أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - التدين والعفة والعقيدة النقية السمحاء في نصوص للشاعر د. / محمود حسن/ دراسة نقدية براغماتية لديوان ( سفر التوسل) بقلم الناقدة والباحثة البراغماتيكية السورية د./ عبير خالد يحيي















المزيد.....



التدين والعفة والعقيدة النقية السمحاء في نصوص للشاعر د. / محمود حسن/ دراسة نقدية براغماتية لديوان ( سفر التوسل) بقلم الناقدة والباحثة البراغماتيكية السورية د./ عبير خالد يحيي


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 5676 - 2017 / 10 / 22 - 09:20
المحور: الادب والفن
    


التديّن والعفة, والعقيدة النقية السمحاء
في نصوص للشاعر المصري د./ محمود حسن
دراسة نقدية براغماتية لديوان ( سفر التوسّل )
يقلم: الناقدة والباحثة البراغماتيكية السورية د./ عبير خالد يحيي
أولا- المقدمة :
لأشدّ ما تمنيت أن ألتقي يوماً بشاعر تكون المرأة عنده حِمىً وحرماً لا يجوز المساس به, وأصغي السمع استغراقاً، وأسبل الجوارح بسكون، في حضرة بهاء القصيدة.. ولأن الله ذو الجود والكرم، ولأنني سعيدة الحظ، جاء تدبير الله المانح أن أعرف الشاعرالمصري الفذ الدكتور محمود الحسن، لألتقي فيه ذاك الشاعر الحلم، أكثر ما لفت انتباهي أنه – كشخص - كان يقطر شعراً...! كان يمشي معنا بعد انتهاء أمسية، نذهب لنحتفل احتفالاً صغيراً، فإذا بالقصيدة تنطلق من فمه صدّاحة، تعانقها أسماعنا بكل شغف وحيطة، مخافة أن تأخذ نسمة عابرة بعض حروفها وتهرب بالغنيمة، وكيف نساومها على ما اقتنصت...؟!
• السيرة الذاتية
محمود حسن عبد التواب
رئيس مجلس أمناء مؤسسة الكرمة للتنمية الثقافية والاجتماعية.
عضو اتحاد كتاب مصر
صاحب فكرة اتحاد صالونات مصر والعرب
معد سابق بإذاعة الشمس التى تبث من باريس فرنسا
عضو جمعية الأدباء
عضو أتليه القاهرة
عضو فى العديد من المؤسسات والجمعيات الأهلية والثقافية
....................
• مساميره على حائط المعرفة الإنسانية
1. ديوان شعر سِفرُ التَّوسل
2. فضيلة أبي مائة عام من العطاء ( سيرة ذاتية ) .
تحت الطبع:
1. ديوان شعر ( جَنائزُ الوقت )
2. ديوان شعر ( ثمرٌ على شجر اليتامى )
يجهز للنشر:
❖ الموت رقصاً مسرحية شعرية
❖ عبثاً حاول غاندي مسرحية شعرية
❖ مؤمنون وكافرون ( دراسة بحث عن الوسطية ) .
حائز على مجموعة من الجوائز.
نشرت له أعمال فى كثير من الصحف المصرية والعربية.
شارك فى مهرجانات وفعاليات فى عدة دول منها في
فرنسا - السعودية - الأردن – المغرب - تونس - الإمارات
وجميع محافظات ومدن جمهورية مصر العربية .
دُرست بعض من أعماله بكلية التربية جامعة دمياط .
تناول مجموعة من الكتاب الكبار أعماله بالنقد والتحليل أمثال :
الدكتور / شريف الجيار
الدكتور / عبد الحكم العلامى
الدكتور / السيد العيسوى
الشاعر والناقد والإذاعى / السيد حسن
الشاعر والناقد / أحمد إسماعيل
الكاتب والناقد المغربى / محمد محقق
الشاعر والناقد / أحمد الخويلدى
وغيرهم .

- توطئة :
لقد تم اعتمادي كناقدة براغماتية وباحثة أدبية في اتحاد النقاد العرب، كوني أتّبع النظرية الذرائعية ( البراغماتية)، الموضوعة من قبل المنظّر الأدبي العراقي الأستاذ عبد الرزاق عوده الغالبي، وبناءً على ذلك سأنقد الديوان براغماتياً، وأبدأ من:
ثانياُ - البؤرة الأساسية الثابتة Static Core :
من صفات النص الرصين احتوائه على استاتيكية وديناميكية التنصيص (texualization motion) في الأفكار والأيديولوجيات الإنسانية، وحتى في الشكل البصري، والبؤرة الثابتة هذه، نلمس بها أيديولوجية الكاتب الأدبية والفكرية، ونظرته نحو مجتمعه، وهي الرسالة الإنسانية التي يتميز بها الكتاب، وخصوصاً الأدباء والشعراء الكبار، وهي بؤرة لا يمكن التلاعب فيها نقدياً أبداً، لأنها هوية الكاتب أو الشاعر التي لا يمكن بحال من الأحوال أن ننقدها، فهي ملتصقة به كبصمته، فهناك من يكتب للفقراء، وهناك من يلاحق الظلم, ... وهكذا ...إن البؤرة الثابتة عند الشاعر الفذ محمود حسن هي رسالة استاتيكية مجتمعية تنبذ الإرهاب والطائفية، وتدعو إلى الانتفاض على الجهل و التخلف، ونشر الوعي والمؤاخاة بين كل الطوائف والملل بهدف النهوض بالوطن بنهضة تجديدية حضارية في كل المجالات ...
من هذه البؤرة العنوان أنطلق إلى كشف مخبوءات النصوص، من خلال الدلالات السيميائية والبراغماتية الرمزية، وتفصيلات أخرى مؤجلة، وهي المتاحة لي كناقدة أن أناقش فيها، وأتفق أو أختلف فيها مع الشاعر ومع غيره من النقاد، وهي المحطة التالية ونسميها :
ثالثاً – الاحتمالات المتحركة في النصوص شكلاُ ومضموناً Dynamic Possibilities, :
بالمختصر هي ملاحقة مجريات النص الداخلية والخارجية بالتحليل، ملاحقة حلقات الأفكار المتصلة فيما بينها شكلاً ومضموناً، ومحاولة الجري خلف الدلالات والرموز والمدلولات والمفاهيم سيمانتيكياُ وبراغماتيكياً، حد الغوص في أعماق النصوص لإخراج الدرر المخبوءة في محارات وصناديق الكنوز المستقرة في قيعان عميقة، وهي عملية ليست سهلة، وتستدعي من الناقد امتلاك أدوات صيد متطورة، ودراية وحرفنة في حسن استخدامها، لكن سعادة الناقد بالحصيلة الوافرة لا توصف، تجعله ينسى المشقة والتعب...
وقد وجدت في أعماق عاطفة وفكر الشاعر الفذ محمود حسن الكثير الكثير، ويحق لي – كناقدة- أن أكشفها كما اصطدتها.. هو شاعر تسامى بعاطفته, عشق المرأة بتكوينها العاطفي أكثر مما عشقها بتكوينها الجسدي المحسوس، ارتقى بها كشاعر حتى جعل القصيدة سيدة، وعندما عشقها واصطفاها لنفسه، جعلها مقاربة بل – مساوية - وأحياناً –متجاوزة- لكل معايير الطهر والعفة والجمال، وكأن الله لم يخلق لها شبيهاً أبداً، أسبغ عليها كل معاني البهاء والتكامل والخفر، وأجرى على ذكرها المعجزات, شبيهة كل سيدات الجنة هي...!!
سأستشهد من قصيدة سفر التوسّل ببعض الأبيات:
إني امتلكتك روحاً لا أجسّدها
مهما يتوق عناق الورد لم تزلي
ويقول
يا أنتِ يا امرأةً لا شيء يشبهها
آلله ..أودعك ِ الأسماءَ في الأزلِ
أقسمتُ ما عبرت أنثى بذاكرتي
وأنتِ وحدكِ حرف الله في الأجل
إلى قوله :
حتى توضّأتُ من عينيكِ مسبغةً
علَّمتِني لغةَ الأشواق بالخجل
وأيضا يقول :
حتى إذا ظهرت رؤياكِ في خَلَدي
تفجّر الماء مكّيّاً من الجبلِ
هو شاعر متديّن عفيف في عشقه، وهنا اختلف مع نزار قباني الذي تناصّ معه في الكثير من القصائد، اتفق معه في عظيم عشقه للمرأة، وخالفه بأن سترها وعفّ عن الوصف الحسي المجسّد ...
وعلى الطرف المقابل، عندما وقفت على القصائد التي يتكلّم فيها فكره الوقّاد, وجدته متديّن معتدل، يكره التطرّف، ويزعجه الخطاب الديني الذي يزكّي التعصب ويثير الفتن، إن من يراه هنا قد يظنه يدعو لمجتمع مدني مشاع، لكنه ليس كذلك أبداً .. بل يدعو إلى اتباع السماحة والشمولية في الدين الإسلامي الحنيف، الذي عاش في كنفه المجتمعي كل أتباع الديانات الأخرى، بمؤاخاة ومؤازرة، كان فيه المسيحي أخاً وجاراً، له كل حقوق الأخوة والجيرة...
إن الشاعر الفذ محمود حسن يتكئ على جدار أدبي وثقافي وديني قوي البنية، مقامٍ على أساس متين من الألفاظ والمفردات القوية، والتراكيب الجزلة، التي قام الشاعر بتنضيدها بذكاء وفطنة، أشار فقط ولم يصرّح بتسميات، بل ترك للمتلقي أن يلتقط إشاراته، فإن فعل أدرك المقصود، وإن كان هدف الشاعر بالأساس التنديد بتجاوزات، لا بعقيدة، التناص القرآني والاقتباس اللفظي والمعنوي من القرآن والسنة يعكس ذلك ...
