أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبدالله المدني - البحرين - ماما مريم وماما لطيفة.. وذكراهما العطرة في الإمارات















المزيد.....

ماما مريم وماما لطيفة.. وذكراهما العطرة في الإمارات


عبدالله المدني - البحرين

الحوار المتمدن-العدد: 5701 - 2017 / 11 / 17 - 11:51
المحور: سيرة ذاتية
    


حتى مطلع الستينات لم تعرف دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة الخدمات الصحية والطبية الحديثة بالاشكال العصرية المتعارف عليها حاليًا. إذ كان معظم إمارات الساحل المصالح (مثلما كانت تعرف زمن الحماية البريطانية) يخلو من العيادات والمستشفيات القادرة على علاج المرضى والمصابين بسرعة واحترافية. ولها السبب فقد الكثيرون أرواحهم لأن الطرق البدائية في العلاج كالتداوي بالرقية والاعشاب الشعبية لم تكن مجدية.

وفي حادثة تكشف المآسي التي كانت تقع في الإمارات بسبب عدم توفر الخدمات الصحية، يروي الوجيه محمد عبدالجليل الفهيم في كتابه الموسوم «من الأسمال إلى الثراء» والذي وضعه لسرد سيرته وسيرة أسرته المقربة من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، كيف أن أخاه الأصغر البالغ من العمر ست سنوات كان يلعب صبيحة أحد الايام مع أخته ذات السنوات الثلاث في حديقة المنزل فعثر على علبة كبريت غير مستعملة وبدأ بإشعال عيدان الثقاب ورميها فسقط أحدها على ملابس أخته فأصيبت الاخيرة بحروق خطيرة. وبطبيعة الحال لم تكن هناك عيادات أو أطباء أو مستشفيات لعلاجها إلا في الشارقة، أي على مسافة يومين بالسيارات. ويضيف أن «خبر مصابنا وعجزنا عن علاج أختنا الصغيرة بلغ مسامع الشيخ الزايد، فأعارني سموه سيارته من نوع اللاندروفر مع سائق لنقلي مع أبي وأمي وأختي المصابة إلى مستشفى القاعدة العسكرية البريطانية بالشارقة للعلاج، لكن مشيئة الله كانت أسرع فماتت الصغيرة قبل الوصول إلى الشارقة».

تنبه الشيخ زايد مبكرًا حينما كان سموه حاكمًا على مدينة العين والمنطقة الشرقية إلى ضرورة وجود خدمات صحية لعلاج مواطنيه من الأمراض الكثيرة التي كانت تفتك بهم سواء لغياب العيادات أو لانعدام الوعي الصحي مثل أمراض السل والملاريا والتراخوما والطفيليات المعوية، علاوة على أمراض النساء والولادة التي تسببت آنذاك في ارتفاع نسبة وفيات المواليد إلى نحو 50 بالمائة، ووصول نسبة وفيات الأمهات إلى 35 بالمائة. فكان قرار سموه في نهاية الخمسينات الميلادية باستدعاء طبيبة إمريكية مع زوجها لإنشاء أول عيادة طبية في العين وسائر إمارة أبوظبي.

وعليه قدمت الدكتورة ماريان كينيدي Marian Kennedy وزوجها الدكتور بات كينيدي Pat Kennedy إلى العين في مطلع عام 1960 وسرعان ما تبعهما الدكتور ستيت وزوجته الممرضة. ولاحقًا وصلت الممرضة الكندية جيرترود ديك Gertrude Dyck التي عـُرفت عند نساء العين وأطفالها باسم «ماما لطيفة»، فيما أطلقوا على الدكتورة ماريان اسم «ماما مريم».

ونظرًا لعدم وجود أماكن في تلك الحقبة لمزاولة العلاج وتقديم الخدمات الطبية فقد بدأ الزوجان الطبيبان كينيدي عملهما فور قدومهما من تحت شجرة ظليلة، حيث نجحت الدكتورة ماريان بعد وصولها بيومين في إتمام عملية ولادة متعسرة لمواطنة أنجبت ولدًا أطلقوا عليه اسم مبارك، فيما بلغ عدد حالات الولادة التي أنجزاها مع فريقهما الطبي نحو عشرة آلاف حالة خلال عشر سنوات.

راحت الأمور بعد ذلك تتطور وتتحسن رويدًا رويدًا بفضل دعم الشيخ زايد من جهة ورغبة سكان العين في تلقي العلاج الحديث من جهة أخرى. فمن العلاج تحت شجرة إلى العلاج داخل «برستي» مصنوع من سعف النخيل وجريده إلى العلاج داخل بيت عربي من الطوب والجص مطلي بالنورة البيضاء.

