أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - درويش أبو عجره - أَدْرُسُ لَحْمَكُمْ مَعَ أَشْوَاكِ الْبَرِّيَّةِ بِالنَّوَارِجِ !!!















المزيد.....

أَدْرُسُ لَحْمَكُمْ مَعَ أَشْوَاكِ الْبَرِّيَّةِ بِالنَّوَارِجِ !!!


درويش أبو عجره

الحوار المتمدن-العدد: 5697 - 2017 / 11 / 13 - 19:19
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



نورج
أداة كانت، ولا تزال، تستعمل في درس الحبوب، أي في فصل الحبوب عن القش، وذلك في الكميات الكبيرة من الحبوب، أما في الكميات القليلة فكانت الحبوب تخبط بالعصي!
والنوج آلة يجرها ثوران أو نحوهما، تداس بها أعواد القمح المحصود ونحوه، لفصل الحب من السنابل.

دَرَس يدرس دِرَاسًا !
هذه هي العملية التي بها تنفصل الحبوب عن القش؛
وكانوا في القديم يخبطون مقادير صغيرة من الحبوب بعصًا !
وكانت هذه هي الوسيلة متَّبعة في استخراج الشبْث والكمون !
أما عندما تكون المقادير كبيرة فكانوا يستخدمون لدرسها الثيران في البيادر ؛
وكان البيدر يقام في العراء لصفاء الجو وجفافه في تلك البقاع ؛ وكانوا يقيمون بيدرًا واحدًا للقرية كلها. ولكن أحيانًا ما كان فرد بذاته يملك بيدرًا لنفسه!
وكانوا يحرصون أن يكون البيدر على سطح صخري مستوٍ ما أمكن وعلى قمة تل معرّض لهبوب الرياح ؛ فكان بيدر أُرنان على جبل الموريا؛
أما إذا لم يتوفر مثل هذا البيدر الطبيعي فإنهم كانوا يسوون قطعة من الأرض ويمدونها على شكل دائرة يبلغ قطرها نحو خمسين قدمًا؛ ويأتون بحزم الغلة التي يريدون درسها فتحل وتصف على شكل دائرة على أرضية البيدر؛
ويستخدمون الثيران أو البقر أو غير هذه من الحيوانات لجر النورج ولا يكمّمون الحيوانات التي تدرس !
وتسير الحيوانات على الغلة على شكل دائرة فيساعد درس هذه الحيوانات مع النورج على تكسر السيقان إلى تبن وانفصال الحب عن التبن. وكانت النوارج البدائية تصنع من قطعة من الخشب وكانوا يضعون عليها أحجارًا لجعلها ثقيلة حتى تسهل عملية الدرس أو كان السائق يجلس عليها لكي يزيد من ثقلها للقصد نفسه ؛
ثم تطورت النوارج فأصبحت عبارة عن عجلة مصنوعة من برواز مستطيل الشكل فيه ثلاث اسطوانات مجهزة بدواليب من حديد أطرافها مسننة كالمنشار!!
وكان يثبت فوق البرواز مقعد يسع شخصًا أو اثنين يجلس عليه لسائق ومعه آخر وتجره الحيوانات الدارسة. وعندما يمر النورج على العيدان والسنابل يقطع القش ويخرج الحب؛
أما النورج الذي يستعمل في معظم نواحي سورية وفلسطين فهو عبارة عن لوحين من خشب متين يثبت أحدهما بجانب الآخر بعارضتين. ويبلغ طول هذا النورج نحو ذراعين ونصف ذراع وعرضه نحو ذراع وربع وجزؤه الأمامي منحن قليلًا إلى أعلى وسطحه السفلي مثقوب بثقوب كثيرة يثبت فيها قطع من صوان أو صخر آخر صلب تبرز نحو نصف قيراط من السطح فعند مرور النورج على عيدان الغلة تكسّرها فتصير تبنًا وينفصل الحب عن السنابل ويجلس السائق على سطح النورج العلوي أو يتكئ عليه. وتأكل الحيوانات التي تجر النورج من السنابل فإنها لا تُكمّ في أغلب الأحيان؛
وينام صاحب الغلة على البيدر أو بالقرب منه ليحرس غلته ؛
وبعدما تدرس الحبوب تذّرى فيجمع التين في كومة والحبوب في أخرى، أما العصافة أو ذات القش الصغيرة التي لا نفع منها فإن الريح تذريها!
أو إن بقيت فإنها تحرقها النار؛ وبعد الفراغ من عملية الدرس تخزن الحبوب في المنازل أو في آبار جافة أو في المغاور؛
وكذلك كان التبن يستخدم ليخزن في علف الحيوان أو ليستخدم وقودًا. أما الآبار التي كانوا يخزنون فيها الغلال على هيئة قنينة يزيد عمقها على قامة الإنسان وفمها مستدير يزيد قطره على نصف الذراع ؛
ويكون بمستوى الأرض بحيث يسهل إخفاؤه؛
وأقيمت بعض هذه الآبار في الغرف الخاصة بالنساء لكي تخفى عن العيون!