سأكتفي بعرض صيدي هذا، و أترك الباقي لغيري أن يحاول إخراج المزيد، ولغيري أن يتفق معي أو يختلف، لا فرق المهم أنني استخرجت الاحتمالات الرسالية التي كانت كافية لي لأن أضع الديوان نقدياً في قائمة الفائدة الإنسانية... وسأمرّ على محطات هذا التحرك العفيف البديع محطة بعد أخرى :
أ - المدخل البصري :
وهو تجاذب وانجذاب سحري يحمله النص بجنسه الأدبي الظاهر، وشكله الأنيق فالجنس الأدبي في النص العربي مختلف تماماً عن الجنس في اللغات الأخرى، شكلاً وصورة، وله صور مختلفة عن جميع نصوص اللغات الأخرىSpecial graph، فلو أخذنا شكلاً بصرياً من كل جنس، من النصوص العربية لوجدنا أنه يلبس أردية مختلفة عن الجنس الآخر يتميز به، فالمقامة مسجوعة، والقريض معمّد بعمود أو عمودين، شطر وعجز، يشكل بمستطيل منتظم في الأبعاد أو مستطيلين، وتقف عند كل نهاية لشطر، حرف واحد يقر القافية للنص، أما الحر، فهو عمود يضيق ويتسع، وتخلله جمل بانتظام توافقي لا كسر فيه، تحكمه انسيابية موسيقية ممكن مشاهدتها بصرياً، من خلال توافق المفردات، التي اختيرت بشكل دقيق محترف، أما الشكل البصري في القصة القصيرة أو الرواية يظهر جلياً بتنظيم الأسطر في الصفحة الواحدة بشكل فقرات، تحكم بأدوات تنقيط ( ) من فوارز ونقاط وعلامات استفهام وتعجب ونقاط وأدوات حصر و فوارز، ومسافات متساوية بين الأسطر وفراغ معقول بين فقرة وأخرى، أما الخاطرة فتكون شبيهة للشعر الحر بصرياً، مع اختلاف في التوافق الموسيقي بين الكلمات، فهي لا تحوي على توافق موسيقي في جملها، ولا تحتوي على حبكة هيكلية فيها، حتى لا تختلط مع القص القصير وتبتعد عن النص النثري، فهي جنس بيني ...
إذاً، يمتلك الجنس الأدبي العربي، أهمية كبيرة في الرصد الحسي أو البصري وهو عامل مهم للناقد والأديب والمتلقي البسيط على حد سواء، فإذا أهمل شكل النص البصري، خلع أردية الأناقة البصرية وصار شكلاً عادياً لا ينتمي لجنس، أي فقد هويته الأدبية وصار هجيناً، وفقد انسيابيته ودخل حيز الإهمال في القراءة، حين يختلط عند القارئ، التسلسل في البناء الفني للمعنى والأفكار، وتضيع لديه مطاردة الإخبار الأدبي والفكري و الجمالي في النص، وخصوصاً في الشعر الحر والقص، حين يُكتب النوعان بشكل واحد، تختلط فيه عملية التمييز والصفة الأدبية للنص على المتلقي ....وشاعرنا الدكتور محمود حسن التزم بالشكل التجنيسي الأدبي بشكل راق ومثير للاعجاب، واهتم بشكل القصيدة العام، وبأصغر تفاصيلها من نقطة وفارزة وعلامة تعجب واستفهام.....
- البناء الفني والجمالي
امتاز هذا الشاعر الإنساني بكتابة السيناريو والحبك الشعري في قصيدته، وقد شدني هذا النوع من الشعر، فحين تقرأ أية قصيدة للدكتور محمود حسن، تشعر أنها نص شعرى محبوكٌ كتب بطريق القص الأدبي بعنوان وإخبار تقريري، من مكان وزمان وحبكة، وصراع درامي وذروة أو عقدة ثم انفراجاً ونهاية، وقد تناول بقصائده السردية تلك، قصص وحكايات ....
يرتبط النقد والأدب بعلاقة تداخلية عميقة بين الأجناس الأدبية، لا يمكن الفصل بينهما أبداً، فهي علاقة أبوية، النقد فيها هو الأب الروحي للأدب، إن تمّ فرط هذه العلاقة ينفلت الأدب، ويمضي بفوضى عارمة، لن تكون خلّاقة حتماً، فالنقد هو الحاني الذي يضع الأنظمة والقوانين والمصطلحات التي تجعل طريق الأدب منتظماً سالكاً بسهولة ويسر، و الأدب هو فن معقد، يستلزم أدوات يجب أن تتوفر بين أيدي الأدباء من كتاب وشعراء، و الشعر تحديداً أكثر تعقيداً من باقي أجناس الأدب، كون الشعر من أهم الأجناس الأدبية وأكثرها انتشاراً، ولا يقتصر فيها النقد على المبنى والمعنى، وإنما يتعداه إلى دراسة الموسيقا واستنطاق الدلالات والمفاهيم للحصول على المعاني المؤجلة، التي تمتد إلى ما لا نهاية بالعمق الأدبي لهذا الشاعر الفذ، فالتحليل، هو سفر براغماتيكي في سفينة المعاني، مع شاعر ساقها بسوط التمكن الشعري، فجعل من القصيدة سفينة للسفر بالخيال والموعظة، فتفرد الشاعر محمود حسن في هذا المفصل الفني البنائي الأدبي عن باقي الأجناس الأدبية.
وعزفت هنا أن أورد أمثلة، لأن جميع قصائده تعتمد الحبك الفني دون استثناء....
- - الموسيقى الشعرية :
إن أول ما يسترعي الناقد أو المتلقي المهتم، عندما يعرض له ديوان شعر أو قصيدة, هو المشهد الموسيقي للقصيدة ونعني به الوزن و القافية او التفعيلة, والذي تحمله الجمل الشعرية في القصيدة وطريقة انتظامها بأعمدة وتنسيقات بصرية, الألفاظ وملاءمتها للسياقات الشعرية, وعدد القصائد في هذا الديوان ثلاث عشرة قصيدة تقريباً, معظمها قصائد طويلة, وقد انتمت إلى جنس الشعر القريض بالمجمل, خلا بعض القصائد التي انضوت تحت خيمة قصيدة التفعيلة كقصيدة ( أحتاج إلى لغة أخرى ).
بدأ الديوان بصاحبة العنوان ( سفر التوسّل)، التي جاءت شعراً خليلية الوزن، حقّق فيها الشاعر موسيقا خارجية بالقافية :
فيض من النّهر أم ماءٌ على الجبل
لا عاصمَ اليومَ من حرفينِ في الجُملِ
لا زُرقة البحر في عينيكِ تأخُذُني
ولا يداكِ هُمَا أو رَجفَةُ القُبَلِ
قصيدة ( أحتاج إلى لغة أخرى) جاءت قصيدة تفعيلية، وهنا كانت رائحة نزار قباني
عابقة جداً، ربما لأن شاعرنا يجلّ المرأة بنفس طريقة نزار قباني، ترق ألفاظه عندما يتحدّث عنها، وتهدأ موسيقاه، وتأتيه الطبيعة طائعة، لتشارك في رسم لوحته العاشقة، رومانسية آسرة،و يتكرر فيها لفظ ( يا امرأة) كلازمة في أغنية، الموسيقا الداخلية مسموعة لا تخطئها الأذن، حققها اختيار الشاعر لكلماته، تلك الكلمات المتجاذبة الحروف السهلة النطق .. ( لغة، أخرى، شعراً، زهراً، امرأة النهر، فل، عنبر ....) , موسيقاها بكلماتها الرقيقة، وحروفها اللينة الرهيفة ... ( اللام , الراء , الهاء , تنوين الفتحة ,والألف المقصورة , ....) وكأن الشاعر هنا درس التوافق الفونولوجي بين الحروف والأصوات، وركب مفرداته بتوافق صوتي موسيقي وتلك صفة لا تتأتّى عند الأديب، إلّا من خبرة ودراسة معمقة في علم الصوت واللغة، جذر كلماته نحو الصوت (sound)، ثم عاد و حولّها من صوت ميت إلى آخر متحرك، وبحيوية فنولوجية عالية (phoneme) لكون علم الصوت لا تجتمع عنده الاصوات، إلا إذا صارت فونيمات(morphemes)، حتى تتبني الكلمات ذات معنى، ومن تلك المورفيمات تولد الكلمات(words)، و تقذف تلك الكلمات في تيار اللغة بشكليها السيمانتيكي البراغماتيكي بمعانيه المؤجلة (prospective meanings) والثابتة، وهكذا أبحر شاعرنا في عالم الفونولوجيا و المفردات، ليبني موسيقياً جملته الشعرية، بخلق التوافق الفونولوجي بين الحرف والصوت و المفردة الشعرية الدافقة....أبحروا معي في سفن سحره الموسيقي :
أحتاجُ إلى لغةٍ أخرى
أحتاج لكي أعبُرَ هذا النهرَ
لمُفرَدَةٍ أخرى
أحتاجُ لكي أكتبَ شعراً
أن أنظرَ في عينيكِ
لا أدري كيف أتيتِ
أو من أي رحيقِ الزهرِ خُلِقتِ
لكني أعلمُ أنّكِ وحدكِ أنتِ
يا امرأةً لا يُمكنُ أن تُخلقَ ...
... إلّا مره
لا تتكرّر
يا امرأةً لا يمكن إلّا أن ..