في هذه الأثناء كان العمل يجري على قدم وساق لبناء مستشفى بالمواصفات الحديثة لأول مرة في تاريخ أبوظبي. ونعني بذلك «مستشفى الواحة» (نسبة إلى واحة البريمي) والذي كان مستشفى خيريًا مبنيًا من الطوب والإسمنت المسلح تبرع الشيخ زايد بأرضه وتم افتتاحه في يناير 1964، أي قبل عقد كامل من افتتاح أول مستشفى حكومي متكامل في العين. غير أن «مستشفى الواحة» ظل يُعرف عند الأهالي باسم «إسبيتار كندي» نسبة إلى الزوجين كينيدي. وكلمة «إيسبيتار» كانت دارجة في لهجة الرعيل الخليجي الأول وهي محرفة من مفردة Hospital الانجليزية.

ولعل من الأمور التي جعلت ذكرى هذا المستشفى محفورة في وجدان الكثيرين هو ما نقلته صحيفة الاتحاد (21/‏‏7/‏‏2008) على لسان الكاتب الإماراتي ناصر الظاهري في عموده «سكة سفر» من أن «مشفى كنيدي ارتبط بالأهالي من خلال حرص العاملين فيه على الانخراط في حياة الناس، يأكلون من مأكلهم ويلبسون ملبسهم، لدرجة أن الممرضات والطبيبات لبسن الكنادير العربية المخورة، والتي تعرف باسم (بو بادلة) المضروبة بـ(التلي)، وكن يذهبن إلى المريض البعيد ولو في منتصف الليل، حيث لا كهرباء ولا ماء»، ويضيف الظاهري قائلاً (بتصرف): «وكان المشفى يحضر في المناسبات اللعب للأطفال والقصص المصورة والأقلام الملونة والحلويات والسكاكر التي لم نكن نعرف منها سوى الحلوى العمانية، إضافة إلى ذلك كان المستشفى يحضر أفراح واحتفالات الأطفال ويقوم برحلات إلى منازلهم».

لقد لعبت الدكتورة ماريان دورًا كبيرًا في علاج المرضى في مدينة العين، بل عالجت في الوقت نفسه العديد من الحالات القادمة، مشيًا على الأقدام أو بواسطة الجمال، من إمارة دبي ومناطق عمان الداخلية، بعد أن ذاع صيتها بين الكل، ولاسيما النساء اللواتي كن في الزمن القديم يفضلن الاستشفاء والولادة على أيدي طبيبة بدلاً من طبيب.

ومن هنا فإن الكثيرين من أبناء ونساء الإمارات من الرعيل الأول يحتفظون بذكرى عطرة عن ماريان وزوجها بات اللذين تركا بلدهما المتحضر وحياتهما المرفهة للقدوم إلى مجاهل الصحراء في مغامرة كان هدفها الرئيسي إنسانيًا بحتًا تمثل في تخفيف معاناة أناس لا يعرفونهم ولا يعرفون بلدهم أو لغتهم أو عاداتهم الاجتماعية. فبذلا كل ما في استطاعتهما، رغم شظف العيش وخشونة الحياة والتحديات الجمة، من أجل ترك أثر وبصمة خالدة في حياة عشرات الآلاف من سكان الإمارات رجالاً ونساءً وأطفالاً، بل قاما بالاندماج في الحياة اليومية والعادات المحلية إلى درجة أن الدكتورة ماريان ذهبت إلى البحرين لتتلقى دروسًا مكثفة وسريعة في اللغة العربية كي تتمكن من التواصل بصورة أفضل مع مريضاتها.

وسرعان ما تعلمت ماريان اللهجة المحلية الدارجة أيضا وصارت تلبس ملابس النسوة الاماراتيات، الأمر الذي أزال نهائيًا الحواجز بينها وبين المواطنات، فصارت كما لو أنها فرد من أفراد الأسر القاطنة بمدينة العين، يبادلونها الحب بالحب، والود بالود، طبقًا للباحث الإماراتي الدكتور سلطان النعيمي (انظر ما كتبه سلمان الدوسري في صحيفة الشرق الأوسط ــ عدد 29/‏‏7/‏‏2008). علاوة على ما سبق، ظلت ماريان تعمل بلا كلل أو ملل لسنوات متواصلة دون أن تسافر إلى بلدها في إجازة بسبب عدم وجود من يحل محلها في مداوة الأهالي، ناهيك عن إيمانها بواجبها الإنساني تجاههم.

