أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر سالم - كافكا و جليل القيسي















المزيد.....

كافكا و جليل القيسي


حيدر سالم

الحوار المتمدن-العدد: 5684 - 2017 / 10 / 31 - 22:26
المحور: الادب والفن
    


كافكا و جليل القيسي

السرد بحر متلاطم ، كلما يزداد ولوج المرء فيه يصبح أصعب ، و تصبح الكلمات تمد لسانها هازءة و باصقة احيانا ، و لن تخجل ان تفتح راسك بضربة لا تقوم بعدها !
الكلمات عصية ، و تقاوم ، حتى و إن انتهيت من عمل و زججت به للنشر ، ستبقى الفجوات تلاحقك ، و كلمة ما ليست بمكانها ستأتيك لتعض اصبعك . اتذكر ان جاك دريدا قال انه يتمنى ان يكتب ادبا في حوار مترجم له نشر في مجلة افاق عربية !
ولكن الفكرة اين نختبرها ؟ نستكشفها ؟ في عالم يضج بالتقريرية و العادية ! هل ثمة فرق بين كاتب و آخر من حيث اختياراته / إقتناصاته ؟
حتما ستكشف الفكرة التي لاتنتمي لمادة هذا العالم ؛ عن نفسها بدون صعوبة و ستبدو بتوهجها الخاص بين هذا الركام من الظلال . سيكون الموضوع صعبا بدون مثال ولم اجد ماهو اكثر كمالا من " المسخ " !
في عالم عادي ، يعتاش الأعم من الكتاب على مواضيعه على مادته الموجودة تحت ايديهم ، تماما مثل النمل الذي يصادف في طريقه الطعام و يحمله الى ثقوبه . اما كافكا فهو حالة خاصة ، لانه لم يلتقط ماهو عادي و معاش ، و هذا يعود الى طبيعة نفسية و تكوين كافكا الذاتي ، و تلك الغربة التي تغرز انيابها بنظراته . أغلب القصص القصيرة و الروايات ترفدها التجربة التي يعيشها او يسمعها الكاتب و يسجلها بمهارة عالية و هذا ليس عيبا او نقيصة ، على العكس ، لان الحياة لاتجود بامثال كافكا كثيرا ، لا تزرع الحساسية و المشاعر الطافحة ، و القلب الخفاق كمدفع رشاش ؛ في صدر اي كان .
قد تبدو فكرة كافكا او جليل القيسي او غيرهما تحمل نواتها الواقعية الموجودة ، المكونات الحاضرة في الحياة نفسها ، الاشياء المستعملة ، و حتى طريقة العيش و ما تمليه الحاجات اليومية ، لكن " غريغور سامسا " الذي يقدم اليه الطعام و يعتنى به و له غرفته الخاصة ، لا يعدو كونه حشرة لا تندرج مع حياتهم البشرية الرتيبة ، ويبقى يطل عليهم من عينيه الحشرية و هم بدورهم ينظرون اليه من خلال أعينهم المختلفة ، هذه الهوة موجودة و تمثل قطيعة تامة ، على الرغم من الخيوط التي تنطلق محاولة ربط العالمين المنفصلين ، الملتصقين . هذه العلاقة تحمل نقائضها و تتكون من رحم تضاداتها ، تبدو في صراع اضدادها ، لكن صراعها الواقع هذا ؛ هو ملامحها الخاصة ، التقاسيم التي تحمل غضونها و نعومتها و اخاديدها الخاصة ، معتمة و مضيئة .
يجد كافكا نفسه محكوما عليه بتهمة يجهلها في " القضية " ، و لا يصحو من كابوس التهمة حتى يقع في رحلة طويلة الى " القصر " ، ومن جديد يجد نفسه يركض و يزحف و " يملخ " نفسه و لا يصل الى القصر المراد .
هذا الكافكا ، التركيبة الاكثر نضوجا التي جادت بها الحياة عن الغرباء ، هؤلاء الذين يطلون على الحياة من نافذة بعيدة و لا يكونون فيها الا في هيئة " مسخ " او " متهم " . ليست الغربة المنشودة هنا هي غربة لفكر ، بل هي غربة عن كل شيء ، رفض تام لكل هذه المعطيات المتواجدة في هذا العالم المكتظ . كتب البير كامي رواية " الغريب " وهي من أهم الاعمال السردية الفلسفية ، التي تتخذ الرواية طريقة لايصال الفكرة التي يريدها السارد / المفكر . و هكذا " الغثيان " لسارتر و " كائن لا تحتمل خفته " لكونديرا و " الطاعون " مرة اخرى لكامي ، تحمل هذه الروايات الغربة الفكرية المتصادمة مع الحضور الواقعي للعالم الملتبس و موقفهم منه ، لكن هذه الاعمال و غيرها حتى و ان حملت الغربة " الفكرية " هي في الظاهر مختلفة لكنها متجانسة مع هذا الواقع لانها جزء منه ، لكن المسخ هي حضور ضبابي لشخص لا ينتمي لهذا العالم ، بينما الاسماء المذكورة أعلاه يصارعون وجودهم لانهم ينتمون اليه ، أما كافكا فهو المرمي في فخ لا ينتمي اليه و لا ينظر اليه الا كحفرة ملعونة يرفضها .

