أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - ثروة ثروت عكاشة














المزيد.....

ثروة ثروت عكاشة


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1468 - 2006 / 2 / 21 - 11:38
المحور: الادب والفن
    


أخيراً، حصل الناقد والمترجم والمؤرّخ المصري الكبير الدكتور ثروت عكاشة على جائزة سلطان بن علي العويس للإنجاز العلمي والثقافي، "تقديرا لجهوده في خدمة الثقافة أكثر من نصف قرن وفي عدّة مواقع" كما صرّح عبد الحميد أحمد الأمين العام للجائزة. ومفردة "أخيراً" هذه نابعة من سببين: أنّ مجلس أمناء العويس عقد "سلسلة اجتماعات مطوّلة" خلال الاشهر الثلاثة الماضية لاختيار الفائز من بين 84 شخصية ومؤسسة علمية وأدبية وثقافية مرشحة؛ وأنّه آن الأوان لهذه الجائزة تحديداً، أن تذهب إلى هذا الرجل تحديداً.
وأعترف أنني كنت أخشى أن يغادرنا العلم الكبير (85 سنة، مدّ الله في عمره) قبل أن يحصل على هذه الجائزة بالذات. وأرجو أنني لا أذيع سرّاً، الآن وقد نال عكاشة الجائزة، حين أسجّل أنني (منذ الدورة السادسة لجوائز العويس 1998ـ1999، حين تشرّفت بعضوية لجنة التحكيم) طالبت بمنحها للدكتور عكاشة، وكان حينذاك مرشحاً لجائزة الدراسات الأدبية والنقد. وأسمح لنفسي، راجياً معذرة القارىء، أن أقتبس النصّ التالي من تقريري: "الدكتور ثروت عكاشة محارب ثقافي قديم، وأستاذ كبير. إنه رائد في النقد الفنّي وتاريخ الفنون، وفي تحقيق وترجمة أمّهات الكتب. ومع التقدير الكبير لشخصه ولإنجازاته الثقافية، ورغم أنّ ممارسة النقد الفنّي تدخل في صلب عملية نقد الإبداع الإنساني، فإنني أجد أنّ مكان الدكتور ثروت عكاشة الطبيعي ليس الجائزة المخصصة للدراسات الأدبية والنقد. إنه، بالأحرى، جدير بالترشيح لجائزة الإنجاز الثقافي والعلمي عن كامل أعماله وإسهاماته والخدمات الجليلة التي قدّمها للحياة الثقافية العربية".
ولعلّ من واجب المرء، بادىء ذي بدء، أن يتذكّر حقيقة تخصّ هذا الرجل الكبير، مركزية وأساسية وفارقة ونادرة تماماً في تقديري: أنه بدأ حياته المهنية ضابطاً عسكرياً، بل كان في عداد الضبّاط الذين صنعوا ثورة 23 تموز (يوليو) 1952 في مصر، ولكنه جمع بين الجيش والثقافة (خرّيج الكلية الحربية، وكلية الآداب ـ جامعة فؤاد الأوّل 1951، والدكتوراه في الآداب ـ جامعة السوربون 1960). والأرجح أنّ العالم العربي لم يشهد ضابطاً مثله أسدى إلى ثقافة بلده خدمات كبرى تأسيسية وحاسمة، سواء من موقعه الرسمي في وزارة الثقافة المصرية (سنوات 1958 ـ 1962)، أو في عمله الفرديّ المستقلّ تأليفاً وتأريخاً وتحقيقاً وترجمة.
وقد يختلف المرء أو يتفق مع هذا أو ذاك من مواقفه وأفعاله خلال فترة حكم الضباط الأحرار، أو انحيازاته اللاحقة حين بدا مراجعاً لنفسه (وهذا حقّه الطبيعي) بصدد شخص جمال عبد الناصر والناصرية إجمالاً، كما في مقالته الشهيرة التي نشرها قبل سنتين في صحيفة "الوفد" المصرية تحت عنوان "أحمدأبوالفتح: تصحيح لوقائع تاريخية". وقد يقبل المرء أو يرفض طبيعة الدور الذي لعبه في تنظيم الإتصالات السرّية بين عبد الناصر وناحوم غولدمان، أثناء عمله ملحقاً عسكرياً في باريس أواسط الخمسينيات. لكنّ المرء لا يملك إلا أن ينحني لهذا الضابط الذي لم يرعَ الثقافة فحسب، بل دافع عنها وعن أهلها، وحارب فرض الرقابة عليها، أمام أعلى سلطة سياسية