي ذاهبة ، لتنظيم المسيرات الشعبية في كل المدن الكبيرة والصغيرة ، واستغلال نقمة وغضب الجيش الذي يكون قد غادر الصحراء ، وليتفاعل الاثنان ( شعب وجيش ) في إحداث التغيير الذي ينتظره الائتلاف ويشتغل عليه ؟
ام استغلال خطورة الظرفية الاجتماعية والاقتصادية ، وتزاوج هذين الظّرفيتين بقضية الصحراء ، لإعلان اعتصامات شعبية عامة ، وشحنها ودفعها لتنقلب الى تناقض ومواجهة مع النظام ، لأحداث التغيير المنشود الذي قد يكون الائتلاف يشتغل عليه ؟
ام استغلال تأزم قضية الصحراء المهددة بالانفصال ، والإعلان عن عصيان مدني ، سيحظى بثقل الجيش الذي يكون قد اخذ الضوء الأخضر من صناع القرارات السياسية في العواصم الأوربية واشنطن ، باريس ، مدريد ولندن ، للالتفاف على الهبّة او الثورة ، إذا تبين أنها ستأتي بنظام متناقض مع القيم الغربية ؟ .
فالنطق فقط بكلمة الجمهورية ، لا يعني ان صاحبها قد أصبح جمهوريا بين عشية وضحاها ، بل لابد له من ألإعلان الصريح بتشبثه بالنظام الجمهوري ، ونوع النظام المرتقب الذي سيعوض النظام الحالي .
فهل هي جمهورية عربية إنْ كان يقف ورائها الجيش ، إنْ حاز على الضوء الأخضر من باريس وواشنطن ومدريد ؟
هل ستكون جمهورية على غرار جمهوريات أوربة الشرقية ؟
أم أنها ستكون جمهورية على غرار جمهوريات الاتحاد السوفيتي المنحل ؟
ام ستكون جمهورية على غرار جمهورية محمد أنوار خوجة ، ام جمهورية رابطة الشيوعيين اليوغسلاف ، ام جمهورية نيكولاي تشاوسيسكو .....
ام جمهورية على غرار جمهورية الصين الشعبية ، التي تحولت الى مفترس امبريالي يغزو العالم بدون رحمة ، ام ستكون جمهورية على غرار كوريا الشمالية ؟
ام ستكون جمهورية على غرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية ؟ .
فتحديد شكل ونوع النظام الجمهوري القادم ، سيكون ضروريا لتصنيف الائتلاف ، وسيفيد دارسي علم السياسة والعلوم السياسية ، في تحديد عدد أنواع التنظيمات التي تشتغل على مشاريع إيديولوجية جمهورية .
وبالرجوع الى سجل الحركات الجمهورية الحديثة ، أثارنا التحول الذي أصبحت عليه " حركة الجمهوريين المغاربة " التي مقرها الرئيسي بايطاليا ، وهو تحول بقدر ما أعطى صورة حقيقية عاكسة للحركة ، بقدر ما أزال اللبس عن أشياء كانت الى وقت قريب ، تسترعي باهتمام السياسيين ، من مشتغلين بالشأن العام ، الى طلاب جامعات ، الى أساتذة لمادة علم السياسية والعلوم السياسية ، ومادة القانون الدستوري والأنظمة السياسية ، الى مواطنين مبْليين بحب الاستطلاع والمعرفة ، حيث كان الجميع يطرح السؤال الأساس : من هي " الحركة من اجل الجمهورية المغربية " ؟
بداية لا حظنا ان اهتمام الحركة ، لم يكن تنظيميا ولم يكن إيديولوجيا ، كما كان عليه الحال بالنسبة لجمهوريين الستينات والسبعينات . بل سنجد أنها تشتغل بالسياسة دون ان يكونوا سياسيين محترفين . فانتقاداتها وخرجاتها لم تكن سياسية خالصة ، لأنهم لم يسبق ان ناقشوا نظريات ، او عقدوا مؤتمرات ، كما لم تكن إيديولوجية و لم تكن تنظيمية . فهي كانت تركز على الأشخاص دون تركيزها على الأنظمة ، كما كانت تعتني ببعض الأحداث العابرة ، التي يتداولها الناس بشكل عادي ، ودون البحث عما إذا كان مصدر النبأ او الخبر كاذبا او صحيحا . فالركوب وبهذه الطريقة السهلة على الأحداث ، جعل من الحركة لا تختلف من حيث المضمون والشكل ، عمّا يروج له العامة لاستهلاك الوقت ، وملئ الفراغ في المقاهي . ولم يسبق كما كان حال جمهوريي الستينات والسبعينات ، انْ اعتمدت التحليل العلمي في شرح الإشكالات السياسية ، والإيديولوجية المطروحة في الساحة . فحين تتابع ما يتم ترديده عبر اليوتوب ، تكاد تجزم بأنك تستمع لحكواتي ، او لمواطن عادي يشتكي ويتشكى ، او انك أمام شخص يخبرك بما حصل ، وأنتما تتناولان فنجان قهوة بمقهى بالمدينة .
