أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رابح لونيسي - تصور جديد للمشكلة الإقتصادية















المزيد.....

تصور جديد للمشكلة الإقتصادية


رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)


الحوار المتمدن-العدد: 5689 - 2017 / 11 / 5 - 23:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تصور جديد للمشكلة الإقتصادية

البروفسور رابح لونيسي
-جامعة وهران-




تطرح المشكلة الاقتصادية في منطقتنا اليوم على أساس التصورات الرأسمالية التي تعتبرها مشكلة ندرة لأنه –حسب فالراس- "لا توجد منتجات ممكنة التكاثر بلا حدود"، ويقول ستيوارت مل (Melle) بوجود الأرض بكميات محدودة فقط، ولهذا يرى إستحالة مضاعفة الإنتاج بدون حدود".
أن هذه النظرة الرأسمالية هي التي جعلت الإنجليزي مالتوس يرى في القرن 19م، بأن الموارد الطبيعية ستصبح غير كافية للبشر في المستقبل لأن الغذاء ينمو بمتتاليات حسابية في الوقت الذي ينمو فيه السكان بمتتاليات هندسية، وهو ما يؤدي حتما -حسب مالتوس- إلى المجاعة وهلاك الجنس البشري.
وبناءً على ذلك اندفع الأوروبيون في تحديد النسل لتجنب المشكلة مستقبلا، لكن تبين فيما بعد خطأ مالتوس، فأصبح الغرب يعاني من خطر اندثار السكان، بالإضافة إلى الشيخوخة التي تعرقل النشاط الاقتصادي، ويرى جان فالان في دراسة مستقبلية له حول "العالم في 2100" نشرت في لوموند ديبلوماتيك، بأن أوروبا ستصبح في عام 2040 لا تمثل سوى 4% من مجموع سكان الأرض إذا تواصلت نسبة نمو السكان على هذا الشكل، فالألمان مثلا يتناقصون بمعدل نصف مليون شخص سنويا، ويتناقص الفرنسيون بمعدل 100 ألف شخص سنويا، مثلما أثبت الكثير من العلماء أن الأرض بإمكانها تلبية الحاجات الغذائية لأضعاف عدد سكان العالم اليوم، ويرى خبراء في هيئة الأمم المتحدة أن مساحة الأراضي المزروعة في العالم اليوم لا تمثل إلا 43,5% فقط من المساحة القابلة للزراعة، ولو استغل الجزء المزروع فقط بشكل جيد، لأمكن إطعام أكثر من 60 مليار نسمة من السكان.
ان الكثير من الأبحاث العلمية تؤكد على خطأ إعتبار التصورات الرأسمالية بأن المشكلة الإقتصادية هي مشكلة ندرة، ففي الحقيقة هي مشكلة نابعة من الظلم والتوزيع الغير العادل للثروة، وعدم استغلال الإنسان لكل إمكانياته بشكل فعال، خاصة إمكانياته العقلية واليدوية في استخراج الخيرات والثروات التي سخرها الله سبحانه وتعالى لهذا الإنسان.
فالظلم يتمثل اليوم في النظام الرأسمالي الاستغلالي الذي جعل 15% من سكان العالم يستهلكون 80% من موارد العالم، والباقي يعيشون في فقر مدقع، بالإضافة إلى احتكار الرأسمالية العالمية البحث العلمي والتكنولوجيا وتسخيرها لخدمة مصالح أقلية من البشر في الوقت الذي تساعد فيه الطبقات الحاكمة والمرتبطة بها في العالم الثالث على تجهيل شعوبها وتهريب باحثيها وعلمائها، فعلى هذا الأساس لا يمكن حل المشكلة الاقتصادية في عالم اليوم، خاصة دول منطقتنا، إلا بالتخلص النهائي من الرأسمالية وفك الارتباط بها ممارسة وسلوكا وتصورا وفكرا، بالإضافة إلى تطوير البحث العلمي وتنمية المواهب العقلية واليدوية في الإنسان واستغلال طاقاته على أكمل وجه.
فإنطلاقا من ذلك، كنا نصر دائما في كتاباتنا، ومنها كتابنا "النظام البديل للإستبداد-تنظيم جديد للدولة والإقتصاد والمجتمع" على مبدأين أساسيين وهما: أولها فك الإرتباط بالرأسمالية العالمية الإستغلالية للحد من التفاوت الطبقي الحاد، وثانيها الثورة العلمية التي تدفعنا إلى إستغلال فعال لكل الثروات والإمكانيات في خدمة كل البشر.
ولم نكتف بسرد المبدأين فقط، بل وضعنا ميكانيزمات وآليات عملية لتنفيذهما وتطبيقهما على أرض الواقع بهدف إقامة مجتمع جديد يسوده الرفاه والعدالة والحريات.

