أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم مشارة - مرافئ الذاكرة/ غيبة الحامدي














المزيد.....

مرافئ الذاكرة/ غيبة الحامدي


إبراهيم مشارة

الحوار المتمدن-العدد: 5682 - 2017 / 10 / 28 - 12:47
المحور: الادب والفن
    


من يذكر الحامدي الأخ الشقيق للعربي ولد صالحة؟
لقد اختفى فجأة ذات يوم دون أثر، دون قهوة وداع يحتسيها مع ناس السويقة، ومن ذلك اليوم لم يظهر له أثر إلى اليوم. فضل الغياب ،توارى كما تتوارى الأشياء وهي تحس بثقلها على الزمان والمكان فتسحتي أن تتوسل إليهما، الكرامة خصيصة ليست إنسانية فقط لكنها مبذولة حتى لأبسط خلق الله هناك من الفقراء من لا تشتريهم لا بمال ولا بالدنيا برمتها. وهناك من يبيع عرضه دينه لأجل منصب، دنيا لم يحسن في يوم من الأيام فهممها إلا كما تفهمها البهيمة ، لكن الحامدي أو محمد وهو اسمه كان صاحب كرامة حين ضاقت به الدنيا ألقاها وراء ظهره ومضى تاركا أسئلة بلا أجوبة!
عاش معنا في السويقة في السبيعينبات هو أخو العربي راعي القرية يتشاركان أحيانا الرعي ويأويان إلى كوخهما على ربوة حيث يربض مقابلا البيوت الأخرى، في المساء حين عودة القطيع يكون بيت من البيوت قد أرسل إليهما بالعشاء ،إذا أدلج الليل أخذ العربي قصبته وأرسل صوته الحزين من الناي في حضور الحمام والماعز الذي يبيت في مراح البيت.
كانت أمي كلما سمعت صوت الناي الحزين تقول كلمتها المأثورة:
- اسكتوا العربي يغشبط :أي يعزف
تميز الحامدي بقوام متوسط بشرة سمراء ، شعر أسود مع قليل من الصلع ،أنف أفطس عينان دعجاون، صحة ظاهرة ، مع تكرش قليل من قلة النشاط ، تزوج إحدى قريباتي لكن الفقر وقلة الاكتراث حد البلادة دفعه إلى فك عرى الرابطة الزوجية أو أجبر على فكها ، متانة بنيانه لم يواكبها نمو ذهني مكافئ لها فالاستعمار ثم الفقر والأمية ثالوث رهيب فتك بالروح بالجسم معا وأخيرا اليتم من الجهتين يجعل الفرد علامة استفهام في الحياة بلا جواب.
كان يرتدي هنداما يوحي بسالف عزه وكأنه يقول: ارحموا عزيز قوم ذل ،هو ربما هندام زفافه جاكتة رثة وسروال أرث ر بطه حوله بخيط به خرق حين يذهب العربي إلى الرعي يبقى الحامدي قرب البيت يقرفص يغفي ثم ينام مقرفصا نمر عليه يجذبه أحدنا من شعره يزجره آخر، نتأمل الكائنات الدقيقة في شعره يستيقظ يقوم إلينا متثاقلا ملوحا بقبضة يده المضمومة ويقول كلمته الخالدة :
- اللي ضحك مع والديه بكى
نجري في الزقاق نتضاحك نعود إليه يهددنا تهديد مغلوب لم ينتصر ثم نهرول حتى يأتي أحد الكبار لينهرنا ويطردنا من حوله.
أتعبناه ، وأتعبته الدنيا التي لم يفهمها وضاقت به واتسعت للكثيرين ، مرة التقيناه كان جائعا أحيانا يأكل الحشائش هذه المرة كان يسف التراب مع أن بيوت السويقة لا تقصر في إرسال الطعام وكذا أقاربه ولكن هذه دنيا طويلة وأيام مديدة وحاجات نفس ملحة والدنيا مقترة شحيحة تعسر على الكثيرين.
غاب الحامدي ذات يوم حمل نفسه وقرر الرحيل إلى وجهة مجهولة وتساءل أهل البلدة :
أين ذهب ؟ وربما بحثوا عنه وظل الأمل قائما بعودته لكنه لم يعد ولن يعود حتى بخفي حنين.
كنا كلما سألنا العربي أخاه:
- أين الحامدي ؟
- كان يقول كلمة واحدة لا مبدل لها: محمد راح رفد روحه (أخذ بعضه ومشى) !
على الرغم من الفقر الشديد لبعض الأسر والحاجة البادية وانعدام وسائل الترفيه وانعدام الكهرباء إلا أن أزقة السويقة عرفت مسرة خالصة وهناءة لذيذة ومرحا لا نظير له عند شيوخها وعجائزها وشبابها وشاباتها ترى ذلك عيانا كل مساء حين يعود أحدهم من الحقل بالغلات فلا يهدأ له بال حتى يرسل إلى الجيران من الغلة والثمار فإذا جاء الليل ترى الصبيان يحملون الأواني مملوءة طعاما يذهبون بها إلى بيوت أخرى ، أما إذا ادلهم الليل تحولت بعض البيوت إلى صالونات نسائية تتحدث فيها النساء في مسائل الحياة بحضور أولادهن وبناتهن الصغار ولا تخلو تلك الصالونات من غناء وفكاهة وتبسط ونمائم نسوية.
أما الشيوخ فبعد العشاء يلتفون في برانسهم ويجتمعون في بطحاء الحي بعد العشاء يتسامرون ،في الدين والسياسة والتاريخ و تاريخ الثورة والفكاهة يلف أحدهم سيجارة في الورق يشعلها ويتبسط في الحديث منتشيا بينما يأخذ الآخر علبة السعوط يبعث بقليل إلى أنفه يعطس يحمد الله يشمته الآخر وتمضي الحكايا على ضوء القمر وبهجة الخاطر.
مازال العربي يغشبط والحامدي مغف والحمام يهدل في مراحه والماعز يثغو و وصرصرة الصراصير في الخارج وبيوت السويقة المنثورة في حضن زمورة تمتلئ مسرة وضحكا وحكايا غير مبالية بتصاريف الزمن وشدائد الأيام.
وظل الحامدي سرة الحكايا شكل غيابه معضلة المسائل وعودته الأمر المستحيل.
** كان الحامدي به شبه من بورتريه بول سيزان بلا لحية مع تعديل طفيف.
https://www.facebook.com/brahim.mechara1



#إبراهيم_مشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أجل ثقافة قومية إيجابية
- الناي والأحزان
- صوت أبي العلاء الاشتراكي
- عشر قصص قصيرة جدا
- الشريحة
- الكاتب الجيد يصنعه قارئ جيد وناقد جيد
- أي شيئ في العيد أهديكم؟
- كائنات الليل
- مذاق الكرز في فمي
- الكتابة بلون اللازورد:
- دز جوكر وأزمة النخبة في الجزائر
- مبارك جلواح رائد الشعر الرومانسي في الجزائر
- ياليلة العيد آنستينا
- الدين في خدمة الاستعمار قصة نشأة مسجد باريس
- عبق الإباء من قمم جرجرة زيارة لضريح الزعيم حسين آيت احمد
- جمهورية مونمارتر
- عام في صحبة الدكتور علي شريعتي
- حكايات الميترو
- رسالة إلى أسير فلسطيني مروان البرغوثي مانديلا العرب
- دالية الحنين،عنقود الوفاء كأس العودة


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم مشارة - مرافئ الذاكرة/ غيبة الحامدي