أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرة أخرى 50














المزيد.....

سيرة أخرى 50


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5680 - 2017 / 10 / 26 - 09:11
المحور: الادب والفن
    


1
عند ساحة الميسات في مدخل حي الأكراد الدمشقي، يبدو ضريح أحد الأمراء الأيوبيين وربما أن القبة انهارت بفعل زلزال أو غزو. في وسط الساحة، تظهر قبة أخرى وهيَ تضم رفات " ستي حفيظة " كما يلقبها الناس. فيما أن مصادر التاريخ، من ناحيتها، تفيدنا أن المقام يخص الشاعرة الصوفية عائشة الباعونية ( عاشت في أواخر العهد المملوكي ). ولأنها كانت حافظة للقرآن، فإن الناس عرفوها بذلك اللقب.
هذا المكان، الذي كان بساتينَ غناء، يعتبر حدّ الحارة الأيوبية مع الغوطة الشرقية. عبر الدرب الترابي العتيق، كان آباؤنا غالباً يمضون مشياً إلى أشغالهم في باب شرقي وكيوان، فيما النسوة كن يستعملن الكرّوسة المشدودة على الخيل وهن في طريقهن للتسوق بالمدينة القديمة. في طفولتي، كان شارع ابن النفيس يشق هذه البقعة الخصيبة وقد ذخر بالحافلات الكبيرة والسيارات. إلا أننا كنا نحبذ سلك الدرب العتيق، المسوّر كلا جانبيه بحائط طينيّ تظلله أشجار الجوز العملاقة. وكم كنا نبتهج بإزعاج السحالي والحرادين وهم في مخابئهم داخل تجاويف وثقوب الجدارين. آنذاك، كنا معتادين على الهروب من المدرسة لقضاء أوقات سعيدة بعيداً عن جدرانها الإسمنتية الصماء، الأشبه بأسوار السجون.

2
التنور، كان أحد عناوين طفولتنا ويرتبط لدينا بذكريات لا تنسى. كان يقع إلى اليمين من مدخل زقاقنا، عند جادة أسد الدين. " أبو حاتم "، كان هو من يتعهّد بيت النار، وأيضاً بيع الخبز المشروح الشهيّ. عُرف الرجل بالطبع المرح مع الزبائن والجيران، أما داخل منزله فكان على خلاف ذلك. أولاده، وكانوا أصدقاءنا، أُجبروا على العمل مع أبيهم ودونما أجر.
بين عمال الفرن، كان هناك ولد في مثل عمرنا، أصله من حوران. كنت محتفظاً في ذهني بصورة مزعومة لليهوديّ، موجودة كرسم في أحد كتب الإبتدائي. ولأن ذلك الولد الغريب كانت هيئته رثة، فإن تفكيري الأخرق أوحى لي بأنه يهوديّ. ذات صباح، وكان الولد آتٍ من حارته العليا، قمنا باعتراضه واستفزازه. على الرغم من كثرتنا، فإنه بدا غير هيّاب؛ مما فاقمَ من غيظنا. إلا أنني لم ألبث أن شعرتُ بالشفقة نحوه، ونوعاً من تأنيب الضمير. فلما أرتفع صوت نشيجه، وهو يتلقى الضربَ، تقدمتُ وحُلت بينه وبين المعتدين. منذئذٍ، صار هذا الولد المسكين ينظر إليّ كصديق ( لم يعلم بأنني كنتُ المحرّض! ) في كل مرةٍ يمر منها عبرَ الزقاق أو حينما يراني أشتري الخبز من الفرن.

3
" بيت شريفة "؛ كان من أكبر بيوت الزقاق، تشغل معظم مساحته حديقة رائعة تُشعركَ كأنك في أحد منتزهات وادي بردى. حفيد صاحبة البيت، كان بعُمر شقيقي الكبير وكان يحظى بدلالها ورعايتها حتى أنها لقّبته " غندور ". إلا أن المنزل ما لبث أن بيعَ إلى مالكين غريبين على أثر تقسيمه. الطريف، أنني حينما كنت ألتقي صديقنا القديم مصادفةً، أعتدتُ على تحيته بلقبه معتقداً أنه اسمه. كان عندئذٍ يقاوم ضحكته، ولا يلبث أن يسألني عن أخبار أخي الكبير.
أحد مالكَيْ ذلك المنزل، أستحوذَ على حديقته الكبيرة. كان رجلاً عجوزاً، متقاعداً من الدرك وعرفنا أنه من أبطال ثورة مدينة قطنا أيام الفرنسيين. وبما أن امرأته لم تكن تنجب، فقد عمَدَ إلى تبني ابن أحد أخوانه. " معتز " هذا، كان أكبر منا قليلاً، يتميّز ببنيته المتينة كأكثر أبناء الريف الدمشقي. سرعان ما غدا صديقنا الأثير، وكنا نقضي أوقاتٍ ممتعة في حديقة منزله. بعد وفاة العم العجوز، باعت أرملته البيت لعائلة صالحانية ثم عادت إلى مسقط رأسها. لم أعد ألتقي " معتز " لبضعة أعوام، إلى أن استأجر شقيقه الكبير منزل عمي. عند ذلك، لم يعد صديقنا يفارق الزقاق. إلى أن كان يوماً، شهدنا فيه مداهمة الشرطة العسكرية للمنزل بغية القبض على صديقنا، لنعرف أنه كان طوال تلك الفترة فاراً من الجيش.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسؤولية الرئيس بارزاني
- تركيا؛ دولة غاصبة
- سيرة أخرى 49
- الإرهابيون؛ من تنظيمات إلى دول
- تشي غيفارا؛ الملاك المسلّح
- سيرَة أُخرى 48
- الفردوسُ الخلفيّ: الخاتمة
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الغين 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الغين 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الغين
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الظاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الظاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الظاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الضاد 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الضاد 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الضاد
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 3


المزيد.....




- الفنانة يسرا: فرحانة إني عملت -شقو- ودوري مليان شر (فيديو)
- حوار قديم مع الراحل صلاح السعدني يكشف عن حبه لرئيس مصري ساب ...
- تجربة الروائي الراحل إلياس فركوح.. السرد والسيرة والانعتاق م ...
- قصة علم النَّحو.. نشأته وأعلامه ومدارسه وتطوّره
- قريبه يكشف.. كيف دخل صلاح السعدني عالم التمثيل؟
- بالأرقام.. 4 أفلام مصرية تنافس من حيث الإيرادات في موسم عيد ...
- الموسيقى الحزينة قد تفيد صحتك.. ألبوم تايلور سويفت الجديد مث ...
- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرة أخرى 50