(سفر إشعياء 41: 15) هأَنَذَا قَدْ جَعَلْتُكَ نَوْرَجًا مُحَدَّدًا جَدِيدًا ذَا أَسْنَانٍ. تَدْرُسُ الْجِبَالَ وَتَسْحَقُهَا، وَتَجْعَلُ الآكَامَ كَالْعُصَافَةِ.

القس أنطونيوس فكري:
إذا كنا في نظر أنفسنا دودة لكن الله قادر أن يجعلنا نوارج قادرة على سحق الجبال والأكام . والأكام هي أقل إرتفاعا من الجبال. الجبال هذه قيلت هنا عن جيش بابل والأكام هي ربما عن الجيوش المتضامنة معهم. والجبال هي أيضا إنساننا القديم المتكبر، والله يخرج من الضعف قوة. وهكذا ذلل الله لهم كل الصعاب للعودة!

القمص تادرس يعقوب:
يعلن الله حبه لشعبه الذي دعاه "دودة إسرائيل" ليقيم منها نورجًا محددًا جديدًا قادرًا أن يدرس الجبال ويسحقها ويذريها لتبددها العواصف، إذ يقول: "لا تخف يا دودة يعقوب، يا شرذمة إسرائيل، أنا أعينك يقول الرب وفاديك قدوس إسرائيل. هأنذا قد جعلتك نورجًا محددًا جديدًا ذا أسنان، تدرس الجبال وتسحقها، وتجعل الآكام كالعالصفة، تذريها فالريح تحملها والعاصف تبددها وأنت تبتهج بالرب، بقدوس إسرائيل تفتخر" [14-16].
هذا هو عمل الله المخلص في حياتنا، إذ يحولنا من دودة محتقرة تعيش في طمي هذا العالم نُداس كما بالأقدام ليقيم منا نورجًا ذا أسنان حادة يقدر أن يدرس الجبال ويسحقها أو كمذراة تفصل الحنطة عن التبن... هكذا يُريد الله مصادقة الدودة المحتقرة ليجعلها أداة للتمييز وعزل الحنطة النافعة عن التبن الذي بلا ثمن!
دعى الله شعبه "دودة يعقوب"، فإنها تعيش في الطين محتقرة بلا قوة ولا جمال ولا مجد، تطأ عليها الأقدام دون اهتمام أو مبالاة. لقد وطأ فرعون على الشعب كما على دودة، لكن فرعون مات وأما الشعب فتمتع بمواعيد الله وخلاصه. وطأ سنحاريب ونبوخذنصَّر أيضًا على هذه الدودة وانتهت دولة آشور باكملها وأيضًا انهارت بابل بملوكها الجبابرة وبقيت الدودة حيَّة ومجيدة. وهكذا قام جبابرة عبر الأجيال مثل نيرون ودقلديانوس وأيضًا هراطقة مثل أريوس ونسطور... ومات الكل وبقيت الدودة حيَّة تنمو وتتمجد. أما سّر حياتها فهي أن كلمة الله الذي صار جسدًا هو أيضًا من أجلنا صار دودة كقول المرتل "أما أنا فدودة لا إنسان" (مز 22: 6)، أي يتنازل ليصير إنسانًا محتقرًا حتى حُسب كدودة، فيرفعنا نحن باتضاعه إلى مجده!!

(سفر الأمثال 20: 26) اَلْمَلِكُ الْحَكِيمُ يُشَتِّتُ الأَشْرَارَ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمِ النَّوْرَجَ.