أعشقها
يا زهرة أُركيدٍ
يا نسمة فُلٍّ أو عنبر
يا سندسَتي و زبردَجتي
يا كلَّ الشعر العربى وكلَّ الشعرِ المتحورْ
بدا الشاعر وكأنه يقفز قفزات يلاحق بها الصور والمعاني، في محاولة حثيثة لالتقاطها وتوظيفها في معانيه و صوره الشعرية، لذلك لم يكن هادئاً أبداً، ولم يجعلنا نهدأ، وإنما وثبنا معه وهو يلتقط ألفاظه ومفرداته، ويلقيها في القصيدة من وراء جدار النص، كما أنه نزح إلى الخيال، وهنا كان نجاحه في إكساب النص أبعاداً رمزية، تلاعب بالمفردات فأعطاها عمقاً دلالياً رمزياً، استخدم علم البديع في تجميل المعاني كالطباق، كما اعتمد الترادف و الجناس في تأمين نغمة موسيقية جميلة نابعة من التشابه في اللفظ والاختلاف في المعنى، فكان موسيقياً ماهراً جعل القصيدة أقرب ما تكون إلى أغنية عالية النبرات، كما كان رساماً أشبه بمايكل أنجلو وهو يرسم وينحت قصص الغابرين، وقد رسم قصة انفلاق البحر أمام نبي الله موسى، وعدو الله فرعون، ويقول للمعاصرين: انتهى زمان المعجزات، فهذي البحار لا تنفلق ...شغّلوا عقولكم ، وكفّوا عن الاستماع لأئمة يؤججون الطائفية ...
مرّوا جميعاً أنبياءَ ومؤمنين وكافرين
إلى الغرق
هذي بحارٌ لا يمرُّ بموَجِها
موسى ولا فرعونها
ليست بحاراً تنفلقْ
عبثت أيادٍ في الحشا وتدمّمتْ
أظفارُها والقيحُ يلعنُ كلَّ آنٍ خائنين
ومرتزِقْ
خدعوكَ يا فرعونُ والأفعى عصا
موسى إمامٌ..
ليسَ منهم
والعصا
متفرّجونَ على الصراعِ
مراقبونَ
محرّضون على الدخول
على الخروج
على الصراخ
على الغناء
حتى إذا سقط الملوك ُ...
رأيتهم فوق المنابر
كاشفين
ومعلنين على الهواء
نحن المشايخ
والقيادة
والدعاة
نحن الوصاة على البلاد
برأينا نحن الولاة
وطن تقرره الشّيَع
هتكوا حجابك يا مساجد
يا كنائس
يا بِيَع
- - الصور الشعرية :
وهي الهدف الجمالي الذي يسعى وراءه الناقد المتمكن، يلقاه بعد قراءات عديدة للقصائد، يدركه بنظرة ثاقبة إلى مخبوءات النص، بعد إدراك العلاقات التبادلية بين الألفاظ والبيئة الاجتماعية للشاعر، وقد كانت قصائد هذا الديوان من النوع الذي تطغى فيه الصور الجمالية ذات الإضاءات الجميلة, يميل إلى العاطفة والخيال بدرجة انزياح عالية، كانت تجربة الشاعر الشعورية فيها واضحة، وهذه نراها في القصائد التي يتغزّل فيها الشاعر بمحبوبته، وهنا تندمج الموسيقى مع الرسم، مرة تراه رساماً يمسك فرشاة قلمه ليرسم أجمل الصور بالكلمات، و بأخرى موسيقياً يعزف بأنغام أسطورية أجمل الألحان، وعند شاعرنا امتزج الخيال بالحقيقة، وتنوع الفعل بجمال ورشاقة الفاعل : وها نحن نسمع ونقرأ:
نذكر بعضها : في (سفر التوسل )
إنّي امتلكتُكِ روحاً لا أجسّدها
مهما يتوقُ عناقُ الوردِ لم تزلي
إنّي أسيرُكِ لا فدوٌ ولا بدلٌ
أنا الطليقُ بساحِ الأسرِ فاعتقلي
ننظر إلى عظمة احترامه وحبه، أحب روحها وتاق إليها توقه إلى عناق وردة رقيقة أشفق عليها منه لرقتها...
هذه الصورة الخلابة المحيّرة التي كان فيها الشاعر مالكاً وأسيرا، وكانت فيها الحبيبة مملوكةً و آسرة ..!
وجدنا أيضاً النوع التقريري المباشر الذي يميل إلى العقل, خطابي بأفضل صوره السهل الممتنع,
قصيدة( يا أنتَ ):
يا أنتَ لستَ إماماً كي نُقدِّمُهُ
وليسَ إرهاصَ وحيٍ جِنُّكَ التَّعِسُ
اكذبْ كما شئتَ لا حرفٌ نُصدِّقُهُ
واحذر فَكلبٌ كلابِ اللهِ مفتَرسُ
لا بُدَّ يُنشِبُ ناباً في ضغائِنِكُم
يَسعى إليكم فَلا سُورٌ ولا حرَسُ
فيها تحذير ووعيد، وتذكير بأن جنود الله أشد افتراساً وضراوة من وحوشهم ، وانتقامه أشد، ولا عاصم من أمره سبحانه وتعالى ..
بً- البيئة الشعرية في القصائد :
هي المحيط الإنساني الذي يؤثر على ذهن الشاعر وعواطفه، وهي المحفّز الذي يثير عنده الملكة الشعرية، بمعرفتها يمكننا الإلمام بالحالة النفسية للشاعر، هي الرحم الذي تتشكل فيها إبداعات وإرهاصات الشاعر، وما نحن قادمون الآن على تقديمه, هو البيئة الخاصة بالعمل الأدبي والتي لا تنفصل بحال من الأحوال عن البيئة العامة والظروف المحيطة بالشاعر، ويمكننا في هذا المضمار أن نميز بيئتين ترعرعت فيهما إرهاصات الشاعر، الأولى الشارع المصري في ظل ثورة يناير وما رافقها من فوضى وزبد طفا على سطح المجتمع المصري، فساد، خطاب ديني فيه تحريض، وبعيد عن جوهر الدين، كان له أثره في إذكاء الفتن والصراعات، هذه البيئة المضطربة جعلت نبرة الشاعر عالية غاضبة مستنكرة، متأسية وهازئة برموزالفساد، ما جعلتها تقترب من نبرة الخطابة والتقريع، وهنا كانت القصائد انعكاس أفكار الشاعر ورؤيته وموقفه العقلاني الذي كان واضحاً وثابتاً، وعلى الجانب المعاكس تماماً، عند الجانب الحنون، نراه يهدأ حد الذوبان رقةً، عندما يتحدث عن المرأة حتى أخالني أجلس إلى نزار شاعر المرأة والعشق بلا منازع، وهنا ينازعه شاعرنا محمود حسن، حتى أنه يذكره في إحدى القصائد بالاسم، قصيدة ( أحتاج إلى لغة أخرى ) التبست عندي بقصيدة ( أشهد أن لا امرأة أتقنت اللعبة إلا أنت ) لنزار، وهذا تناص رائع، عكس عواطف الشاعر الرقيقة، التي تحترم المرأة وتعشقها عشق صوفي، المرأة عنده رمز قدسي بقدسية الوطن، رمز رقي وفخامة بفخامة القصيدة, فالقصيدة سيدة، والدنيا سيدة.. لا شك أن من يقول هذا عاش في كنف ملكة، لا يُقال في حضرتها سوى كلام يقطر عذوبة ورقة ...
ج- درجة العمق والانزياح نحو الخيال :
يكاد العمق والخيال أن يكون كل الشعر، فما فائدة القصيدة المكتملة الأدوات إن لم تكن فيها روح شعرية مبثوثة بشفافية مؤثرة ؟ والحقيقة أن القصائد التي في هذا الديوان هي بالمجمل قصائد لا يملك المرء حين سماعها أو تلقيها إلا أن يقول : الله ! وهنا يكمن الإبداع .. أن يتمكن الشاعر من هز وجدان المتلقي عبر فضاءات أخيلته، و التي هي بحال من الأحوال الصانع الرئيسي للصورة الأدبية، عندما يبدع الشاعر في تصوير مشاهد مألوفة في حياتنا، فيبث فيها الحياة والحركة، حتى نخالها جديدة وطريفة، وباعثة على الإثارة ومبهرة، عندها لا يمكننا إلا أن نطلق صيحات الإعجاب ...ولقد نجح الشاعر محمود حسن في انتزاع تلك الصيحات حقاً، ساعده على ذلك حرفية عالية في :
1. المزج بين الأسلوب الخبري والأسلوب الإنشائي في نصوصه، ما أكسب القصائد حيوية ولهجة حميمية منعشة، نرى ذلك واضحاً في قصائده التي يتغنى فيها بالمرأة :
في قصيدة سفر التوسل صورة رائعة ساقها بطريقة مدهشة !
إني التجأتُ إليكِ الآن من وجعي
مدّي يديكِ وخِيطي الجرح واندملي
جرحي وإبرتُك الملساءُ معجزةٌ
تَخيطُ لحماً على عظمٍ لمحتملِ
فالحبيبة تخيط جرحاً هي هو ! يقول لها خيطي الجرح و( اندملي), فهي الجرح وهي الإبرة التي تخيطه، والحبيب هو المجروح حتى العظم، يتحمّل ألم الجرح وألم الخياطة ....!
الأفعال كما هو واضح أفعال إخبارية وأمر ( التجأت، تخيط، مدّي، خيطي ) , وسواها إنشائية ( اندملي، جرحي وإبرتك الملساء معجزة).
2. استعان بالصور والأخيلة التي تنقل المتلقي إلى أجواء يسرح فيها الخيال، أحيا فيها الطبيعة، وجسّد المجردات...في قصيدة (أحتاج إلى لغة أخرى )جعل القمر مخلوقاً لعينيها فقط، وجعل الكون إنساناً لا ينظر إلا إليها، يسجد لله على عظيم صنعه لها :
خلق اللهُ القمرَ الفضّيَّ
لعينيها
كي تنظرَ كلَّ مساءٍ فيه..
