أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - واثق الواثق - شذراتٌ من موسوعة السرد العربي ، للدكتور عبد الله ابراهيم ) ، واثق الواثق.















المزيد.....



شذراتٌ من موسوعة السرد العربي ، للدكتور عبد الله ابراهيم ) ، واثق الواثق.


واثق الواثق

الحوار المتمدن-العدد: 5698 - 2017 / 11 / 14 - 00:08
المحور: الادب والفن
    


المقدمة :
الدكتور عبد الله إبراهيم هو ناقد وأستاذ جامعي من العراق ،حاصل على جائزة شومان للعلوم الإنسانية عام 1977 ، متخصص في الدراسات السردية ، اصدر أكثر من خمسة عشر كتابا وثلاثين بحثا ، عمل أستاذا للدراسات الأدبية في الجامعات العراقية والليبية والقطرية.
وكتاب "موسوعة السرد العربي" ، بجزأيه الأول والثاني من الكتب التي استغرق العمل فيها نحو عشرين عاما ، تتبع فيه المؤلف نشأة السرديات العربية منذ العصر الجاهلى إلى وقتنا الحالي ، متقصيا أبنيتها السردية والدلالية مقدما وصفا للأنواع الكبرى فيها محاولا رسم المسيرة المعقدة للسردية العربية ، من حيث التكوين والنوع ، والبنيات ،وبعد دراسة طويلة وفاحصة وتأملات دقيقة تبين للمؤلف ومن خلال دراساته الجامعة ولأكثر من عقدين ،غياب الوعي النقدي ، حيث يرى المؤلف ان المعلومات عن الدراسات السردية العربية ، متناثرة ولا تهدف إلى ربط النصوص بعضها ببعض ولا تستنطق أبنيتها ولا تعنى بجذورها الشفوية وعلاقتها بالنصوص الدينية .ومن هنا انطلق المؤلف ليسائل النصوص السردية وستنطقها ويحاورها ، ضمن الحقبة الطويلة التي مرت بها .
وَيُشكِلُ المؤلفُ على القارئ العربي ، تكوينه فكرة عن الشعر ؛ بسبب الطريقة الخطية العتيقة التي سارت عليها كتب تاريخ الأدب، من دون معرفة السرديات التي قامت بتمثيل المخيال العربي –الإسلامي والتي تعرضت إلى سوء فهم بسبب التركيز النسبي على الشعر من جهة وعدم امتثالها لشروط الفصاحة المدرسية في عصورها المتأخرة من جهة أخرى ، وعدم اعتراف الثقافة المتعالية بها إلا في حدود ضيقة فكان ان اختزلت أما إلى وقائع تاريخية ، إخبارية ، ا والى أباطيل مفسدة .وشاع جهل تام بالخلفيات الشفوية والدينية للمرويات السردية العربية ، وجهل بالعلاقات المتشابكة بين النصوص التي تنتمي إلى أنواع مختلفة ، وجهل أبنيتها السردية والدلالية ثم جهل حقيقي بوظائفها التمثيلية ، فكان وعينا بأدبنا السردي ناقصا .
وكان الهدف من تأليف الموسوعة هو المساهمة في تنشيط الاهتمام بهذا الجانب كونها وقفت على الأنواع السردية الكبرى ضمن سياقاتها الثقافية الحاضنة لها .
وقد أولى المؤلف عناية خاصة بالرواية العربية ؛ لأنها أهم الأنواع السردية في الأدب العربي الحديث كما يرى المؤلف.

الكتاب هو الجزء الثاني من موسوعة السرد ،ويتكون من ستمائة واثنتين وثلاثين صفحة ،ضم مقدمة عن السردية العربية الحديثة والموقف الثقافي ،وتألف من كتابين : الكتاب الرابع: والذي ضم ستة فصول مع خاتمة وهوامش لكل فصل ، والكتاب الثاني: وضم سبعة فصول من دون خاتمة ، مع هوامش لكل فصل ،ثم كشاف المصادر والمراجع .
تناول المؤلف في المقدمة "السردية الحديثة والموقف الثقافي " تحدث فيها عن الاحتفاء في الأدب العربي الحديث بالنصوص السردية ألان احتفاء خاصا ، وبخاصة الرواية إلى درجة يمكن القول فيها ان عصرنا هو عصر الرواية ، وذهب آخرون إلى أنها ديوان العرب في القرن العشرين ويعزو المؤلف ذلك الى القدرة الهائلة في تطور وسائل السرد فيها والقدرات الفائقة في تمثيل المرجعيات الثقافية ، والنفسية ، والاجتماعية ، والتاريخية ، وهو أمر فاق قدرة الأنواع الأدبية الأخرى المعاصرة لها ، حيث يمكن عد الرواية بنصوصها الأساسية الكبرى التي تسهم في صوغ الهويات الثقافية للأمم لقدراتها على تشكيل التصورات العامة عن الشعوب ، والحقب التاريخية والتحولات الثقافية للمجتمعات .
ويرى المؤلف ان السردية العربية بدأت مخاضها العسير في النصف الثاني من القرن التاسع عشر اثر انهيار النسق التقليدي في الثقافة الموروثة ، وتفكك المرويات السردية القديمة ، وانكسار الأسلوب المتصنع في التعبير ، فانتزعت الرواية ، وهي لب تلك السرديات ، شرعية كاملة بوصفها النوع الأدبي الذي يحتل المرتبة الأولى في أدبنا الحديث .
وتحدث عن أوصياء الثقافة الرسمية الذين حذروا من كتب التخيلات السردية جرى تهميشها بسبب شيوع التفكير الخطّي المنقّى والمستند الى مرجعيات تقّوية نفعية مباشرة تحول من دون تحرر المخيلة من اسر البعد المباشر للاشياء ،وكان "ديكارت" يعتقد ان المخيلة تشوش الفكر ، وتحول دون ان يباشر العقل عمله بالطريقة الصحيحة ، كما وقف " محمد عبده " موقفا مشابها حينما حذر بقوة من الأثر الفادح لكتب الأكاذيب الصرفية التي تتحرك في أفق مشبع بالتخيّلات، ويثنى على منع نشر كتب الفروسية العربية ،وفي مقدمتها السير الشعبية التي صوّرت تخيّليا بطولات الفرسان ، كعنترة بن شداد ، وابي زيد الهلالي ، وسيف بن ذي يزن ،والأميرة ذات الهمة، وغيرهم . وقد قسم " محمد عبدة " الكتب المتداولة بين الناس في جريدة الوقائع المصرية عام 1881 منها : ( الكتب النقلية الدينية ....ومنها الكتب العقلية الحكمية ..ومنها الكتب الأدبية ) ، وقد مارس " محمد عبده " دورا إصلاحيا حينما راح يصنف الكتب ؛طبقا لمنظوره الديني ، ويوجّهه المغزى الأخلاقي والقيمي للكتب ، وقد وجد ان التخلف والهمجية في بلاده متصل بشيوع كتب الأكاذيب الصرفة وكتب الخرافات، واقترح ان تمنع وان تحل محلها كتب أخرى ؛ كونها تسبب ضررا بالغا من ناحيتين : أولهما : إغراقها في التخيل الى درجة انها تذكرا اقواما على غير الواقع ن وثانيتهما : خروجها على الطبع اللغوي السليم ، فعباراتها سخيفة مخلة بقوانين اللغة ، وتضافر هذين السببين يعد كافيا في نظر " محمد عبده " لمحق هذا النمط من الكتب .وعاضد " محمد عبده " قرار وزارة الداخلية المصرية ، بمنع نشر كتب الأكاذيب الصرفة والخرافات، وأثنى عليه .حتى أصبحت الرواية شانها شان أي فن جديد مثار سخرية في الأوساط الأدبية الثقافية ، والدينية والفكرية والسياسية في القرن التاسع عشر وشطر القرن العشرين .
كانت الرواية العربية في القرن التاسع عشر ظاهرة أدبية خلافية ، ففيما تقبلها الرأي العام الذي يمثله عامة القراء؛ لأنها حلت في ذاكرته محل المرويات السردية ، او قامت بوظيفة أساسية من وظائفها ن وهي تلبية حاجات التلقي ، وقفت ضدها الأوساط المشبعة بالثقافة التقليدية ومنه الثقافة الدينية التي عرفت بموقف واضح تجاه الآداب التخيّلية منذ فترة طويلة .وهذا الموقف مشابه لموقف " محمد عبده" و" يعقوب صروف " و" محمد عمر " ولم يدّخر الاب " شيخو" من وسعه شيئا الا ووظفه من اجل اجتثاث الظاهرة التخيّلية رواية ومسرحا ن واستاء كثيرا لما جُمعت ونُشرت الآثار المسرحية ل" مارون النقاش " الذي عرّب عدّة روايات .
وفي السرد والتنكر ، تحدث المؤلف عن تنكر المؤلفين لمؤلفاتهم بسبب الخوف من ان يوصفوا او يوصموا بانهم راوائيون ، ك " محمد حسين هيكل " في " زينب " ونجيب محفوظ الذي وكما يرى الدكتور عبد الله ان التجربة الروائية ل" نجيب محفوظ" في عمومها ، لم تضع نفسها في تعارض مع نسق الثقافة السائدة ، الا في حالات محدودة جدا منها " اولاد حارتنا " على اعتبار انها تجربة تخيلية تستثمر رمزيا السياقات العامة للانظمة الدينية وانبيائها ، فإنها وقفت في عدم الانصياع لها .ويقول المؤلف ، ومع الأخذ بفارقين أساسيين بين " هيكل " و" محفوظ" وهما فارق ط الزمن " و" قوة التجربة "الابداعية وزخمها وتماسكها ، يتضح السبب وراء فشل " هيكل " ونجاح " محفوظ" وهما فشل ونجاح لا يحملان هنا دلالة تتصل بحكم قيمة تجاههما ، انما يراد من ذلك فقط بيان الاستتراتيجية الصارمة التي تتبعها الثقافة السائدة في إقصاء البعد االتخيلي للتجربة الإنسانية والامتثال لها ، كما في حالة " هيكل " والاستتراتيجية المضادة التي يمكن اتباعها لوضع البعد التخيلي للتجربة الإنسانية في موقع معترف به ، كما في حالة " نجيب محفوظ" الذي يكشف هو الأخر نوع المصادر التي كانت تمارسها الثقافة السائدة في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين .
ويرى المؤلف ان مشكلة " محفوظ" أكثر تعقيدا من مشكلة " هيكل " فكان " محفوظ" ينكر فيما كان " هيكل " يتنكر –ان تكون القصص المنشورة باسمه عائدة له ، انه بخلاف " هيكل "الذي اختار قناعا رمزيا يتخفّى خلفه للاحتيال على الثقافة السائدة ، كان ينكر ان يكون هو المقصود ، فتماثل الأسماء أمر شائع .وبما انه لا يليق بموظف حامل لشهادة جامعية في الفلسفة ان يكون " مهرجا " فقد لجأ الى الإنكار للحفاظ على سمعته .ان تكون روائيا او قاصا فهذا يعني ان سمعتك مهددة بالخطر، و انك موضع للسخرية .فكان " محفوط " ينكر ما يكتبه للحفاظ على سمعته ومهنته ، فيما كان " هيكل " يتنكّر وراء ما يكتبه للحفاظ على مهنته وسمعته . وفيما استجاب " هيكل " للحالة واستمرارها ، انقلب عليها " محفوظ" ورفضها / ومضى في تصحيح الخطأ، وتنامت مع الزمن تجربته الإبداعية ، فكسب الأدب العربي روائيا أضفى على فن الرواية أهمية خاصة في تاريخ الأدب العربي الحديث .