وأمنية وعسكرية في مصر: عبد الناصر شخصياً. ويروي نجيب محفوظ أنّ أحدهم (ولكنه لم يكن محمد حسنين هيكل، كما يسارع محفوظ إلى التنويه) تبرّع بإخبار عبد الناصر أنّ رواية "ثرثرة فوق النيل" تنال من ثورة 23 يوليو. وهكذا سارع عبد الناصر إلى سؤال عكاشة، ولكن بنبرة غاضبة تماماً، عن حقيقة ما ترمز إليه رواية محفوظ، فردّ الأخير: "يا سيادة الرئيس، أصارحك بأنه إذا لم يحصل الفنّ على هذا القدر من الحرية، فلن يكون فناً" حسبما يروي محفوظ نفسه، الذي يسجّل أنّ عبد الناصر علّق بالقول: "وهو كذلك، إعتبر الأمر منتهياً".
وثمة، بالطبع، مَن يأخذ على عكاشة أنه لم يكن منضبطاً تماماً في ما ينقل عن مراجع أجنبية، ولم يكن يراعي التقاليد العلمية والأكاديمية في إسناد معلوماته، حتى أنّ البعض اتهمه بالسرقة، خصوصاً في موسوعته الضخمة الفريدة "تاريخ الفنون في العالم"، والتي تغطّي الفنون القديمة المصرية والعراقية والإغريقية والفارسية والتركية والرومانية والبيزنطية والإسلامية والمغولية والهندية، وفنون عصر النهضة والعصور الوسطى والعمارة الإسلامية. ولكن كيف يمكن لهذه المآخذ أن تطمس حجم الإنجازات الكبرى في ميادين عامة عديدة، بينها مثلاً: إطلاق القطاع العام في السينما المصرية، الذي ندين لسنواته الذهبية بعشرات الأعمال الخالدة؛ وإنقاذ آثار النوبة ومعبد أبو سمبل ومعبد فيله، عند إنشاء السدّ العالي؛ وإنشاء قصور الثقافة، ومتحف محمود مختار، ومتحف مراكب الشمس؛ وتأسيس فرقة الموسيقى العربية في دار الأوبرا المصرية، والفرقة القومية للفنون الشعبية، والسيرك القومي، وفرقة باليه أوبرا القاهرة؟ ومن نافل القول إنّ هذه جميعها لم تكن إنجازات مصرية محلية فحسب، بل اكتسبت على الفور طابعاً عربياً وإنسانياً. أمّا في المنجز الشخصي فإنّ تثمين أعماله ليس فيه زيادة لمستزيد: هي ثروة متكاملة ثرّة، من موسوعة الفنون الكونية، إلى ترجمات جبران خليل جبران و"مسخ الكائنات" و"فنّ الهوى"، وصولاً إلى "المعجم الموسوعي للمصطلحات الثقافية".
ونحن، غنيّ عن القول، لا نفتقد مثال ثروت عكاشة في صفوف وزراء الثقافة العرب المعاصرين فحسب، بل للأسف لا نبصر سوى نقيض الرجل، حيث عسكرتاريا الآداب واستخبارات الثقافة!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوزارة السورية الجديدة: رجال لا في العير ولا في النفير
- عن ملوك أمريكا
- لقاء البيانوني خدّام: طيران فوق عشّ الوقواق؟
- الدانمرك أم النظام العربي؟
- ما خلا فلسطين، ديمقراطيات -بلاد بوش- على قدم وساق
- فتّشْ عن الشعر
- العراق: فواتير ديمقراطية ال -بزنس- المضرّجة بالدولار
- ذاكرة -ربيع دمشق-: ما تزال البنية عصيّة على الإصلاح
- غوانتانامو في العام الخامس: وصمة عار أم عدالة أمريكية الطراز ...
- برابرة عيد الأضحى
- غياب شارون: مفاعيل مشهد عابر للحدود والأقاليم
- سورية في 2006: القادم أعظم... هذه السنة أيضاً
- ديمقراطية أمريكا المعاصرة: أين جورج أورويل من جورج بوش
- النابغة والجولان
- دمشق بعد ميليس 2 واغتيال تويني: خمس رسائل انتحار
- بلد سيزير وقانون ساركوزي
- اتفاقية سلام سورية إسرائيلية: المأزق عميق والمخرج عالق
- بيريس الأخير: هل تبقى سوى التلاشي في الهواء الطلق؟
- الصفيح والخيش
- سقط المتاع


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - ثروة ثروت عكاشة