ان هذه الحقيقة أكدتها التحولات غير المدركة بحقيقة الوضع الاجتماعي ، و زادت من يقينيتها ، انتقال الحركة في شخص السيد تاشفين بلقزيز ، من الممارسة السياسوية ، الى الحقل الديني الذي يتغذى منه الشعب المغربي .
ان هذا التحول الغير المدروس ، بفعل انعدام التجربة والممارسة السياسية والتنظيمية ، بالتركيز على الدين ، وترك الثيوقراطية والاوتوقراطية أدى :
1 ) انه عرى على حقيقة الحركة بكونها لا تملك برنامجا سياسيا ، وإيديولوجيا ، وتنظيميا .
2 ) انها مجموعة من الأشخاص المتناثرة هنا وهناك ، تستخدم النت ومواقع التواصل الاجتماعي ، لمحاولة التأثير على المُتلقي كيفما كان ، رجل شارع عادي ، او مثقف مدرك بحقيقة الأمور ، وفاهم للعبة بمفاصلها المختلفة .
3 ) اعتبار التحول هذا اكبر ضربة للحركة ، سواء من حيث النظام الذي يكون قد كوّن عليها فكرة حقيقية ، ومن ثم فلن تخيفه في شيء ، ولن يهتم بها كخطر ، لأنها ليست لها جذور شعبية مثل الحركات الإيديولوجية ، والعقائدية ، والسياسية المتبنية لتنظيم من التنظيمات .
4 ) نفور ما تبقى من متتبعيها من المواطنين المبْليين بحب الاستطلاع بسبب موقفها من الدين ، وقد لمست هذا الجديد من خلال حوارات مع أناس عاديين ، مثل بوّابُو العمارات ، حين رددوا اسم ريشارد عزوز ، واسم تاشفين بلقزيز ، وبيتير شمراخ .... وانتقدوهم من جانب موقفهم من الدين المتغلغل في أعماق المغاربة منذ قرون الخ .
ان الاقتصار على انتقاد الأشخاص ، والتمسك بالأحداث والوقائع الظرفية ، وفي غياب الأرضية التنظيمية ، والسياسية ، والإيديولوجية ، والعقائدية ، هي عوامل سلبية تُفقد الحركة ، أيُّ سند شعبي قد تتخيله كقنطرة لبناء جمهورية لا توجد إلا في مخيلة الحالمين بها .
ان السؤال الذي يُطرح هنا ، هو ما هي الميكانيزمات ، والتكتيكات المعتمدة للوصول الى الإستراتيجية المغيبة عند الحركة ؟
فهل بعدد من الأفراد المتناثرين هنا وهناك ، واستعمال مواقع التواصل الاجتماعي ، للدعاية والترويج لجمهورية دون التوفر على شروط الوصول اليها ، هو عمل كافي لاختصار تجارب الجمهوريين الأولين ، جمهوريو الستينات والسبعينات ؟
ثم كيف تفكر الحركة في بناء جمهوريتها المُفترضة ، وهي الحركة الغائبة من التفكير الشعبي ، الذي تتحكم فيه ضوابط أخرى ، لا علاقة لها بالحِكِيِّ ، ولا بتناول الأحداث او الوقائع المتسرعة ؟

وبما ان الحركة تتبنى الجمهورية ، فمن هي القيادة المرشحة لتولي حكم الجمهورية عند نجاح ( الثورة او الانقلاب ) المرتقب ؟
إن الاهتمام والتركيز على الدين ، وبالضبط الدين الإسلامي ، والدعوة الى جمهورية الحادية وملحدة في مجتمع اسلاموي ، ومنغلق ، وتقليداني ، وخرافي ، وامي ، وأكثر من محافظ ، هو دليل على التخبط السياسوي للحركة ، ودليل على فقدانها للحس الشعبي الذي يحدد صورة المغرب الحقيقي ، لا مغرب المعاصرة التي ليست هي معاصرة ، ولا مغرب الأصالة التي ليست أصالة .
