أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - سوق العُنَّابة














المزيد.....

سوق العُنَّابة


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5662 - 2017 / 10 / 7 - 05:42
المحور: الادب والفن
    


أنت تقف الآن بأفكارك أمام سينما الدنيا في اللاذقية قبل أعوامٍ مديدة، أنت تقف أمامها وظهرك يطل على بوابتها الحديدية المدهونة بالأسود، ووجهك يطل على الساحة الصغيرة، أنت لا تقف أمامها في طريق المحور الرياضياتي الذي ينصف بوابتها تماماً، المحور الذي يخترق تسجيلات آسيا على الطرف الآخر، المحور الذي يصلك منه صوت فؤاد غازي أو أحياناً عتابا إبراهيم صقر، أنت تقف في الحقيقة حيث يمر منك محور ثانوي آخر، يصنع زاوية رؤية جميلة مع المحور الرئيسي، زاوية من حوالي ستين درجة، إذن أنت تطل على الدرجات البيتونية السبعة، التي يخترقها المحور الثاني على الطرف الآخر، بينك وبين الدرجات التي تقودك إلى زقاق نصفه مسقوف شارع مسافر إلى المركز الثقافي، الزقاق يغويك ويخيفك في الآن نفسه، على يمين الدرجات محل أحذية، لا بل لعله محل قمصان وربطات عنق وجرابات، على يسار الدرجات محل لتلميع الأحذية، لا بل لعله محل لحلاقة الشعر، أمامه يجلس صبيان، أمام كل منهم صندوقه الخاص، صبيان تذكّرك سحنتهم بأولئك الفلسطسينيين الفقراء والغامضين، صبيان يرجونك أن تترك حذاءك لينظف من قبلهم وأنت في وضعية وقوف، أمامهم يجلس رجل عتيق أمام صندوق نحاسي كبير ومزيّن، يدعوك لتنظيف حذائك في وضعية جلوسٍ، على كرسي يذكّرك بكرسي الحلاقين ممن يحترمون المهنة، بين صناديق البُوَيْجيين وصوت فؤاد غازي ثمة شارع غني، غني بمحلات الصاغة والكنيسة ومطعم ومقهى العشاق تحت الأرض، سوق يقودك إلى شارع القوتلي، السوق الشهير الذي يتقاطع مع سوق دكان الكوسا، أي سوق روائح اللحمة المشوية، أقصد سوق العنّابّة، إذا نظرت إلى الجانب السلبي من المحور الثانوي حيث تقف، أي إذا ما نظرت إلى اليسار ستقع عينك اليسرى حتماً على مقهى الموعد، لعلك تستطيع من موقعك أيضأً رؤية طرف من سينما الكندي، وإذا ما تجرأت على النظر باتجاه المحور الرئيسي، أقصد على يساره قليلاً سترى محلاً بحجم مؤخرة عقرب، محل فلافل، الذي ينتهي به الشارع الضيق، الكثيف بمحلاته الصغيرة المتشابكة، المكتظ بالناس الحيارى، بمكتبة عريف وسينما اللاذقية، سترى شارع هنانو المسافر إلى ساحة الشيخ ضاهر، إلى جامع العجّان، إلى مدرسة جول جمّال، حيث ينتظرك باص البلدية، وأنت حيث ما زلت تقف في مكانك قبل عقود إذا ما أردت أن تنظر إلى الأسفل، أي على يمينك مباشرة مثلاً، أمام محل الأحزمة الجلدية، حينئذٍ سترى صبيان التهريب وقد فرشوا بضاعتهم التي أحضروها سراً من لبنان، أحذية وبيجامات رياضية، بنطلونات وقمصان من الجينز، وعلب الدخان الأجنبي وأشياء أخرى، وأنت حيث تقف تنسى كل ما شاهدته عيناك، ولا ترى إلّا الدرجات البيتونية التي تحضك على الدخول إلى عالم الزقاق، الذي يقودك إلى محلات بيع الأقمشة، وعلى رأسها دكان علي الدو، الزقاق الذي يوصلك إلى ساحة السمك، إلى ساحة أوغاريت، إلى أعمدة أوغاريت، إلى سينما أوغاريت التي تعرض الفلم الهندي الشهير التؤامان، تلقي نظرة أخيرة على الأحذية المهرّبة المدهشة، تلعن أسعارها، تقرر أن تخترق الزقاق، رغم معرفتك للوجع الذي ينتظرك في منتصفه، تحديداً في ذاك البيت الأرضي في نهاية الثلث الأول من الزقاق، هناك سترى ثلاثة أولاد، صبيان وبنت، أو بنتان وصبي، في المجال العمري بين التاسعة والخامسة عشر، ستراهم نصف عراة، يزحفون على عتبة البيت، يودون الخروج للتنفس ورؤية العالم، ثلاثة أولاد أرهقتهم الإعاقة المديدة، ثلاثة أولاد لعلهم يحلمون بالوصول إلى سوق العنّابّة لتذوق اللحمة المشوية التي تعبق رائحتها في فضاء المدينة.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليهودي حجر الجلخ
- حين تقع في غرام الرئيسة
- مسافة بؤرية
- شَذَرَات فيسبوكية
- إجهادات هصر
- المناضل السابق جهاد النِّمْس
- تاجر العيد
- نَوَافِذ مَفْتُوحَة على مَصَارِيعِها
- أيام في مدينة لايبتزغ
- هانسغروهي
- حفلة مُنَوَّعَات
- اِسْتِنْفار في مدينة حلب
- الحَكِيّ بسركم يا جماعة
- فاصولياء يابسة
- حوار ودّي
- مِنَ الرَّفْشِ إلى العَرْشِ
- الهارب حسّان
- اعتقال الفصول الأربعة
- الرَّفْش ولا العَرْش
- الشاورما تجعلك أجمل!


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - سوق العُنَّابة