فبشأن فك الإرتباط بالرأسمالية العالمية، يبدأ بتحويل الكمبرادور –وهم المستوردون فقط بالمفهوم البسيط- إلى الاستثمار المنتج هو الحل الأمثل والواقعي الذي يحفظ مصالح كل المجتمع، وبقيام هؤلاء باستثمار أموالهم في قطاعات منتجة كالبحث العلمي والزراعة والصناعة يخلقون الثروة ومناصب الشغل، فبذلك تتحول طبقة الكمبرادور إلى طبقة برجوازية متمركزة حول الذات وفي خدمة بلادها بدل أن تكون في خدمة الآخر، لأن الفرق بين البرجوازية في العالم الثالث والبرجوازية في المركز الرأسمالي هو أن الأخير تستخدم الخارج لخدمة مصالح بلدانها، أما برجوازيتنا التابعة، فإنها تستخدم من طرف المركز الرأسمالي لخدمة مصالحه وتدمير اقتصاديات بلداننا.
إننا لا ننفي بأن الكمبرادور بممارستهم التجارة وتسويق منتجات الغرب في بلداننا، يمكن أن يلعب دورا إيجابيا في البداية، لأن هذه التجارة تكسبهم ثروة هائلة يمكن أن تشكل كتراكم أولي يستثمر فيما بعد في الصناعة. لكن مواصلة التجارة دون الانتقال إلى مرحلة الاستثمار المنتج يجعلها عاملا سلبيا ومحطما لكل المجتمع بما فيها مصالح الكمبرادور ذاته، لأن أرباحهم ستتناقص شيئا فشيئا بتناقص ثروة وأموال المجتمع التي يذهب جزء قليل منها إلى الكمبرادور وجزء كبير إلى الشركات الأجنبية، فتضعف القدرة الشرائية للمجتمع، فيصبح غير قادر على الشراء، فتنهار تجارة الكمبرادور.
فعلى هؤلاء الكمبرادور أن يعلموا أن ثروة المجتمع لا تنمو إلا بالعمل المنتج، وإذا لم ينتقل الكمبرادور إلى الاستثمار المنتج، فإنه سيحصل لنا نفس ما حصل في أوروبا في الماضي عندما وقعت فيما يسمى بأزمة الذهب أو النقد الذي تناقص بشكل مريع بسبب ذهاب الذهب إلى جيوب التجار والحرفيين المسلمين في عز قوة الحضارة الإسلامية كما اثبت ذلك المؤرخ الإقتصادي الكبير مارك بلوك. إنه على أصحاب الأموال الضخمة عندنا أن يعلموا أن مصالحهم تتمثل في التحول من الكمبرادورية إلى الاستثمار المنتج والتحالف مع طبقات الشعب ضد الرأسمالية العالمية المرتبطة بها.
ولا يمكن تحقيق هذا التحول السلمي إلا بفك الارتباط نهائيا بالرأسمالية العالمية، ومعناه تمركز العملية الاقتصادية حول الذات واستغلال علاقاتنا الخارجية لخدمة مصالحنا الاقتصادية والتنموية والتخلص تدريجيا من آليات التبعية للرأسمالية العالمية كالقضاء على التبادل اللامتكافئ وتغيير نمط استهلاكنا وجعله يتماشى مع إمكانياتنا، وغلق أسواقنا في وجه السلع الاستهلاكية الغربية غير الضرورية والاكتفاء غالبا باستيراد بعض آلات الإنتاج الضرورية لإقلاعنا الاقتصادي ثم تطويرها بتشجيع البحث العلمي والتكنولوجي.