ولعل أصدق دليل على أن أبناء الإمارات وقيادتها لم ينسوا قط ماريان وزوجها وطاقم التمريض الأجنبي الذي عمل معهما، هو أنه بمجرد وصول أخبار عن وفاة الدكتورة ماريان في مدينة كارميكايل بولاية كاليفورنيا الأمريكية في يوليو 2008 قامت سمو الشيخ فاطمة بنت مبارك الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسريّة /‏‏ رئيسة الاتحاد النسائي العام، بإرسال برقية تعزية ومواساة إلى ابنتها «نانسي كينيدي» عبَّرت فيها عن حزنها لغياب الإنسانة النبيلة التي عرفتها عن كثب في الايام الخوالي، مثمنة دورها المشهود في خدمة أبناء العين وسائر الإمارات في الزمن الصعب، ومخاطبة إياها بالقول: «إن الفقيدة قدمت مع زوجها صورة رائعة للعطاء والمحبة في مجال الرعاية الصحية وبادلها أهل المنطقة التقدير والاحترام».

وفي السياق نفسه، سلطت الصحافة الإماراتية (خصوصًا صحيفة الاتحاد) الأضواء على تاريخ الفقيدة، معيدة ذكريات أيامها الأولى في الإمارات، ومعرّفة أبناء الجيل الجديد بمآثرها وأفضالها على أمهاتهم أو جداتهم. كما لا ننسى أن دولة الإمارات حرصت على تكريم الفقيدة في عام 2005 من خلال منحها جائزة الشيخ محمد بن زايد للرواد في نسختها الأولى. وكان لافتًا أن الذي قدم لها الجائزة هو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي /‏‏ نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي ولد هو نفسه في مستشفى الواحة، مثلما ولد شيوخ آخرون كثر من آل نهيان الكرام.

ولدت الدكتورة ماريان في مدينة أورلاند بولاية كاليفورنيا عام 1924، وبدأت حياتها الدراسية بالالتحاق بجامعة كاليفورنيا في بيركلي UCBerkeley من بعد تخرجها من ثانوية أورلاند في عام 1941. تخرجت ماريان من بيركلي في عام 1945، حاملة درجة البكالوريوس في الكيمياء الأحيائية، وأتبعتها بنيل درجة الماجستير في عام 1946 في تخصص الفيسيولوجيا. غير أن حبها العميق لخدمة المجتمع وتخفيف معاناة الناس دفعها لدراسة الطب في جامعة فيلاديلفيا، حيث التقت بشريك حياتها الدكتور بات كينيدي الذي تزوجها وأنجب منها أربعة أبناء.

ولحسن الحظ وضعت الدكتورة ماريان كتابًا روت فيه أشياء لا يعرفها الناس عنها، منها أنها قبل قدومها إلى أبوظبي في العشرين من نوفمبر 1960 عملت في عدد من الدول العربية مثل لبنان والأردن والعراق في خمسينات القرن العشرين، لكن عملها في الإمارات كانت المنعطف الأهم في حياتها. كما قدمت في كتابها وصفًا تقريريًا لأحوال أبوظبي والعين وناسها وقت قدومها مصحوبة بزوجها وأطفالها الصغار: كاتلين ونانسي وسكوت ودوغلاس الذين التحقوا فيما بعد بالمدارس التبشيرية في كندا والولايات المتحدة. ومما قالته في هذا السياق أنها حينما جاءت إلى الإمارات كانت الحياة بسيطة، والبيوت من الطين وسعف النخيل، والنساء يحضرن الماء من الأفلاج على رؤوسهن، والسوق عبارة عن غرف صغيرة، ولم تكن هناك شوارع، وكان الطريق من دبي إلى العين يستغرق 8 ساعات، وحينما هطل المطر ذات مرة، تسبب في إتلاف سقف المشفى، وأنهم كانوا يحتفظون بالأدوية في غرفة تحت الأرض من أجل الرطوبة.

