أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم عبد الهادي - قراءة نقدية في طواويس الخراب للشاعر سعد جاسم















المزيد.....

قراءة نقدية في طواويس الخراب للشاعر سعد جاسم


حاتم عبد الهادي

الحوار المتمدن-العدد: 1470 - 2006 / 2 / 23 - 04:41
المحور: الادب والفن
    


تمثّل تجربة الشاعر العراقي سعد جاسم واحدة من تلك التجارب الشعرية المهمة التي ترمي الى تجاوز أفق مايجري توصيفه عادة بجيل الثمانينيات:
(حاضنتها الاولى) ولهذه الاشارة الاولية اهمية مضاعفة لما صرنا نعرفه بدءاً من هذه الحقبة الضاجة بدوي المدافع ودخان الحروب ورائحه الجثث واثار ذلك كله على مصير الانسان ثقافياً واجتماعياً ونفسياً. فكيف اذن بحساسية الشاعر المرهفة تحت سماوات النشيج الجماعي التي ترتفع باعمدة الخراب القائم فوق مسرح حياة " معروضه للبيع"؟ كما يقول الشاعر بذلك في واحد من المفاتيح المفترضة لنصوصه الشعرية.

وهنا تجدر الاشارة الى ان الاحساس بالاستلاب يتفاقم مع استمرار الوعي الحاد بالزمن وهذا الاخير يعد من اشتراطات التجربة الجمالية ليس من خلال كتابه الشعر فقط, وانما من خلال ممارسته ايضا بوصفه تجربة انطولوجية تسعى الى ان تعي ذاتها على نحو متجدد على الدوام. ومن هذا الاطار تأتي الاهمية المضافة لقراءة تحاول ان تجد لذتها في مقاربة المجموعة الشعرية الاخيرة " طواويس الخراب" للشاعر سعد جاسم- الصادرة عن دار الخليج للنشر والتوزيع- الاردن- وابتداءاً من العنوان , تشرع الدوال بالانثيال وقد اكتسبت قيمة حضورية في ظل غياب المدلول الذي يستدعي امكانية فعل القراءة ويدعو لتنشيط دورها. لذلك يتصدر التركيب اللغوي للعنوان " طواويس الخراب" بوصفه علامة قائمة على الاستفزاز الشعري مثلما يؤسس له. فعن اية طواويس يتحدث الشاعر هنا؟ واي خراب هذا الذي تترعرع فيه تلك الطواويس وهي تجرجر بخيلاء ذيول زهوها الفارغ وسط عباب الكارثة؟!