فيُبصِرَعينَيها الكونُ..
فيسجدَ لله على صُنعته
في قصيدة( اشتهاء ) جعل الشعر إنساناً طاهراً بطهارة نطفة نبي، تُنفخ فيه
الروح، ويُصلب كالمسيح، ليسكن في السماء ...! أي خيال هذا...؟!
وعفٌ إن كتبتُ الشعر عفُّ
أطهّرُهُ كنطفةِ أنبياء
وأنفُخُهُ
بروحٍ من سحاب ٍ
وأصلُبُهُ
ليسكُنَ في السماء
3. أبرز الشاعر ذاته في كل القصائد، ونجح في التعبير عن عواطفه وأحاسيسه ورؤاه ونظرته الخاصة إلى القضايا .. في قصيدة ( حروب الردة في كربلاء الثانية ) يصف حال الأمة، مبرزاً رؤيته وموقفه، محاسباً كل من أسهم بانحطاطها :
يا أمّتي ..كيف الحضارةُ تُسْتَبى
من خان عهد أمانة ؟! .. من بدّدا؟
يا معقِلَ العلماء ِ كيف تبعثرتْ
كتب الحضارة في ثراكِ لتُوأَدا
جُثثُ الملوك القاهرين زَمانَهم
صارت دخاناً .. متحفّياً أسودا
موقفه من الجماعات الدينية المتطرّفة الذين ما استقاموا، بان هنا.. فهم أقزام عبيد:
حجّوا بسيّدهم وطافوا حوله
ظنّوا التنطّعَ في الخيامِ تعبّدا
والجامعُ الوسطيُّ يرجِع خطوةٌ
والغرّ إرهابيّ قاد المشهدا
خطباءُ مِنبَرِهِ العظيمُ تقزّموا
لا الجذع ُحنَّ ولا الخطاب تجدّدا
4. أما الموسيقى فقد أتى بها في قصائد القريض بالقافية المنتقاة بعناية فائقة لتلائم الموضوع، وفيما سواها بالموسيقى الداخلية، استخدم حرف القاف في قصيدة ( ليست بحاراً تنفلق )، وهو حرف قوي إن وجد في كلمة فإن هذه الكلمة تعني اسم لشيء مادي أو حسي قوي، فجاءت موسيقا القصيدة عالية النبرة قوية الوقع، أدت المطلوب منها في قصيدة قوية اللهجة غاضبة، فيها تقريع واستنكار .. لم يغفل الموسيقا الداخلية بل أتى بها منسجمة مع مضمون النص بدون كسور، وهذه كفة ثقيلة جداً في ميزان قدرات الشاعر الشعرية...
د – الموضوع أو الثيمة ومقاييس الدقة في الابداع الشعرى Theme and Poetic Creativity:
وهي الرسالة الإنسانية التي يضمّنها الشاعر في قصائده، بين الحروف والكلمات، ومن خلال استعراض الأفكار الجزئية التي تترابط فيما بينها لتكوين الفكرة الكلية، والشعر الذي يخلو من رسالة أو فكرة هو شعر تافه، لا ينظر له النقاد على أنه شعر، لا تقتصر قيمة المعنى على تعليمنا أمرأً من أمور المعرفة، بل تتعداها إلى قوة التأثير في النفس الإنسانية، وتلك غاية الأدب الأولى، أن يكون الأدب مؤثراً بفكرته ومعناه، من أبرز مقاييس نقد المعنى ما يلي:
1-مقياس الصحة والخطأ:
التزام الشاعر بالحقائق سواء أكانت تاريخية، أو لغوية، أو علمية، لأن خطأ الشاعر في حقيقة من هذه الحقائق يفسد شعره، ويخرجه من حيز الثقة و المقبولية عند الناس، وقد توخّى الشاعر الفذ /محمود حسن / الحذر في ذلك، فلم أقع- من خلال متابعتي النقدية للقصائد في هذا الديوان- على خطأ في الحقائق التاريخية واللغوية وحتى العلمية التي أوردها .. وهذا يعود بالطبع إلى ثقافته العالية في هذه المجالات، وحذره الملتزم، و في قصيدة (عشتار) حقيقة تاريخية يوردها الشاعر، نزلت عشتار عند راعٍ كان يذبح لها كل يوم شاةً طمعاً في الزواج منها، حتى إذا ما نفذت شياهه راح يسرق من غيره ليذبح لها، ثم تركته وانصرفت :
عشتار بين فيافي الأرض تنتقلُ
خمسون قرناً ولم يفتِكْ بها المللُ
راحت ْ غُنيماتُهُ الراعي بلا ثمنٍ
لحضنِ عشتارَ خبزُ الأرضِ يرتحلُ
وحقيقة علمية فقهية يذكرها في ( قصيدة محمد ):
إنّ السياقَ للأهل العلم قاعدةٌ
يا ليتهم أكملوا نصاً وما اجتزأوا
أهل العلم والفقه المخلصون يعملون على السياق، ولا يجتزئون من القرآن آيات تخدم أغراضهم فقط...
1. مقياس الجدة والابتكار :
لا يشترط أن يقدِّم الشاعر معانٍ شعرية جديدة، لم يتطرّق لها أحد قبله، فهذا شبه مستحيل، لكن المطلوب لكي يكون للمعاني الشعرية مكانة نقدية متميزة، أن تتصف بالطرافة والابتكار، بمعنى أن يتناول الشاعر معنىً مفيداً من المعاني فيقدّمه بأسلوب يبدو فيه جديداً أو كالجديد. فهل تحقق هذا في قصائد شاعرنا ؟ نعم تحقق ..!....عندما عنوَن قصائده بلفظة ( سفر )، سفر التوسّل وكان هذا الدمج بين قصيدة العشق وكتاب سماوي، وأقام الهيكل الجمالي والبنائي للقصيدة على روح وألفاظ الكتاب السماوي:
هذا نبيٌّ من القلبين أُرسلُه
سفر التوسّلِ في الألواح والنُّزُلِ
هذي نبوءة ُ قلبٍ لا أكذِّبُهُ
هُزّي إليكِ جذوعَ الوَجدِ واكتملي
( سفر قابيل)، حين عرض لقضية غدر الإنسان بأخيه الإنسان، أيضاً من خلال الاستنارة بكتاب سماوي:
قُربانُنا لله بعضُ نُبُوّةٍ
قابيلُ فاضربْ يمَّ حقدِكَ يُفلَقُ
وقوله
كيف انتبهنا والبنادق لعبةٌ
في يد أبناءِ العمومةِ تُطلَقُ
كثير من الشعراء أورَدوا معنى أن تكون القصيدة امرأة أو حبيبة، شاعرنا المبدع
جاء بهذا المعنى، لكن بقالب جداً مبتكر، جعل الكلام جنيناً متعسر الولادة في رحم
قصيدة، ليقرّ حقيقةً أرادها هو : القصيدة سيدة
إنَّ الكلامَ جميعُه متعسِّرٌ
إن تمنحيهِ الطلقَ نثبتُ مولده
فلقد رأيتُكِ
في القصيدة عقدة
ولقد عرفتكِ أمها المتعبِّدة
لغةٌ تغالب قيصراً
في ضعفها
وتشقُّ قلبَ
الشعرِ تفتحُ موصَدَه
يرقى
لينجبَ في السماء
بناتِهِ
وتقيمُ كعبتها
فيعرفُ مسجدَه
نسعى لقافيةٍ
تؤمُّ رجالها
... لا تعجبوا
إنَّ القصيدة سيّده
3-مقياس العمق والسطحية :
المعنى العميق هو المعنى الذي يذهب بالمتلقي بعيداً، بدلالات رمزية ومعنوية عالية التأثير، تستدعي إلى ذهن المتلقي معانٍ وخواطر كثيرة، تثيرها الأعمدة الرمزية والدلالات السيميائية التي يستشفها الناقد من خلال موجودات ومخبوءات القصيدة، والمعنى العميق يعكس موهبة الشاعر وتميزه، وقدراته العقلية وملكاته الذهنية وثقافته العالية، تكون الأبيات عميقة إذا اعتمدت على الحكمة التي تمثّل اختزال قدر كبير من التجربة الإنسانية، وتقديمها في عبارة موجزة بليغة، ونقيض ذلك
السطحية ...
إن القارئ لقصائد ديوان( سفر التوسل) يفاجأ بقدر كبير من الحكمة ضمّنها الشاعر في معظم القصائد, حتى أنني خصصت أن أدخل في المضمون عن طريق المدخل التقمص ..
في قصيدة ( ليست بحاراً تنفلق ) يدعو مواطنه أن يخلع عنه فكرة الحروب والتي يظنها جهاداً وفتوحات، وهي بالحقيقة غباء وتدمير وتخلف وإرهاب :
اخلع قناعك ..
طارحاً هذا الحسام
فلقد تبعثرتِ القصيدة ..
والكلام
ورجعت يا وطن الضجيج بألف عام.