القمص تادرس يعقوب:
اعتزال الشر

"الملك الحكيم يشتت الأشرار،
ويرد عليهم النورج" [ع 26]

الملك الحكيم يزيل من قصره الأشرار، ويحوِّط نفسه بأناس مخلصين محبين للحق والبرّ، فيطمئن لخلاصهم كما لمشورتهم، ويمكنه الاعتماد عليهم في أمورٍ كثيرة. بهذا يتمتع الملك كما المملكة بنوعٍ من الاستقرار.
ما نقوله عن الملك والملكوت الزمني ينطبق أيضًا على ملكوت الله الذي يقيمه في نفوسنا، فلكي ننعم بهذا الملكوت يلزمنا ألا نترك أثرًا للشر والفساد فينا؛
لا نستطيع أن نمارس الخير ما لم نكف عن الشر إذ ليس من شركة بين النور والظلمة، وبين المسيح وبليعال؛
طالب الرسول بولس كنيسة كورنثوس أن تعزل الخبيث من بينهم، حتى لا يكون خميرة فاسدة تفسد العجين كله!

القس أنطونيوس فكري:
آية (26): "الملك الحكيم يشتت الأشرار ويرد عليهم النورج."
الملك الحكيم ينزع الأشرار من مملكته؛ والمقصود هنا فصل الحبوب عن القش!

(سفر أخبار الأيام الأول 20: 3) وَأَخْرَجَ الشَّعْبَ الَّذِينَ بِهَا وَنَشَرَهُمْ بِمَنَاشِيرِ وَنَوَارِجِ حَدِيدٍ وَفُؤُوسٍ. وَهكَذَا صَنَعَ دَاوُدُ لِكُلِّ مُدُنِ بَنِي عَمُّونَ. ثُمَّ رَجَعَ دَاوُدُ وَكُلُّ الشَّعْبِ إِلَى أُورُشَلِيمَ!

(سفر صموئيل الثاني 12: 31) وَأَخْرَجَ الشَّعْبَ الَّذِي فِيهَا وَوَضَعَهُمْ تَحْتَ مَنَاشِيرَ وَنَوَارِجِ حَدِيدٍ وَفُؤُوسِ حَدِيدٍ وَأَمَرَّهُمْ فِي أَتُونِ الآجُرِّ، وَهكَذَا صَنَعَ بِجَمِيعِ مُدُنِ بَنِي عَمُّونَ. ثُمَّ رَجَعَ دَاوُدُ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَى أُورُشَلِيمَ.

القس أنطونيوس فكري:
الآية صريحة أن داود نشرهم بالمناشير وهذه بلا شك قسوة ولكنهم يستحقونها فهم كانوا يقدمون أولادهم ضحايا حيَّة لإلههم ملكوم. إذ كانوا يحرقونهم أمامه أحياء. ولكن على كل الأحوال فهي قسوة مرفوضة من داود الذي يرمز للمسيح لكن عادة ما تقترن القسوة مع خطية الزنا. وكان داود خارجًا من خطية الزنا وقتل أوريا ولم يرجع لسابق رحمته بالتوبة بعد ولكن من المؤكد بعد أن عاد لحياة التوبة رجعت لهُ رحمته ومحبته ورقة قلبه.
سؤال:- أن كان الله قد نقل عن داود خطيته(آية 13)بعد اعترافه، فلماذا كانت العقوبات؟
الله الذي يحب داود يريد داود في أكمل صورة، فالله يريد أن يكمل عبيده. ولاحظ قول بولس الرسول أن الله كمل المسيح بالآلام (عب 2: 10) فهل لا يكملنا نحن بالآلام، ليكون لنا نصيب أكبر في السماء.
لكن لنلاحظ أن الله كمل المسيح بالآلام لكي يشابهنا في كل شيء إذ نحن كبشر تحت الآلام (يع 5:17).
والله يكملنا نحن بالآلام لكي نكمل فنشابه المسيح (غل 4: 19).
ونلاحظ أن الله لا يدعنا نجرب فوق ما نحتمل حتى لا نفشل ونيأس (1كو 10: 13 + مز 125: 3) والله وجد أن داود يحتمل. إذًا فالله يجربه ليصل إلى اعلي درجة؛
وبتجربة تنزع هذه الخطايا المحبوبة من قلبه. فنجد أن الزنا والقتل اللذان دخلا بيته جعلا قلبه يتنقي من الشهوة الخاطئة والقسوة التي تسللت إليه.