أما عن ظروف وخلفيات وصول الزوجين كينيدي إلى الإمارات فيخبرنا الدكتور «ديفيد برينتي» المدير التنفيذي لمستشفى الواحة في مقال نشرته صحيفة The National الإماراتية (5/‏‏11/‏‏2010) أن الحكام أعجبوا كثيرًا بالوسائل والخدمات الطبية التي كانت موجودة في المستشفيات المدارة من قبل الأمريكيين في البحرين ومسقط في الخمسينات، فصاروا تواقين لتوفير الخدمات نفسها في وطنهم. وفي السياق نفسه تخبرنا «ماما لطيفة»، (سوف نتحدث عنها لاحقًا)، في الكتاب التي وضعتها عنها الصحفية «هويدا عطا»، ما مفاده أن المغفور لهما الشيخ زايد والشيخ شخبوط أدركا الحاجة إلى مستشفى في العين (خصوصًا وأن عدد سكان العين البالغ تعدادهم آنذاك 1800 نسمة فقط كانوا يتناقصون بسرعة نتيجة لتفشي الأمراض المعدية في أوساطهم) فأجروا إتصالات بمستشفى مسقط في سلطنة عمان، حيث أشار عليهما الدكتور توماس الذي كان يترأس المستشفى وقتذاك بالاستعانة بالدكتورة ماريان التي كانت تعمل في تلك الفترة في الأردن من بعد خروجها من العراق في عام 1958. وما حدث بعد ذلك هو أن الدكتور توماس اتصل بالدكتورة ماريان ورتب لوصولها إلى أبوظبي مع زوجها، ثم رافقهما لتقديمها إلى الشيخ شخبوط ثم إلى الشيخ زايد رحمه الله الذي استضافهما في داره بالعين.

أما الممرضة «جيرترود ديك» أو «ماما لطيفة» فإن دورها ومكانتها في نفوس مواطني العين لا يقل أهمية ورسوخًا عن دور ومكانة الدكتورة ماريان، حيث أنها أمضت وسطهم وفي خدمتهم مدة 38 عامًا من خلال عملها في مستشفى الواحة ابتداءً من مطلع ستينات القرن العشرين وحتى عام 2000. ونظرًا لحبها للإمارات فإنها لم تغادرها عائدة إلى وطنها إلا في عام 2005. وبهذا تكون قد عاشت في الإمارات 43 سنة تأقلمت خلالها مع حياة البدو والصحراء، وتطبعت بطباع نساء الإمارات لجهة الملبس والحلي، وتعلمت العربية واللهجة الدارجة، وسارت حافية القدمين، وأشرفت على ولادة أعداد كبيرة من أبناء العين بمن فيهم بعض أبناء المغفور له الشيخ زايد. لكن الأهم من هذا أنها وثقت كل حياتها في العين بالصورة التي تغني عن ألف مقال. إذ كانت تهوى التصوير وتمارسه بشغف، فالتقطت صورًا نادرة لأماكن اندثرت وشخصيات رحلت عن دنيانا مثل المغفور لها الشيخة سلامة والدة الشيخ زايد التي ارتبطت بها بعلاقة شخصية.

وضعت الكاتبة الصحفية «هويدا عطا» كتابًا عن جيرترود عنونته بـ «أيام لطيفة: سيرة حياة لطيفة الكندية التي عشقت حياة البدو». في هذا الكتاب الصادر عام 2010 عن دار النادي الثقافي بأبوظبي، نجد عبق الماضي والزمن الجميل، ومادة دسمة عن تاريخ الإمارات الطبي ممزوجة بسيرة هذه الممرضة التي أفنت زهرة شبابها في الإمارات. وهي سيرة تلخصها صاحبتها بالقول: «عندما جئت إلى الإمارات في أوائل الستينيات من القرن الماضي قلت في نفسي: هذا هو مكاني الآن، وشعرت بالرضا في داخلي، وشعرت بسعادة تغمرني رغم قساوة الجو، لكن الحياة كانت بسيطة للغاية، فالبيوت تبنى آنذاك من الطين وسعف النخيل.. والأهم من ذلك أن المجتمع الإماراتي منذ نصف قرن كان يتمتع بالطيبة ولا يشتكي، ويتميز بكرم الضيافة، لذا أحببت هذه الديار، وتحقق الحلم، وفعلاً وجدت في نفسي دافعاً للثبات وأن أهب نفسي لخدمة الناس وإسعادهم».

قد يتساءل القارئ عن الأسباب التي تدفع شابة كندية جميلة في مقتبل العمر إلى ترك أسرتها ووطنها الجميل المكسو بالثلوج والغابات الخضراء، والذهاب إلى أبعد نقطة ممكنة للعيش في وسط بيئة صحراوية قاسية تضاريسًا ومناخًا وخدماتٍ، بل والذوبان في وسط مجتمعها. مثل هذا التساءل رددته الكاتبة «هويدا عطا» وهي تحاضر في جامعة الحصن في ديسمبر 2013 حول كتابها المشار إليه، فقالت متساءلة عن سر تعلق ماما لطيفة بالإمارات: «هل للمكان أثر في النفوس؟ هل كما يقول جمال حمدان، للمكان عبقرية؟... هل الامارات في موقعها ما يجعلها صاحبة شخصية تربط الناس بالارض؟ هل لأهل الامارات خصوصية تجعل المتعايش معهم يرتبط بهم أو كما تقول لطيفة الكندية (عشقت البدو وحياتهم واندمجت وعشت معهم وعشت واقعهم وأحلامهم وأعرافهم وكل ما يحيط بهم من بساطة في العادات والتقاليد). ثم أضافت مجيبة:»أعتقد أن السر يكمن في الأمرين معًا، في عبقرية المكان وبساطة أهل الامارات«.

