أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشال شماس - عيون المدينة














المزيد.....

عيون المدينة


ميشال شماس

الحوار المتمدن-العدد: 1471 - 2006 / 2 / 24 - 10:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"عيون المدينة" امتداد لكل العسس والمخبرين على مر التاريخ العربي ، وهو مصطلح شاع استخدامه في عهد الوحدة بين سورية ومصر، وكان سكان الريف السوري أول من بدأ باستخدام هذا المصطلح لوصف عناصر" الشعبة الثانية" التابعة لعبد الحميد السراج، التي نشرت الرعب والخوف بين السوريين وملاحقة واعتقال نشطاء المجتمع المدني والأحزاب والقوى السياسية التي اشترط حلِّها وحظر نشاطها عبد الناصر كشرط للقبول بالوحدة. معلناً عن بدء قيام نظام أمني عربي جديد الذي كانت أولى ضحاياه تذويب القائد الشيوعي فرج الله الحلو بالأسيد.
و"لعيون المدينة" هذا النظام الأمني العربي الجديد قصة طريفة جرت أحداثها في بلدة مشتى الحلو المصيف السوري الجميل،في نهاية عام 1969 عندما مات "نوري" الذي كان أحد عيون هذا النظام في ملاحقة ومراقبة أهالي بلدته كظلهم، وتفننه في استراق السمع والنظر من خلف النوافذ والأبواب، حتى بات الأهالي يتحاشون النظر إليه، خوفاً منه لما تسبب به "نوري" وأمثاله من اعتقال وتعذيب عدد كبير من أفراد القرية في زنازين وأقبية عبد الحميد السراج. وفي الطريق إلى مقبرة القرية سار عدد قليل من الرجال خلف نعش "نوري"، كان من بينهم رجلاً ناهز عمره المائة وسبعة أعوام يدعى "جبرا الليّون" وقد بدا عليه الخوف، حيث كان يمشي متستراً بالرجال الذين يسيرون أمامه، فانتبه إليه رجلٌ يسير بمحاذاته فسأله مستفسراً :( ليش عمتمشي هيك ياجدو جبرا.. شو خايف يشوفك حدا ؟! فأجابه جبرا الليّون : ( إي ياجدو خايف يشوفني نوري ..) فاستغرب الرجل الأمر قائلاً:( نوري مات.. وبعدك بتخاف منّو ياجدو؟) أجابه جبرا الليّون بدون تردد :(ولك هلق نسيتو مين هو "نوري" وشو كان يعمل فينا ؟! وهلق أكيد إذا شافني رح يقلوا لالله شو نسيت جبرا).
حدثت هذه القصة بعد مضي اثني عشر عاماً على انهيار الوحدة بين سورية ومصر، ومع ذلك لم ينس جبرا الليوّن والكثير من اللذين عاشوا تلك الفترة، ما كان يفعله نوري وأمثاله من"عيون المدينة" هذا النظام الأمني العربي الجديد الذي أخذ يكبر ويكبر حتى ضاقت به مصر وسورية فامتد ليشمل جميع البلاد العربية من المحيط إلى الخليج، كالإخطبوط مستحدثاً فروعاً كثيرة له: (كأمن الدولة، والأمن العسكري والسياسي والجوي والبحري، والأمن العام وأمن الرئيس والملك والأمير والسلطان). حددت وظيفتها الرئيسية في الولاء المطلق للنُظم الحاكمة، وتسخير طاقات المجتمع البشرية والمادية، وجعلها في خدمة تلك النظم وتأمين استمراريتها في الحكم، وحمايتها من أي تحرك شعبي قد يستهدفها.
وقد أرخى هذا السلوك الأمني المتعاظم ظلالاً ثقيلةً على مجمل نواحي الحياة في الدول العربية ،والذي انعكس فشلاً ذريعاً في قيادة عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية..الخ وعجزه عن حماية دوله أمام الخطر الخارجي، وفشله في توحيدها أوعلى الأقل تحقيق الحد الأدنى من التضامن فيما بينها في القضايا الكبرى، وهكذا ضاعت فلسطين، واقتطعت تركيا لواء اسكندرون من سوريا، وضُمت عربستان إلى إيران التي مازالت تحتل أيضاً الجزر الإماراتية، بينما إسرائيل مازالت تحتل الجولان السورية، والعراق أيضاً قد أصبح هو الأخر محتلاً.
إلا أن هذا النظام الأمني العربي نجح بالمقابل نجاهاً باهراً في قطع مسيرة التطور الديمقراطي الفتية التي بدأت تخطو أولى خطواتها في لبنان وسورية مصر في الخمسينات من القرن الماضي، كما نجح في تكريس التجزئة بين دوله، وإيقاظ الطائفية وشحنها، وإرساء التخلف في بنية المجتمع العربي، وفي تشويه التنمية بمختلف جوانبها من خلال الهيمنة على القضاء وتشجيع الفساد وتعميمه حتى أصبح يطلق عليه "الفساد الشعبي"، فتمكنوا من نهب المال العام وتكديس الثروات الطائلة ووضعها في حسابات لدى الدول الأجنبية، كل ذلك على حساب إضعاف الاقتصاد الوطني وإفقار الغالبية من الناس وتهميشهم وعزلهم وتهجينهم، حتى وصل الأمر بالمجتمعات العربية إلى حالة يرثى لها من التشرذم والتخلف والضياع.
وبالرغم من كل ذلك، يأتي اليوم من يطالب ليس ببقاء هذا النظام الأمني وحسب، بل ويصرُّ على استحضار رموزه، خلافاً لرغبة غالبية العرب وأشقاؤهم من كل الأثنيات الذين ينشدون الخلاص من هذا النظام الأمني العربي، وإنشاء نظام أمني جديد مختلف يكون قادراً ليس على تحسس آلام الناس وآمالهم فقط، بل وقادراً أيضاً على حماية حقهم في الحياة الحرة والعيش الكريم، والسهر الدائم على مصالحهم، ورد أي اعتداء يستهدفهم في حياتهم أو أموالهم ،باختصار إنهم يريدون نظاماً قادراً على توفير الحماية لهم في ممارسة حقهم الطبيعي بالانخراط في تشكيل مؤسساتهم المدنية وهيئاتهم النقابية وأحزابهم السياسية في إطار من الحرية والديمقراطية والاحترام المتبادل والإقرار بحرية الأخر وتعدد الآراء وتمكين الناس بكل حرية وشفافية وبشكل متساو من اختيار ممثليهم إلى مجالس البلدات والمدن والمجلس النيابي وصولاً إلى موقع الرئاسة الأولى، وذلك ضمن إطار من المشروعية وسيادة القانون التي يجب أن تعلو على جميع الناس حكاماً ومحكومين.
فلن نكون قادرين على الخلاص من ذلك النظام وإجراء ذلك التغيير المنشود إلا إذا بدأنا بأنفسنا أولاً والتزم كل واحد منا التزاماً حقيقياً باحترام أدامية الإنسان كإنسان، والإقرار بوجود الإنسان الأخر المختلف بغض النظر عما يؤمن به أو يعتقد، بعيداً عن أي عنف أوتطرف، وزرع في نفسه قبل غيره روح المساعدة للإنسان المحتاج والشعور بآلام الآخرين، وعلَّم نفسه وأولاده على أن يكون الولاء للوطن أولاً وأخيراً..الخ.
باعتقادي هذه هي أهم الأمور التي يجب أن نزرعها في عقولنا وفي عقول أولادنا حتى نستطيع الارتقاء بأنفسنا والنهوض بأوطاننا، وأن نتلمس في النهاية الطريق الذي سلكته الشعوب المتحضرة التي سبقتنا بأشواط كثيرة في رفعة أوطانها وتقدمها.
دمشق في23/2/2006



#ميشال_شماس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أين يأتينا الفرح ؟
- نحو تفعيل قانون الكسب غير المشروع
- خليك عالخط
- بماذا نفخرُ نحنُ العربْ؟
- تصريحات بالاتجاه المعاكس
- خطوة في الاتجاه الصحيح
- هل أصبح طريق الإصلاح والتغيير مفتوحاً بعد خدام ..؟
- من هو الخائن..؟
- حين الحاجة يتذكرون شعوبهم
- ميليس وخيار التحقيق في التحقيق
- حزب البعث والحرص على الدستور في سوريا
- مخاطر القرار 1636على سورية
- هل ينطلق الإصلاح من تحت الضغوط؟!


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشال شماس - عيون المدينة