فهل من المتوقع بناء نظام ملحد ، في مجتمع متدين من أوله إلى آخره ، وان كان تدينه يمكن اعتباره نفاقا في بعض الحالات والمظاهر ؟
وبالرجوع الى " الائتلاف للتنديد بالدكتاتورية في المغرب " ، سنجد وعبر تغريدة سابقة ان مصطفى أديب ، اعتبر نقد الدين مسألة مشروعة ، لكن بفطنته ، فهو لم يحدد ولم يركز على دين معين ، بل تكلم عن الدين بوجه عام ، سواء كان الإسلام ، او المسيحية ، او اليهودية ، او البوذية ، وان كان القصد ان حاولنا التوسع في البحث ،انه يقصد الإسلام ، دين الدولة المغربية والشعب المغربي . فتناول انتقاد الدين بشكل عام ، هو لتجنب انتقادات المتأسلمين ، والاسلامويين ، والمتعاطفين الحاليين والمفترضين مع الائتلاف .
أما " الحركة من اجل الجمهورية " ، وبالضبط في شخص السيد بلقزيز تاشفين ، فهي تركز على الإسلام ، والإسلام وحده ، دون غيره من الديانات الأخرى ، من يهودية ومسيحية ، وكأنّ هذه الديانات أحسن حالا من الإسلام ، وأكثر منه تقدما .
ونحن نعلم ونحق المآل المنتظر ، أنْ تنتقد ، بل تتهجم على الإسلام في أوربة ، وان تتهجم وتنتقد اليهودية والمسيحية ، فهما ليس على نفس الكفة والدرجة ، بل كل من ينتقد الإسلام كدين ، هو مُرحب به ماديا ومعنويا . والسؤال لماذا التهجم بالضبط على الإسلام ، ولماذا ليس نفس الهجوم على الديانات الأخرى ؟
وهل بناء الجمهورية لا يتم إلاّ بالهجوم على الدين ، مثل انّ معارضة النظام ، لا تتم إلاّ عن طريق تقسيم وحدة الوطن والشعب ؟
إذا كانت الحركات والمنظمات السياسية التي تعمل على مشروع إيديولوجي عام ، تعقد بصفة دورية مؤتمراتها ، وتنتخب قياداتها الوطنية والمحلية ، وتصادق على الشكل التركيبي والتنظيمي للتنظيم او للحزب مثل ، مكاتب سياسية او كتابة وطنية ، لجنة تنفيذية ، أقسام ، فروع ، خلايا ، انويه ..... وتصادق على التقريرين الأدبي السياسي والمالي ، فالمعروف ان " حركة الجمهوريين المغاربة " وعبر تاريخها ، لم تعقد مؤتمرا وطنيا بالمهجر ، ولا انتخبت قيادة وطنية ومحلية ، ولا صوتت على التقريرين المادي والسياسي الأدبي ، ولم تخلق تركيبات تنظيمية وهيكلية تميزها عن غيرها من التنظيمات المتشابهة والمتماثلة .
بل ما لاحظناه ، ان كل الحركة تختزل في أفرادا متناثرين هنا وهناك ، ومنفصلين عبر أوربة ، وقد يُحسبون على رؤوس الأصابع . فهل بهذه النماذج سيتمكن هؤلاء من بناء الجمهورية الملحدة في مجتمع معروف بتدينه ولو نفاقا ، وبمحافظته ، وانغلاقه في الموروث الماضوي الذي يُجمِّد التجديد والجديد ؟
وللإشارة ف " الائتلاف من اجل التنديد بالدكتاتورية بالمغرب " ، ربما يكون قد استوعب ، وفطن لهذه الحقيقة ، التي على أساسها تم لقاء ( مؤتمر ) بين أعضاءه ، على إثرها تم انتخاب اطر في القيادة ، وتم توزيع المهام بين الأعضاء أينما وُجد الائتلاف .
لكن المشكل أننا لم تقرأ تقريرا إيديولوجيا، ولا سياسيا ولا تنظيميا، وهو ما يُعد إعاقة لأساتذة ، وطلاب علم السياسة ، والعلوم السياسية ، ومادة القانون الدستوري والأنظمة السياسية ، والمهتمين بالشأن العام .
لقد عرف المغرب العديد من الحركات الجمهورية المختلفة ، وبعضها نجح لبعض الوقت في تكوين جمهوريته التي استغرقت ست سنوات ، وبعضها ظل لصيقا بالفكر الجمهوري وما بدّل عنه تبديلا .
