أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - من أدب الرحلات.. الصين















المزيد.....

من أدب الرحلات.. الصين


فيحاء السامرائي

الحوار المتمدن-العدد: 5674 - 2017 / 10 / 20 - 18:04
المحور: الادب والفن
    


الرحلة المنظّمة الى الصين تجربة مميّزة، لكونها من البلدان المدهشة التي يصعب زيارتها بمفردك لأول مرّة لأسباب تتعلق بصعوبة التواصل اللغوي والتنقل وشساعة المساحات الجغرافية.. أخترت نوع الرحلة "البريّة" والتي تفسح المجال لرؤية أرحب للطبيعة وللاستمتاع بها.. في رحلة العشر ساعات في الطائرة، كنت أستذكر ما قرأته عن هذه البلاد الغريبة البعيدة، (الأرض الطيبة لبيرل بيك، المستطرف الصيني لهادي العلوي) وأتساءل، ترى ماذا يمكن أن تضيف لي تلك الرحلة؟

الناس في مطار بكين نحيفين مبتسمين ومن بينهم المرشدين السياحيين المسؤولين عنا في الرحلة، والذين أخذونا الى فندق فارهٍ في الجانب الغربي من العاصمة واطلعونا على برنامج رحلة العاصمة.. زيارة الى معبد السماء العتيد عبر درجات السلم العادية وليس عبر الزخرفة التقليدية.. سور الصين العظيم وطريقة ارتقائه بإحناء الظهر وشبك اليدين خلفه، على عكس النزول، بسحب الظهر للخلف.. ميدان تيان آن من أو تيامِن في مركز بكين، معناه الحرية أو الساحة الحمراء، أكبر ميدان في العالم مساحة، بُني عام 1417، فيه وقف ماو في 1949 وأعلن قيام جمهورية الصين الشعبية.. المدينة المحرّمة، فيها القصور الامبراطورية من مملكة منغ الى مملكة كنغ (1420-1912).. معمل اللؤلؤ واليشم الأخضر الحكومي.. حدائق وأشجار تليدة.. كل ذلك ولم نر ناس كثيرين في الشوارع حسب تصورنا، يا للغرابة! أين الـ 21 مليون نسمة سكان العاصمة؟ ( ودّيتو الشعب فين؟) سألنا المرشد، أجاب،أغلب الرجال والنساء في أماكن عملهم الآن والجدّات والأجداد يرعون الأطفال الصغار والفتيان والفتيات في المدارس.

أخذتنا الطائرة الى مدينة تشو شنغ، فوجدنا بانتظارنا يختاَ بثماني طوابق وكأنه مدينة ساحرة عائمة على ضفاف نهر يانستنغ الذي يعتبر ثالث أطول نهر بالعالم بعد النيل والمسيسيبي.. قضينا هناك أروع خمس أيام ( حفلة استقبال القبطان، بوفيه طعام مفتوحة، التفرج من شرفة الكابينة على مناظر طبيعية خلابة والاسترخاء، حضور فعاليات مسلية وتقليدية، حضور سينما، النزول الى بعض القرى، نزهة قارب في خلجان تحيطها قمم جبال خضراء، حديث المرشدة السياحية عن فيضان النهر والعادات الاجتماعية لقومية التوجا، غنائها بلهجتها، ختمناها بزيارة للسدود الهيدروليكية العملاقة الثلاثة، والتي تُعتبر من أكبر المشاريع الهندسية في التاريخ الإنساني بضخامتها وفوائدها، فقد حالت دون فيضان النهر ووفرت الطاقة الكهربائية لمعظم مدن شرق الصين بكلفة أكثر من 37 مليار دولار ومدة 17 سنة بناء، فلاتوجد قرية أو جبل بدون كهرباء.. لاحظنا كيف مرّت الباخرة عبر سد الممرات الثلاثة خلال ثماني ساعات (تفريغ وتعبئة، ارتفاع وهبوط).. الرحمة على روح كونفوشيوس العظيم.

تواصلت رحلتنا بقطار الطلقة السريع، صفّق الركّاب لدى رؤية المؤشر يصل الى 303 كم في الساعة، وصلنا تشين تشو، زرنا حيوانات الباندا اللطيفة وقت تناولها لطعامها المفضل، قصب السكر.. رحلنا في اليوم التالي الى مدينة الاثرياء، هان تسو، حيث مظاهر الغنى واضحة في السيارات الحديثة.. زرنا قرية الشاي التي تخضع زراعته لمعايير صارمة فيعتبر الانسان الجيد هو الذي يصنع الشاي الجيد، وتجسد روح الشاي روح الثقافة الصينية، ولو يتمنى أحدهم الخير يدعو لك بعمر الشاي المديد أي (108) عاماً، ولا غرابة أن يشبّهوا حياة الناس بالشاي، فحلاوتها لا تأتي الّا بعد مرارتها.. ذقناه، لا يشبه الشاي الأخضر الذي نتناوله، فلا يعرف طعم الورقتين الصغيرتين عند نهاية الشتلة، سوى ناس مهمين في العالم كالأثرياء أو الرؤوساء، فهذا النوع الباهض لا يباع ولا يصدّر، أدركنا اننا نتناول (زبالة الشاي)، وان للشاي الجيد مدارس وجامعات ومصانع وبحوث وطلاب وأساتذة وخبراء وينبغي أن يكون بلا سماد كيميائي ولا ترش عليه مبيدات.