و ليست هذه الغربة الكافكوية هي ذاتها كابوسية ادغار الان بو ! اعتقد ان قصة الغراب لا تنتمي الى تلك الغربة ، لكنها اقرب الى الغرائبية ، بينما قصتة " القلب الواشي " هي من تحمل هذه الغربة التي نحاول تلمسها مع كافكا . فتبوح لنا عين القاتل في قصة " القلب الواشي " عن حملها نفس الظلال التي تكفن خطوات صديقنا ( ك ) الماشي بدون وصول الى " القصر " .
ليست " المسخ " و حدها من بين كتابات كافكا تبقى هكذا بعيدا عن متناول الآخرين الذين يعتاشون على ما يصادفونه ، لكنها تتجلى بأغلب اعماله و لا اريد الجزم بكلها ، فهذه " القضية " و " القصر " و قصص قصيرة كثيرة مثل " المسافر " و " حكاية صغيرة " شواهد واضحة . إن الروايات او القصص القصيرة التي تقع بين ايدينا عظيمة وليست سهلة ابدا ، لنأخذ " آنا كارنينا " هذه الرواية الخالدة ستعيش طويلا ، لقد جسدها تولستوي افضل ما يمكن حتى اذا اردنا أن نحذف فقرة منها سيبدو الثلم واضحا ، و هذه الدقة لا تخرج الا من رسام تفيض يديه بالدقة و الجمال مثل تولستوي ، لكن الفكرة نفسها موجودة في حقل الحياة ، و اي فلاح يستطيع جنيها ، ستبقى دقة العمل ، دقة اللوحة مرهونة باصابع و روح الرسام . لكن " المسخ " ستبقى مكانا لا يخترقه العابرون ، يدخلونه لكنهم لا يتواجدون فيه ، يبقون خارجه ، إنها منطقة لا تدخلها لمجرد إنك تخطو فيها ، و حتى كافكا او اقرانه من الغرباء او ما يحلو لي تسميتهم " الكارثيين " ؛ سيبقون ضيوفا على هذه المواضيع التي تبدو فوتوغرافية ، حيث تصطاد الطريدة التي امامها ، تقتنص المشهد ، و هذا ليس ثلما او عيبا ، لكنه عاديا ، لذلك نرى كيف تغدو وجوههم واجمة تعيسة حين نذكر اسم كافكا او جليل القيسي ، و هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر .

أود التعريج على والدنا جليل القيسي . قصة جليل القيسي منفردة و تلعب في ساحتها الخاصة لوحدها بعيدا عن التاثيرات الخارجية ، فهو و إن كان داخل " مملكة الانعكاسات الضوئية " فإن هذه الاضواء مفلترة و تدخل صافية لتغفو بين اصابعه الفريدة . و هكذا مع آخرين تفردت قصصهم حتى وان وقع هؤلاء بالتقريرية لكنهم انتجوا قصصا تبقى متعذرة عن الاخرين ، عن فوتغرافية القصص السائدة ، ومثال على هذا مجموعة جمعة اللامي " اليشن " ، وبعض القصص لاخرين هنا و هناك . يبقى جليل القيسي يصول ويجول في القصة القصيرة العراقية ، يلعب بمفرده في ساحته و كلنا نحل ضيوفا عليه ، ننجح مرة و نخفق مرات ، فليس الجميع لديهم تلك النظرة التي تتفرس بالحياة كسكينة تخترق عظامها و تنخرها و ترفضها تماما ، بل ان الاغلب يرسمون واقعهم و يلتقطون له الصور شديدة الوضوح و الجمال و يحركون بعض الاشياء فيه ليبدون اكثر حرفية و موهبة ، و ينمقون ادواتهم و يعمقونها ، لكنهم لن يكتبوا كمطرودين من هذه الحياة الى الابد مثل جليلنا الفريد . ورغم اننا قد نذهب مع جليل القيسي الى اماكن واقعية قد يصادفها اي شخص لكننا نرافقه بخطواته التي تحل كضيف خفيف و لا تنتمي الى هذه الامكنة التي تدخلها ، بل تكون زائرة . بل إننا نبحر معه في " جروشنكا " و " صورة نادرة لفرانتس كافكا " داخل عوالم لا يعرفونها الكتاب البقية .
ستبقى ملامح الكتاب ، و حتى ملامح قصصهم الفوتغرافية ، ستبقى واجمة و حتى مرعوبة ، رغم ابداعاتهم ، لكنهم يعرفون الفرق او يشعرون به على اقل تقدير ، عندما يسمعون اسم كافكا و جليل القيسي وغيرهم !



#حيدر_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهرجان الغايات و الوسائل
- عن جدي و الشهد و الدموع
- عجين مريدي - قصة قصيرة
- عن سوق مريدي - مقال
- عن سوق مريدي ( 2 ) - مقال
- جدار الاوراق _ قصة قصيرة


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر سالم - كافكا و جليل القيسي