وفي ختام مقدمته ، يتبين المؤلف وجود نسقين ثقافيين ينازعان فيما بينهما ، لكل منهما تصوراته ووسائله ووظائفه ومتلقوه ، وكل منهما ينظر إلى الأخر بتوجس وحذر ، ويعرض احتجاجا ضد الأخر ويركب له صورة مشّوهة حيث كان نسق الثقافة الرسمية بأساليبه الفصيحة والمتعالية ، يقصي نسق الثقافة التمثيلية – التخيلية التي تستعين بالترميز والإيحاء والاستبطان ... ويستبعده ؛ لأنه يحتكر الرأي ويسيطر على وسائل التعبير المباشرة.وفي غضون هذا النزاع ترعرت الرواية.
وتحدث عن المتحاملين على الرواية كالعقاد والمازني وزكي مبارك ..وتوفيق الحكيم ..كمن سبقهم من المتحاملين على الآداب الصرفة او التخيلية كمحمد عبده ، ويعقوب صروف ، ومحمد عمر ...(ينظر : المقدمة: 5-28)
الكتاب الرابع : الفصل الاول : السردية العربية الحديثة :الابنية السردية :
تحدث فيه عن ترك " المويلحي " حديث عيسى بن هشام بصمة لا تمحى في بنية العالم السردي التخيلي الموروث ، حيث بث الحراك في بنيته الدلالية النمطية ، وزرع نوعا من الفوضى فيه ، فخرجت الشخصيات منه بغير ما دخلت اليه .وتشكيك ال" مويلحي " في الشخصية الجاهزة التي تنضد صفاتها في الصفحات الأولى ، ثم تهمل إلى النهاية ، وتنصرف العناية بوصف دورها في عالم ثنائي الإبعاد : الخير والشر .
ويقول الدكتور عبد الله : لاشك في ان كتاب " المويلحي " و" هيكل " استأثرا بعناية استثنائية في تاريخ السرد العربي الحديث، وانتزعا مكانة مرموقة فيه .ويرجع الاهتمام بزينب إلى سببين أساسيين في رأيه : أولهما : تاريخي يتصل باهتمام الباحثين المتزايد في ظروف نشأة النوع الروائي في الأدب العربي الحديث ، ومحاولة العثور على نقطة ارتكاز تصلح بداية مقبولة وركيزة ثابتة ، تعطي البحث التاريخي في هذا الموضوع أهميته ومعناه .
وبسبب الخلافات التي دارت حول رواية " زينب" أعطتها موقع الصدارة والاهتمام في كل موضوع يعنى بالبحث عن تاريخ الرواية العربية .فمن الواضح ان السببين : التاريخي والفني يتداخلان في أكثر من منطقة ويتلامسان في أكثر من مجال .كما إن التعارضات حول " زينب " جعلتها موضوع بحث مستمر ، وانتجت كتلتين كبيرتين من الأفكار هدفت الأولى إلى إثبات ريادة " زينب " وهدفت الثانية الى نقض تلك الريادة .
اصدر في جريدة البيان ما نصّه : (ان هذه الرواية عهد جديد في عالم الكتابة نستقبله بالغبطة والروح ، تلكم رواية " زينب " وضعها صاحبها يصف فيها أحوال الريفيين في طهرهم وعفافهم ، وسلامة قلوبهم ، وشرف حبهم ..وبعد صدور " زينب " بنحو عشرين سن ، أكد " هيكل " ان القصة ايا كانت الحوادث التي ترويها ، إنما تدل على فكرة بمثل اعلى في نفس كاتبها ".وقد تاثر " هيكل " باعترافه ب"كاريل " و" مل " و سبنسر " وغيرهم .قبل إن يسافر الى فرنسا ،وما أوصلها حتى راح ينهل من ينابيعها ، ويتصل بثقافتها وأدبها ..وثبت " يحي حقي" جملة من التأكيدات التي يرى فيها ان صاحب " زينب " شديد الصلة بمرجعيات الفكر الغربي الحديث، وان روايته برهان على ان نشأة الرواية العربية اقترنت بالمؤثر الفرنسي ، ودارت في فلكه ، وان " زينب " تطابق روايات " بورجيه " و" بوردو" و" زولا " وأكد ذلك كل من " مندور " و" عبد المحسن طه بدر " وانتهى " شلش " الى ان " زينب" تمثل نهاية مرحلة التخبط في الكتابة ، وبداية مرحلة الاستفادة المثمرة بالتراث الروائي الأوربي ( الفرنسي ) تحديدا . حتى عدت رواية " زينب " رائدة ؛ لأنها أفادت من الخصائص الأسلوبية والبنائية والموضوعية التي تميزت بها الرواية الاوربية ، وبذلك تكون قد تخلصت من المؤثرات التقليدية العربية التي وجدت لها حضورا في النماذج الروائية في ذلك الوقت .وفي الخاتمة يشير المؤلف الى ان هناك نوع من التوافق بين "زينب" والروايات الأوربية ، حيث منحت حقّ الريادة ؛ لأنها يذلك تكون الصلة مع الموروث السردي العربي القديم ، فكرة التأثر والتأثير دخلت موجّها أساسيا في تثبيت الريادة ؛ لأنها كُيفت من اجل دحض أمر واثبات أخر .(ينظر :29-60)
الفصل الثاني : الأبوية الذكورية والسرد التفسيري :65
اختلف حول التجربة السردية لنجيب محفوظ ، وتضاربت الآراء النقدية حولها ،فبينما يراه آخرون المدشن الحقيقي لشرعية الرواية في الأدب العربي الحديث ، يراه آخرون السد الذي حال طويلا من دون تجديدها ، ومن دون شيوع الأبنية السردية والأسلوبية الجديدة .
وطالما نظر إلى الرواية العربية بابتذال ودونية قبله ،فيما توارت بعده مكانة كبيرة إلى درجة ذهب فيها معظم النقاد إلى أنها ديوان العرب في العصر الحديث ، ولمحفوظ الدور الأول في انتزاع تلك الشرعية ، نشر أولى رواياته عام 1939 ، ومرت تجربته بمراحل متنوعة من ناحية الموضوعات . وطرائق التمثيل السردي تاريخية وواقعية ورمزية وملحمية ، وتفاعلت موضوعاتها وأبنيتها السردية والدلالية والأسلوبية ، وهو روائي دائم التحول والتجديد.
ولعل َّ أهم الظواهر المهمة في تجربته الروائية: تمثيل قيم الأبوة والذكورة وتلاحمها . وظل يطوره ويوظفه في رواياته ، حتى بلغ بها درجة لافتته للنظر في رواية"الثلاثية" ثم هيمنت في " أولاد حارتنا " وكرست الأبوة نهائية في رواية " ملحمة الحراشيف" .
إن احتفاء محفوظ بموضوع الأبوة القائم على مفهوم الذكورة وتثبيت قيمها الصارمة يعتبر احد المرتكزات الأساسية لتجربته السردية .
وراح البناء السردي في تجربة محفوظ يتشقق بدا برواية " اللص والكلاب " عام 1961 ثم السّمان والخريف عام 1962 ، وال"الطريق" عام 1964 والشحاذ 1965 ، وثرثرة فوق النيل 1966، وميرامار 1967، والحب تحت المطر ، 1973، وقلب الليل 1975، وحضرة المحترم 1975 ، ثم ، تشظي في ليالي ألف ليلة 1982،وأصداء السيرة الذاتية 1996.
لقد شيد نجيب محفوظ عالما سرديا يتفاقم الانهيار فيه بسبب النوازع الفردية للشخصيات الباحثة عن ادوار خارج منظومة القيم الأبوية السائدة وتتخبط الشخصيات في اختباراتها كما نأت بنفسها عن هيمنة النظام الأبوي ، ويغلب أن انتهت نهايات مأساوية ، فالتمثيل السردي يقوم على تنميط قيمي جاهز.والشخصيات تنفلت حينما تسعى لاختراق سلسلة من الأنظمة المهيمنة كالأسرة والطبقة، والعادات السائدة، فتقع ضحية أخطاء قيميه ولا يتردد محفوظ في دفعها إلى مصائر تعادل تلك الأخطاء،فتصبح موضوعا لعقاب عام .
والشخصيات تكتسب استقامتها ، ليس من مزاياها الخاصة، أنّما من مقدار امتثالها للقيم الأبوية ويتجلى هذا الأمر في رواية "بداية ونهاية " عام 1949 ثم" الثلاثية"بأجزائها الكاملة بين القصرين 1956، وقصر الشوق 1957، والسكرية1957، ورواية " أولاد حارتنا "1959 ، وأخيرا " ملحمة الحراشيف" 1977 .
المــــــرجعيات والوظيفـــــة التمثيليــة للســـرد عنــد نجــيب محفــوظ :
لقد أشار محفوظ إلى المرجعيات الأساسية التي تقوم عليها رواياته فقال : " الاهتمام بالتاريخ ، أو المجتمع مع مواصلة الاهتمام أيضا بما وراء التاريخ والمجتمع ".
ويقول: " أنا دائما أحب أن اجمع بين الاثنين على قدر المستطاع ".
ويندمجان هذان المكنونان في تجربته ليكونا العالم الخاص برواياته ، وجعل من أدبه وسيلة تعبير عن ذلك بقوله : " أنا عبرت تعبيرا جيدا كما أتصور عن عالمي ، أنا بذلك لان الواقع يجب أن يكون الملهم أولا للفن ، وان وظيفة الفنان هي التعبير أولا والإيصال ثانيا وان يكتب من اجل مجتمعه ومن اجل معاصريه وعليه أن يحقق ذلك كله مع المحافظة على مثله العليا الفنية.
وبهذا وصف محفوظ مرجعيته الأساسية في التجربة السردية فيما يخص الأبوة والذكورة ،فهو يمزج بين مكوني العالم الحقيقي والمتخيل جاعلا نفسه المركز الذي يلتقي فيه هذان المؤثران .
لقد انعقد إجماع حول قيمة محفوظ الكبير ككاتب أسس القواعد العامة للنوع الروائي في الأدب العربي الحديث ، ولكن خلاف كبير نشب حول طبيعة أدبه الروائي ومصادره وقيمته الفنية وتأثره ...
فقد ذهب "ادوارد الخراط " إلى القول بان "نجيب محفوظ " أصبح معلما تاريخيا ولكنه في نفس الوقت ليس هو النموذج الذي يُستشرف أو يُسعى إليه ، ودعا إلى أن يوضع في مكانه الصحيح ؛ لان تجربته الروائية تعبير عن نسق ثقافي اجتماعي يميل إلى الثبات والإحساس باليقين ، والحلول النهائية ، وهو ما جرى تمثيله في "الثلاثية " وما قبلها من روايات . إلا إن مأزقه ظهر حينما تغير ذلك النسق ، من دون أن يواكبه تغيير حقيقي في السرد لديه ، فقد عَلَقَ محفوظ كما يخلص الخراط بين نسق ثقافي اجتماعي انتهى..وأسلوب معبر عنه ظلَّ محفوظ متمسكا به ، وبعد " الثلاثية" حينما بدأ يتخلى عن النفس الطويل ، والتقصي والإحاطة، وهي اقرب ما تكون إلى عمل" بلزاك" ، ويختار أشكالا جديدة ،حدث في عمله نوع من المآزق.
ولم يصل محفوظ إلى الحداثة ، ولم يتخلَ تماما عن التقليدية وبالتالي فأعماله في مجملها بعد ذلك كانت نوعا من التخطيطات لأعمال يزمع كتابتها ، كما لو كانت نوايا على الورق . إلا بضع أعمال قليلة مثل : " الحراشيف"" أولاد حارتنا " وذلك إن العالم الذي استأثر باهتمام "محفوظ" وبرع فيه هو العالم الذي يأخذ من "الفنتازيا" بطرف ، ومن الواقع بطرف ، عالم يقع تاريخيا في أول القرن العشرين ، وعالم الحارة المصرية ، عالم الفتوة الذي يقابل "الروين هود" في الأدب الغربي .