جدعون
"الرب معك يا جبار البأس"
(قض 6: 12)

(سفر القضاة 8: 7) فَقَالَ جِدْعُونُ: «لِذلِكَ عِنْدَمَا يَدْفَعُ الرَّبُّ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ بِيَدِي أَدْرُسُ لَحْمَكُمْ مَعَ أَشْوَاكِ الْبَرِّيَّةِ بِالنَّوَارِجِ».

تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب
القضاة 8 - تفسير سفر القضاة

قتل زبح وصلمناع

اضطر جدعون أن يهدد أهل سكوت، قائلًا: "لذلك عندما يدفع الرب زبح وصلمناع بيدي أدرس لحمكم مع أشواك البرية بالنوارج" [7]. بدا جدعون المتضع للغاية أمام الله (6: 15) وأمام رجال أفرايم حازمًا للغاية بل وعنيفًا مع أهل سكوت، إذ يود أن يعريهم ليغطي لحمهم بالأشواك ويدوس عليهم بالنوارج لعله كقاضي لإسرائيل رأى من واجبه تأديب هؤلاء القوم بعنف فارزًا التبن عن الحنطة بنوارج التأديب حتى لا تحل اللعنة بالشعب كله!
وما فعله أهل سكوت بجدعون فعله أيضًا أهل فنوئيل، فأجابهم جدعون: "عند رجوعي بسلام أهدم هذا البرج" [9].
كلمة "فنوئيل" تعني (وجه الله)، وهو مخيّم شرقي الأردن، شرق سكوت، فيه نظر يعقوب الله وجهًا لوجه (تك 32: 30)؛ وقد كان يليق بناظري وجه الله أن ينزلوا مع جدعون ليحاربوا المديانيين، لكنهم احتموا في برج مدينتهم أثناء المعركة، وعندما انتهت رفضوا تقيم الخبز لجدعون ورجاله.
قتل ملكيّ مديان:

كان ملكيّ مديان زبح وصلمناع في قرقر ومعهما ما تبقى من الجيش 15 ألفا، بينما سقط 120 ألفًا من مخترطي السيف [10]. صعد جدعون في طريق ساكني الخيام شرقي نوبح ويجبهة وضرب الجيش، وإذ هرب الملكان تبعهما وأمسك بهما [12].

كلمة "زبح" تعني (ذبيحة)، ربما لأنه كان نذيرًا لآلهة المديانيين، وأما "صلمناع" فمديانية، تعني (الذي لم يقدم له ملجأ) أو (ليس له ظل) أو (الإله "صلم" أي "المظلم" أو "زحل" يحكم). وكلمة "قرقر" معناها (مسطح حتى الأرض) وهي مدينة قرب تخم جاد الشرقي ربما كانت في وادي سرحان.
كان مديان يعتز بجيشه البالغ 135 ألفًا من مخترطي السيف، لكنه لم يبقى مع الملكين سوى 15 ألفا منهكي القوى ويائسين، أما الملكان فيشيران إلى إبليس وأتباعه فالأول باسمه يعني أنه ذبيحة للأصنام والآخر يعلن مملكة الإله المظلم!
صعد جدعون في البرية، في طريق ساكني الخيام ليلحق بالملكين فذهب إلى شرقي نوبح ويجبهة حيث ضرب الجيش وإذ هرب الملكان اقتفى أثرهما وأمسك بهما. لقد ظن الملكان أنهما في أمان بعيدًا عن جدعون، لكنهما فوجئا به وسط البرية!
إذ أمسك بالملكين رجع جدعون من الحرب "من عند عقبة حارس" [13]. كلمة "حارس" تعني في العبرية (الشمس)، لذلك جاءت الترجمة الكلدانية السابقة: "قبل طلوع الشمس"، لكن البعض يرى أنه أنطلق من مرتفع حارس أي (مرتفع الشمس)، ربما لأن عليه كانت تقام عبادة الشمس.