كانت أول حركة جمهورية نجحت في التأسيس للجمهورية كدولة ، هي جمهورية الريف التي كانت منفصلة عن المغرب . لقد كان لهذه الجمهورية مؤسساتها ، رايتها ، نشيدها ، عملتها ، دستورها ، جيشها ، شرطتها ... الخ ، اي كانت دولة مستقلة ومنفصلة عن المغرب ، ودامت ست سنوات ، قبل ان يتم القضاء عليها من قبل اسبانيا ، التي لم تتردد في استعمال الغازات السامة ضدها .
كان كذلك جمهوريون آخرون تأثروا بالجمهورية الريفية ، وهم الجمهوريون الذين كانوا يتواجدون في المناطق المُسماة بمناطق السِّيبَة ، التي ثارت ضد الاحتلال الفرنسي والاسباني ، وضد الحكم المركزي في العاصمة فاس . فالجيلالي الرُّوگي المكنى ب ( بوحمارة ) لم يكن فتانا ، بل كان ثوريا جمهوريا ، ضد فرنسا واسبانيا وضد الحكم المركزي .
وفي الخمسينات والستينات عرف المغرب جمهوريين آخرين تأثروا بنماذج الحكم في الشرق الأوسط ، من ناصريين ، و بعثيين ، كما تأثروا بحكم الدولة الجزائرية البرجوازية الصغيرة ، خاصة في الرئيس بن بلة . وقد بلغت هذه الحركة الجمهورية أوجهاً في 16 يوليو 1963 ، وفي 3 مارس 1973 .
وفي السبعينات عرف المغرب حركات جمهورية جديدة . وبخلاف الجمهورية البرلمانية التي كان يطمح لها الجناح الراديكالي في " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " ، فان جمهوريي السبعينات ، كانوا يطمحون لتأسيس جمهورية ديمقراطية شعبية ، يكون عمودها الفقري ، دكتاتورية الطبقة العاملة ، وبالتحالف مع الفلاحين الفقراء .
والى جانب الجمهوريين اللاّئيكيين في سبعينات القرن الماضي ، فقد عرفت كذلك نفس الحقبة دعاةً لتغيير النظام من ملكي إلى ، إماّ نظام جمهوري اسلاموي ، او نظام على نمط الخلافة .
وهنا لا ننسى جمهورية الجيش الذي قاد انقلابات عسكرية في سنة 1971 و 1972 . فالانقلاب الأول كان سيؤسس لأول جمهورية أمازيغية بربرية بعد 1956 . والانقلاب الثاني ، كان سيؤسس لجمهورية برجوازية صغيرة ، حيث تحالف الجيش ( الجنرال محمد أفقير ) مع الفقيه محمد البصري ، احد صقور الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، لإقامة دولة جمهورية برجوازية صغيرة .
وهو نفس العرض قدمه الجنرال احمد الدليمي إلى الفقيه محمد البصري ، الذي بعد تفكير عميق رفض العرض ، ليس بسبب معارضته للأنظمة العسكرية ، بل لخوفه من انْ يكون مصيره ، مصير سابقه المهدي بن بركة .
ان حركة 3 مارس 1973 التي تنكر لها مؤسسها الفقيه محمد البصري ، كانت كرد فعل على فشل انقلاب الصخيرات في سنة 1971 ، وفشل انقلاب الطائرة في سنة 1972 ، وكانت كرد فعل على اختطاف الضباط ، وضباط الصف ، والجنود ، من السجن المركزي بالقنيطرة ، وترحيلهم الى سجن تزمامارت الرهيب .
ان الساحة السياسية الوطنية لا تزال تحمل حركات يسارية صغيرة ، لا تزال تحلم بالجمهورية ، وبدكتاتورية الطبقة العاملة . ورغم ان هؤلاء يشتغلون بالقلم والورق ، وليس بالمطرقة والمنجل .
ورغم أنهم يعرفون أنهم ومن موقعهم الطبقي البرجوازي الصغير ، هم اكبر عدو للطبقة العاملة وللفلاحين الفقراء ، رغم عدم وجود هاتين الطبقتين بالمفهوم الماركسي ، فلا يزالون يواصلون نفس الدرب وما بدلوا تبديلا . بل عشقهم الأفلاطوني للنظام الجمهوري ذهب بهم الى استنساخ جمهورية طلابية أطلقوا عليها اسم " جمهورية ظْهرْ المهرازْ " .
لقد نجحت ثورة 1917 ، لوجود تربة وأرضية تعج بالثقافة والمثقفين ، وكانوا إيديولوجيين وسياسيين محنكين .
ونجحت ثورة 1949 ، لوجود قاعدة ثقافية حاضنة لكل كتابات ذاك الزمن وفي كل المجالات الأدبية والفنية والسياسية والعلمية .