ويرى الخراط إن الانجاز الحقيقي لمحفوظ يكمن في الانتقال بالشخصيات من مستواها الفردي إلى مستواها النموذجي من كونها ذوات مبهمة إلى كونها رموزا قيمية واجتماعية .
فيمكن القول إن تجربة محفوظ هدفت بطريقة ما لتكريس الأبوة التي لا تظهر إلى العالم سلسلة متواصلة من العلاقات والتعلق بالنماذج " الرمزية" التي تضخ إلى العالم سلسلة متواصلة من العلاقات النمطية التراتبية بين الإفراد ، فأهمية الإفراد لا تأتي من أفعالهم ، إنما من محاكاتهم لقيم كبيرة تقليدية موروثة .
فالأبوة نظام جهز عبر التاريخ بسلسلة متكاملة ومترابطة من الشروط والإجراءات التي تحول دون الخروج عليه ، ولكل خروج متعمد ثمن باهظ يدفعه الفرد الذي لا يجد كفاءة في هذا النظام .
لقد حاول الخراط ان يجعل محفوظ في تعارض مع تجربته التاريخية التي تقوم سرديا بتمثيلها في مرحلة ما بعد الواقعية ذلك ان سرده استكمل عناصره في مرحلة أخرى، فلمّا تغيرات لم يتبعها تغير سردي ومحاولات التمويه كما يرى الخراط.
أراد الخراط أن يوصلنا إلى نتيجة هي : كتابة عبرت بدقة عن ذلك العالم التقليدي لم تعد قيمة إبداعية حقيقية لان عالمها اختفى ، وبها استبدل عالم آخر فهي كتابة استنفدت دورها ، ولم تعد قادرة على مزيد من العطاء لم تعد ملائمة للإيقاع الحديث في مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية والحضارية والثقافية ،والدينية ملائمة للإيقاع الحديث ؛ لان هذه الظواهر لم يعد يكفي للوفاء بها النوع المجرب المكرس من الكتابة .فالكتابة تحتاج إلى مغامرة إلى اقتحام إلى توسيع أفق تحتاج إلى طريقة بل طرائق جديدة وغير مسبوقة في تقصي الظواهر المعقدة من الواقع الذي تغير تغيرا أساسيا .
ويقول" الخراط" إن "محفوظ" اكتملت سرديته وعناصره في مرحلة أخرى فلما تغيرت لم يتبعها تغير سردي ومحاولات التمويه ، وفي المراحل الأخيرة من تجربته ، لم نتمكن من إنتاج سرد يوافق المرجعيات الجديدة ، وعلى هذا النحو تأزم النموذج الذي ثبته محفوظ ، وضاق بنفسه وكل ذلك أدى إلى ظهور " الحساسية الجديدة" التي في خلاصتها النهائية تمرد على الطبيعة التقليدية التي يعتبر محفوظ في تجربته الواقعية نموذجها الأكمل في الرواية العربية.
فما إن اهتز النموذج واندلع لهيب السرد الذي يقوم على تهشيم المركزيات الثابتة التي تشترط وصف الواقع والتزام التسلسل الزمني وتوقير الحكاية ومتابعة التاريخ الذاتي للشخصية والمنظور الشامل الخارجي والكلي للعالم .
وقد ردّ محفوظ على هذا الاتهام "بأنه كتب في الواقعية والتعبيرية وما يشبه السريالية ورجع إلى واقعية جديدة غير القديمة وكان مخلصا مع نفسه وزمنه وتطور بواقعيته الجديدة.
ويرى الدكتور " عبد الله إبراهيم " أن الخلاف بين الخراط ومحفوظ هو خلاف تمثيل سردي وطرائق تعبير ومنظورات .ص68-69.
ويرى الدكتور "عبد الله إبراهيم " أيضا إن سبب انهيار الحاضنة السردية التقليدية الضامنة للظروف الاجتماعية السائدة نتيجة لأسباب تتعلق بالأزمة التي تعرض لها الضامن الخارجي وهي عند الخراط :
1-متصلة بعام 1967 وتمثلت ب" إحباط المشروعات القومية الكبرى وسقوط الآمال العريضة " وتزلزل كي القيم التي بدا لفترة وجيزة انها في طريقها نحو ازدهار عظيم .
2- الأزمة الداخلية التي بأ يعاني منها السرد التقليدي الذي ضاق بنموذجه وصيغه وأساليبه أي أن التطور الداخلي فيه أدى إلى نضوج هذا النوع من " الحساسية" .
3- انهيار الأنساق الثقافية الاجتماعية بوصفها أطرا خارجية حاضنة للسرد التقليدي أدى إلى انهيار ذلك السرد . فظهرت " الحساسية الجديدة" التي تميزت ب أمرين :
1- تحطيم لعبة الفن التقليدي .
2- تفجر قوالب اللغة التقليدية التي اصبحت من النمطية بحيث لم تعد تعني شيئا .
يقول الدكتور عبد الله إبراهيم : " تعد الأبوة الغطاء المانح لشرعية الأفعال السردية في روايات نجيب محفوظ . ومن أهم سماتها إلا وهي " الذكورية " أي التنميط الثقافي الذي يرتفع بالرجل " الأب" من مرتبة الجنس الطبيعي كرجل إلى مرتبة الجنس الثقافي الذي يقسم العالم إلى قسمين :
1- الأب الحائز على شرعية مسبقة لكل الأفعال التي تقوم بها من دون مساءلة.
2- 2- العالم المحيط به الذي تتحدد قيمته بمقدار موافقته لمنظور ذلك الأب. وامتثاله لرؤية العامة في العلاقات والأفكار والمواقف والوظائف والمهام الموكل للرجل من دون الأنثى .وهذه "الفحولة" تشكل ركيزة النظام الأبوي حيث تندمج الأبوة بالذكورة كصفة مميزة لها . وتتلازمان وتتعاضدان وتتواطان فتدعم كل منهما الأخرى . وتسندها وتسوغها فتظهر الشخصية الذكورية ومنها ينبثق النظام الأبوي .
وصدرت" بداية ونهاية" انهيار الأسرة ، وهي صورة مصغرة لما سيكون لبّ تجربة "محفوظ" في أعماله الكبرى فانهيار الأسر والسلالات وتفككها في " الثلاثية و" أولاد حارتنا " و" ملحمة الحرافيش". والرواي العليم الذي يمثل قناع المؤلف ، فيظهر وكأنه المؤلف الضمني للرواية ، يحمل لنا المزيج المركب لشخصية البطل .
الفصل الثالث : تقنيات السرد من البحث الى الاكتشاف :ج2/ص109.
وفي الفصل الثالث يقول الدكتور عبد الله ، لعلّ احد أكثر الموضوعات المثيرة للجدل في أوساط المتخصصين بالدراسات السردية هو : 1-الكيفية التي تتشكل بها المادة السردية . 2-وطرائق تركيبها وأساليب السرد ثم الرؤى والمنظورات التي من خلالها تنبثق كل عناصر البناء الفني وأخيرا الإحالات التمثيلية للنصوص على مرجعياتها من خلال درجات متعددة من مستويات التأويل .
فالمجتمعات عن طريق السرود التاريخية والدينية والثقافية والأدبية تشكل صورة عن نفسها وعن تاريخها وقيمها وموقعها وعن الأخر وكل ما يتصل به . والسرد هو الوسيلة التي يستعين بها الجميع من دون استثناء في التعبير عن أنفسهم وعن غيرهم فما أورد " ادوارد سعيد" الأمم ذاتها تتشكل من سرديات ومرويات .
ويقول الدكتور عبد الله ، لقد اعتاد السرد التقليدي على نوع من الاحتفاء بالحكاية وتوفير خصوصيتها ومداراة تسلسلها المنطقي الذي يأخذ في الاعتبار التدرج المتتابع وصولا إلى نهاية تنحل فيها الأزمة ويعاد التوازن المفقود وتتحدد وظائفه ضمن منظومة التراسل والتلقي .
وقد أفرزت الرواية العربية نوعا من " الحساسية الجديدة " كتمرد ضمني على النسق التقليدي الذي مثلته تجربة نجيب محفوظ وغيره من الروائيين العرب في النصف الأول من القرن العشرين .
فالرواية في نهاية المطاف ظاهرة أدبية ثقافية منخرطة في عمليات التمثيل المعقد للمحاضن التي تحتضنها .
الفصل الرابع : ص137.
يقول الدكتور عبد الله إبراهيم : يؤدي السرد وظيفة تمثيلية شديدة الأهمية في الرواية ، فهو يقوم بتركيب المادة التخيلية وينظم العلاقات بينها وبين المرجعيات الثقافية والواقعية مما يجعلها تندرج في علاقة مزدوجة مع مرجعياتها فهي متصلة بتلك المرجعيات لأنها استثمرت كثيرا من مكوناتها ، وبخاصة الأحداث والشخصيات والخلفيات الزمنية والفضائية . ولكنها في الوقت نفسه منفصلة عنها لان المادة الحكائية ذات طبيعة خطابية فرضتها أنظمة التخيل السردي ، فالسرد في وظيفته التمثيلية يركب ويعيد تركيب سلسلة متداخلة من عناصر البناء الفني ليجعل منها المادة الحكائية التي تتجلى في تضاعيف السرد ، فالتعدد الداخلي لمكونات الحكاية وانفتاحها على فضاءات ثقافية وسلالية ينقل الرواية من كونها مدونة نصية شبه مغلقة إلى خطاب تعددي منشبك بالمؤثرات الثقافية الحاضنة له .
ويأخذ " التعدد" مظاهر كثيرة تعدد في العناصر السردية المكونة للحكاية ، وتعدد في أساليب السرد ، وتعدد في الصيغ وتعدد في مواقف الشخصيات ورؤاها ومواقفها ، ولعل إحدى الظواهر السردية البارزة في مسار الرواية العربية ، استثمارها تعدد الشخصيات والمرجعيات الثقافية الخاصة بالأعراق والسلالات والثقافات والقيم التقليدية والمرأة والهوية والأخر ، والانتماءات السلالية ، وبالطبائع ويكشف البنية الأبوية للمجتمعات الممَثلة سرديا وكذلك قيامها بتمثيل : الأنا والآخر ، والطبيعة والثقافة والقيم التقليدية والمجتمع الحديث وكل ذلك أسهم في اثر البنية الدلالية وتعدد مستوياتها .ص173
وبذلك اظهر السرد العربي في الرواية العربية قدرة كبيرة على التمثيل للمرجعيات الثقافية المتعددة وإعادة تشكيلها فتندرج ذلك من "الترميز" والإيحاء كما ظهر في رواية " موسم الهجرة الى الشمال" الى التوثيق كما في رواية " مجنون الحكم " .
الفصل الخامس :الرواية وتقنيات السرد الكثيف : ص177.
يقول الدكتور عبد الله : لقد كشفت الدراسات السردية المتخصصة وجود ضربين من السرد في الرواية : (1- سرد شفاف .2- سرد كثيف.).
فحينما يختفي الرواية وراء الأحداث ن ويتوارى إلى أقصى حد ممكن لصالح الحكاية ، ويظهر السرد الشفاف الذي يجعل الأحداث تعرض نفسها من دون أن يشعر المتلقي بوجود الرواية كوسيط سردي بينه وبين الأحداث المتخيلة وأما حينما يشير الروائى إلى نفسه ومتحكما بحركة الشخصيات ومصائرها ، فان المتلقي لا يندمج مع العالم السردي التخيلي ، ولا تتحقق شفافية .فتتبدد الإيهام أو تتكسر مقوماته . لان الراوي يتدخل متحدثا عن نفسه وعن دوره في العالم التخيلي مبديا ملاحظاته حول كل شيء ينقل بعملية التأليف وهنا يظهر السرد الكثيف ،واصطلح على النوع الأول الشفاف (covrt) والثاني السرد الكثيف (overt ) .
