أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحمن خضير عباس - أغاني ناراياما















المزيد.....

أغاني ناراياما


رحمن خضير عباس

الحوار المتمدن-العدد: 5689 - 2017 / 11 / 5 - 23:33
المحور: الادب والفن
    


أغاني ناراياما
رحمن خضير عباس
حينما تتحول مجموعة من الحدوثات الشعرية الغنائية الى رواية ، فهذا يعني أنّ المبدع لايحتاج لأحداث مهمة ، كي يُنجز عملا كبيرا ، من طراز هذه الرواية اليابانية المعروفة. التي تحولت الى علامة متميزة في الادب العالمي. ناهيك عن أنها تحولت الى فيلم سينمائي أبهر مشاهديه ، منذ إنتاجه عام 1983 الى هذه اللحظة. وهذه الرواية التي كتبها الاديب الياباني شيتشيرو فوكا زاوا. تتحدث عن قرية على حافة عالم منسي. تقع وسط غابات كثيفة من السنديان ، على حافة جبل هائل وغير نهائي. تحول في أذهان أبناء القرى التي تستظل بالغابات الى كيان مقدس. الى إله سُمِيَ ناراياما. ، يحج اليه الناس الذين بلغوا السبعين من العمر. فتكون زيارتهم أشبه بالانتحار الطوعي جوعا . كي يطهروا أنفسهم من رجس الحياة وآثامها. لكن الذين يخافون الذهاب او يتهربون منه ، فيتحولون الى عار على أنفسهم ، وعلى القرية وعلى ذويهم . إنه التعبير عن البطولة الزائفة التي تمجد الخيال الأسطوري.
يصف لنا الكاتب مجموعة من القرى بلا أسماء أوملامح . هذه القرى تعيش في وسط بيئة غابوية ، ولكنها بيئة شحيحة وقاحلة لا تجود على إهلها الا ببعض الحبوب التي يتم خزنها الى الشتاء. وحيث ان الغذاء لايكفي لإشباع أبناء القرى.
ولكن الشخصية الرئيسية هي الجدة ( أورن) التي تبلغ التاسعة والستين من العمر. والتي تُهيء نفسها لصعود الجبل في العام القادم . ولكن قبل ذلك عليها أن تكون مطمئنة على إبنها البكر( تابي). والذي فُجع بموت زوجته . لكن زواجه من جديد، سيوفر لأمه راحة نفسية طالما تمنتها ، في ظل شحة التواجد البشري في هذه الظروف البدائية . وحالما علمت العجوز أورن بترمل إمرأة في احدى القرى ، حتى طلبتها للزواج من إبنها تابي . فوافقت الارملة فورا ، بعد موت زوجها بثلاثة أيام ، وقَدِمَتْ بنفسها قبل الاوان . بحيث ان الام فوجئت بها وحاولت – اعني اورن- ان تقوم بكسر أسنانها المتكاملة رغم عمرها المتقدم.حتى تبدو لزوجة ولدها انه ام عجوز، ويبدو ان وجود أسنان متكاملة للجدة قد جعلها هدفا للأغاني التي نعتتها بالشيطان. لانه يُفترض أن تكون بدون أسنان كي تنسجم مع روح البرية التي تعمل بقوانين التآكل والفناء ، مما دفع العجوز ان تلجأ الى العمل على كسر أسنانها بواسطة الأحجار. كي تبدو متلائمة مع طبيعة الأشياء. كسر أسنانها سبب لها آلاما كبيرة لكنها كظمت الصبر من إجل التفاعل مع البيئة والعلاقات الاجتماعية التي تؤمن بالمألوف . لقد رسم الكاتب صورة هائلة وشبه إسطورية لخصال الام المثالية ، التي ستموت بإرادتها من أجل الأخرين.
ورغم ان الطبيعة قاسية. والنَّاس يبحثون عن غذائهم اليومي. لكن القرية تضج بالافعال الكثيرة التي تعبر عن روح الجهل وعمق البدائية والتوحش. ويأتي البحث عن ممارسة الجنس بطرق بدائية لاتخضع لمعايير محددة سلفا. كما ان هناك حالات من الصراع حول البقاء ، حيث تم العثور على الكثير من الخضرة المسروقة والموجودة في مخزن احد الجيران في القرية ، مما عرض السارق الى العقاب الجماعي. وهذا يعني ان المجتمعات البدائية ستقوم بلفظ الفساد لانها تعيش حالة براءة ووئام اجتماعي مشترك .
الزوجة الجديدة والتي لاتعبر عن روح المسؤولية. حيث الزواج يعني لها توفير ما تستطيع ان تأكل. الصيد في المستنقعات ، والصراع الشديد مع عوامل البيئة القاسية. كل ذلك يدور في ذهن بطلة الرواية (الجدة أورن) التي بدأت خطواتها نحو التوجه الى الجبل. فقد رفضت فكرة البقاء في حياة فيها عار الخوف من الموت بين أحضان الجبل.