أما بشأن الثورة العلمية، فإننا يجب ان نعلم بأن الكمبرادورية هي أكبر معرقل للبحث العلمي والتكنولوجي في بلداننا، مثلما تساهم أيضا هذه الطبقة في تحطيم الفكر والثقافة والفن الجاد، لأن كل هذه القطاعات تهدد مصالحها، فمثلما تسعى الكمبرادورية لتبليد العقول ونشر الثقافة الاستهلاكية كوسيلة لنشر نمط استهلاكي غربي، فإنها أيضا تسعى لتحطيم قوى الإنتاج وعرقلة تطورها داخل بلداننا ، مما يجعل الإنتاج المحلي عاجزا على منافسة المنتجات الغربية التي تقوم الكمبرادورية بتسويقها عندنا، والتي تدر عليها أرباحا ضخمة جدا، ولتحقيق ذلك كله تعتبر البحث العلمي والتكنولوجي أكبر عدو لمصالحها، ولهذا فيبدو أنها كثيرا ما تستعمل نفوذها الإداري والمالي لإقامة العراقيل في وجه العلماء والباحثين، بل حتى المفكرين والمثقفين والفنانين الجادين، هذا إن لم يكن الكثير من العناصر الكمبرادورية يعمل في قنوات تهريب النخب العلمية والفكرية والثقافية إلى الغرب باستعمال شتى الوسائل والطرق.
ولهذا فإنه لا يمكن إعادة الاعتبار للبحث العلمي والتكنولوجي عندنا إلا بفك الارتباط بالرأسمالية العالمية وتحويل الكمبرادور إلى مستثمرين في القطاعات المنتجة، فتربط بذلك مصالحها بتطوير قوى الإنتاج المحلية بدل ارتباطها بتطويرها في المركز الرأسمالي، فتدرك هذه الطبقة السائدة ضرورة إعادة الاعتبار للبحث العلمي والتكنولوجي، مما يطرح السؤال لماذا وكيف نحقق ذلك؟
نعتقد أن حل مشكلة البحث العلمي في بلداننا يبدأ من إطلاق الحريات العامة وإقامة ديمقراطية حقيقية تتعايش فيها كل التيارات مما يسمح للمفكر والباحث بالعودة إلى بلاده مهما كان اتجاهه الفكري والسياسي، ويجد مناخ الحرية الضرورية للبحث العلمي والفكري .
وأكثر من هذا فإنه من الضروري إعادة النظر في مقاييس الصعود والترقية الاجتماعية، فيكون العلم والمعرفة هو المقياس الوحيد لهذا الصعود، فنحفز الناس بذلك على العلم والمعرفة والبحث العلمي والتنافس من أجل الإبداع العلمي والتكنولوجي لأنه هو الطريق أو العامل الوحيد للصعود الاجتماعي، وليس المال أو السلطة، وبذلك نكون قد وضعنا بذور التقدم بدل هذا التكالب المدمر من أجل الثروة والسلطة الذي حطم كل القيم النبيلة، ومنها قيمة العلم التي بها تتقدم الأمم.
ولإعادة الاعتبار لقيمة العلم والبحث العلمي لا بد لنا من إعادة النظر في نظامنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لأن هذا التكالب المدمر اليوم من أجل الثروة والسلطة مرتبط بأنظمتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لأن الجميع يعلم مدى العلاقة الوثيقة بين الثروة والسلطة في هذه الأنظمة، فكما أن الثروة توصل إلى السلطة في الأنظمة الديمقراطية البرجوازية المبنية على الرأسمالية، فإن السلطة توصل إلى الثروة في الأنظمة الديكتاتورية، وبالتالي فحتى لو انتقلنا من دكتاتورية إلى ديمقراطية برجوازية، فإن الحاكم الفعلي والمختفي وراء الستار هم الذين اكتسبوا الثروة بفعل مناصبهم في النظام الدكتاتوري.


البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-



#رابح_لونيسي (هاشتاغ)       Rabah_Lounici#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلنغير النظام، لكن لصالح من؟
- مقالات حول جدلية الدين والسياسة(6)-حلول أوروبية متعددة-
- مطاردة المناضل البطني لمناضلي المباديء في الجزائر
- مقالات حول جدلية الدين والسياسة(5)-مظاهر لتوظيف الدين في الع ...
- علاج فانوني لعقدة الإنتساب إلى لآخر لدى بعض المغاربيين
- في ذكرى أحداث05أكتوبر1988في الجزائر-انتفاضة أم شغب أطفال؟-
- مقالات حول جدلية الدين والسياسة(4)-محاولات تنظيرية وتطبيقية ...
- ضباط فارون من الجيش الفرنسي وراء عنف1963 في الجزائر
- مقالات حول جدلية الدين والسياسة(3)-علاقة الدين بالسياسة في ت ...
- مقالات حول جدلية الدين والسياسة(2) -هل أستهدف الأنبياء والرس ...
- مقالات حول جدلية الدين والسياسة(1)-جذور السلطة الدينية في تا ...
- تضامنا مع الإنسان في بورما وكل مكان، وليس مع القبيلة
- فكرة- إعادة بناء الإجماع الوطني--زرع الإلتباس والغموض حولها-
- الممارسات الدينية في تاريخ الأمة الجزائرية
- الطرق الصوفية في مواجهة الإرهاب
- في ذكرى مؤتمر الصومام1956- مغالطات وحقائق-
- الماضوية المدمرة لشعوبنا
- وداعا رضا مالك-المثقف الملتزم والسياسي-
- التحالف المقدس بين الإستبداد والمال في الجزائر
- هل تتجه الجزائر نحو نظام كولونيالي جديد بعد55سنة من تحريرها؟


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رابح لونيسي - تصور جديد للمشكلة الإقتصادية