فالراوي الذي يتحكم في النوع الأول من السرد ( الشفاف ) هو الراوي المتواري خلف الأحداث وهو يصف متخفيا ولا يتدخل علننا في مسار الأحداث فيما يكون الثاني ( المكثف) مشغولا بالإعلان عن نفسه طول الوقت . وفي السرد الكثيف تعد عملية التشكيل السردي جزءا من الأحداث وهنالك إشارات كثيرة إلى العناصر المكونة له حسب "جيرالد برنس" فهو سرد يبحث عن نفسه سرد يقوم بعملية انعكاس لنفسه ويعد سردا للسرد .ص177 ولكل خطاب سردي مستويان :
1- المستوى اللفظي المباشر .
2- المستوى الحكائي المتخيل الذي ينبثق عنه .
3- حينما يعني المؤلف مباشرة او عن طريق الرواة بالمستوى الأول ، فيتدخل لوصفه ووصف علاقاته به ، وكيفيات تشكيله ، يظهر السرد الكثيف الذي يحجب المادة المتخيلة أو يحول من دون وصولها بشفافية مباشرة إلى المتلقي وحينما يتوارى المؤلف بصورة كلية خلف الأحداث فلا يشير إلى نفسه ودوره في تشكيلها يظهر ا"لسرد الشفاف" . وهذان الضربان يتنازعان الرواية بوصفهما نوعا أدبيا وكانت هيمنة" السرد الشفاف "واضحة في الرواية إلى مطلع القرن العشرين ، اذ راحت تقنيات السرد الكثيف تظهر بصورة واضحة بعد ذلك .ويضفي السرد الكثيف حيوية على الرواية لأنه يكشف مستوياتها السردية والتركيبية والدلالية . ويظهر "السرد الكثيف "حينما ينتحل المؤلف الضمني دور الراوي أو يختبئ خلفه ويدخل وسط بين الشخصيات والأحداث المتخيلة والمتلقي وكلما عرض معرفة ومعلومات شخصية لوصفه مؤلفا للأثر الأدبي من ناحية ومن ناحية أخرى ممارسا لدور سردي في النص ولهذا يندرج ضمن فئة الرواة. وتخطى ذلك إلى قضية المتلقي كما اتضح ان تداخل مستويات السرد وتدخلات المؤلفين مباشرة او عبر الرواة ، والإعلان عن أهدافهم وغاياتهم ، ورغبتهم في صوغ المادة السردية علة وفق ضروب بناء محددة كل ذلك كان يتسرب خلال السرد نفسه مما يفضي إلى أن تكون الحكاية والسياق السردي الحاضن لها وعلاقة كل ذلك بالمؤلفين والرواة موضوعا تعالجه النصوص الروائية بوصفه وحدة عضوية من المكونات السردية وهذه التقنية تمنع حالة الاستغراق القصوى في العالم المتخيل وتدفع بالمتلقي دائما لمساءلة النص بوساطة الأسئلة المثارة حول من دخله ن وهذا لا تتم في حياد وبراءة ، أنما هي جزء من عملية تتوزع على مهمتين : 1- الرواية . الأحداث. 2- البحث في كيفية تركيبها وذلك من اخصّ ما تتميز بها تقنية السرد الكثيف في الرواية .ص208.
الفصل السادس : الرواية والتركيب السردي :ص211.
أفضى وعي الروائيين العالمين بتقنيات السرد إلى إدماج الكثير منها في رواياتهم ، إذ لجأ " ثربانتس" إلى تضمين كتابة " دون كيخوته" قصصا قصيرة وشاع الأمر في نصوص روائية أخرى . وعرف الأمر في الرواية العربية منذ القرن التاسع عشر عند خليل الخوري ، والبستاني ، وجورجي زيدان . ولعلّ أكثر ما عرف من ذلك ، ما يتصل بالتركيب السردي للنصوص الروائية ، ومدونة الرواية العربية في القرن العشرين تعجّ في ذلك .



البحث عن مخطط التناوب السردية :
استأثرت عملية تركيب النص الروائي باهتمام كبير في رواية "سابع ايام الخلق " لعبد الخالق الركابي ، إذا قدّم المؤلف – الراوي خطه محكمة وشاملة ، تعنى بكل الإجراءات الخاصة ببناء الرواية التي يعمل عليها وتحمل العنوان نفسه فيلجأ إلى وصف عمله الفني وهو يعيد تشكيل المرويات والمدونات التي تؤلف لبّ المادة السردية . وهناك مستويان في الرواية :1- يعنى بتتبع علاقة المؤلف بمادة روايته .2- الاهتمام بتلك المادة التي يشكل قوامها مخطوط " الراووق" . مرّ بمرحلتين أساسيتين : ( 1- شفاهيه .2- وكتابية).
إن أول رواية تحمل تقنيات السرد الكثيف في الأدب الفرنسي هي رواية " دولا سال" باعتبارها نماذج السرد الكثيف المبكرة في السرد الروائي. على إن إحدى أكثر تجليات السرد الكثيف حضورا في تاريخ الرواية تظهر في رواية" جاك القدري" الكاتب الفرنسي "ديدرو" إذ يرتحل كل من جاك والمعلم إلى مكان مجهول وغير محدد وطوال الرواية تخلط أفعال الشخصين بتعليقات المؤلف إلى درجة تكاد تتحول فيها الرواية إلى هلوسة ندر مثيلها في الأدب السردي .
تداخل المستويات السردية :
يقول الدكتور عبد الله إبراهيم : تقدم روايات " مؤنس الرزاز " لوحة شديدة التعقيد والغنى حول تداخل المستويات السردية التي تلازم في الغالب تقنيات السرد الكثيف ، فالعالم التخيلي في رواياته يتشكل بتوجيه مباشر من تلك التداخلات التي تكسر الوهم وتنبه المتلقي بأنه إزاء عالم فني ولعلّ أهم سمة سردية يمكن أن نلمسها في روايات " مؤنس الرزاز " هي إن الرواة يصرحون برغبتهم الواضحة في صوغ المادة السردية بما يوافق رؤيتهم للأحداث ، وعلاقتهم بها ، وفهمهم لمقاصدها.
وفي رواية " أحياء في البحر الميت " تتداخل المستويات السردية .
ويهتم " أمين معلوف" في رواياته بالعلاقة المعقدة التي تأخذ أشكالا عديدة بين الراوي والحكاية ومن ذلك فان الراوي يوهم المتلقي بأنه يضع نفسه في موقع وسط بين المحقق الباحث عن الحقيقة التاريخية والصانع الماهر للحقيقة الفنية . ومن رواياته : "صخرة طانيوس" و" سلالم الشرق" .
وفي كثير من روايات " غالب هلسا : تتضح وجوه متعددة من تقنيات السرد الكثيف وبخاصة بعد ان شاع توظيف هذه التقنيات كثيرا في الرواية العربية .202.
ويقول الدكتور عبد الله : لقد كشفت النصوص الروائية التي كانت لتحيل عن الشبكة المعقدة للعالم السردي فلم يعد البناء التقليدي للحكاية هو المستأثر باهتمام الروائيين ، إنما نوع الاهتمام على الحكاية المتخيلة وكل عناصرها الفنية من شخصيات وأحداث وأزمنة وأمكنة .
السرد وحكايات ( المهمشين) :
تعنى رواية " ياكَوكَتي " لجنان حلاوي بتمثيل عالم المهمشين من اللصوص الرخيصة والبغايا ، والعبيد ، والبحارة وراقصات الملاهي الليلية الرخيصة ، والسكارى ..وذلك على خلفية من الأحداث التاريخية التي شهدتها مدينة البصرة العراقية في تاريخها القديم والحديث ن من ثورة الزنوج إلى دخول الانجليز مطلع القرن العشرين حيث نجد شخصيات الرواية نفسها منبوذة طبيقيا وسياسيا ، فلا فرق بين العبد واللص والمتبني للفكر السياسي فجميعهم يجري اختزالهم إلى كائنات هامشية .
ويبدو الراوي العليم الذي يمثل تلك الشخصيات منحازا إليها ، فايديلوجيته التي تطفو على السرد وتتخلله تقبل تصرفاته وتسوغها وتعارض في الوقت نفسه عالم الطبقات المسيطرة ولهذا فلا تتمركز الأحداث والشخصيات حول فكرة محددة ، سوى الكشف الدائم لها مشيدتها ، فتظهر شخصية سلمان العبد وهي مثلومة ومنقوصة ، تكاد تضيع في خضم عالم مزدوج بالمهنيين.ص230
وتقدم الرواية كشفا شبه تقريري للصراع الذي ينشب بين المهيمنين وانقضاضهم حينما يفلح الآخرون في تمزيق الأواصر التي تربط فيما بينهم .
السرد وخلخلة العالم الحكائي :ص233 وفي رواية " الغيمة الرصاصية " ل ط علي الدميني" تتداخل الأصوات السردية تداخلا كليا وهو ما يؤدي إلى تداخل مستويات السرد الأمر الذي يتخلخل معه النظام الزمني لترتيب الأحداث ، فتمزق الحكاية ، لأنها تكون موضوعا يتنازع حول صياغته كل من : ( المؤلف والراوي الرئيس والرواة الثانويون والشخصيات ، سواء كانت شخصيات داخل النص الروائي بعد تركيبه ام شخصيات من خارجه .
مما تقدم كشفت هذه المدونات السردية الكيفيات التي تتركب بها البنيات السردية للنصوص الروائية سواء كان ذلك على :1- مستوى بناء الأحداث .2- أو إعادة إنتاج المرجعيات الثقافية والاجتماعية . إلى مزيج متنوع من الأحداث والوقائع التي تمس المرجعيات مباشرة ، وتعيد إدراجها متناثرة في سياقاتها السردية.
خاتمة الكتاب الرابع : ص241
اتخذت دراسات السردية اتجاهين رئيسين :
1- عني بالمستويات البنائية للخطاب ، وظف كشوفات علم اللغة في ذلك معبرا السرد جملة كبيرة ، وأفاد من النموذج اللغوي بوصفه معيارا قياسيا في التحليل فانبثق (نحو السرد المختلفة).
2- عني بالمستويات الدلالية للخطاب من اجل وضع قواعد للوظائف الأساسية التي تؤديها الشخصيات فتخيط أفعالها ن وبذلك تقترح طرقا للأحداث السردية. هذان الاتجاهان في السرديات الحديثة جعلا الخطاب السردي حقلا لاستنباط النظم والقواعد في محاولة لوضع تصور شامل يخيط إلى عمل مكونات ذلك الخطاب واستقامت السردية بوصفها علما للسرد على جهود اللسانيين والدلالين.
ولما كانت السردية تعنى بمكونات الخطاب السردي لكشف أنظمته الداخلية ،فقد اتجهت عنايتها إلى الخواص الأدبية لذلك الخطاب السردي لكشف أنظمة الداخلية، فقد اتجهت عنايتها إلى الخواص الأدبية لذلك الخطاب على مستوى الأقوال والأفعال فأعاده الحكاية متن مصوغ صوغا سرديا وهي خلاصة تمازج العناصر الفنية الأساسية: الأحداث الشخصيات الخلفيات الزمانية والمكانية ، المتون السردية لا يمكن أن تكون الأحداث او الوظائف التي تنهض بها الشخصيات أو الأطر السردية الناظمة لها ، إنما هي مادة تخيليلة متجانسة مصوغة صوغا فنيا ، وتتضح خصوصيتها بين عنصر وأخر . ونوع سردي وآخر وبين طريقة واخرى وطريقة سبك العناصر الفنية على نحو خاص ، فالصوغ هو الذي يعطي المتون السردي صورتها ووجودها المتحقق.




الكتاب الخامس : السردية العربية الحديثة : الاتجاهات والموضوعات :
النسوية : تاريخ العار:
1- مفهوم النسوة :
2- تقتضي دراسة الرواية النسوية العربية كشف الحاضنة الفكرية التي تعطي لتلك الرواية دلالتها في السرد العربي الحديث ، فتلك الرواية رسمت هويتها السردية استنادا إلى صوغ مكونين رئيسيين هما الرؤية الأنثوية للعالم ، والاحتفاء بالجيد .ص247.