وإذ رجع جدعون إلى سكوت سأل غلامًا عن أسماء شيوخ سكوت فكانوا سبعة وسبعين رجلًا، فعل بهم كما سبق فهددهم ليتعلم الشعب كله ألاَّ يكون قاسيًا على إخوته خاصة أثناء الضيق، إذ منعوا الخبز عن رجاله وهم خارجون للحرب!
هذا الحكم وإن بدا قاسيًا لكننا إلى الآن نراه في أغلب دول العالم ما لم يكن في جميعها يكون الحكم عنيفًا في فترات الحروب والطوارئ لأجل سلامة الجماعة. وصنع جدعون ببرج فنوئيل أيضًا كما سبق فحكم عليه!

كيف يدرس جدعون رؤساء سكوت مع الأشواك بالنوارج (قض 8: 16)؟ ولماذا لم يقتلهم عوضًا عن هذا التعذيب اللاآدمي؟!

ج: 1- ارتكب رؤساء سكوت خطئًا شنيعًا لأنهم لم يسعفوا جدعون ومن معه بالطعام، بالرغم من أنه القاضي والمخلص الذي أرسله الله من أجل خلاصهم من قبضة مديان، والجنود الذين معه خاطروا بحياتهم من أجل استعادة حرية الشعب. أما رؤساء سكوت فقد خانوا وطنهم، وأخفوا خوفهم من مديان بالسخرة من جدعون " فقال رؤساء سكوت هل أيدي ذبح وصلمناع بيدك الآن حتى نعطي جندك خبزًا" (قض 8: 6) وحذرهم جدعون وتوعدهم قائلًا " عندما يدفع الرب ذبح وصلمناع بيدي أدرس لحمكم مع أشواك البرية بالنوارج" (قض 8: 7) وسمعوا هذا التحذير والوعيد بأذانهم. ولاحظ قوة إيمان جدعون فلم يقل " إذا دفع الرب " بل قال " عندما يدفع الرب " ومع ذلك فإن أهل سكوت لم يراجعوا أنفسهم وأصروا على رأيهم، غير مبالين بهذا التحذير، ولم يكرموا جدعون من أجل إلهه، وأيضًا بعد أن تنامت إلى أسماعهم انتصارات جدعون وأنه عائد في طريقه إليهم ومعه ملكي مديان اللذان عيروه بهما، لم يسارعوا للاعتذار وتقديم أسفهم العميق، فلو فعلوا هكذا لنجوا من الموت، لأن جدعون طيب القلب، وقد تسامح مع أهل أفرايم، ولكن مشاعرهم قد تبلدت، ويقول " القمص تادرس يعقوب": "كان يليق بأهل سكوت أن يحاربوا مع جدعون للتحرر من عبودية المديانيين، فإذ لم يكن لديهم الإيمان الكافي لهذا العمل فلا أقل من تقديم الخبز له ولجنوده. هؤلاء كانوا أكثر سوءًا من رجال أفرايم لأنهم باردون في مشاعرهم، مُستسلمون للعبودية، ومثبطين لهمم العاملين، فكانوا أخطر من الأعداء أنفسهم. لم يتوقفوا عند عدم العطاء وإنما في سخرية حاولوا تثبيط هممهم بقول رؤسائهم له :
هل أيدي ذبج وصلمناع بيدك الآن حتى نعطي جندك خبزًا؟!

2- أوصت الشريعة بإطعام العدو " إن جاع عدوك فأطعمه خبزًا وإن عطش فاسقه ماء" (أم 25: 21) أما أهل سكوت فلم يطيعوا الوصية، وإن قال أحد أن هذه الوصية جاءت في وقت متأخر بعد عصر القضاة، أقول له ولكن روح هذه الوصية كان قائمًا في شريعة موسى بدليل قوله " إن صادفت ثور عدوك أو حماره شاردًا ترده إليه" (خر 23: 4). إذًا رؤساء سكوت حطموا الوصية الإلهيَّة.

