أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - ياسر العدل - إجازة .. فى حب الوطن














المزيد.....

إجازة .. فى حب الوطن


ياسر العدل

الحوار المتمدن-العدد: 1469 - 2006 / 2 / 22 - 10:08
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


وسط شراسة أعدائنا وضخامة كوارثنا وهول تصريحات أولى الأمر فى تفسير أحوالنا، يلقانى صديق يحيطنى بالرعاية وقصاصات الجرائد ونصائح بعض المخلصين، صديقى يرجونى أن أكون جميلا، هادئ الأعصاب كأننى بلا حس، كريم المعشر كأننى نصف أمير، عفيف اللسان وكأننى نصف ولى، راقيا فى مشروباتى كأننى نصف ثرى، أتوقف عن السباب والهجاء كأننى نصف وزير، أمارس تبرير تخلفنا بالقسمة والنصيب كأننى نصف شيخ عصرته حكمة الجهل، أبحث عن قلة حيلتنا بين مؤامرات نسجها صناع التاريخ حولنا كأننى نصف تلميذ لا يعرف القراءة.
وسط كل هذا الأسى، يدفعنى صديقى للتفكير فى أحوالنا والكتابة عن مصائبنا، متناسيا أننى مجرد فرد يعيش مثل الكثيرين فى مجتمع ضعيف، نهرب من مواجهة مسئولياتنا ونلقى عبء ضعفنا على ولاة الأمور، وأن ولاة أمورنا كثيرا ما ينفضون أيديهم من كل نائبة تحل بنا وتصنعها ولايتهم.
إليك يا صديقى الطيب، أما وان بلغت زوجاتنا سن اليأس وهشاشة العظام وروماتيزم المفاصل، ودخلن فى طور الأمهات الصالحات والجدات المزعجات، حين نطلب حقوقنا فى الوصال تلبس زوجاتنا الأبيض فى الأبيض، يطوقن أيديهن بالمسابح ويدعون لنا بالرشاد، وحين تشاغلنا لحظات طفولة نحب فيها الحياة ونطارد الفراشات نطلب منها الزواج، تلبس زوجاتنا الأسود فى الأسود، ويشعن بين الجيران وفى عقول الأولاد أننا أزواج من خيالات المآتة طيبون لا نهش ولا ننش، أما وأن زوجاتنا تفعل أكثر من ذلك، بعد طول عشرتنا ينكرن مودتنا، وبعد جرينا وسط الشوك ينكأن جروحنا، أليس من حقى إذن يا صديق، أن أطلب إجازة قصيرة بعيدا عن الكتابة والكلام، أدير رأسى وأفكر فيما يحدث.
أما وان بلغ شبابنا سن التخرج من المدارس والجامعات ومواقع الخدمة العامة، يحملون صكوكنا الرسمية المختومة بالتفوق والقدوة الحسنة، ونلقيهم بأيدينا وعجزنا فى طور المحبطين، لتضم بلادنا تسعة ملايين عاطل عن العمل وثلاثة ملايين من العوانس جاوزت كل منهن الثلاثين من عمرها، وأصبحت قلوب شبابنا فارغة لا تثق بنا حين نحدثهم عن ماضى تسيدنا فيه البرية دون أن يساعدنا أحد، وتعتزلنا فى مشاركة الحاضر حين ندعى لهم أننا نملك ثقافة لا يشاركنا فيها أحد، ويكذبوننا حين نصور لهم مستقبلا مبهرنا سندخله دون أن يساعدنا أحد، أما وان بلغ شبابنا كل ذلك الانعزال، أليس من حقى إذن يا صديقى أن أطلب إجازة قصيرة بعيدا عن الكتابة والكلام، أدير رأسى وأفكر فيما يحدث.
أما وان بلغ مجتمعنا مشارف الانهيار، يطرق الأعداء أبوابنا من كل جانب، يستبيحون فكرنا بثقافتهم، ويحتلون أرضنا بأموالهم، ويعطلون قلوبنا بفنونهم، ونحن منكبون على الانسحاب إلى رحم تاريخنا، أطفال نسترجع الذكريات ولا نستطيع المواجهة، نمارس التبرير والتغرير بأهلنا دون أن نطرق أبواب العواصف، لا نخلع أبوابنا المتهالكة وينخرها السوس، لا ندير عتبات فكرنا نحو ثراء أرضنا وحرية أهلنا وجمال قلوبنا، تبتلع مقاهى الكلام أرصفتنا ونمارس فيها ألعاب الحظ والهروب والنميمة، تغطى نفايات الثقافة شوارعنا، خصائصنا مهدرة وألفاظنا هجين وعلامات طريقنا على غير عنوان، وصلاح فكرنا محشور فى أفواه المطابع وبين ساحات الورق وفوق موجات الأثير، فكرنا يخرج صريعا مهلهلا ويسد أبواب العمل، أما وان بلغ مجتمعنا هذا الحد من المهانة، أليس من حقى إذن يا صديق، أن أطلب إجازة قصيرة بعيدا عن الكتابة والكلام، أدير رأسى وأفكر فيما يحدث.
يا صديقى الطيب، إن مثلى يدفعه سعينا للتخلف لأن يتوقف عن التفكير والكتابة، واثقا أن بلادنا لن تخسر كثيرا إذا توقف أمثالى عن أى عمل، ولن تكسب بلادنا كثيرا إذا أتى أمثالى بكل البطولات، فنحن نعيش مجتمعات متخلفة تدربنا كل يوم على فقدان الثقة بالذات، وفقدان الجدوى من أى عمل، وتدربنا على أن نمنح الثقة فقط لولاة الأمور فى كل الأمور، إنهم من ضعفهم يحتاجون ثقتنا ونحن من ضعفنا لا نستطيع حملها إليهم.
مهلا يا صديقى الطيب، وقائع الحياة تدين للأقوياء بالاتجاه وتجرى على الضعفاء بالأثر، فلماذا لا نكون أقوياء؟ نراجع الفكر ونمهد الطريق ونبدأ العلاج، مدركين أن من يعطى لقلبه إجازة من حب الوطن وينأى بفكره عن مواجهة الخطر، هو كائن يعطى لنفسه صك اغتراب عن الحياة قاصدا أن يعيش أبد الدهر بين الحفر.



