أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رولا حسينات - الرمال المفككة














المزيد.....

الرمال المفككة


رولا حسينات
(Rula Hessinat)


الحوار المتمدن-العدد: 5711 - 2017 / 11 / 27 - 22:49
المحور: الادب والفن
    


الرمال المفككة
الصرخة التي أطلقتها وذابت في الهجير، ودارت في دوامة القيظ الذي ضرب الصحراء، وعاد ليصيبها بحمى النفاس، فسقطت بين الحياة والموت وهي تهذي باسمه، ولكن لم يكن ليسمعها فقد التهمته كثبانها واختفى، بعد أن سلبتها ذلك الجمل المسن الذي كانت تركبه في عاصفة رملية ضربت ما حولها من كثبان ورمال فلم تكن لترى سوى اللون الأصفر... قبل أن يأتيهم قطاع الطرق الملثمين...
لم يكن معهم ما يستحق، تلك العصبة من الرجال الذين توارت أعينهم بكحل أسود فوق أربعة خيول شهباء....ولكن العاصفة التي ضربت طريقهم أرجعت أولئك، وباعدت بينها وبين زوجها المسعود؛ الذي لم ير السعد في حياته...
الرمال المفككة التي تغطي جسدها لم تجعلها قادرة على الخلاص منها، فقد غمرتها حتى كتفيها. الثقل في بطنها والجرح العميق بين فخذيها الذي يمارس طقوسه في زيادة ألمها، جعلها تشعر بالمياه الساخنة وهي تملأ فخذيها... لكنها بالكاد تستطيع الحراك، وبالكاد تستطيع حمل بطنها وما فيه يحاول جاهدا كسر قواعد الواقع المرير ليخرج.
لم تكن لتخطط لذلك؛ ما كانت تريده يوما آخر أو يومين حتى تصل وزوجها إلى حيث تسكن قبيلتها في الطرف الآخر من الصحراء، وتطببها هناك أمها وهدية ذات الخمسين خريفا والتي ولدّت كل نساء القبيلة، فلم لا تكون واحدة منهن؟! رغم أنها تسكن الآن في قبيلة زوجها مسعود في الطرف البعيد المقابل لقبيلتها، والتي تفتقر لتلك اللمسة المحترفة كلمسة أمها في توليد النساء وإخراج ما في بطونهن، ولكنها الآن بين القبيلتين وحيدة، وغارقة تحت كثيب رملي لا يبين سوى رأسها وما في بطنها يحشر أنفاسه ليخرج محررا من ماءها الساخن...ولكنها بلا حول ولا قوة...
وقع حوافر الخيول الأربعة يأتيها مع ارتفاع سخونة الكثيب الذي يغمسها في منقوعه الحارق فتحبس أنفاسها وتحتبس فيه، مخلية فتحة صغيرة ترفع فيها فتحتي أنفها لتلتقط القليل من الهواء الساخن، مغمضة العينين، ويدها مثقلة لا تنفك عن إبعاد الحبات المفككة عن وجهها...
الدقائق العشرون التي مضت وهي تسرق أنفاسا ملتهبة، والأصوات تبتعد وتقترب ووقع الحوافر يدق قلبها، فيزيد من وقع تلك السكين، وحمى المياه الساخنة تثقل بلزوجة سائل آخر. ينقبض قلبها فلا تدري ما تفعل؟!
أتخلي نفسها للصوص الصحراء أم تهيل عليها قبرها في هذا الكثيب أم تجعل جنينها يبصر الحياة على يديها؟؟!
...الأدعية التي حفظتها عن ظهر قلب والتي كانت تسمعها من النسوة اللواتي يروحن ويجئن وهن يتلوين من الألم خبت نارها في قلبها، وذابت مع هذيانها وحبات العرق الملتصقة بها حبات الرمل الحارقة...ولم تذكر سوى "يا رب يا رب"...
...المياه التي تخرج من جسدها والتي اختلطت مع الكثير من الدماء، وحبات العرق التي تتبخر من جسدها ثم تتكاثف لتغسلها فضحت سرها مع اقتراب تلك الحوافر التي تكاد تسمع صوت حمحمتها...
واحد فقط كان متخلفا عنها، واحد فقط يحمل جسدين... لا يمكن لمثل هذا الأمر أن يفوت ابنة الصحراء... ما الذي يؤخره؟ وما الذي يحمله؟ وماذا يريدون منها وهي عارية عن كل وصايا البقاء وتمد يدها بتأشيرتين للموت لها، وللجنين الذي شق بسكينه خمسا أو ستاً من الأصابع ليخرج؟!... وهي لا تستطيع أن تباعد بين فخذيها بفرجة ولو صغيرة كانت...
المياه الساخنة واللزوجة الحمراء التي طفت للسطح، فضحت سرها، أوقفت الخيول الثلاثة حول كثيبها الرملي، وترجل راكبوها، وهموا بنبش الرمال من فوقها، وأاخذوا يسحبون جسدها الثقيل.
ثلاثتهم كانوا قادرين على حمل حصان، ولكنهم لم يكونوا قادرين على انتشال جسد امرأة بثقل في بطنها من قبرها الرملي، وهم يرون الكثير من الدماء، والمياه الساخنة تسيل من جسدها كله.
حين استوت الشمس إلى وسط السماء، وكأنها لم تمل عن هجيرها ولو عقدة أصبع، كانت خيمة صغيرة قد نصبت فوق تلك المرأة الحبلى، ورجل قد خرج وهو يمسح يديه من الدماء بخرقة بالية، وهو يقول: الحمد لله، الحمد لله... لقد وضعت الصغير.
...لم يصدر عن المرأة أية صرخة تشق سمع كائنات الصحراء الهاربة من قيظها إلى بطنها ...فقط بكاء الوليد من كان يُسمع هادئا وكأن لم يصبه الشقاء...
عندما ألقمت صغيرها ثديها بعد أن ربطت بين فخذيها بقطع قماش ثقيل، لتحبس الكثير من الدماء كانت تدندن باسم مسعود الذي حمله القدر لها فوق الحصان الرابع؛ وقد أثقله حمل جسدين معاً فأبطئ في المسير...
حين بدأ الألم يمزق ثديها والعروق الزرقاء تبسط خطوطها الناتئة، كان اللبن الأبيض يخرج منه فيض فم الوليد الصغير، ورائحة اللحم تملأ خيمتها...
- لم يكن اللصوص بهذا السوء... همس مسعود في أذنها... لقد أنقذوا ثلاثتنا ومنحونا خيمة والكثير من اللحم.



#رولا_حسينات (هاشتاغ)       Rula_Hessinat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطبقة المتوسطة والعاصمة الإدارية وجزيرة الكنز
- قانون الإفساد بطله المواطن
- بركة الجن
- طقوس الهذيان
- محمد يونس أبو الفقراء
- إقليم كوردستان ...وسياسة البقرة والضرع....
- من زراعة الأرز إلى حصاد الموت...
- رياضة اليوغا وفن القصة القصيرة
- دعني أصنع معك القرار (مدونات الجزيرة)
- اللعب على جيب المواطن قانون ضريبة الدخل الجديد
- التمييز المعرفي والنظرة الحزبية
- رؤية في حب على رقعة حرب
- الإصلاح كورقة عمل
- الفيصلي بين مهزلة التحكيم ومهزلة السلوك
- عرفتها مقدسية ...زينة الجولاني
- نزيل الخوف....قصة قصيرة
- الحب وأزمة عنق الزجاجة
- غياب
- الأسطر البيضاء
- قطر وانقسام الخليج على نفسه


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رولا حسينات - الرمال المفككة