يقول الدكتور "عبد الله ابراهيم" ، إذ نظر إلى التاريخ الإنساني بصورة موضوعية ، ظهرت مفارقة لا يمكن قبولها او السكوت عليها ، وهي استبعاد المرأة والتحيز للرجل ، وهو تحيز اعتباري وواقعي فرضته ظروف ثقافية واجتماعية وضعت المرأة في مقام أدنى يكثر من مقام الرجل ان لم نقل انه تم وقع إخراجها من دائرة صنع التاريخ ، كان تاريخ المرأة عار ينبغي طمسه وخطيئة يجب محوها وإثم ينبغي استئصاله . لذا انبثقت الحركة النسوية في حركة اجتماعية عالمية في القرن العشرين لأحداث نوع من التوازن في المواقع الاجتماعية لكل من المرأة والرجل فاتخذت طابعا عمليا ونظريا وسعت إلى تغيير أوضاع النساء من جهة والاهتمام ايما يكتبنه من جهة أخرى، فتعددت اتجاهات الفكر النسوي وانصب كثير من اهتمام الدراسات النسوية على مفهوم " الجنوسية" اذ فرقت بين النوع البيلوجي (sex) والنوع الاجتماعي ((gender فالأول يعني بالفروق الخلقية بين الذكر والأنثى، والثاني يتدرج في سياق الدراسات الاجتماعية والثقافية ، لأنه يهتم بالمكانة الاعتبارية والمعنوية للإنسان تبعا لجنسه . وظهرت " الجنوسية" التي يقصد بها التنميط التربوي والاجتماعي والثقافي الذي يحجز المرأة في موقع دوني مقارنة بموقع الرجل في الأدوار والوظائف والمسؤوليات فقط لأنها مرآة وليس لأنها اقل كفاءة ومعرفة.
وتعزو الدراسات النسوية ذلك إلى إن الثقافة الذكورية انتقصت المرأة وافترضت أنها دون الرجل بإطلاق في كل شيء وعليه فان مهمة تفكيك الثقافة الذكورية وامتصاص التحيزات التي استوطنتها عبر التاريخ ورد الاعتبار للأنثى بوصفها كائنا إنسانيا مناظرا للذكر كفيل بزحزحة العلاقة بين المرأة والرجل ونقلها من مستوى التبعية الى مستوى الشراكة . فقد نهض الفكر النسوي على فرضه نقد التفاصل بين الذكور والإناث على أساس الهوية الجنسية وسعى إلى تشكيل هوية على أساس الهوية الجنسية وسعى إلى تشكيل هوية أنثوية مختلفة ، عن الهوية الذكورية بناء على الأدوار والوظائف الاجتماعية. فظهرت النسوية الجديدة أي نسوية ما بعد الحداثة والتي تميزت بنقدها للنموذج العقلانية الذكوري للإنسان ورفض انفراده كمركز للحضارة الغربية التي جعلها المد الاستعماري أنموذجا للحضارة المعاصرة بأسرها .
لعلّ فحص الهوية الأنثوية وتحديد طبيعتها وشروط تكونها كان الأصل الذي منح النسوية موضوعا خصبا ومشروعا للبحث وقد أنتج كل ذلك كتابة أنثوية تنهل سماتها من تلك الهوية . وأقدم ما يشار إليه في هذا المجال ما أصبح يعرف بالنسوية الفرنسية وهو اتجاه ركز اهتمامه على شبكة هذه المفاهيم وربطها بالكتابة الأنثوية ، فمن الضروري في النسوية الفرنسية ان تكرس المرأة كتابتها لذاتها الأنثوية .
وقد مرت هذه الكتاب النسوية بصعاب التقليد والمحاكاة ،بل التبعية قبل ان تنفصل وتستقل وتتميزها بذاتها ولهذا ترى " ايلين شوالتر" ان كتابات المرأة تشبه الكتابات النابعة من أي ثقافة اخرى تابعة. فهي تمر بثلاث مراحل من التطور المتعاقب محاكاة الأشكال السائدة للتقاليد المهيمنة والاعتراض على هذه المعايير والقيم واكتشاف الذات أي البحث عن الهوية.ص251.
الامومة والسحر الانثوي :
ربطت المؤرخة الفرنسية " ايفون كنيسبيلير" بين الهوية والأمومة فنقدت الفكرة الشائعة حول التعارض بين الأمومة والأنوثة والأنوثة والأمومة ركن جوهري من أركان الهوية الأنثوية وهي لا تنص على نشوة نرجسية ولا على تمام شخصي وفردي وإنما هي حقيقة اجتماعية تنفرد بها المرأة وإغفالها او تجاهلا يؤدي إلى إغفال نصف وقائع الأمومة.
الابوبة والالوهية :
اهتمت " ايريغاري" بقضية المرأة والدين ، فالإطار الرمزي القائم في الغرب لا يقتصر على الربط بين الذكورة والإلوهية لكنه يجعل الذكورة مقياسا لكل الطموحات الإنسانية وتقرره " كريستين ولغي " ان النظام الأبوي موجود جنبا الى جنب مع الرأسمالية وانه ينبع من استغلال الرجل المرأة في القيام بأعمال المنزل .وأكدت "ميليت" إن الأبوية مؤسسة سياسية ، وان الجنس صفة للوضع تحمل دلالات سياسية ن فالأبوة هي الشكل الأولي للقمع البشري وبدون القضاء عليها ستظل هناك إشكال أخرى للقمع . كالقمع العنصري او السياسي او الاقتصادي او تتم الهيمنة الأبوية أساسا من خلال السيطرة الايديلوجية وان لم تقتصر عليها .
وتستعين المنظرات النسويات المنتميات إلى تيارات مابعد الحداثة بمفاهيم التحليل النفسي والتفكيك ومقاربات مابعد البنيوية كافة ، ومنها التحليل السيكلوجي ودراسات التابع ، ودراسات ما بعد الحقيقة الاستعمارية ، لإظهار ان النظام الأبوي ايديلوجية تتخلل جوانب الثقافة كافة وتهيمن عليها ، وتدمغها بطابعها الذي لا سبيل إلى محو ه حاليا .
الأنوثة : مبدأ التواصل والشراكة :
ربط الفكر النسوي بين الذكورة باعتبارها مفهوما ثقافيا واجتماعيا وبين الرغبة في الهيمنة على الآخرين والسيطرة عليهم وبخاصة النساء وبهدف مراجعة معايير هذه العلاقة وتفكيك أواصرها .تبنت "ليندا جين شفرد" نموذج " كارل يونغ" للذكورية والأنثوية للوصول الى علاقة مبينة على الشراكة والتواصل فقد قدم علم نفس الأعماق " يونغ" تعريفا للذكورية والأنثوية أكثر مرونة مما هو شائع عنها فقد وصف " يونغ " نمطين مجردين من أنماط السلوك الإنساني هما " الايروس " وهو مبدأ الترابطية الأنثوية و" اللوغوس" وهو مبدأ الاهتمام الموضعي الذكوري ، "فالايروس واللوغوس " يمارسان فعلهما في النفس البشرية كمتقابلين أبديين ، وقد ربط "الايروس" بالصفات الآتية :
(العاطفة الجمالية ، الروحانية ، الشعور والدهاء التوق) إلى الترابط والى القيمة والى التواصل والى الخوض في غمرة الأشياء والناس ، ثم الوصول إلى لبّها والتماس معها والارتباط بها والاستغراق في خضمها بدلا من التجريد والتنظير ووضع " يونغ " مقابل " الايروس" " اللوغوس" أي انه المستوى وحل المشاكل والتمييز وإصدار الحكم والاستبصار ، والتجريد ، والحقيقة الشخصية التي يتم الوصول إليها بموضوعية . وهكذا نجد أن " يونغ " قرر الحاجة لتلاحم الذكورية والأنثوية في الكائن البشري لتصبح حياته طبيعة متوازنه.
تشير " كارول جيليان " في كتابها بصوت مختلف الى ان النساء مجبولات على فحوى الاتصال ، و"بولين " الترابط اهتماما كبيرا وفي مقابل ذلك ينزع الرجال الى التاكيد على الانفصالية والاستقلالية .
وتستخدم النسوية استتراتيجيات تفكيك تحاول بهاز عزة استقرار نظام ثنائية المذكر / المؤنث . وتستلهم بعض النسويات نموذج " جاك دريادا " القائل بان الهياكل الثنائية ستظل دائما تميز احد الزوجين عن الآخر . مثل المذكر عن المؤنث ، بدلا من محاولة قلب هذا الوضع بحيث يصبح المؤنث متميزا عن المذكر مثلما تحاول النسوية التحررية ان تفعل فان النسوية المعاصرة تحاول خلخلة الهياكل الأساسية التي تقوم عليها تلك الثنائية اذ ترى " دونا هاراواي" انه لا يوجد أي شيء يجمع بين كل النساء من جهة او بين كل الرجال من جهة أخرى تحت لواء واحد .
الفكر النسوي : نقد من الداخل :ص259.
امتثلت مقولات الفكر النسوي بشكل عام للثقافة الغربية وتأثرت بها واصطبغت بصبغتها وبخاصة المركزية الغربية القائلة بشمولية العقل الغربي العابرة للأعراق والثقافات فظهر ما اصطلح عليه " بالنسوية البيضاء " أي الفكر النسوي الغربي الذي عمم مشكلة المرأة الغربية باعتبارها مشكلة كونية تخص النساء قاطبة في كل مكان . فجرى تصنيف نسوي تخطى مفاهيم العرق والثقافة والطبقة وركز اهتمامه على " الجنوسية " فعزل جنس النساء ونظر إليه على انه المستهدف من الثقافة الأبوية ب" الذكورية ". فكثيرا من النساء خارج المجال الغربي بعامين ليش فقط لأنهن إناث إنّما أيضا لأنهن مهمشات عرقيا او طبقيا او ثقافيا او مذهبيا ، اوقبليا او اسريا ..فالنسيق المهيمن في العلاقات الاجتماعية نسق أقطاعي أبوي ، يقوم على مبدأ الطاعة والخضوع وبحكمة التراتب الفئوي والطبقي والجنسي والمذهبي والقبلي وفي تلك المجتمعات الأبوية يتصاعد دور الأبوة الرمزي في الأسرة .
انتقدت الهندية "غاياترى " محاولات النسوية الغربية التحدث بالنيابة عن النساء خارج الفضاء الغربي ، وناسف كثيرا أن يتم إعادة إنتاج المقولات الامبريالية من خلال النقد النسوي فقد تخطت الامبريالية والكتابة النسوية الغربية على حد سواء حدود المسؤولية حينما انتدبتا نفسيهما للحديث بالنيابة ليس فقط عن المجتمعات التقليدية والنساء فيها وإنما فرضت مفاهيم تحليلية وإثارة قضايا جدلية متصلة بالفكر العربي وتطبيقها بنوع من التعسف على مشكلات المجتمعات التقليدية ومنها قضية المرأة .
وأدرجت "سبيفاك " ذلك ضمن دراسات التابع ن مؤكدة بان وعي التابع يتمثل لتأثيرات النخبة الاستعمارية وتلك التأثيرات النفسية تصوغه بسبب قوتها وهيمنتها فيتعذر استعادته بصورة الحقيقة بل لا حقيقة له لأنه وعي مستعاد عبر تمثيل قوة النخبة وثقافة الاستعمار ولهذا فهو منزلق دائما عما ينبغي أن يدل عليه .
وترى " سبيفاك " إن الثقافة الاستعمارية تأتي حاملة معها فرضيا تها مفاهيمها بل ومشكلاتها ونماذجها التعليلية وتريد فهم بنية المجمعات التقليدية في ضوء تصورات مستعارة من سياق الثقافة الغربية .ص260.