في قصيدة ( بن الخليفة ): يدعو أمة العرب إلى التبصر والتدبّر وإشغال العقل فالثورة العمياء لا ترى، تأخذ الجميع بطوفانها :
فتبصّري يأ أمةَ الثوار
إن الثورة العمياء تنجب طاغية
في قصيدة( حروب الردة في كربلاء):
يا فوضويات الخوارج هُدنةً
صار التعبّدُ بالتّيمم فاسدا
إن الطوائف والمذاهب لعنةٌ
فتجمّعوا في واحدٍ لنُجَدَّدا
❖ مقاييس نقد العاطفة :
المراد بالعاطفة الحالة الوجدانية التي تدفع الإنسان إلى الميل للشيء أو الانصراف عنه، وما يتبع ذلك من حب أو كره، وسرور وحزن، ورضى أو غضب، ومن أبرز مقاييس نقد العاطفة ما يأتي :
- - مقياس الصدق والكذب :
الدافع الذي دفع الشاعر إلى نظم قصيدته .. إن كان الدافع حقيقياً وليس زائفاً،
مؤكد ستكون العاطفة صادقة، وإن كان الدافع غير حقيقي ستكون العاطفة غير صادقة، وفي كلا الحالتين، يتوقف الدافع على مدى عمق التجربة الشعرية عند الشاعر، وهي بالتحديد الموقف الذي عاشه الشاعر أثناء نظم القصيدة، إن التقصي الذي اتبعته في الوقوف على هذا المقياس، قادني إلى أن الشاعر صادق في عاطفته، حيث إن الدافع كان حقيقياً، غير خاف ٍ على المتابع لمواقف و مبادئ وأفكار الشاعر محمود حسن، التي أعلنها مع كل وضع يمر به، سواء أكان الفتن الطائفية والعقائدية التي مرّ بها وطنه، والتي كان فيها مناصراً للسلام والمصالحة ونبذ التطرف والإرهاب بكل صور وأطرافه، أما في قصائد الغزل فلا يخفى على أحد أن الشاعر محمود حسن هو شاعر الرقة والمرأة، مخلص جداً لفكرة السمو بالمرأة واعتبارها ملكة .
- - مقياس القوة والضعف :
المقصود مدى تأثير القصيدة في نفس القارئ، فإن هزّت وجدانه كانت عاطفتها قوية، وإن لم تترك أثراً في نفسه كانت عاطفتها ضعيفة وهذا المقياس تحديداً يتبع أمزجة الناس وطباعهم, فمن الناس من يتاثر بالغزل, ومنهم من يتأثر بالرثاء، والقصائد في هذا الديوان، تراوحت بين قصائد وجدانية غاضبة من حال الفتن والطائفية، وبين قصائد المرأة والغزل، وتجذبني شخصياً القصائد المنددة بالتخلف والفرقة، لكن تأسرني قصائد الغزل ...
- التجربة الإبداعية في القصائد :
هو سؤال مطروح دائماً .. يعرض للناقد بإلحاح عندما يريد تقييم إبداع الشاعر، هل أضاف هذا الديوان، أو هذه القصيدة شيئاً جديداً إلى مكتبتنا الأدبية العربية ؟ وعلى أي رف يمكن لهذا الديوان أن يوضع ؟ وقد اصطفت على رفوف مكتبتنا روائع المتنبي والخنساء وأحمد شوقي ونزار و بدر شاكر السياب ونازك الملائكة...ألخ ..
لو قُدّر لي أن أنظّم موقع هذا الديوان في المكتبة، لوضعته إلى جانب دواوين نزار قباني، بحاجز ورقي مكتوب عليه ( اتفقَ مع نزار بشعوره العميق بمأساة العرب، وعشق المرأة، لكنه عشقها روحاً، وساق كل أفكاره وعواطفه في سياق كلام الله عزوجل، فنجا من فتنة الوقوع في الأودية التي يهيم بها الشعراء ).

هـً – المدخل اللساني Linguistic Trend:
بعد أن قرأت القصائد قراءة مركزة، وجدت أن الديوان غني جداً بالألفاظ اللغوية والجمل والتراكيب التي ينبغي الوقوف عندها طويلاً، تمحيصاً وتمييزاً، أحسست أن هوية الشاعر فيها.. يختلف الشاعر عن الكاتب، إن الكاتب يمكن أن يضع بعضَه في قصته أو روايته، أما الشاعر فيضع في قصيدته كلَّه ... لذلك وإيماناً مني بذلك، وما رأيته من الثراء اللغوي في هذا الديوان سأبحث عن ذات الشاعر هنا، من خلال تمييز المفردات والمعاني المستخدمة، والتي هي بلا شك تمثل أيديولوجية الشاعر، فهي وسيلته لإخراج دواخله، وبمعالجة عقلية بسيطة أستطيع أن أميز الاتجاه الفكري الذي كُتبت القصيدة لأجله، وأحكم على هوية النص، ومقدرة الكاتب العقلية، ومستواه الأدبي، وعليه وجدت عند الشاعر مقدرة كبيرة على التنصيص، وميّزتُ عنده تكنيكه الأدبي الذي يستخدمه على علم أم غفلة منه, لا أدري, ولكني أحسبه يدرك ذلك, فهو يملك من الذكاء والحنكة ما يجعله يوظّف كل قدراته ومهاراته فيما ينظُم، إن التكنيك الخاص به هو تكنيك لغوي راق جداً ينوّع فيه بين المحسنات البديعية والصور البلاغية، ويركّز على الاقتباس بشكل كبير، تنضوي جميع قصائده تحت نظرية الفن للمجتمع، وهي بالمجمل قصائد وجدانية، يغلب عليها الاستنكار والغضب من الطائفية، فيها وعظ وحكمة، أدخل الاقتباس حتى في قصائد الغزل التي تميل إلى الرومانسية والرقة وتعظيم المرأة حد الوله... سأدرس من خلال هذا المدخل المحسنات البديعية والألفاظ والصور .
5. البناء الجمالي والبلاغي :
استعمل المحسنات البديعية ك (التصريع والجناس والطباق والترادف والمقابلة والتورية) أستشهد ببعض الأمثلة:
التصريع : اتفاق نهاية الشطرة الأولى من البيت مع نهاية الشطرة الثانية في حرف واحد ( في أول بيت في القصيدة )
فيض من النهر أم ماء على الجبل
لا عاصم اليوم من حرفين في الجمل : تصريع في البيت الأول من قصيدة سفر التوسل
وتكتبه القصيدة ألف باء
وأكتبها كمسألة اشتهاء : تصريع في البيت الأول من قصيدة اشتهاء

عشتار بين فيافي الأرض تنتقل
خمسون قرناً ولم يفتك بها الملل تصريع في البيت الأول من قصيدة عشتار
مروا جميعاً أنبياء ومؤمنين وكافرين إلى الغرق
هذي بحار لا يمر بموجها موسى ولا فرعونها ليست بحارا تنفلق تصريع في البيت الأول من قصيدة ليست بحارا تنفلق
زمن يشاكس في الزمان ويطبق
يا أيها الملكوت إنك ضيق تصريع في البيت الأول من قصيدة سفر قابيل
ابن الخليفة ضارباً عنق الخليفة
متسوراً دار الإمام وتحت سمع معاوية تصريع في البيت الأول من قصيدة بن الخليفة
سوقوا الفداء إلى الذبيح مجددا
فغد العصابة ينحرون السيدا تصريع في البيت الأول من قصيدة حروب الردة في كربلاء الثانية
ويظل في حرم الكنيسة مأتم
أشلاؤنا مصلوبة ودم ..دم تصريع في البيت الأول من القصيدة المريمية
الطباق : الكلمة وضدها
أنا أسيرك _ أنا الطليق
بعث _ موت
الدخول _ الخروج
يا مساجد _ يا كنائس _ يا بيع
بين الماء وبين النار
كذاباً _ نصدق
أباك_ أمنا
نجمعنا _ تفرق
الرخيص _ النفيس
اللاحب _ الحب
إنس _ جان
الحزن _ الفرح
هلال _ صليب
الترادف: اتفاق الكلمتين بالمعنى والاختلاف في اللفظ
متفرّجون على الصراع مراقبون
الأوجاع والعلل
كاشفين ومعلنين
الدعاة والولاة
الشوارع والأزقة
صرنا دمى , صرنا لعب
دون فوز أو لقب
راكعين وسجّدا
انفضّ تبدّدا
النكد الحزن
متعايش متآلف
الجناس: اتفاق في اللفظ واختلاف في المعنى
الجبل # الجمل
الصراع # الصراخ
ذاتي # ذاتك
تملّق # تسلّق
زمن # الزمان
ساعة حائط # ساعة نشوة
الإطناب : زيادة اللفظ على المعنى بأكثر من عبارة
لا فدو ولا بدل
لا حرف ولا جمل
لا نوق ولا جمل
هذا إمام الملتحين القانتين العابدين الساجدين الراكعين المبتهل
لا وعظ فيها ولا صلاة ولا عمل
إنا كفرنا بالفئات .. وباللغات .. وبالخطب
فلا سور ولا حرس
حسن التقسيم : تقسيم البيت إلى جمل متساوية
غنّى بمذهبه, وراقص حرفه
عكازه ورق ٌ, ونايٌ مشفق
فإلام تذبحنا, بغير جناية
وإلام نجمعنا, وأنت تفرق
حسن تنظير :
هم يذبحون السنبلات خوارجا
هم يرجمون النهر طاهرَ ماجدا
الاقتباس :تضمين أبيات الشعر شيئاً من القرآن أو الحديث الشريف
لا عاصم اليوم من حرفين في الجمل
سفر التوسل في الألواح والنُّزل
هزي إليك جذوع الوجد واكتملي
آلله أودعك الأسماء في الأزل
أم أنك الغيب في لوح سيستره
من يستمع فشهاب إثر متصل
فلتغسلي غرتي من طهر مغتسل
تفجر الماء مكياً من الجبل
زمي بكفيك أوجاعا ستنزفني
فماء هاجر دمعٌ سحَّ من مقلي
واللوح يكتب عليون واقتربوا
لا ذنبَ سجله جبريلُ فابتهلي
خرّت ملائكة القلبين ساجدة
تبكي وتشفع للعبدين والرسل
حتى توضّأتُ من عينيك مسبغة
سلوى بمائدة من دعوة الرسل
طوفي بقاقيتي سبعاً على مهل
ليست بحاراً تنفلق
خدعوك يا فرعون والأفعى عصا
