|
ريمون كينو كاتباً الهيغلية
مروة التجاني
الحوار المتمدن-العدد: 5690 - 2017 / 11 / 6 - 19:39
المحور:
الادب والفن
بعد قطيعة كينو مع السريالية حاول العودة في كتاباته إلى الأشكال الكلاسيكية بالإضافة إلى التراث البلاغي وتاريخ الأشكال الفنية ، وتضمنت أعماله مفاهيم لمبادئ فكر هيغل اقتبسها من الكسندر كوجيف . في العام 1947م نشرت مجلة " نقد " التي كان يديرها جورج باتاي مقالاً موقعاً بأسم كوجيف بعنوان روايات الحكمة يقترح فيه تفسيراً فلسفياً لثلاث روايات لكينو هي " بيارو صديقي " و " بعيداً عن روي " و " يوم أحد الحياة " ، في هذا المقال أشار الكاتب إلى أن آثار كينو على الرغم من مظهرها المهمل واللامبالي تتضمن أفكار خفية للمفهوم النظري الذي صاغه كوجيف في مناسبات شرحه ليهغل . في مسيرة كوجيف لعب ريمون كينو دوراً كبيراً حيث كان هو الناسخ لمحاضرات كوجيف و كان يحفظ روح الخطاب ويثبته في أسلوب مناسب له ، لكن كينو لم يكتفي بدور الحافظ والناسخ بل نقل المفاهيم إلى آثاره الذاتية .
في روايته " يوم أحد الحياة " نجد بطل الرواية " فالنتان برو " الجندي المسرح من الخدمة شخص متزن ومسالم ومسكون برغبة السفر وزيارة ساحة معركة يينا حيث حارب أحد أسلافه ، حين ذهب بعد عدة سنوات إلى معرض الساحة عاد بتذكار هيغلي يقول " في يينا عرفونا على بيت فيلسوف الماني ، كان في يوم المعركة نفسه يدعوه روح العالم ، فسئل : من كان يدعوا بهذا اللقب ؟ فأجاب : نابليون " لكن بعد عودة البطل ساورت الشكوك المحيطين به عن جدوى رحلته وكانت تزداد مع اجابات البطل " برو " الذي ظهرت لديه موهبة التنبؤ وستقوده في النهاية إلى احتراف مهنة العرافة تحت أسم مستعار . مما سبق في نص كينو نلاحظ أن " برو " يتجسد كحكيم ينظر إلى جميع الأشياء من وجهة نظر نهاية التاريخ الذي يفترض أن تتطابق فترته العلمية مع فترة المعركة وانتهاء هيغل من كتابة كتابه فينومينولوجيا الروح . أن " برو " يفهم الأشياء وفق ضرورتها العميقة ويرى الواقع في نظام تطوره الشامل والمكتمل بشكل منهجي وهو يقبل سياقه الحتمي من دون انفعال ، بل في لامبالاة . حين امتهن العرافة عرف أن كل شئ اكتمل نهائياً في المعركة وأن المستقبل بعد ذلك لا يمكن أن يكون إلا اجتراراً للماضي ، أن ما يكشفه لزبائنه إنما هو ماضيهم الذي سبق له أن استعلم عنه والذي يتضمن كل ما يمكن أن يخافوه أو يرجوه .
يتمثل العاقل عند كوجيف بأنه الشخص الذي ما أن يبلغ نهاية التاريخ حتى يرتفع إلى وعي الذات والمعرفة المطلقة . بعد مجئ الأنسان الكامل والمتحقق في رائ كوجيف في الثنائي هيغل / نابليون ، لا يعود هناك مجال في الفترة التي تعقب نهاية التاريخ إلا لوجود حكماء غير واعيين ، فالوقت بالنسبة إليهم لم يعد موجوداً لأنه يتحول إلى تكرار باهت لماضٍ مكتمل في ذاته . عند كينو يتخذ وعي الذات شكل غريزة وشعور لا يحتاج الفرد للتعبير عنها ، وهذا ما يميز " برو " عن الذين يحيطون به بالرغم من شخصيته المتواضعة وتفاهة نمط حياته ، هو منفصل عن سواه لأنه يقيم مع الزمن علاقة خاصة وهي علاقة انسان نهاية التاريخ ، لم يعد له شأن إلا بزمن رتيب وغير متميز ، زمن يمر من دون أن يحدث فيه شئ ، وهو وأن كان الزمان ذاته وقد أدرك في تمامه لم يعد زماناً تماماً ، في هذه الحدود الملتبسة لا يكاد يميز بين اليقظة والنوم وفيها يتطابق مطلق الوعي مع مطلق اللاوعي . يقول " الزمن الذي يمر لا هو جميل ولا هو قبيح ، هو دائماً ذاته ، ربما هطلت أحياناً الثواني كالمطر ، أو ربما امسكت شمس الساعة الرابعة بضع دقائق وكأنها أحصنة هائجة . قد لا يحافظ الماضي دائماً على التنظيم الرائع الذي تمنحه الساعات للحاضر ، وقد يسرع المستقبل بازدحام ، فتتدافع الأوقات وتتسابق لتنقطع شرائح ، وقد يكون هناك سحر أو رعب ، ظرافة أو دناءة في الحركات المتشنجة لما سوف يكون وما كان " .
في العام 1966م اصدر كينو كتابه غير المكتمل " قصة نموذجية " والذي كتب في مقدمته " هذا الكتاب ليس رواية " وضع فيه مفهومه عن التاريخ . التاريخ الذي يهتم به كينو هو الذي نعيشه ونفهمه ونرويه ، يقول " لو لم تقع حرب أو ثورات لما كان هناك تاريخ ، لما كانت هناك مادة للتاريخ ، التاريخ هو علم شقاء الناس " .
#مروة_التجاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وداعاً ماياكوفسكي
-
في اعتزال العالم
-
فكر مدام دو ستايل الأدبي
-
أيام في الزنزانة
-
ديستوفسكي في عيادة فرويد - تشريح المثلية المكبوتة
-
كفاح المثلية الجنسية .. شكراً دافنشي
-
The Coat
-
اختراع العزلة
-
كفاح المثلية الجنسية .. شكراً اندرية جيد
-
سيمون فايل - فيلسوفة التجذر 2
-
سيمون فايل - فيلسوفة التجذر 1
-
المثلية الجنسية ليست جريمة
-
الغرفة المزدوجة
-
مع باستر كيتون - 1922
-
الصور الجميلة
-
تأملات ماركوس أوريليوس
-
هواجس جسد فتاة مثلية جنسياً - 2
-
هواجس جسد فتاة مثلية - 1
-
في حبي
-
الفصيلة المعدنية
المزيد.....
-
أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم
...
-
تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
-
هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف
...
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|