وو هان،على نهر يان، مدينة صناعية جميلة، وصلناها بالحافلة، زرنا متحفها المحفوظة فيه مومياء منذ القرن الخامس قبل الميلاد، كانوا يضعون ختماً امبراطوياً في فم القائد الميت، ولؤلؤة سوداء في فم النساء النبيلات.. استمتعنا، رغم برودة الطقس، بجولة في البحيرة الشرقية التي تحيطها معابد بوذية وزرنا حديقة تحتوي على نباتات بوتانية غريبة وزاهية.

الطريق الى مدينة هان سان كما أغلب الطرق بين المدن، مفروش بحقول زهور اللفت الصفراء وحقور الرز والبيوت الفلاحية المتنعمة.. كان على قائمة برنامجنا زيارة قمة جبل هوانشغان ضمن سلسلة الجبل الصفر على ارتفاع 1.864 كم، والذي يحتوي على "36 قمة كبيرة و36 قمة صغيرة" وعجائب مثل أشجارصنوبر جبل هوان غشان النادرة، والصخور الغريبة التشكيلات، والعيون الدافئة، ولا يمكن نسيان مرأى الجليد المتدلي من الأشجار ومنظر الوديان العميقة المريع، وكذلك انقطاع النفس عند الطلوع والبرد الشديد، وأدهشنا الحمّالون الذين يطلعون الجبل بسلتين ثقيلتين مربوطتين بوتد طويل على أحد أكتافهم (منعنا المرشد السياحي من تصويرهم حفاظاً على مشاعرهم).

بعد خمس ساعات في الحافلة شاهدنا التلوث يلوح لنا من مدينة شنغهاي (سانگ هاي).. حداثة بائنة تجلت في ازدهار عمران وآلاف من ناطحات سحاب بنيت بفترة قياسية ومازال البناء قائماً، برج شنغهاي في جانب أو منطقة بودنغ، ثاني أطول برج بالعام بعد برج خليفة في دبي، ارتفاعه 632 متر، بكلفة 2.4 بليون دولار، دام بناؤه ثماني سنوات، إضافة الى برج جين ماو وغيره من البنيات العالية وأغلبها تتعدى الـ 36 طابقاً، مزيّنة بإضاءة فاقعة كما في بكين، وهذه الظاهرة تشتهر بها البنايات العالية في الصين حيث تتحول السماء الى لوحات وتشكيلات وكتابات ضوئية ودعايات ملونة مذهلة.. متحف شنغهاي، معمل الرسم على الحرير، أكروباتيك شنغهاي الشهير، شارع نان جنغ الشهير للتسوق، معمل الحرير في منطقة أو جانب شيا من شنغهاي، أطلعونا هناك على مراحل تصنيع الحرير، منذ تربية دودة القز حتى الخيوط الحريرية ومساحيق مستخرجة منها.. لم يمنع ارتفاع الأسعار بعضنا من شراء وسادة أو لحاف أو ربطة عنق وقاوم البعض رغبات شراء رغم المغريات.

ساعدنا المرشد السياحي على تمضية وقتنا في أوقات السفر الطويلة بين المدن بأحاديثه، وأغنانا بمعلومات مختلفة عن الصين تاريخياً واجتماعياً وسياسياً، الاسر والسلالات والامبراطوريات الحاكمة منذ حكم تشانغ، 1500 قبل الميلاد، وحتى بعد تأسيس جممهورية الصين الشعبية.. قوميات الصين المتعددة ( 56 قومية أكبرها الـ هان)، أديانهم المختلفة، الطبقات الاجتماعية وكيف كان يعيش الفلاحون والاقطاع، الأزمة الاقتصادية وكيف صار الناس لا يفرّطون حتى في أرجل البط التي مازالت تباع في محلات الطعام، هجرة الفلاحين الى الحقول الأخرى بحثاً عن الرزق في مواسم جني القصب أو الذرة أو الشاي أو زهور الياسمين، ماذا يحب وماذا يكره الصيني ( يجب تجنب بعض الهدايا لارتباطها بطقوس غير محببة: صنادل القش التي تعني التخلي عن الطرف المقابل، ساعات الحائط، ترمز لزمن الموت، الأوشحة والمظلات، تعني الافتراق، القبعات الخضرات ترمز الى الخيانة والديوثية، وكذلك أي شيء فيه الرقم 4 المكروه، لأنه يعني باللغة الكانتونية الموت، ويجب أيضا تجنب تغليف الهدايا باللون الأبيض أو الأسود أو الأزرق، أو إهداء هدايا بهذه الألوان، وإذا صدف وتلقى أحدهم هدية مكونة من ثماني قطع فهذا يعني أن من أهداها يتمنى له الحظ الوفير، لأن الرقم 8 من أكثر الأرقام حظا في الثقافة الصينية، و الرقم 6 يعني البركة وحل المشكلة سلفا.. ويعتبر اللون الأصفر( الذهبي) اللون الرمزي للأباطرة الخمسة الأسطوريين في الصين القديمة، حيث زيّنت به الكثير من القصور الملكية والمذابح والمعابد، أما الألوان الأسود والأحمر وتشينغ "خليط بين الأزرق والأخضر" والأبيض ومعهم الأصفر فهي ألوان رئيسية في الفن والثقافة الصينية التقليدية، تتوافق مع العناصر الخمسة وهي الماء والنار والخشب والمعدن والأرض، و قد استخدم أباطرة الصين - سلالات شانغ وتانغ وتشو وتشين- نظرية العناصر الخمسة لتحديد الألوان).