ونجحت الثورة الإيرانية في سنة 1979 ، لوجود قاعدة ثقافية عقائدية راسخة في ذهن الشعب الإيراني ، سهلت في إسقاط نظام بهلوي .
والسؤال لدعاة الجمهورية المغربية ، وبمختلف أشكال تنظيماتهم وحركاتهم . هل هناك قاعدة ثقافية حاضنة بالمغرب ، وشعب مثقف واعي كل الوعي ، سيتجاوب سريعا مع الجمهوريات المفترضة ؟
ان التلويح بالجمهورية في نظام مجتمع جد منغلق ، ومحافظ ، وقبلي ، وتنخره الأمية حتى الأذنين ، وعنيف ، ومصلحي ، وأناني ، ومنافق ...الخ يعني التدمير والخراب .
فعوض الدعوة الى الجمهورية التي ستكون مستبدة ، وطاغية نظرا للعقلية العروبية المتزمتة ، يجب الدعوة الى النظام الديمقراطي الحقيقي ، تحت أية مظلة او راية كانت .
ان الحل لي في الشكل ، بل في المضمون .
أليس في أوربة ملكيات وجمهوريات ، لا احد يشكك في مصداقية ديمقراطيتهما ، رغم أنهم نظم برجوازية متوسطة ، و ما فوق المتوسطة ، تحتكر الحكم لصالحها ، وليس لصالح الشعب الذي يستعمل ككمبراس ، ينتهي دوره بمجرد وضع ورقة الانتخاب في صناديق الانتخابات .
في كل شيء يجب اعتماد النسبية ، أما الإطلاقية ، فتؤسس للاستبداد وللدكتاتورية ، ولحكم الفرد الواحد ، والحزب الواحد .
وحتى نكون ديمقراطيين حقيقيين ، تصبحون على وطن ديمقراطي ، لا وطن استبدادي وطاغي .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل ستعترف اوربة بالجمهورية الصحراوية ، إنْ حضرت اللقاء المنت ...
- إيجابات رفيق في زمن الخيانة ، في زمن الردع العربي
- إغتراب البطولة في رواية - وليمة لأعشاب البحر -
- خطاب الملك و مآل الصحراء
- ويستمر الظلم -- إخبار لاحرار وشرفاء الشعب المغربي
- رد على الجيش الالكتروني الجزائري الذي يديره الجيش والدرك وال ...
- خبث الجزائر ومكر البوليساريو
- السؤال الذي على المغرب طرحه على الاتحاد الاوربي
- لعبة الامم واشكالية صياغة القرارات الاممية -- الصحراء المغرب ...
- حدود تحرك البوليساريو كجبهة وكجمهورية
- اللقاء بين الاتحاد الاوربي والاتحاد الافريقي في مهب الريح
- الملك ضد الملك
- فشل إنفصال كتالونية
- آية الغضب المحْموم
- الحركات الانفصالية : الريف ، كتالونيا ، كردستان
- كردستان العراق ، كتالونية ، الصحراء : من الحكم الذاتي الى ال ...
- لا تلُم ْالكافر عن كفره ، فالفقر والجوع أب الكفار
- رسالة الى الاستاذ عبدالرحيم المرنيسي -- مملكة السويد الديمقر ...
- هل يمكن تغيير النظام في المغرب .... وان كان الامر ممكنا .. ك ...
- هل فشل حراك الريف ؟


المزيد.....




- بآلاف الدولارات.. شاهد لصوصًا يقتحمون متجرًا ويسرقون دراجات ...
- الكشف عن صورة معدلة للملكة البريطانية الراحلة مع أحفادها.. م ...
- -أكسيوس-: أطراف مفاوضات هدنة غزة عرضوا بعض التنازلات
- عاصفة رعدية قوية تضرب محافظة المثنى في العراق (فيديو)
- هل للعلكة الخالية من السكر فوائد؟
- لحظات مرعبة.. تمساح يقبض بفكيه على خبير زواحف في جنوب إفريقي ...
- اشتيه: لا نقبل أي وجود أجنبي على أرض غزة
- ماسك يكشف عن مخدّر يتعاطاه لـ-تعزيز الصحة العقلية والتخلص من ...
- Lenovo تطلق حاسبا مميزا للمصممين ومحبي الألعاب الإلكترونية
- -غلوبال تايمز-: تهنئة شي لبوتين تؤكد ثقة الصين بروسيا ونهجها ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - نقاش سياسي -- الجمهوريون --