ومما قالته عطا أيضا أن لطيفة الكندية اختارت طريقها بنفسها، وحدّدت معالمه بيديها، فجاءت إلى الإمارات لتمارس مهنة إنسانية على مدى نحو 40 سنة متواصلة كأول ممرضة في أول مستشفى في العين»فولد على يديها المئات، بل الآلاف من الأطفال الذين كبروا ومازالوا يدينون لها بالمعروف كلما قابلوها صدفة، أو تذكروها بحب، ورغم أنها أسعدت الكثير من الأسر، وساهمت في ملء حياتهم بالفرح، إلا أنها تشعر الآن بوحدة شديدة خاصة بعدما أُصيبت بضعف النظر والسمع، وما عادت قادرة على حمل كاميرتها لتروي ظمأها الفني وشغفها بتصوير كل شيء حولها، وتسجيل كل التفاصيل الحياتية لأهل الإمارات«. وبطبيعة الحال كان هذا الكلام قبل وفاة لطيفة الكندية في موطنها في التاسع عشر من أكتوبر 2009 عن 75 عامًا.

في الكتاب وقفات تتذكر فيها ماما لطيفة رحلتها الأولى من الشارقة باتجاه العين مع الأدلاء البدو وسط الصحراء القاحلة، لتجد نفسها بعد أيام أنها الممرضة الوحيدة وسط عدد قليل من الأطباء، فقامت بدور الممرضة وتجاوزته أحيانًا إلى دور الطبيبة. كما تتذكر لقاءها الأول بالشيخ زايد الذي وصفته بالحاكم المتواضع البسيط ذي المشاعر الفياضة والطيبة المتناهية مع مختلف شرائح المجتمع. وعن البيت الذي سكنته بُعيد وصولها إلى العين قالت:»كنت سعيدة به مثل بقية أهل المدينة، ولكن كانت تواجهني مشكلة تتكرر كل مرة مع هبوب الرياح والهواء الشديد، وهو (طيران سقف البيت)، فأركض مسرعة للإمساك بسقف بيتي لأمنعه من الطيران، وقد كان (البيت) كبقية البيوت لا يحتوي على حمام فكانت الأشجار القصيرة هي الوسيلة الوحيدة لراحتنا من هذه المشكلة، بمعنى أصح هي بمثابة الحمامات، حيث أرى النساء يحملن معهن أواني مليئة بالمياه من أجل الغسل، وكانت الرمال الكثيفة جديرة بإخفاء مخلفات الإنسان».

أما فيما يتعلق بتأقلمها مع عادات الطعام فقد أخبرتنا أنها أخذت بعض الوقت للتعود على عادة الجلوس على الأرض لتناول الطعام، وعادة استخدام اليد في الأكل بدلاً من الملاعق، لكنها ما أن تعودت هجرت الملاعق والشوك والسكاكين إلى الأبد. ومثلما تعودت لطيفة على العادات الإماراتية في الأكل تعودت أيضا على ارتداء ملابس النسوة الاماراتيات المحتشمة، من بعد واقعة إطالة أحد ذوي المرضى النظر إليها بملابسها الأوروبية.

----------
رابط الموضوع + صور
http://www.alayam.com/Article/courts-article/407756/%D9%85%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D9%84%D8%B7%D9%8A%D9%81%D8%A9..-%D9%88%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B7%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA.html?vFrom=mpLWT



#عبدالله_المدني_-_البحرين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاث سعوديات رائدات في مجال الطب
- من الآن فصاعدًا.. «المعلم شي»
- الفيلي.. أول مذيع تلفزيوني كويتي
- تهور سياسي في بيونغيانغ ونضج سياسي في نيودلهي
- امرأة مسلمة محجبة رئيسة للدولة المعجزة
- السويدي.. فارس الدراسات الاستراتيجية
- عبدالحكيم.. الأب الروحي للأغنية السعودية


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبدالله المدني - البحرين - ماما مريم وماما لطيفة.. وذكراهما العطرة في الإمارات