وترى "وين كورتين " إن الفكر النسوي الغربي وقع في قضية التعميم فيما يخص النساء فمن السير حسب رأيها أن تنزلق التحيزات العنصرية إلى تعميمات بخصوص أوضاع النساء الغربيات اعتمادا على مقولة مصطنعة ومثيرة للنزاع العميق مثل " نساء العالم الثالث" فحياة النساء سوف تستمر في شغل أماكن هامشية مفهوميا . فالتوجه النسوي في الولايات المتحدة الأمريكية لم يصدر أبدا عن النساء الأكثر معاناة من صور القهر القائمة على أساس الجنس أي لم يصدر عن ضحايا الأذى النفسي او الجسدي والروحي من النساء اللواتي يتعرضن له يوميا مع افتقادهن لكل ما يمكنهن من تغيير أوضاعهن الحياتية وهن يمثلن الأغلبية الصامتة بين النساء كما هو معلوم وما يشير إلى مكانتهن كضحايا هو قبولهن لمصيرهن في الحياة من دون التساؤل العلني او الاتجاه المنظم من دون التعبير عن الغضب الجماعي ضد مصائرهن الجماعية .ص262 وتعمقت " ناريان" في الكشف عن الثقافة الوطنية باعتبارها تمثل استمرارية ثابتة تمتد الى الماضي البعيد وهي تشدد على فكرة " التبجيل" ؟ وتؤكد " كانديوتي " وهي تحلل الهوية ان البلاد التي يتخذ التوجه الوطني الثقافي فيها مسحة إسلامية واضحة يبدو ان الخطاب النسوي فيها يتحرك في احد اتجاهين لا ثالث لهما :
1-أما إنكار إن الممارسات الإسلامية هي بالضرورة ممارسات قهرية ، أو التأكيد على إن الممارسات القهرية ليست بالضرورة إسلامية . ويتضمن الاتجاه الأول وضع كرامة المرأة المسلمة المصونة في مواجهة المرأة الغربية الخاضعة للتسليع والاستغلال الجنسي وهكذا يعتمد الاتجاه على تقديم صورة شيطانية للأخر . ص266.
2-أما الاتجاه الثاني يقوم على أسطورة العصر الذهبي للإسلام الأصيل وهي أسطورة يتم توظيفها لشجب ما يقع من ممارسات للتمييز بين الجنسيين واتهامها بأنها لا تمت إلى الإسلام بصلة .وتقول " سبيفاك " انه من سوء الحظ ان تعمل وجهة نظر النقد النسوي على إعادة إنتاج الحقائق التي أقرتها الامبريالية.
وذهبت " إن مكلينتوك" إلى إن الأمم ليست مجرد أوهام من صنع الخيال، وإنما هي مجموعة من أنظمة التمثيل الثقافي لتلك الممارسات التاريخية التي يتم من خلالها خلق الاختلاف الاجتماعي وممارسته وهكذا تصبح الهوية الوطنية هي العنصر المكون لهويات الشعوب عن طريق الصراع الاجتماعي الذي عادة ما يتصف بالعنف ويخضع دائما إلى علاقات النوع الاجتماعي .
إن الأمم هي أنظمة متناحرة من التمثيل الثقافي التي تعمل على تقليص فرص الناس للتعامل مع مصادر الدولة الوطنية او منح الناس شرعية التعامل مع تلك المصادر .
النسوية وتفكيك المجتمع التقليدي :284:
عكفت "فاطمة المرنيسي " على نقد بنية المجتمعات الإسلامية العربية ونقد الخطاب الداعم لمقوماتها ، في كتابها "الخوف من الحداثة : الإسلام والديمقراطية .
وأوضحت ثمة خوف من الحداثة لأنها تقوض النمط التقليدي من العلاقات الراسخة وتقترح نمطا مختلفا فالنمط القديم مدعوم بتأويل ديني فيما النمط الجديد لا ضامن له سوى الديمقراطية .فمن اللازم أن يفسح الإسلام مكانا للديمقراطية لكي نفتح سبل التغيير ويتم الانتقال من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حديث. والحق حسب الدكتور عبد الله إبراهيم فنزع اللاهوت من الظاهرة الدينية يعيدها إلى نبعها الأصلي ، باعتبارها تأملات تقويه ذات أهداف أخلاقية واعتبارية غايتها التهذيب والإصلاح ؛ لان اللاهوت ممارسة سجالية تغذت على الحواشي المعتمة للظاهرة الدينية احتكره الرجال وصاغوه طبقا لرؤاهم ومصالحهم وفيه درجة عالية من التضامن الذكوري ضد النساء وهو تضامن اتخذ شرعية من تكييف خاص لبعض إيحاءات الظاهرة الدينية ونصوصها . ولان كان ألاهوت من نتائج ثقافات القرون الوسطى القائمة على السجال واحتكار الحقائق فان العصر الحديث الذي احلّ النسبية في كل شيء لم يعد بحاجة إلى فروض اللاهوت المجردة عن التاريخ .
فالحداثة ستجد نفسها في تعارض مع لاهوت ذي بطاقة دينية وتحرير العلاقات الاجتماعية من أنساقها الموروثة سيجعل المجتمعات تقبل علاقات مغايرة تحتل فيها المرأة مكانة لا صلة لها بنوعها الجنسي وإنما بدورها الاجتماعي .
وفي كتاب " الحريم السياسي، النبي والنساء " عوّمت المرنيسي حالة العبودية قبل هيمنة التصور الإقطاعي للإسلام إلى حالة العبودية كفرد يتواصل مع أسرته في مناي عن الضخ الايديلوجي الذي ولدّه الإسلام المتأخر .
وكشفت عن طبيعة التواصل بين النبي والنساء ودرجة الترابط بينهما ، ثم سلطت الضوء على السخاء العاطفي الذي اتصف به الرسول (ص). تجاه نسائه.
وبحثت " المرنيسي" عن دور المرأة في التاريخ العربي الإسلامي في كتابها " سلطانات منسيات " وقدمت لصورة الحرية في الثقافات عموما في كتاباها " هل انتم محصنون ضد النساء ". وكشفت عن كيفية الاندماج في عالم يقوم بتحديث نفسه لكنه منشطر بين غرب يسعى لتحويل التحديث إلى عمل مستحيل من خلال تمزيق الأنساق التقليدية للعلاقات الاجتماعية التي لابد لكل تحديث ان يقوم بتفكيكها ومجتمع ذكوري يتعمد اخصاء نصفه مثير للشبق والرغبة وهو قطاع النساء وعلى هذا فكل من الغرب والذكورية يتبادلان المصالح ويحولان دون تقبل المرأة كآخر.
نقد الذات والأنثوية محاكاة الذكورة :ص287:
انخرطت الكاتبة اللبنانية " الهام منصور" في تمثيل قضية التماثل أي ان تصبح المرأة الأنثى حرة بمقدار محاكاتها للرجل الذكر في كتاب ملتبس الهوية " حين كنت رجلا " .
وعرضت الصينية " يونغ تشانغ " في كتابها " بجعات برية " صورة مغايرة للتاريخ السائد حيث قدمت تجارب متعاقبة ومتداخلة لثلاث نساء صينيات عشن في الصين طوال القرن العشرين وتداخلت وتأثرت تجاربهن الذاتية بالتحولات الكبرى التي شهدتها الصين بانتقالها من عصر الإقطاعية الى الحقبة الشيوعية ..
وفي كتاب " الحياة على حافة الدنيا " ل ط رشيدة الشارني " أقامت الفكرة فيه على اختزال الأنثى وتهميشها وهي فكرة كامنة فيه من أوله إلى آخره .
وقدم " عبد الرحمن منيف " وصفا شائقا لمدينة " عمّان " في كتابه " سيرة مدينة " وفيه استعاد وقائع وشخصيات مرّ عليها نحو نصف قرن فتدفقت الذاكرة بمزيج من الوقائع الحقيقية والتخيلات المجاذبة لها . فقد جرى اختزال الإناث وهن الفاعلات في عالم الأسرة إلى مجموعة من النكرات والمجهولات وانصب التركيز علة الوظائف والأدوار على الرغم من إنهن المتحكمات في مسار السرد في الكتاب .

السرد والرؤية الأنثوية للعالم :
يقول الدكتور عبد الله إبراهيم : شهد الربع الأخير من القرن العشرين صعودا ملفتا للرواية النسوية العربية وتنامت الرؤية الأنثوية في الكتابة السردية .
وعرف تاريخ الأدب الروائي العربي النسوي في أواخر القرن التاسع عشر بكتابات " اليس بطرس البستاني ، وزينب فواز ، لبيبة هاشم ، .." وأراد الدكتور عبد الله ان يقف في هذا الفصل على ظاهرة الوعي النسوي بالذات .
فالعلاقة بين الرؤى السردية وخلفياتها الاجتماعية والثقافية والتاريخية علاقة مركبة وغامضة ومتعددة المستويات ومتباعدة أحيانا ومتداخلة يتعذر وضع قانون لضبطها وتفسيرها وكشف أواصرها .وهي علاقة قائمة لا يمكن إنكارها .
لقد كشفت رواية " كم بدت السماء قريبة " ل " بتول الخضيري" إنها تقوم على حشد من التفاصيل الصغيرة تتضافر فيما بينها تحكي مصير شابة وأسرتها في ظل انهيار اجتماعي عام .ويطرح سؤال الهوية في الرواية على خلفية التهجين الثقافي بين الشرق والغرب وإمكانية اللقاء بينهما .وتاريخ العراق الذي انزلق الى حالة حرب وفوضى .
وعرضت رواية " خارج الجسد" ل ط عفاف البطاينة " نقدا جذريا لفكرة الأبوة الشرقية القائمة على القهر المباشر والمتعمد للأنثى ، بسرد لولبي مركب .
وتسعى رواية " امرأة من طابقين " ل " هيفاء بيطار "إلى إعادة توظيف الأنوثة بطريقة أخرى وهي تعنى بمصير المرأة في سياق نظام ثقافي قامع ينظر إلى الأنوثة بريبة وانتقاص وعدم اطمئنان .
وتفصح راوية " امرأة من طابقين " عن الهوية الهشة للأنثى. فالثقافة الذكورية أجرت تنميطا شبه ثابت لصورة الأنثى وأدوارها . وتبدو رواية " امرأة من طابقين " مهمة لتقض فكرتين اساسيتن وهما " قصور الرجل عن إشباع حجة المرأة ، وتخريب المؤسسة الزوجية ".
وتعنى رواية " أنا هي " مباشرة بقصة السحاق وناقشت أسبابها ومظاهرها وسرها وعرضت علاقات مثلية بين نساء يعوم بهن فضاء السرد .والتمثيل السردي فيها غير متوازن لاستبعاد الرجال من الحبكة السردية العامة للرواية.
خلاصة : يقول الدكتور عبد الله إبراهيم :
1- عالج الكتابة النسوية هوية المرأة ومصيرها في عالم يتحول ببطء وتبع ذلك توتر في علاقة المرأة بنفسها وبعالمها .
2- ركزت معظم الكتابات النسوية على ظاهرة العنف الذي يستمد حضوره من كونه ركيزة من ركائز الثقافة الأبوية الذكورية .
3- تعزو عموم الروايات النسوية العنف إلى النمطية الثقافية الجاهزة في التفريق بين البشر على أساس النوع .
4- كشفت الدراسات النسوية طبيعة المؤسسة الزوجية القائمة على استيعاب المرأة الزوجة واختزالها إلى كائن ثانوي وليس شريكا .
5- أن شعور المرأة بالانتقاص يدفع بها إلى الغرب او الارتباط برجال غربيين كما ظهر في روايات " عفاف البطاينة" و" باهية الطرابلسي"
6- كما عنيت الرواية النسوية العربية بحال بلوغ الأنثى ، وبالعذرية وتباين المواقف تجاه هذه القضية.