أنتم جميعاً سافلون ومرجفون
مبشرون بجنة الفردوس
نجلس على الأرائك
والرياض
وفواكه
والطير مذبوحاً
والحور رفرف شعرها الذهبي
من بين الخيام مقصورة
ألقوه في النار
تقدّ قميصه
وكبيرهم هو شاهد الزورالذي بدماغه فأس النبي معلق
وطفلة في المهد من وجع القصيدة تنطق
ويدا أخي مسدٌ
لا تمسك برأسي يا ابن أم
يا هند لا كبدي سيُحيى شيبة
قابيل فاضرب يمّ حقدك يُفلق
أعجاز نخل قد تساقط تمرها
لا سوءة ً وارى الغراب
تبّت يداكم
لم يمنعوا عنك الزكاة وقدّموا ضعف النصاب
إنا لنحقر في القياس صلاتنا لصلاتهم
ما أحسنوا الذبح
لا الجذع حن ّ ولا الخطاب تجددأ
هذا رويبضة يقيئ بأذننا متنطعا
هي قسمة ضيزى ولعبة عصبة
فئة بغت
لو كان فظاً أو غليظاً قلبه
يا أيها الثقلان
فليصدح بما يؤمر
لانفض جمع المؤمنين تبدّدا
إن تألموا نألم
والله لم يسفك دماكم مسلم
وتبتلت في حجر فاطمَ مريمُ
عموا فما عرفوا فقهاً ولا قرأوا
- التكوين البلاغي و التنضيد الشعري:
من خلال معرفة القافية والجرس الموسيقي في القصيدة، واستخدام الشاعر للمحسنات البديعية والصور البيانية، واستخدام التشبيهات والاستعارات، وهنا سأدخل من المدخل اللساني :
التشبيه :
وتكتبه القصيدة ألف باء
وأكتبها كمسألة اشتهاء
وعفٌ إن كتبت ُ الشعرَ عفُّ
أطهِّرُهُ كنطفة ِ أنبياء
ورتاج تصحو في الصباح كقبلةٍ
تهبُ الحياةَ لبيتنا وتجمِّلُ
وتشدُّ من فوقي الغطاء
كأنَّما فتَقَ السماءَ منزَّلُ
أما إذا تجري بغير جناية
فكحرمةِ البيت ِ الحرام ِ وأعظم ُ
دمنا توحّد في الرمال كأنه
النيل العظيم جرى لتنبتَ أعظم
والحور رفرفَ شعرُها الذهبي من بين الخيام
مقصورةً في عفةٍ كالبدر يحرسُهُ الغمام
الكناية:
ذهب الذي حمل الخطيئة كلها كناية عن موصوف سيدنا عيسى عليه السلام
الماء أنت وأنت الأرض والكلأ كناية عن صفة الخير
والحق أنت وأنت النور مؤتلقا كناية عن نسبة الحق إليه صلى الله عليه وسلم
مدوا النصال إلى شمس محلّقة كناية عن موصوف
وكبيرهم هو شاهد الزور الذي كناية عن موصوف
بدماغه فأس النبي معلق
الاستعارة : وهو تشبيه بليغ حذف أحد طرفيه
كثرت الاستعارات في الديوان , ألبس غير المحسوس ثوب المحسوس والعكس , أذكر بعضها :
في قصيدة (سفر التوسل) :
كم ألف مليون قد حجّوا على وجعي جعل الوجع حَرَمٌ يُحجّ إليه
الفجر لكَّأ لا يأتي على عجل جعل الفجر إنسان يتلكأ بالقدوم
صدّيقةٌ رتقت ما كان من وجع جعل الوجع قماش يُرتق
طوفي بقافيتي سبعاً على مهل جعل القصيدة كعبة يُطاف حولها
في (القصيدة سيدة )
إن الكلام جميعه متعسر جعل الكلام جنين متعسر الولادة
إن القصيدة سيدة جعل القصيدة سيدة
في قصيدة ( القصيدة سيدة ) ألبس المحسوس ثوب غير المحسوس :
إن تمنحيه الطلق نثبت مولده جعل المرأة تلد الكلام عندما تطلق
فلقد رأيتكِ في القصيدة قائمة
ولقد عرفتك ِ أمها المتعبدة جعل المرأة حروف قائمة في العبارة
كما جعلها أم القصيدة
ولقد لمحتكِ في القصيدة مجهدة
لغةٌ تغالب قيصراً في ضعفها جعل المرأة لغةٌ تغلب قيصراً سلاحُها ضعفُها
وتشق قلب الشعر تفتح موصَدَه جعلها تفتح الشعر تكشف ستره وكأنها تفتح باباً موصداً
تسعى لقافية تؤم رجالها جعل المرأة تسعى لبناء قافية قصيدة كما تُبنى المساجد تكون هي فيها إمام تؤم القصيدة بحروفها ( رجالها )
إن ذلك إن دلّ على شيء فيدل على مدى سعة ثقافة الشاعر اللغوية، ومدى غنى قاموسه اللغوي بالألفاظ البديعية، التي لم يألُ جهداً في توظيفها ليحسّن بها قصائده .
6. تطويع الألفاظ بالاقتباس,
والساحة هنا واسعة جداً للخوض في تفاصيلها عبر المدخل اللساني، فقد أذهلني الشاعر بغنى قاموسه المعجمي والثقافي الذي يعكس إطلاعاً ثقافياً عميقاً وواسعاً جداً، استخدم الاقتباس من القرآن الكريم كثيراً، وهذا إن دل على شيء على ثقافته الدينية العميقة، وقد استنار بهذه الثقافة في دعم أفكاره التي طرحها بنصوصه بطريقة منطقية مقنعة ومدهشة فعلاَ، نأخذ بعض الأمثلة : في قصيدة ( سفر التوسل ):
هزّي إليك جذوع الوجد واكتملي : اقتباس من سورة مريم
من يستمع فشهاب إثرَ متّصلِ : اقتباس من سورة الجن
سلوى بمائدة من دعوة الرسل : اقتباس من سورة المائدة
7. المزج الشعري بين الفكر والعاطفة ,
بهدف التأثير والإقناع معاً، فقد استعان بالأخيلة والصور لنقل أحاسيسه ومشاعره، وتأنّق في تأليف العبارة وتنسيقها، واهتم بالألفاظ بحيث خرج كلامه ممتعاً ومشرقاً، أطرب السمع ووقع في النفس ..في قصيدة ( سفر قابيل ) نرى هذا المزج واضحاً:
زمن يشاكس في الزمان ويطبقُ
يا أيها الملكوت إنك ضيّقُ
ما حاجة الرقص الأنيق لشاعرٍ
كُسِرتْ عظام رويِّهِ والمرفقُ
غنّى بمذهبهِ وراقصَ حرفَهُ
عكّازُهُ ورقٌ و نايٌ مُشفِقُ
وبذلك يكون شاعرنا قد اعتمد الأسلوب الأدبي بامتياز، وهو أسلوب تعبيري فني مترع بالجمال اللغوي والبلاغي، هدفه التعبير عما يجول في نفس الشاعر من أفكار وعواطف وخيال وتأثير في نفوس الآخرين، وتحقيق الفائدة والإمتاع معاً.
و - المدخل العقلاني : Mentalism Trend:
نقصد به تجربة الأديب المكتسبة من الاتجاهات الأدبية الفكرية من قراءاته وثقافاته السابقة المتوازية، والتي أثرت على إنتاجه الأدبي بالتوازي أو بالتناص مع أدباء آخرين، مضافاً إليها إرهاصاته الإنسانية الحاضرة... لقد أصابتني الدهشة من كم التناص الذي وجدته في القصائد، حتى أنني أستطيع أن أجزم أنه تكنيك يعتمده الشاعر واعياً ليس صدفة، ثقافته الدينية المستقاة من القرآن والأحاديث الشريفة، مسكوبة سكباً في القصائد، بتنسيق موزون، وحرفنة عالية..والأمثلة على ذلك كثيرة جدأ، أوردتها عندما تكلمت عن الاقتباس في المحسنات اللفظية، أعود وأورد بعضها :
ألقوه في النار التي من قلبهم
صُهِرَ الوجودُ وقلبهُ لا يُحرق

دفعوا بقافية تقدّ قميصه
في كهفه متصومعاً لا يفسُق
وكبيرهم هو شاهد الزور الذي
بدماغه فأس النبي معلّق
فتلعثم الشيخ الكهول وطفلة ٌ
في المهد من وجع القصيدة تنطق
في قصيدة ( سفر قابيل ) حيث تناص مع القرآن الكريم في( سورة الصافات ) قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وكذلك بسورة (يوسف) عليه السلام, كما تناص مع قصة سيدنا عيسى عليه السلام .. وكأن الشاعر في هذه القصيدة كان كل هؤلاء الرسل، خَبُر حالُهم بحالِه، وهو الإنسان الشاعر الذي كان ضحية لأخيه الإنسان ..
في قصيدة حروب الردة في كربلاء الثانية تناص مع الأحاديث النبوية:
والجامع الوسطي ُّ يرجِعُ خطوةً
والغرُّ إرهابيُّ قادَ المشهدا
خطباءُ منبرِهِ العظيم تقزّموا
لا الجذعُ حنَّ ولا الخطابُ تجدّدا
هذا رويبضةٌ يقيئ بأذننا
متنطّعاً متخلّفاً متجمّداً
تناص الشاعر مع حديث الرويبضة ( سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصدّق فيها الكاذب، ويُكذّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة), ومع حديث حنين الجذع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أما في قصائد المرأة والغزل، فكان التناص واضحاً جداً مع الشاعر السوري الكبير نزار قباني، في قصيدة أحتاج إلى لغة أخرى :
يا امرأة لا يمكن أن تُخلقَ
إلا مرّه
لا تتكرر
يا امرأة لا يمكن إلا أن
أعشقها
يا زهرة أركيد
يا نسمة فل وعنبر
يا سندستي وزبرجدتي
يا كل الشعر العربي
يا كل الشعر المتحوّل
وهذه قصيدة نزار :
أشهد أن لا امرأة
تجتاحني في لحظات العشق كالزلزال
تحرقني .. تغرقني
تشعلني ..تطفئني
تكسرني نصفين كالهلال
أشهد أن لا امرأة
تحتل نفسي أطول احتلال
وأسعد احتلال
تزرعني
ورداً دمشقياً
ونعناعاً
وبرتقال
وكان الشاعر الفذ قد ذكر نزار في قصيدة (ليست بحاراً تنفلق ):
فوضى عجب
خلّاقة
هتكت حجابكِ يا عرب
هم يضربون قبيلة ً بقبيلةٍ
عبثٌ غريبٌ يا نزار ..