3- كان يمكن لجدعون بعد عودته منتصرًا أن يحرق سكوت بكل ما فيها، وكل من فيها، ولكنه سأل وتقصى عن رؤساء سكوت الذين عيرونه، وأمسك غلامًا - ليس له توجهات معينة - وطلب منه أن يكتب له أسماء شيوخ سكوت ورؤساءها، فكتب له سبعة وسبعين اسمًا، فاستدعاهم جدعون، وواجههم بالتهمة " وقال هوذا ذبح وصلمناع اللذان عيرتموني بهما" (قض 8: 15) ولم ينكر هؤلاء الأشرار هذه التهمة، ولم يطلبوا الصفح والمغفرة، فنفذ فيهم جدعون وعيده، ويقول " الأرشيدياكون نجيب جرجس": "وقد يعترض البعض أن مثل هذه العقوبات تعتبر قاسية جدًا. ونجيب:

(1) يجب أن نذكر أن هؤلاء الرؤساء عاملوا جدعون ورجاله معاملة ليس بها أثر للرحمة مع أنهم حاربوا وجاهدوا في سبيل تحرير شعبهم.

(2) وفي معاملتهم القاسية كلموهم كلامًا ينطوي على الكفر بقدرة الله، والتهكم على جدعون.

(3) وفي حديثهم خطورة لأنه قد يُهبّط عزيمة الشعب، ويجعلهم ينصرفون عن جدعون.

(4) وبالتالي يسببون فتنة بين صفوف شعب الله ويعرضهم للانقسام فتضيع عليهم فرصة الانتصار الذي انتصروه ويمكن الأعداء من العودة ثانية إلى احتلال أراضيهم واستعبادهم أكثر من الأول..

(5) هذا ويجب أن نذكر أن جدعون مجرد إنسان قد يتعرض للخطأ مثل أي إنسان، والكتاب المقدَّس يذكر أعمال الناس كما وقعت حتى أخطاء رجال الله، وهذا مما يؤيد صحة الكتاب المقدَّس ونزاهته وسلامته من كل تحريف وأمانة الذين كتبوه ونسخوه!

4- هذه العقوبات القاسية كانت سمة العصور المظلمة التي عاش فيها القضاة، فلا يمكن أن نحكم عليها بمبادئ اليوم وحقوق الإنسان، ويجب ملاحظة أن جدعون لم يحكم على أعدائه بمثل هذه العقوبة، إنما حكم فيها على أبناء شعبه لعظم جرمهم!!!

المراجع
الكتاب المقدس
تفسير الكتاب المقدَّس - سفر القضاة ص 127.
تفسير سفر القضاة ص 82.
سلسلة كتب مدارس النقد والتشكيك والرد عليها
(في العقد القديم والعهد الجديد)
أ. حلمي القمص يعقو



#درويش_أبو_عجره (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقديس الخرافة والبابا متاؤس الأول والضبعة نموذجا!
- التَّعَرِّي المُقدَّسُ آيَةٌ وأُعْجوبَةٌ !!
- نبي عارٍ وأسقف عاقل محتشم !!
- قال الرب سيف حدد وصقل ليذبح ذبحا !
- حكمة بابل والتوراة والحكيم الأشوري أحيقار نموذجا !
- الآثار وداعش ووهابية إله الكتاب المقدس!
- سقوط الدولة السعودية الثانية ما أشبه اليوم بالبارحة!
- هاتوا الفلوس اللي عليكو يا ابن سلمان!


المزيد.....




- رصدته كاميرا بث مباشر.. مراهق يهاجم أسقفًا وكاهنًا ويطعنهما ...
- زلة لسان جديدة.. بايدن يشيد بدعم دولة لأوكرانيا رغم تفككها م ...
- كيف تتوقع أمريكا حجم رد إسرائيل على الهجوم الإيراني؟.. مصدرا ...
- أمطار غزيرة في دبي تغرق شوارعها وتعطل حركة المرور (فيديو)
- شاهد: انقلاب قارب في الهند يتسبب بمقتل 9 أشخاص
- بوليتيكو: المستشار الألماني شولتس وبخ بوريل لانتقاده إسرائيل ...
- بريجيت ماكرون تلجأ للقضاء لملاحقة مروجي شائعات ولادتها ذكرا ...
- مليار دولار وأكثر... تكلفة صد إسرائيل للهجوم الإيراني
- ألمانيا تسعى لتشديد العقوبات الأوروبية على طهران
- اكتشاف أضخم ثقب أسود في مجرة درب التبانة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - درويش أبو عجره - أَدْرُسُ لَحْمَكُمْ مَعَ أَشْوَاكِ الْبَرِّيَّةِ بِالنَّوَارِجِ !!!