7- يقول الدكتور عبد الله إبراهيم : فلو جمعنا الخلاصات العامة لرؤية الأنثى وعلاقتها في العالم التخيلي الذي قمنا بتحليله ، لوجدنا إن الهوية الأنثوية قيد التشكّل.
الفصل الثالث: السرد الأنثوي ومركزية الجسد :ص379:
يعد الجسد أحدى أهم الركائز الأساسية في موضوعات الرواية النسوية العربية .
ولعلّ النقد النسوي يعد احد المعالم التي أفرزتها الحركة النسوية حول الجسد الأنثوي للمرأة وهدفه تأكيد خصوصية الأدب النسوي باعتباره تمثيلا لعالم المرأة .
ويرى النقد النسوي ان استبعادا جذريا وقع للمرأة وجودا ودورا وقيمة منذ وقت طويل .ولذلك يعود إلى ثلاثة مفاهيم :
1- البنية الأبوية للمجتمع القائم على التراتب والتفاضل والسيطرة .
.2- التنميط الجنسي ، حيث يصبح الجنس محددا أساسيا لقيمة النوع .
3- مركزية الذكورية القائمة على المفاضلة المستمدة من قوى دينية وثقافية واجتماعية .
فتفضيل الذكورة على الأنوثة لا يعود إلى الطبيعة وإنما إلى الثقافة .وأكد النقد النسوي على ضرورة أن يقوم الأدب النسوي بتمثيل الأنوثة وتصوير الجسد .وانخرطت في ذلك " " شارلوت ، وسيمون دي بوفوارا ،بيتي فريدان ، كينث مليت، جوليا ميشيل ، جوليا كرستيفا ، لوسي ايرغاري ، ماريا ايلمان ، ايلين شوارلتر."
يقول الدكتور عبد الله إبراهيم : إن الالتباس القائم في علاقة الرجل بالمرأة هو التباس ثقافي ، فثمة ايديليوجيا تبريرية استندت إلى فرضية فيزيقة أحلت التعارض بين قدرات المرأة والرجل وإمكاناتهما بدل أن تحل الانسجام والتكافؤ والمشاركة.
ويقع الجسد في مقدمة المدونة السردية ل" غادة السّمان " فهو المحفز السردي في معظم رواياتها . وتؤلف روايات " أحلام مستغانمي" عملا أدبيا مترابطا متصلة بإحداث خاصة وهي مدونة ذات طبيعة سيرية تقع أحداثها عن خلفية تاريخ الجزائر في منتصف القرن العشرين وتعرض لتجارب الحب التي تتردد بين الخوف من جهة والإقدام من جهة أخرى.
ميثاق السيرة الذاتية وميثاق الرواية :
حدد " جورج ماي " علاقات التداخل والتخارج بين الرواية والسيرة على خلفية تاريخية لها فذهب الى السيرة التي استثمرت أساليب السرد التي شاعتها الرواية ولكن الرواية استثمرت السرد المباشر من السيرة والذي يعتمد على ضمير المتكلم وهو أسلوب ظهرت بذوره في المذكرات وسرعان ما دفعت به الرواية إلى مركز الاهتمام وأصبح جاهزا لان يعاد استخدامه فيها.والرواية والسيرة يربطهما جامع مشترك وهو ان فصيلة كاملة من الرويات قد حذت حذو السيرة .
وان أحداثها تتمركز خلف شخصية ويكون الاختلاف بينهما هو فيما إذا كانت الشخصية حقيقية او خيالية او شخصية الكاتب او غيره .ففصيلة الرواية الشخصية الواحدة تجد نفسها مهما اعترضنها من صعاب شديدة القرب إلى السيرة فكلاهما يعنيان بشخصية مركزية .كما ان الرواية على العموم يتنازعها عدّة انتماءات " (أحداث وأفعال وشخصيات ..) بينما السرية تقترن بحياة فرد وعبر منظوره الشخصي تتشكل الحياة الأخرى.
وعلى الرغم من ذلك التمايز بين الرواية والسيرة إلا ان ذلك لا يخفض من درجة التفاعل المستمر بين الاثنين وصيغة السرد المباشر ،إنما هي إحدى الخصائص التي تصلهما والرواية عمل متخيل والسيرة وثيقة لها بعد واقعي .
كما لا يمكن تخطي الاستعدادات القرائية للمتلقي ، فانه فيما يخص الرواية يندفع إلى التماهي مع تجربة خيالية ولكنه في السيرة مدفوع بفضول لمعرفة حقيقة ما حصل للآخرين .لقد صاغ " جورج ماي " نسق العلاقات بين الرواية والسيرة الذاتية استنادا إلى درجة حضور او غياب التجارب الحقيقية في النصوص .
ويرى" فليب لوجين" ان السيرة الذاتية سرد نثري يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص وذلك حينما يركز على حياته الفردية وعلى تاريخه الشخصي ويقول انه لكي تكون هناك سيرة ذاتية يجب ان يكون هناك تطابق بين المؤلف والراوي والشخصية.وذلك يتحقق اما بصورة ضمنية وذلك بالتصريح الواضح ان النص سيرة ذاتية وهذا شكل أول والشكل الثاني ان يقدم الراوي بجملة التزامات للقارئ بأنه سيتصرف على انه المؤلف بحيث لا يترك تأكيده أي شك في انه يحيل على المؤلف المثبت اسمه على غلاف الكتاب ، أو بصورة جلية وذلك من خلال التطابق الواضح في كل شيء بين الراوي والشخصية بما في ذلك . وهذا أهم ركن ان يكون الراوي هو الشخصية وهاتان هما الطريقتان للتطابق وفي الغالب يتم دمج الطريقتين معا وهذه البراهين تكون كافية لإبرام عقد بين القارئ والنص . يثبت بان ما يقراه القارئ هو سيرة ذاتية وهو ما يصطلح عليه "لوجن" " ميثاق السيرة الذاتية " وبإزاء هذا الميثاق يصبح من اللازم الإعلان عن :"" الميثاق الروائي".
يقول الدكتور عبد الله إبراهيم : من المفيد التقيد بعدم التطابق بين السيرة الذاتية والرواية الآن ، من دون القول بالتعارض ، فلتكن السيرة الذاتية "خبرا " بالمعنى البلاغي ، بما يفهم بإمكانية التدقيق بما وراء النص ، ولتكن الرواية نوعا من " الإنشاء" بالمعنى نفسه ، وان الإمكانية المنطقية لدمجهما تفضي الى دمج " الخبر والإنشاء" وإنتاج نص (خبر-إنشائي ) . وهو السيرة الروائية "
لقد نشأت الرواية العربية الحديثة في نحضن التجارب الذاتية سواء أكانت تلك التجارب وقائع وإحداث أم سيرا وتاريخا شخصيا أم تأملات ومواقف فكرية ومن الطبيعي ان تندمج وهذه المعطيات بخطة التشكيل السردي بالتخيل الروائي الذي هو شرط لازم لأي إنشاء يندرج ضمن النوع .ففي رواية " زينب" لمحمد حسنين هيكل لا يخفى التطابق بين شخصية بطل الرواية " حامد " وهيكل المؤلف .وبخاصة في التأملات الفكرية التي تقتحم مسار السرد وتعوم فوق الإحداث وتوافق منظور هيكل الفكري .كما ان المماثلة بين إبراهيم المازني وبطل روايته " إبراهيم الكاتب" كانت مثار تشخيص من النقاد . وبعد سنوات أعاد " طه حسين " جانبا من تجربته في " أديب" في عمل مختلف عن السمار الذاتي المباشر استخدمه في " الأيام " وسرعان ما أقحم توفيق الحكيم المكون السيري كمادة في أعماله الروائية كما هو الأمر في " عصفور من الشرق " و " يوميات نائب في الأرياف " وكان نجيب محفوظ يوارب في منح الجانب الذاتي سلطة الإعلان عن نفسه ، كما ان منظوره الفكري تغلغل وبرز في " الثلاثية" و" وأولاد حارتنا " و" اللص والكلاب " و ثرثرة فوق النيل " و حبّ تحت المطر" ويفصح عن نفسه كمحصلة للتجربة الإبداعية والذاتية في " أصداء السيرة الذاتية " .واستخدم عدد من الروائيين العرب تجاربهم في رواياتهم المتعلقة بانتماءاتهم المتنوعة ومعاناتهم مناقبهم وطموحاتهم كجبرا إبراهيم جبرا وسهيل إدريس في " الحي اللاتيني" وعبد الرحمن الربيعي في " الوشم " و" خطوط الطول ....وخطوط العرض" وادوارد الخراط في :يا بنات اسكندريه " وروايات الطيب صالح وإبراهيم الكوني وفؤاد التكرلي وغادة السمّان وحنان الشيخ ونوال السعداوي ولطّيفة الديليمي وعبد الرحمن منيف...ص416-417
لقد أعاد " محمد شكري " في سيرته الروائية " الخبز الحافي " و" الشطّار" استكشاف مرحلة تكونه الجسدي والفكري. وفي " بقايا صور" يقف" حنا ميته "على طفولته القروية قبل مرحلة الوعي وضمن التشرد الأسري .وتوظف السيرة الروائية الإمكانات المتنوعة واللا نهائية التي تقدمها أحيانا السيرة الذاتية ففي " جلسات الكرى " يقدم جمال الغيطان تنوعا منفردا يدمج السيرة والرواية وبين الواقع والرغبات وبين الاماني والتوقعات.وقدم الربيعي تنوعا سرديا يستثمر من السيرة الذاتية في إطار روائي .
استكشاف عالم الحريم :
جاء كتاب " نساء على أجنحة الحلم " لفاطمة المرنيسي وثيقة سردية تخيلية تستكشف عالم الحريم في النصف الأول من أربعينيات القرن العشرين في المغرب.
السيرة الروائية والبعد التوثيقي :
هناك نوع أخر يمكن العثور عليه في السيرة الروائية وهو هيمنة" البعد التوثيقي" على البعد التخيلي ، حيث نجد ذلك واضحا في كتاب " أمين مازن " " مسارب" وفيه يمزج الكاتب بين السيرة والتاريخ وهذا النمط من الكتابة يجعل النص يقف في الحد الفاصل والمشترك بين الكتابة الذاتية والكتابة الموضوعية . ومع ان النص يبلور شخصية تكون مركز للأحداث ، لكن حركة الشخصية تنتظم في سياق شبه تاريخي الأمر الذي يجعلها مشتبكة دائما مع أحداث التاريخ عبر إطار روائي .
خــــــــــــــــــــاتمــــــــة:
تظهر الذات الفردية في السيرة الروائية بوصفها المرجعية الأساسية لمادة النص فلا يمكن الحديث عن انفصال كامل بينهما ، وتؤدي الصياغات الأسلوبية وتقنيات السرد الروائي دورا مهما وأساسي في إضفاء طابع فني على العلاقة بينهما ويبدو إن استراتيجيات إظهار الاسم الصريح وإخفاء ترتيب في ضوء علاقات المؤلف بنصّه من جهة وعلاقاته بمحيطه الخارجي من جهة أخرى.ويكون ضمير المتكلم بقدرته الإيهامية العالية في السرد الواسطة ،بين الوقائع النصية والتاريخية ،ينوب هذا الضمير عن لسان المؤلف والحديث بالنيابة مظهر أساسي من مظاهر السرد في السيرة الروائية.
الفصل الخامس :السيرة الذاتية : المنفى والاوطان : المتخيلة : ص447.
المنفى والعودة المستحيلة :
تشكل قضية تخيل الأوطان والأمكنة الأولى ومنها المدن وما يتصل بذلك من حنين وشقاء البؤرة المركزية لأدب المنفى ، فثمة تزاحم بين الأوطان والمنافي في التخيلات السردية التي يكتبها المنفيون ولكن من هو المنفي الذي ينتدب نفسه لهذه المهمة او يجبر عليها ، فيخوض غمارها ؟ يعرف المنفي بأنه الإنسان المنتظر بين حال من الحنين الهوسي إلى المكان الأول وعدم القدرة على اتخاذ القرار بالعودة إليه وينتج هذا الواقع إحساسا مفرطا بالشقاء لا يدركه إلا المنفيون الذين فارقوا أوطانهم .
لقد تعرض " تودو روف " في سياق بحثه عن الصلة بين " الأنا " و" الآخر" لشخصية المنفى وحاول ان يحدد ملامحها .وشغل هذا الموضوع " ادوارد سعيد" فتطرق إلى بواعث النفي وأثاره . وأجملَ " فخري صالح " ما تفرق عن المنفى وأدبه في دراسته مفهوم أدب المنفى فبين دلالة المنفى وموقع المنفيين في الجغرافيا الثقافية المتزحزحة بين المركز والأطراف كون مفهوم المنفى وطبيعته معقدة ؛ لأنه مفروض ومرغوب فيه .
إذا أدب المنفى ظاهرة ثقافية تتنامى حضورها في أدب الأمم التي خضعت للتجربة الاستعمارية برغبات تهوسية من الاشتياق والحنين والقلق .وقد خلع" ادوارد سعيد" على المنفى الميزة المتفردة بقوله : (يُعلم المنفى ان الأوطان في العالم الدنيوي عارضة ومؤقتة ، بل إن الحدود والحواجز يمكن أن تغدو سجونا ومعازل وغالبا ما يُدافع عنها وتُحمى بلا مبرر او ضرورة ) .وتقع السيرة الذاتية للمنفيين في قلب المدونة السردية لأدب المنفى وهي تظهر إطار التعبير الخصي الذي يفرضه الوعي الذاتي ويقول " جورج ماي " : ( إن اقوي البواعث الباطنية على كتابة السيرة الذاتية ، حاجة المرء إلى العثور على معنى لحياته المنقضية او على إعطائها شكلا مخصوصا ).

الفصل السادس / السرد والارتحال والبحث والاكتشاف :ص493.
اقترنت فكرة " الارتحال " بالآداب الملحمية منذ القدم فبالارتحال يمكن التعرف إلى عالم مغاير ، وخوض تجربة مختلفة وغالبا ما تعيش شخصيات أدب الارتحال في المجتمع الجديد من دون ان تندمج فيه بصورة كاملة . لكنها عودة بخبرة مضافة ، وفي الآداب الخرافية والملحمية والشعبية تدفع الصداقة بالإبطال إلى الارتحال فتتهيأ للبطل ظروف مساعدة للوصول إلى المكان الجديد وتمتد له يد العون في العودة الى موطنه وربما يكون ذلك مرتبطا بحقبة التفكير السحري .
وهذا النظام السردي شائع في الآداب القديمة وقد تسربت تجلياته إلى الآداب الحديثة فكل سرد إنما هو وصف لتوازن ثم فقدانه والعودة ثانية إليه . والشخصيات في الآداب السردية لا تتحمل فقدانا مطلقا للتوازن وهي غير مؤهلة للانزلاق الكلي إلى منطقة غياب التوازن وأمر استكشافها للعالم الجديد الذي ترحل إليه لا يقع بدواعي الرغبة المسبقة للاكتشاف والتصميم على ذلك، إنما يقع الارتحال بناء على سلسلة إحداث مترابطة تدفع الشخصية إليها دفعا ولا تختارها إلا على سبيل الفضول او الواجب أو التوهم أو الرغبة في انتهاك محرم. والغالب هو ارتحال من مكان إلى آخر وقد يتوافق مع ارتحال في الزمان او ارتحال في الأفكار فلا يشترط في الارتحال الانتقال من مكان إلى آخر ، بل قد يكون ارتحال من الحاضر إلى الماضي ، بحثا في قضية او فكرة بهدف كشفها . وان التداخل بين الارتحال او البحث والاكتشاف ثم التعرف ينتهي برواية تنقل من مرحلة التخيل السردي القائم على اختلاف حكاية الى حكاية الى مرحلة المشاركة في بحث قضية إشكالية وما تتميز به هذه الرواية والانخراط في صلب الموضوعات التاريخية والدينية والاجتماعية ضمن إطار سردي يمزج الوقائع بالمتخيلات فالفرضية السردية قائمة على أساس الخلط بين الاثنين وعملية التمثيل السردي تميل إلى نوع من التقريرية التي تجعل من كل ذلك موضوعا للبحث .
الفصل السادس : السرد والاعتراف والهوية :
إعادة تعريف الهوية:ص533::
في خريف عام 2006 القى الروائي التركي " اورهان باموك" بمناسبة فوزه بجائزة نوبل كلمة بعنوان " حقيبة ابي" حاول فيها رسم هويته الكتابية وبيّن فيها صلته الرمزية بابيه من خلال التركيز على محتويات حقيبة تركها لدى الابن .كشف خلالها معنى الهوية من خلال المكان والتأكيد على الصلة بين المكان بوصفه فضاء اشتياق مفقود والسرد باعتباره وسيلة لتجربة شخصية ثم قيد تجربته بحقيبة أبيه وبمكتبته في اسطنبول ، أنها هوية تتبع من حقيقة لتنتهي بمدينة.
السرد والتشرد والاقتلاع :
سيكتشف القارىء في كتاب" عراقي في باريس" ل " صموئيل شمعون " عمق الارتياب الذي لف مصير المؤلف وهو يسعى لاقتراح الهوية . فقد ارتحل من العراق إلى أمريكا يروم الوصول إلى هوليود لصنع فيلم عن أبيه الأبكم والأصم " كيكا" لان حلم بأمريكا وسيلة لصوغ ذكرى الأب.
ولعل التحول هو احد العلامات الفارقة في أدب الاعتراف ويعد الختان في الثقافات الدينية طقس عبور من حال إلى حال أخرى وهو نوع من إعادة تعريف الهوية.
نزاع الهويات واعادة تعريفها : ص545:
تندرج كتابة "صاموئيل شمعون " في نمط من الكتابة التي تفضح التهميش عبر السخرية والفكاهة ولكنها كتابة كاشفة لموقع الأقليات الدينية والعرفية وفاضحة للتحيزات التي تمارسها ثقافة الأغلبية ضد الجماعات الصغيرة .
ويشكل موضوع الهوية وإعادة تعريفها المحور المركزي في الرواية اليهودية المكتوبة بالعربية او التي كتبها روائيون عاشوا في بلدان عربية وكتبوا عن مجتمعاتها أي هوية الجماعات اليهودية افي بيئة ثقافية عربية إسلامية ففيها تعوم رغبة هوسية في ذكر التفاصيل على خلفية من الشعور بالاقتلاع وعدم الاندماج والبحث عن هوية بديلة تخطيا لهوية ملوثة. حيث عدت إحدى الروايات بابل موطنا يهوديا فهم سكانها الأصليون ونظرت الى العرب على انهم عصبة غازية تدفقت من صحراء شبه الجزيرة العربية فقد جاءوا حاملين معهم تقاليد الغزو الصحراوي وعند حدوث أي احتكاك يكشف العربي المسلم عن معدنه البدوي الأصلي : النهب والسلب والقتل مع الو انفراط للقوانين الرقابية يستعيد المسلمون غريزة الذبح .ص555.
الخـــلاصـــة:
مما تقدم دوّنا بعض الملاحظات في هذه الموسوعة السردية القيمة ، منها :
1- إن كتاب "موسوعة السرد العربي " للدكتور عبد الله إبراهيم هو من الكتب القيمة والشاملة والفاحصة والتي لا شك ان مؤلفه قد بذل قصارى جهده من اجل إخراج هذا المولود العظيم والمبارك إلى النور، بهذا الشكل والمضمون المتكامل والوافي .
2- نرى ان المؤلف وبقصدية أراد من هذا المولود الكبير ان يكون مرجعا أدبيا ونقديا ومعرفيا وتاريخيا وجغرافيا .
3- لاحظنا ان هناك حضورا نقديا فاحصا وفاعلا وقويا للمؤلف الذي وضع بصماته العميقة على معظم النصوص التي تناولها .مستخدما كل أدواته التي سخّرها من أجل هذا المَولود القيّم .
4- لاحظنا وجود النقد المقارن والمقارب في تناوله للنصوص او الظواهر .
5- نظن ان الدكتور عبد الله إبراهيم قد ارتكز على ما اعتمده اللغويون العرب والنحاة في عملية جمع اللغة والنحو ،وتقعيدهما. حينما قام بجمع نصوصه وقراءتها ثم تبويبها وفقا للظاهرة التي تميزت بها وليس وفقا لتصنيف متعارف عليه مسبقا ، بل ان النصوص هي التي فرض عليه هذا التبويب والتصنيف في موسوعته. وكان موفقا في اختبار عنواناتها الفرعية المستمدة من رحم النصوص ذاتها.
6- لاحظنا أن هناك لغة عالية المستوى استخدمها المؤلف مشحونة بالكثير من المفاهيم والمصطلحات الحديثة التي أغنت القارئ عن الكثير من المؤلفات الأخرى المقاربة لها كـ( الهامش والمركز ، والهوية ، والذكورية والانثوية ، الأبوة والأمومة ،التعددية ، الحساسية الجديدة ، الجنوسية ، التقنيات السردية ، النسوية ،النقد النسوي ،اللاهوتية ،مركزية الجسد ،والسيرية الروائية ، البعد التوثيقي ،الارتحال ، المنفى ،التشرد والاقتلاع )
7- إن آليات قراءة المؤلف للنصوص ، هي قراءة نقدية تفكيكة تأويلية سيميائية ،متماسكة راعت عملية التأويل والتلقي والقارئ والمؤلف والنص والخلفيات والمرجعيات والإيديولوجيات التي تقف وراء كلِّ مِن المؤلف والنص على حدّ سواء ، وتعاملت مع النصوص من خلال المناهج النقدية الحديثة . وبهذا فقد وفق الدكتور عبد الله إبراهيم في عملية جمع وتشريح وتفكيك وتأويل النصوص السردية القديمة والحديثة ، ووضعها على الطريق الصحيح لها ،من خلال المقارنة والمقاربة وبالتالي الحكم عليها وتبويبها وفقا لما تميزت به ،أخذا بنظر الاعتبار المرجعيات الثقافية والدينية والتاريخية لها سعيا لتشكيل موسوعة شاملة وافية تفيد الدارسين والباحثين والمختصين في هذا المجال . ومن الله التوفيق .واثق الواثق.




#واثق_الواثق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيمياء الامبريالية / واثق الواثق.
- قراءة في عيار ابن طباطبا العلوي / واثق الواثق
- عصافير الظهيرة ..واثق الواثق
- قراءة في كتاب الادب العربي في الاندلس ، للدكتور علي محمد سلا ...
- عيون المدينة / واثق الواثق .
- عراق من ثلاثة طوابق / واثق الواثق .
- مفارقات العصر في العراق المنتصر ..!
- قراءة سيميائية / واثق الواثق.
- قراءة في كتاب :السيميائيات السردية : سعيد بنكراد . واثق الوا ...
- حزب الله ، ساعة صفر ..
- الرواية العربية بين التشكيك والتاصيل
- صراع ايديلوجيات وساحة تصفيات .-الاوسط انموذجا - الشرق ال.واث ...
- من يقف وراء داعش ؟
- وزارة التعليم العالي الى اين ..؟!
- بعيدا عن التقليد ..اعلام حر ...واثق الواثق
- طلبة الدراسات العليا بين كماشة وزارة التربية ..ولا حياة لمن ...
- الخطيئة والتكفير ..واثق الواثق
- هواجس امراة شرقية ...واثق الواثق
- الكفائي ، والخاتم الاحمر ..قراءة نقدية ..واثق الواثق
- الضمير


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - واثق الواثق - شذراتٌ من موسوعة السرد العربي ، للدكتور عبد الله ابراهيم ) ، واثق الواثق.