وكأنه يرد على قصيدة نزار ( متى يعلنون وفاة العرب )



ز- المدخل السلوكيBehaviorism Trend : :
الأدب بحد ذاته سلوك وتساؤلات فكرية وإنسانية، وهنا أجد الكثير من التساؤلات التي طرحها الشاعر في قصائده، فلسفية، و جدلية، أو اجتماعية، أو سياسية، تستنفر الناقد وتستفزه على البحث والاستقصاء، فيحاول الإجابة على هذه التساؤلات بشرط أن تكون الإجابات مطبوعة بالوضع أو البيئة الاجتماعية أو الأدبية أو الفلسفية التي أثيرت فيها تلك التساؤلات، هي عبارة عن صراع أيديولوجي وربما تصادم حضارات، فعل ورد فعل بين الشاعر والمظاهر الإنسانية السائدة في مجتمع الشاعر، وهنا كانت مظاهر الظلم الإنساني منذ أيام قابيل وهابيل ومستمرة إلى قيام الساعة، والتخلف والتطرف، الجهل والجاهلية القديمة و الحديثة، أثارها الشاعر بطريقة فلسفية رفيعة المستوى، وبدورها تثير جدليات كثيرة حول النفس البشرية، أصل شرورها وخيرها, و العقل وموقعه فيها ...
في سفر التوسل كانت التساؤلات إعجاباً بالحبيبة ومبالغة في تصوير روعتها :
فيض من النهر أم ماء على الجبل؟!
يجيب :
لا عاصم اليوم من حرفين في الجمل
ننظر إلى المبالغة في انبهاره بها:
أم أنك الغيب في لوح سيستره
من يستمع فشهاب إثر متصل
ويتساءل ب( كم ) التكثيرية مبالغة بوصف ألمه : سؤال ضمّنه الإجابة :
كم ألف مليون قد حجوا على وجعي
كم هم وكم شربوا من دمعيَ البطل
وسؤال حيرة يطرحه كيف يكون مذنباً إن بحث عن حبيبته، و سنة الله في خلقه أن الأرواح ألوف مُؤلّفة تبحث عن مثلها :
ما ذنب قافية أن قال شاعرها
والروح تبحث في الأرواح عن مثل
في قصيدة عشتار تساؤلات سياسية واستنكارية:
ألم يكن راهب الرهبان يعرفها
حتى تلعثم لا حرف ولا جمل
يا كسرة الخبز هل يمضي بطاوية
سيف المعز وتبني مجدها الدول ؟
يتساءل عن غباء من يعرف طبع شريكه وغدره، ومع ذلك ينخدع به ويضحي في سبيله فقط لأنه أغرم به .. حال العرب وساستهم...
في ( سفر قابيل ) يسأل بحرقة من يقود الحروب من الطغاة وصناع الحروب الغبية:
فإلامَ تذبحنا بغير جناية
وإلام نجمعنا وأنت تفرق
وفي نفس القصيدة أيضا سؤال استنكاري تقشعر له الأبدان والضمائر لو وعت عمقه : إن الغراب أشفق لمّا رأى جثة هابيل، وقابيل أمامها في حيرة، فعلّمه الدفن، والآن ...الجثث الآدمية لا تجد من يدفنها، فهل هي نافقة كما البهائم ؟!
لا سوءةً وارى الغراب كما مضى
فهل النفوسُ كما البهائمِ تنفقُ؟!
في قصيدة ( حروب الردة في كربلاء) يتساءل بحسرة واستنكار مستحضراً الخليفة أبو بكر الصديق، فما يحصل في عصر الشاعر يشبه كثيراً ما حصل في حروب الردة في زمن أبي بكر الصديق، مع فارق أن الخلف ضيّعوا المفاهيم والقيم، وانعكست الأدوار ..
عذراً أبا بكر فسيفك صامتٌ
هي ردةٌ كسرت أميرك خالدا
أوَ كنت َ تدري أنّ خلفك أمةٌ
قطعوا الطرق وحولوه مساجدا
أوَ كنت تدري أنّ حجتهم
قنابلُ فجّروها راكعين وسجدا
يا أمتي كيف الحضارة تُسْتَبى
من خان عهد أمانة ؟! من بدّدا ؟؟؟
يا معقل العلماء كيف تبعثرت
كتب الحضارة في ثراكِ لتوأدا؟
في القصيدة المريمية :تساؤلات جوابها إثبات أن الأديان كلها من عند الله، وكلها تحرّم قتل النفس البشرية :
أوليس في الدينين حرمة أنفسٍ
أوليس فوق الدين ربٌ يرحم ؟
أوليست الزهراء أمَّ جميعنا
أوَلا نردّدُ ( ستنا) يا مريم ُ؟
ي - المنظور الاستنباطي ( التقمصي) Inference and Empathy Trend:
ونعني به نقدياً مجموعة العبر والحكم والمواعظ والدلالات الإنسانية التي نستشفها من جوانب القصيدة وأركانها التعبيرية أو السردية، ونقف طويلاً على تلك العبر، لنحدد مقدرة الشاعر الفكرية والأدبية والعقلانية، أي أن الإنسان يلاحظ سلوكه المادي مباشرة، ويربط سلوكه رمزيًا بحالته السيكولوجية الداخلية، أي بمشاعره وعواطفه، فيصبح لسلوكه الإنساني معنى يصب بمفهوم الذات، يتصل بالآخرين ويلاحظ سلوكهم المادي، وعلى أساس تفسيراته السابقة لسلوكه، يخرج باستنتاجات عن حالة الآخرين السيكولوجية، بمعنى آخر، إذا كان سلوكه يعكس الشبه من المشاعر، فهو أيضاً يعكس نفس المشاعر التي شعر بها حينما قام بهذا العمل. هذا الرأي في التقمص الوجداني يفترض أن الإنسان لديه معلومات من الدرجة الأولى عن نفسه، ومن الدرجة الثانية عن الناس الآخرين. ويقول أن الإنسان لديه المقدرة على فهم نفسه، عن طريق تحليل سلوكه الذاتي، ومن هذا التحليل يستطيع الإنسان أن يخرج باستنتاجات عن الآخرين تقوم على هذا الأساس، بمعنى إن حضور الأدب في نفسية الإنسان يخرجه من عمومية الناس ويدخله في خصوصية التقمص النفسي وتلك السمة تذكرني (بشيطان الشعر، وهل للشعر من شيطان...؟) وتلك الحالة أعانتني كثيراً كي ألاحق الحكمة والموعظة والعبر والإرهاصات الإنسانية في شاعرية الدكتور محمود حسن ....
نورد بعض هذه العبر :
في قصيدة (عشتار) أورد حكمة أن الشعوب تبقى, والملوك يموتون :
إن الملوك وقد كانوا أكاسرة راحوا
وكانت جموع الشعب تبتهل
في قصيدة ( ليست بحاراً تنفلق) يطلقها نصيحة ودعوة إلى نزع القناع وترك سلاح الحرب، فلقد أرجعتنا الحروب ألف عام للوراء:
اخلع قناعك
طارحاً هذا الحسام
فلقد تبعثرت القصيدة
والكلام
ورجعتَ يا وطنَ الضجيج بألفِ عام
في سفر قابيل نصائح للحفاظ على معالم الإنسانية ودلالاتها :
لا ترجم البئر الوحيدة قد ظمئنا
رغم أنّا في دمانا نغرق
لا تطفئ الشمع المهيل بخيمة ٍ
فيها وليد أو عجوز مرهق
في قصيدة ( بن الخليفة) يحذر من أن الثورة لاتبصر،لا تميز، وتكون جارفة :
فتبصّري يا أمة الثوار
إن الثورة العمياء
في قصيدة (حروب الردة في كربلاء الثانية) يدعو بالحكمة والموعظة إلى الوحدة وانصهار الطوائف جميعها في الدين الواحد الذي ارتضاه لنا الله :
إن الطوائف والمذاهب لعنةٌ
فتجمّعوا في واحد لنجدّدا
في (القصيدة المريمية) تكثر الحكم والمواعظ بحكم أنها محاولة لإلتقاء حميمي بين المسيحيين والمسلمين :
عصبية عمياء يدفعها الهوى
إن الجهالة لعنة تتكلم
لا تنظرنْ من شرفة ٍ علياء لم
تُنصِف دماً وعلى ثيابكمو دمُ
كن للجميع رسالةً بيضاءَ زنبقةً
تعطِّر ف الوجود تُمَرْيِمُ
رابعاً- الخلفية الأخلاقية أو الثيمة : Moral Background
وتمتاز كل النصوص و الأعمال الأدبية الرصينة برمتها بقيامها على موضوع خاص يبنى عليه النص بشكل كامل، كأن يكون سياسي أو اجتماعي أو إنساني، يلاحق السلبيات ويثبت القوائم الأخلاقية في المجتمع، وذلك هو واجب الأدب والأديب الحقيقي الرصين، ويشترط أن يلتزم الأديب بقوائم الأخلاق والمثل الإنسانية العليا، ولا يحق له التعرض لمنظومة الأخلاق العامة، والأديان والأعراف والقوانين بشكل هدام، حيث يشترط أن ينضوي الأديب الرصين تحت خيمة الالتزام الأخلاقي الأدبي، ويخضع لمقومات مذهب التعويض الأدبي (Doctrine of Compensation)، وهذا المبدأ يفرض على الأديب الالتزام بالقواعد الأخلاقية المنظمة في المنظومة الأخلاقية العالمية، ولا يسمح -على سبيل المثال- أن يشيع في نهاية عمله الأدبي نفاذاً للمجرم من العقاب، أو ينزلق من طائلة القانون مهما كانت شدة ذكائه، أو يؤيد مصطلح الجريمة الكاملة، بذلك يساهم الأدب بإشاعة الفوضى والإرهاب في المجتمعات، وهذا منافي تماماً لأهداف الأدب الإنسانية السامية، بل يبحث عن ثغرة ليجعل الرجحان دائماً لكفة العدالة، ولا يجوز أن يتعرض نص من النصوص لكاتب في أقصى الشرق لعرف أو قانون يحكم، ولو مجموعة صغيرة من الناس تسكن في أقصى الغرب من المعمورة، لذلك يجب أن يكون النقد هو الحارس الأمين لتلك التجاوزات الأدبية الهدامة، التي تخترق بنية الأعراف والقوانين والأخلاق لعالمنا بكل طوائفه وأجناسه، ولا يعد أديباً من يخترق منظومة الأخلاق والأجناس والطائفية، وينشر العداء والفرقة بين الناس...