قبل كل شيء يستدعي الامر هنا ان لا تغيب عن بالنا دالة الاحالة الممكنة الى المخيال الجمعي الذي يحتل فيه الشيطان " طاووس الملائكة" مكاناً بارزاً بحيث شكّلَ واحداً من بين اكثر الرواسب الاسطورية هيمنةً. وبالطبع يصعب في هذا الصدد , ايضاً, ان نتجاهل الصدمة الاخلاقية الاولى لاشكالية الهوية في اكتشاف علاقة( الأنا)..( بالآخر) على المستوى الانطولوجي. ولعل ما في هذه الاشارة الموجزة يكفي لألقاء بعض الضوء على فاجعة ما يعرف بالخطأ الاول وقصة سقوط الانسان , من ثم, تحت وطأة الاحساس بفداحة فقدان ذلك العالم الفردوسي الاول. حيث لا معنى لكلمه " الخراب" فيه مثلما لا زمن فيه . وفي ذلك العالم الذي تبقى فيه كل الاحتمالات قائمة ليس هناك ما يدعو للاحساس بفقدان الهوية طالما لم يتشكل الوعي بها بدلالة الاخر بعد. اما وقد تم ذلك بدلالة الاثار التي تركتها لحظة التعرف الوجودي الاول بين الانسان والشيطان بوصف كل منها ذلك الاخر, فان عجلة الصراع الاسطوري شرعت في الدوران وصار النضال من اجل الهوية مفصلاً حيويا للحفاظ على الذات من التبدد والتبعثر . وبذلك يتبين ان الهوية ليست شيئاً متعالياً على الزمان قدرما تتجسد به ومن خلاله ... من هنا يمكن ان نفهم الطابع الانمساخي للطاووس بوصفه ذلك" الاخر" في علاقته " بالأنا" من جهة والخراب بوصفه ذلك الانتهاك الدائم والتغييب القائم للهوية كونها ادراكاً للوجود في العالم بلغة (هايدجر) اذا جاز التعبير.
ومن وجهة نظر كهذه , لعلنا نتوفر على موقع افضل لمعرفة ما الذي يتحدث عنه الشاعر عندما يقول : ( ايتها القصائد/ الاسماء/ لولاك/ لكنا مجهولين). ان واحدة من اكثر مهام الشعر الاساسية اهمية هي التأسسيس للوجود في العالم بوصفه هوية "آنية "في غيابها يتأكد ضياع الذات بدلالة الجهل بها مقابل تماسك ما تشير اليه مفردتا " القصائد" و " الاسماء" واختزاله وتوحده بدلالة كاف المخاطبة بوصفه ذلك " الاخر" بعد حرف الامتناع لوجود .. ومن جانب اخر, لايألو الشاعر جهداً في ضرورة التنبيه الى اهمي " آنية" الهوية وكونها وعياً يتتقاطع مع الزمن ويتشكل به فيقول: ( الساعة الآنَ: تمام الموت: وجثة واحدة / هي جثة الشاعر). وهنا يقوم الاحساس بفداحة الحاضر على زحزحة العبارة التوصيلية العادية في تحديد الزمن ويضاعف من امكانية المعنى( الهايدجري) المحايد لحركة الوجود التاريخية صوب المستقبل او الموت اذا شئنا الدقة اكثر ويستعيد الشاعر ذات المعنى في قوله : ( الساعه الان/ في الكارثةِ / الا خمس جثث ). والدقائق الخمس المتبقية في صورة جثث توضح الاساس الخفي لمصير الحركة التاريخية للوجود صوب الموت . وما الالحاح في التأكيد على الساعة والحاضر والآن.
الا مفصلاً مهماً من مفاصل التوليد الدلالي التي لا يمكن لمقاربه كهذه ان تتغافل عنها بسهولة.
وفي النص الذي افتتحت به المجموعة الشعرية تحت عنوان" هيئته الآن" يتأكد فيه بقوة ذلك َ الشعور بالانمساخ جرّاء تشوّه الهوية وتغييبها حيث يفعل الشاعر من استثمار مناشدة " المفرد بصيغه الجمع" . والنص الشعري هنا يقابل بين صورتين متضادتين , اعتماداً على ما كانت عليه وما آلت اليه , بنفس القدر , هيأه الشاعر او سواه ممن ينتمي اليهم وتجمعه واياهم في هوية متماسكة لحظة ما ضوية مضمخة بالوجود في العالم, وذلك لانها كانت (فصلاً مثيراً... في كتب السيرة السرية , وتثير حوارات الغيرة والاختلاف ) اما "الان" فلقد : ( شوّهتها الحروب المفترضه.. وخربتها حروبه الشخصيه) وعليه فان الاستلاب وعلى ايما صورة جاء يولد الانمساخ . كما هو معروف وينتهك الهوية على نحو بشع كما في الصورة الكابية التي يمثّل لها الشاعر في ( سحنة متفحمة ... عين واحدة... نصف انف... اذن خرساء . ذراع يتيمه ...) وهنا, يستفيد الشاعر من التقنية السينمائية للصور المقربة كلقطات في بناء مشهد كلي يتفاقم اخيرا في تصعيد المواجهة مع الذات التي تنتهي بادراك فقدان الهوية وتبددها وخطورة ذلك, بالنتيجة, اذ ان هيئته لم تعد ( تخيف اصدقاءه الضاحكين في البوم الصور) فقط, ولكنها اصبحت ( تخيفه هو الاخر) بالذات.والفارق الشكلي. واقصد الى ما في المعنى اللغوي واضح ايضا وبيّن ولا يحتاج الى مزيد من الاستقصاء بين " هيئته التي كانت" و " هيئته الآن" بدلالة الاستحالة المتزامنة التي "هو الاخر ". ومن الدلائل الاخرى لغياب وحضور الهوية يمكن التلميح الى الثراء الدلالي لتصدر خمسة مقاطع شعرية للنص نفسه بالعلاقة اللغوية " هيئته " كأيقونة مكررة بينما تغيب في المقطع السادس . ولعلنا لا نغرّب في التأويل اذا ما نوهنا الى دلالة الرقم خمسة وعلاقتها بالنزاع على الهوية في التراث الاسلامي . والفارق بين حضور هذه العلامة وغيابها هو الفارق ذاته في ادراك الانفصال بين ما كانت عليه الحال في الماضي بوصفها ممكناً مستنفذاً وبين ما آلت اليه الان على ذمه الحاضر المتفسخ مع اقترابه الحثيث من دائرة الموت وانغلاقها عليه.