وفي جهودها الحثيثة لكي تكون مستعدة لوداع الحياة التي عبرت عنها
" وجدتُ صعوبة بان اعيش هنا في الأسفل ".هذا يعني ان الموت هو الارتقاء مع مايعنيه من ألم.
وقبل موعد الحج ، أعدت وبشكل منظم كل ظروف الانتقال الى جبل السنديان. دعت الحجاج القدامى وهيئت لهم النبيذ. كي تستفيد من مفاهيمهم الأسطورية في تشكيل طقوس الوصول الى الجبل.
وكانت رحلة العذاب بالنسبة للابن الذي حملها على ظهره ، في طريق طويلة بين صخور الجبل وأعشابه الوحشية وحيواناته الضارية ، وغربانه لبلوغ القمة. وفي الطريق كانت أسراب الغربان تعشعش في ماتبقى من جثامين الذين حجوا الى الجبل ، وماتوا هناك . وحينما وصل بمشقة الى القمة المكسوّة بالثلج . أنزلها عن ظهره بعد جهد الصعود الذي إستغرق طويلا . ليضعها بين الوحشة الصخرية والثلجية لانتظار الموت. وكانت التعليمات ان يعود بدون تردد ، وان لايلتفت اليها. ولكن الابن المفجوع كان يعيش صراعا. بين القيم والتقاليد الصارمة التي تكبله وتجعله يترك أمه الى الابد. وبين عاطفته التي جعلته يلتصق بهذه الام. ولكن العاطفة هي التي تنتصر فخالف القواعد وعاد يستصرخها للعودة. فوجدها مكللة بالثلج ، وأمأت اليه ووجها يطفح بسعادة غير مرئية. ان يواصل طريقه. ان يواصل الحياة.
واعتقد بان قاريء الرواية لايجد فيها مايشجعه على المواصلة. لانعدام تسلسل الاحداث ونموها كما يستدعي النسيج الروائي. انها رواية بطيئة وممللة ، وهي من الاعمال التي تبحث عن قاريء يحاول التمعن والتأمل وكشف الترميز الذي يحيطها. ولكنها تطرح على الصعيد الفكري، التناغم بين الطبيعة الام والانسان . فكلما كانت الطبيعة نائية ومنعزلة وشحيحة ، فإنها تعكس هذه المفردات الشرسة على طفلها الانسان ، في قدراته وحاجاته وقابليته للمقاومة . كما ان الانسان كلما كان بدائيا ، كلما تمسك بالأساطير التي يجد فيها حلولا وهمية لإشكالاته .
الرواية التي استخدمها عبقري الإخراج الياباني ( شوهي إيمامورا) وحولها الى فيلم سينمائي . إعتبر في الثمانينات من افضل الأفلام السينمائية على الإطلاق. والذي حصد الكثير من الجوائز.ومنها السعفة الذهبية في مهرجان كان . الفلم الذي إلتزم بفحوى الأسطورة. وحاول ان يمنحها نفسا إنسانيا من خلال تجسيدها دراميا. حيث الانسان الذي يحاول جاهدا للوصول الى الخلاص النهائي ، ولو من خلال الموت الطوعي. ذلك الموت الذي ربما يخلق بعض التوازن بين الحاجات البشرية المتنامية ، وبين انحسار قدرة الطبيعة على توفير ذلك .
هل الموت الطوعي هو الحل ؟
لاشك بان عبقري السينما فوكازاوا استطاع ان يقرأ الرؤية الفلسفية للرواية ، وجسّدها في عمل سينمائي رائع .
استطاع هذا الفيلم ان يكون من الأفلام القليلة التي حازت على أعجاب الجميع.



#رحمن_خضير_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستفتاء. بين الحق والقطيعة
- مليكة مزان .. والذبح العرقي
- الخيمة
- قمة النهي عن المنكر
- أحكام الجهاد في الاسلام
- الحرب البرمائية
- مطار الناصرية الدولي
- العبادي.. ومظاهرات جامعة الكوت
- Pinacchio والوزير صولاغ
- بين عصا ترامب وجزرة اوباما
- سلاح الكاريكاتير يحاصرهم
- البوركيني والبكيني
- الفتنة... ملاحظات عابرة
- سيلفي ..ناصر القصبي
- خطوات متعثرة في أزقة مألوفة
- بستان الليل
- العصيان البرلماني
- تكنوقراط المالكي
- مقداد مسعود..والبحث عن كائن لغوي..في (هدوء الفضة )
- متحف منتصف الليل.. وإشكالية الفعل الإنساني


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحمن خضير عباس - أغاني ناراياما