ومن أحرص من الشاعر الفذ محمود حسن في الالتزام بهذه الخلفية ؟ هي شاعر ملتزم بالفطرة والفكر والعقيدة, يحترم كل الأعرافالأخلاقية , بل ويدعو إليها, بغخلاص وإصرار لافت ...
خامساً- التحليل الرقمي الذرائعي الساند Supporting Digital Analysis:
بعد أن انتهيت من تحليل الديوان عبر مباحث ثلاث، أسند تحليلي إلى جدار نقدي
علمي قوي، أولاً أختبر هذا التحليل بجمع جميع الدلالات الحسية والأعمدة الرمزية وتحليلها (test)، ثم أحسبها رقمياً، لأثبت رجاحة الدلالات ومفاهيمها السيمانتيكية والبراغماتية، وأقوم بموازنتها مع بعضها البعض بميل حسابي، ثم أحدد درجة الميل لكل واحدة منها ...
بذلك أكون قد أسندت آرائي النقدية رقمياً و حسابياً، بأحكام رقمية بحتة لا تقبل الشك، بل تزرع اليقين لدى كل متلق وناقد، ومن خلالها نحدد هوية الكاتب وهوية النصوص ( تجنيس النصوص)، أي فعالية استنباط هوية الشاعر والقصائد أدبياً وإنسانياً وجمالياً ودراسة عمقه الأدبي ودرجة انزياحه ورمزيته، الآلية تقوم على استخراج جميع الأعمدة اللسانية والدلالات الحسية وحسابها ودرجة تكرارها في النص، أو ما ينوب عنها من مرادفات ومعاكسات، وتحويلها إلى أرقام بطريقة حسابية .. وكانت النتيجة ما يلي :
الدلالات الحسية الإيجابية :
حب : 6
طهر :8
صدق : 3
أمل : 2
ثقة :2
عفة :2
أخوة : 7
فرح :2
فخر بالوطن : 13
المجموع : 43
الدلالات الحسية السلبية :
وجع : 8
حزن :10
غضب :4
استنكار :11
ذبح و دم :15
حرق: 3
غرق: 4
خيانة:4
طائفية :5
سيف :7
حروب وثارات وثورات :8
هتك :8
قتل : 13
كذب ونفاق وفساد :6
نجاسة :4
تنطّع :4
فتنة :3
عداوة :3
المجموع : 120
بطرح الأقل من الأكثر نجد أن الدلالات السلبية تزيد عن الإيجابية ب 77 وحدة ..
الشاعر متشائم وساخط ومندّد, من الوضع الذي آل إليه حال وطنه ومجتمعه في ظل فساد عقائدي وفتن طائفية، ونفاق سياسي ومجتمعي، يائس وخائف من المستقبل إن لم يُتدارك الحاضر .
دلالات التديّن :
اقتباس قرآني وحديث شريف :50
الله :7
كتب سماوية ( سفر, ألواح, نزل ,مصحف ) :8
جبريل وملائكة :3
روح :6
رسل ( محمد , عيسى , موسى ) : 10
رموز دينية ( فاطمة , علي , الحسين , مريم , أبوبكر ):27
وضوء : 3
ابتهال : 4
مساجد : 9
منابر وأئمة : 10
كنائس وصليب : 10
صلاة تهجد وصوم :10
شيوخ :4
راهب :2
سجود : 8
المجموع : 171
الدلالات الرومانسية :
عشق : 20
امرأة:10
طبيعة:15
شوق :6
إعجاب :10
وصف جمال الحبيبة :14
المجموع : 75
دلالات التساؤلات :18
دلالات الحكمة والوعظ : 10
الدلالات اللغوية : 193
سادسا- الميل الدلالي: Final Critic Rubric
إن التحليلات الرقيمية السابقة، تقودني إلى نتيجة للتقييم الابداعي التالي:
أ‌. شاعر رومانسي بدرجة 193 وبنسبة رومانسية 97%
ب‌. شاعر متدين بدؤجة 171 شاعر ملتزم أخلاقياً واجتماعياً بنسبة 86%
ج- شاعر تهكمي ثائر عن الواقع بدرجة 120 شاعر تهكمي بنسبة 60%
د – شاعر اجتماعي واقعي بدرجة 43 واقعي ميال لمجارات الأمور الواقعية بنسية 43% ونستنتج :
إن الشاعر الفذ / محمود حسن/ في ديوانه ( سفر التوسّل) هو شاعر وجداني متشائم من الأوضاع السائدة المترعة بالافك , يتمتع بثقافة أدبية ولغوية رفيعة المستوى, يميل إلى التديّن والعفة, والعقيدة النقية السمحاء, يمتلك فكراً وقّاداً, منفتحاً على العلم والحضارة, إنسانياً بامتياز يقبل, بل يؤاخي المختلف, يميل إلى الرومانسية, فهو عاشق عذري عفيف, منفعل ومتابع راصد لكل الأحداث السياسية والمجتمعية, وطني همّه أبناء وطنه وحال بلاده , يميل إلى الحكمة وإسداء النصح والوعظ للأمة ...نسبة شاعريته وابداعه وصلت 71%
سابعاً الخاتمة :
أنتهي هنا، و قناعتي أن الديوان يستحق الاستفاضة أكثر، لكن الكمال لرب الكمال، وما نحن إلا بضع من خلقه، إن عَلِمنا فما أوتينا من العلم إلّا قليلاً، ولعل النظرية الذرائعية التي أعمل وفقها قد وعت وأدركت ذلك، عندما أولت القشرة الجمالية للنص الأدبي العربي ما تستحقه من اهتمام، وجعلتها تتماشى بالتوازي مع المضمون، وقد تتقدمه، أو تتخلّف عنه، بحسب مقتضى اعتناء الشاعر بها وبالمضمون، وهنا أراها قد تقدّمت المضمون، لذلك حرصتُ على رفعها بحذر شديد, لأكشف المضمون، لم ألجأ إلى تحطيمها كما يفعل داريدا بنظريته التفكيكية، بل اكتفيت بالتحليل الأولي، حتى لا يتكسّر الشكل ويتشظّى، ما يوقعنا بشرك التناقض والشروخ، وخصوصاً أن الديوان في كل قصائده قائم على التناص القرآني، وحاشا لله أن يكون في مفردات القرآن - وهو مصدر التناص- أي تناقض ...وهنا أغتنم الفرصة لأشكر أستاذي صاحب النظرية المنظّر الكبير عبد الرزاق عوده الغالبي ..
وتحياتي وجلّ تقديري إلى الشاعر الفذ الذي جعلني أحلّق في فضاء القصيدة، وأغوص في أعماقها مستمتعة بالفضاء وبالعمق، متمنية أن أكون قد وُفِّقت بالإشارة إلى مساحات الإبداع الشاسعة في الفضاء والعمق ...
احترامي وتقديري دوكتر محمود حسن ...



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مركب نقص
- فانتازيا الازدواج الغرائبي والتاريخي والفلسفي والوجداني في ر ...
- بين خوف وحلم
- قرين
- صراع في الأنا
- ليلة نام فيها الأرق
- حديث لم يصل
- دراسة ذرائعية للناقد المغربي سعيد انعانع لقصيدة / هواجس اليأ ...
- يوم مت
- تحليل ذرائعي للنص القصصي-زيارة- للكاتب-حسن مزهار بقلم الناقد ...
- دراسة ذرايعية للناقدة المغربية سميرة شرف لقصيدة ( الحرية ) ل ...
- مساء استثنائي
- دراسة ذرائعية للناقد المغربي محمد الطايع لنص ( الغزل في المم ...
- فلسفة الزمن ببعديه النسبي والمطلق
- الموت شنقا
- الاقتران الإنساني بين الوطن والشاعر وبين العمق الأدبي والعمق ...
- السياب يبعث من جديد
- إشهار كتاب (الذرائعية في التطبيق)
- الصفعة
- قصيدة لم تكتمل


المزيد.....




- القضاء العراقي يوقف عرض مسلسل -عالم الست وهيبة- المثير للجدل ...
- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - التدين والعفة والعقيدة النقية السمحاء في نصوص للشاعر د. / محمود حسن/ دراسة نقدية براغماتية لديوان ( سفر التوسل) بقلم الناقدة والباحثة البراغماتيكية السورية د./ عبير خالد يحيي