كما تعلمنا من مرشدنا بعض مفردات من اللغة الصينية، وحدّثنا بزهو عن انتشار الصناعة الصينية عالمياً ( كل ما ترتدونه هو من صناعتنا، وبضاعتنا تنتج بنوعيات متباينة من حيث الجودة والسعر).. كما عرفنا منه بعض العادات الاجتماعية وعلى سبيل المثال أن العائلة الفلاحية عند ولادة ابنة تزرع لها شجرة، يقطعونها عندما تتزوج ليصنعوا منها أثاثاً، وحينما تكبر الفتاة يعاكسها الفتيان قائلين ( هل شجرتك ما زالت بأرضها لم تقطع؟).

انطباعاتنا عن تلك البلاد وناسها، (وقد كنت ضمن عدد من الأجانب)، تنحصر في مشاعر الدهشة والاعجاب لما رأيناه من انضباط ونظام ونظافة فائقة، ودور رائد للمرأة مساوٍ للرجل ( تشتغل في الحدائق وبناء الجسور ودفع العربات، وتحمل القروية طفلها في سلة على ظهرها وتبيع بضاعتها)، وعجبنا من كثرة تناول الصينيين لفاكهة البطيخ الأحمر، ومن ممارستهم شيوخاً وشباباً، هواية لعبة الورق (من دون مقامرة لكونها ممنوعة)، ومن غرابة الطعام الصيني ( دود مسلوق مع الخضار، أرجل ضفادع، رز دبق ملفوف ومسلوق بأوراق القصب، مخلوطا أحياناً بدم البط، سمك حامض تغذّى على أزهار القدّاح في وقت الربيع والذي يعتبر رمزاً لالتقاء الأقارب.. انتبهنا الى ان سلطة الابوين ما زال لها تأثير بليغ على حياة الأبناء ومستقبلهم ( لكل أسرة الحق اليوم في انجاب طفلين بعدما كانت تنجب طفلاً واحداً).. شغل بالنا أيضاً نزعة الشباب الحالية نحو التمرد وميلهم نحو التوجه الرأسمالي الغربي ( بدا ذلك واضحاً لدى مرشدة سياحية اشتكت من غياب حريات التعبير وسوء الحالة المعيشية وصرامة الرقابة على الانترنيت، ذكرتني بشكوى مماثلة لمرشدة أخرى في موسكو قبل انهيار النظام الاتحاد السوفيتي حين زرته)، مما يتوجب على الدولة والحزب معالجة تلك الثغرة وخصوصاً ان المؤتمر 19 للحزب الشيوعي الصيني ينعقد هذه الأيام بغرض وضع خطط طويلة طموحة للتسريع من معدلات النمو الاقتصادي وتعزيز الاشتراكية ذات الخصائص الصينية وللقضاء على الفقر والفساد وردم الفجوة بين طبقة الاثرياء والفقراء، كل ذلك من أجل الرفاه الاجتماعي باتباع سياسة الاصلاح والانفتاح والخروج عن نمط الاقتصاد المخطط لتعجيل معدلات النمو والدخول بمياه الاصلاحات العميقة والتغييرات الجريئة بشكل قد يذهل العالم رغم الحجم الخارق للانجازات الحالية.
مرحى للصين، ني هاو تشاينا، ولشعبها المجتهد المثابر.



#فيحاء_السامرائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ني هاو تشاينا
- عالم سائل
- الحصير والهجير
- هجير وهجران
- دومينو عراقية
- نار (هلي) ولا جنتك
- العراق عام بعد مئة عام من التغيير، قصص خيال علمي
- فصل فيسي
- (خبال) علمي 2
- أنا صنعتكِ من خيالي
- قمامة وعمامة
- يوم همست المدن بكامرة قاسم عبد
- البيئة المحلية في الرواية.. زخرفة أم وظيفة عضوية؟.. رواية - ...
- الخالقون
- مش عيب يا محمد !
- (عشاء مع صدام)........مزاوجة بين السياسة والاستخفاف
- تلويحة وفاء
- -غودو- الهزلي ، رؤية إخراجية جديدة
- الى من يهمه العمر
- على معبر بْزيبيز


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - من أدب الرحلات.. الصين