#ياسر_العدل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلم00 بالمحبة
- بالعربي( ميّة) 00 بالفرعونى ( إمبو) 00
- غلابة 00 ترسة
- حقن الشفافية
- التفوق الكاذب جداً
- جمعية السد العالى
- !!.. إنى أنتظر الوزارة
- أطلس ذاكرتنا الشعبية
- الإنحشار فى كرسى الوظيفة
- ربطة عنق 00 هدية
- آه.. يا رجلى
- !!..أولاد الأفاعى
- المقعد 00 قصة قصيرة
- !!يا وجيعة فقرنا.. يا
- !! قلبى معكم 00 بشروط
- !!.. يا رئيس الوزراء.. نطالبكم بالاستقاله
- دعاية انتخابية !!
- !!.. الفاضل مستجاب
- !! خيل الحكومة .. لا تموت سريعا
- !! الجوع .. كافر


المزيد.....




- قُتل في طريقه للمنزل.. الشرطة الأمريكية تبحث عن مشتبه به في ...
- جدل بعد حديث أكاديمي إماراتي عن -انهيار بالخدمات- بسبب -منخف ...
- غالانت: نصف قادة حزب الله الميدانيين تمت تصفيتهم والفترة الق ...
- الدفاع الروسية في حصاد اليوم: تدمير قاذفة HIMARS وتحييد أكثر ...
- الكونغرس يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا بقيمة 95 مليار ...
- روغوف: كييف قد تستخدم قوات العمليات الخاصة للاستيلاء على محط ...
- لوكاشينكو ينتقد كل رؤساء أوكرانيا التي باتت ساحة يتم فيها تح ...
- ممثل حماس يلتقى السفير الروسي في لبنان: الاحتلال لم يحقق أيا ...
- هجوم حاد من وزير دفاع إسرائيلي سابق ضد مصر
- لماذا غاب المغرب وموريتانيا عن القمة المغاربية الثلاثية في ت ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - ياسر العدل - إجازة .. فى حب الوطن