ويبدو ان دائرة الموت هذه تنفتح على الاستلاب اليومي للحياة الاستهلاكية كما في نص الشاعر "انوثة الندى" حيث مايزال التمفصل الزمني بين لحظتين متقابلتين يفعل فعله كمولد دلالي على نحو مؤثر, بينما يجري الانتقال- اثناء ذلك- من "الليل" الذي (يذكرنا بالمنافي والرحيل) الى الذي صار (له طعم ولون اخر) هو( النهر الذي غادر عزلته وجاء ليغفو في عينيك. وفي غابتك السوداء) كما يقول الشاعر (لعله ينسى رائحة الجثث ويتطهر من ذنوبه القديمة).
اما قناع الشاعر الذي نحت له اسماً هو (جان كيخوت) والذي (يحارب طواويس الخراب) بدلاً من طواحين الهواء كما عند( سرفانتس), فيشكل نموذجاً مقبولاً لمعالجة لعبة حضور وغياب الهوية على المستوى الانطولوجي. لذلك فأن الصورة الشخصية التي يخططها له الشاعر متهكماً بالكلمات انما تدوّن السيرة الذاتية لتجرية الشاعر نفسه في مجتمع المدينة بقدر ماتخفيها. ولعل التهكم الفارق في رسم الصورة, وما يحدثه ذلك من كسر لتوقعات القاريء لهو مما يمكن لهذا الاخير ان يتفهم دوافعه لو انه استحضر الوظيفة الاجتماعية- في المخيال الجمعي- لاولئك الذين يتوفرون على مقدرة فائقة على خرق مستقر العادة وانتهاك حدودها. وهذه المقدرة الغامضة عادة ماترتبط بغريبي الاطوار واللامنتمين او الهامشيين بوصفهم ذلك (الاخر) الذي تقترب صورته من حد التشويه جراء ممارسات اجتماعية توالي تكريسها تاريخياً ولحقب موغلة في القدم. والشاعر "جان دمو" واحد من اولئك القلائل الذين جعلوا من سيرتهم الذاتية وجوداً مضمخاً بالشعر مع ما تنطوي عليه بالضرورة الكتابة عن ذلك من فعل اساءة لايمكن تجنبه, على اية حال. لذلك فأن "جان كيخوت" يتصدى "لطواويس الخراب" مشهراً احلامه لاستعادة هويته كشاعر له اسمه الفارق دونما منازع رغم ان وضعه الاغترابي في المجتمع الجديد يغدق عليه ما لا ينتهي من الاسماء الاخرى بأستثناء ذلك الاسم الذي يجري تغييبه على الدوام لانه مدار نزاع الهوية المأزومة.
لذلك نرى "جان كيخوت" يمضي (مقهقهاً بنابه الوحيد) منفردأ (وهو يصعد نحو حانة فوق الجبل).
والشاعر بوصفه كذلك, انما هو قوة احتجاج كبيرة خارجة على رايات الاسماء المكرسة للتدجين( الاجتماع - سياسي.) وهو ايضاً قوة رفض تتسلح بالامكانات الهدامة للغة بالذات من اجل امتلاك الشاعر والانسان لارادته في اختيار(حريته الابدية)... او ( حريته الآن على الاقل) و(فوضاه اللذيذة...التي هي نوع من الحرية ايضاً) , الحرية المضيئة التي تحارب مخلوقات الظلمة وافكارها المعشعشة مثلما يحارب جان كيخوت طواويس الخراب بالتهكم احياناً وب(الضحك الاسود) كما يسميه في احيان اخرى.. و يجدر الانتباه الى السمة الواضحة في الميل الى التمرد على بلاغة الشعر السائد والاستياء المتهكم ازاء ايديولوجيا الراهن الاجتماع - ثقافي, والانفتاح من ثم, على لغة الشارع اليومي لحياة الانسان في مسكوكات شعرية قصيرة لا تتردد في ان تعلن الانتماء الحي الى "هوية" ذات فضاء يحيل بالكامل الى صورة مكانية لبلاد تناهبتها الغوائل من اجل:
(انثى النفط.. اوهام طاغية.. ونزوات اجلاف
لايعرفون من الحقيقة غير المسدس والدماء".
وليس بمستغرب - والحال على هذا النحو - ان يعود الشاعر وهو يقول مؤكداً بثقة شعرية عالية: "البلادُ.. كلنا سنعود ذات شمس اليها ... بلا خوف مما سيحدث", اي بلا خوف من المستقبل الذي لم يعد اكثر من وجود ينفر صوب الموت بأشكاله التي تسعى الى قضم هويتنا بأستمرار. ولتوالي الاشارات النحوية في العبارات الشعري"كلنا سنعود" دلالة توصيلية مضاعفة في تكرار مايفيد معنى الجمع والكثرة والاجماع. والشاعر بذلك انما يميل الى اجتراح بعد اجتماعي مضاعف الى المعنى( الهايدجري) للوجود في الوقت الذي يشدد فيه على تصعيد قوة الرفض وتفعيلها في :
(لحظة اشتعال صيحات الاطاحة ) .

* شاعر و ناقد عراقي مقيم في الاردن



#حاتم_عبد_الهادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصل الحجاب هل كان الحجاب لباس الزانية؟


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم عبد الهادي - قراءة نقدية في طواويس الخراب للشاعر سعد جاسم