أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأغراب














المزيد.....

الأغراب


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5690 - 2017 / 11 / 6 - 19:38
المحور: الادب والفن
    


المدينة، بدت كأنها في كرنفال. كنتُ ألقي نظراتٍ على المشهد، المتبدي لعينيّ ضبابياً نوعاً، وأنا منشغل الفكر فيما بين يديّ. حقيبة السفر، كانت قد أصبحت ذاخرة بالملابس ولم يعُد فيها مكان لكتبي المختارة. فيما كنتُ أدلف من باب المنزل، مرّ رجل من أمامي وألقى عليّ نظرة متفحصة. كان طويل القامة، حسن الملامح ومتأنق الملبس. ثمة عند مدخل الزقاق، راعني أن أجد الطريق الوحيد المفضي لمركز المدينة وقد أضحى على شكل منحدر يطل من شاهق على المشهد الضبابيّ لمنازلها وساكنيها.
" إذا أردتَ النزول إلى المدينة، فما عليك سوى أن تتبعني "، قال لي ذلك الرجل الغريب وهوَ يشملني بنظرته المنتبهة. رأيتني على الأثر أتبع الرجل، منحدراً خلفه على درجاتٍ حجرية. كل شيء كان قد تغيّر بشدة، هناك على الشارع الرئيس. كانت هذه الفكرة تحلق فوق رأسي، حينَ انتبهت إلى تزاحم الخلق أمام باب الحافلة الكبيرة. صرتُ في داخلها، فتحسستُ للفور جيبي متفقداً محفظة نقودي. كان الجابي شخصاً طريف المنظر، يتبادل الحديث الوديّ مع الركاب بلهجة كرد شمال البلاد. فلما وصل إلى قرب موقفي، ومددت يدي بورقة مالية، أشار بعينيه إلى الرجل الغريب الواقف بقربي. قلت عندئذٍ للجابي بالكردية: " تَنِيْ يَكْ..! "؛ بمعنى أنني سأدفع عن نفسي. هنا، أعتذر الجابي بأنه لا يملك فكّة. قالها وهوَ يدس ورقتي المالية في جيبه. خاطبت نفسي بقلق: " ليتني تفقدتُ ما معي من نقود معدنية ". كنتُ أهجسُ عند ذلك بفكرة مرعبة، وهيَ أن يصل الباص إلى الموقف المطلوب دونما أن أتمكن من استرجاع نقودي: عليّ كان أن أستقل سيارة أجرة إلى المطار، ولم أكن أملك سوى تلك الورقة المالية.
" ها هيَ نقودك، يا ولد..! "، خاطبني الجابي بالكردية على غرّة فيما كنت أتهيأ للنزول. أمام الموقف، حينما كانت عيناي تبحثان عن سيارة أجرة، لحظتُ مجدداً ما طرأ على المدينة من تغيّر داهم. أشكال الناس، كانت أكثر ما لفتتني. كأنما هيَ خليطٌ من أجناسٍ أوروبية وآسيوية. ثم أرتفع بصري عَرَضاً إلى سفح الجبل، لأرى الناس ينحدرون خِلَل جادّة ضيقة تحيطها الأشجار والخمائل والعرائش. قلتُ في سرّي: " كم كبرت أزهار القنديل خلال سنين غربتي، فأضحى كلّ منها على شكل البوق النحاسيّ ". وإذا بنظراتي تلتقي ثانيةَ بالرجل الغريب، وكان يقف بقربي. قال لي مومئاً نحوَ تلك الأعالي: " الفتيات الروسيات لا يعبأن بمشاعر مواطنينا الإيرانيين والأفغان، وهنّ بهذه الملابس القصيرة المكشوفة ". ما أن أنهى كلامه، إلا وهديرٌ مدوٍّ يقتحم سمعي. ألتفت إلى ناحية الصوت، لأرى جمعاً من الناس وغالبيتهم فتية يتراكضون معاً وهم يهتفون بشعاراتٍ معادية للنظام. سرعان ما تلاشت تلك الأصوات، وما عَتَمَت أن ذابت في خضم أصوات أعلى تهتف بحياة الأب القائد. حلّ الصمت بعد ذلك، وصارت حركة الناس من البطء وكأنما الأمرُ يتعلق بجنازة. أدهشني أن أرى بين الجموع جارنا العجوز، وكان برفقة رجال من الحارة مألوفي الوجوه. شعرتُ بالارتياح، طالما أنّ مرأى أولئك الأشخاص دليلٌ على كون العُمر غير متأخرٍ بعدُ. بدلاً عن سيارة الأجرة، كانت ثمة حافلة سياحية ( بولمان ) تقترب من الموقف. وجدتُ مقعداً فارغاً إلى جانب رجلٍ أوروبيّ الملامح، بدا لي أنه سائح. سارت الحافلة للفور، فلم تلبث أن زادت سرعتها بشكل كبير. وإذا بي أشعر بأنّ الحافلة ترنفع عن الأرض رويداً، فأخذتُ أتطلع إلى جاري الأجنبيّ علّني أقرأ الدهشة على قسمات وجهه. إلا أنه بدا مطمئناً، فيما كان ينظر إلى مشهد المدينة تحتنا: " هذه ليست إنفجارات، يا عزيزي! إنها ألعاب نارية تحتفل بالقضاء على الإرهاب "، قال لي باللغة السويدية.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإشارة الحمراء
- أردوغان ولعنة الكرد
- سيرة أخرى 50
- مسؤولية الرئيس بارزاني
- تركيا؛ دولة غاصبة
- سيرة أخرى 49
- الإرهابيون؛ من تنظيمات إلى دول
- تشي غيفارا؛ الملاك المسلّح
- سيرَة أُخرى 48
- الفردوسُ الخلفيّ: الخاتمة
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الغين 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الغين 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الغين
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الظاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الظاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الظاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الضاد 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الضاد 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الضاد
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال 3


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأغراب