أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الحاج صالح - بين العاصمة أوسلو ومدينتنا














المزيد.....

بين العاصمة أوسلو ومدينتنا


محمد الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 5660 - 2017 / 10 / 5 - 21:03
المحور: الادب والفن
    


قصة
بين العاصمة و مدينتنا
واضحٌ أنها تعيد الاتصال بالشخص نفسه، فهي تضغط ضغطة واحدة على "الموبايل". لا تنتظر كثيراً حتى تبدو عليها الخيبة، ثوانٍ مجرد ثوانٍ. وأنا صرت شبه متأكداً أن من هو على الطرف الآخر كان يقطع الاتصال، وأن احتمال أن يكون الخط مشغولاً هو احتمال بعيد، هكذا كانت تعابير جسدها تقول، وهكذا كانت تقول سبابتها المتوترة الراجفة وهي تضغط على إعادة الاتصال.
لم تكن المقاعد في الباص بأكثريتها مشغولة. والعادة هنا في النرويج أن يجلس كل مسافر في مقعد لوحده أولاً، وعندما يزيد عدد المسافرين عن عدد المقاعد تبدأ المقاعد في استقبال الراكب الثاني ليجلس جنب الأول. يحبون العزلة، ولا يحبون الحديث في السفر. وكنت أجلس في المقعد المجاور لها، و خلفها تجلس عجوز تقرأ في كتاب ويهتز رأسها في الزهايمر، و الكتاب يرتعش بين يديها.
فجأة قالت عبر الموبال بصوت مرتعش وبالانجليزية I thought I would surprise you. "فكرت أن أعمل لك مفاجأة" يبدو أنه ملّ من رنين الهاتف أو من اهتزازه. أو لعله يلعب. أو ربما هو غاضب... أسمع صوته صوت رجالي خشن، ولا يمكن تمييز ما هي الحالة التي عليها صاحبه، ولكنه وبكل تأكيد صارم وعميق. مع الوقت ومع تكرار الصبية أنها فكرت بأن تفاجئه وأنها فكرت أنهما سيقضيان عطلة ممتعة، فهمت أنها قررت مدفوعة بشوق عارم أن تسافر إليه دون أن تخبره.
هي فتاة في العشرين من عمرها لا أكثر فيما أعتقد. شقراء ذات شعر أصهب. وعيناها زرقاوتان. غير مكتنزة، لكنها ليست نحيفة. تلبس بنطالاً من الجنيز ضيقاً، وقميصاً حريرياً أخضر اللون مما تلبسه النساء الأكبر سناً، وجاكيتاً أسود وهو أيضاً اللون الذي لا تلبسه فتيات هذه البلاد إلا فيما ندر. كانت تبدو أكبر سناً وأغنى من مجالييها. كان لدي انطباعاً أنها تعمل عملاً يدر مالاً كثيرا، أو أنها من عائلة غنية من عائلات العاصمة. وما لفت نظري أكثر أن أصابع يديها طويلة نحيفة، وهو أيضاً مما لا تتمتع به نساء هذه البلاد عموماً. أصابعهن عادة قصيرة بتراء ثخينة. عرقٌ عامل خشن.
مع الوقت زال تحفظها وضاعت نبالة صوتها فراحت تجهش ببكاء مكتوم مع ترداد I thought I would surprise you "فكرت أن أعمل لك مفاجأة". ينقطع الاتصال. لا بد وأنه هو من يقطعه، وتعيد هي الاتصال مرات ومرات. ثم يستأنفان الحديث بينما هي لا تزيد إلا كلمات قليلة عن I thought I would surprise you "فكرت أن أعمل لك مفاجأة". بدأت كلماته غير المفهومة تتواتر في مقاطع طويلة مثل رشاش يطلق من فوق رابية، بينما تقلصت هي على ذاتها مرددة I thought I would surprise you "فكرت أن أعمل لك مفاجأة". واضح أنه لا يريدها أن تأتي وأنه غاضب للغاية من هذه المفاجأة التي نقضت غزلاً كان يغزله.
لم تكن من موسيقى ولا راديو ولا أحاديث جانبية بين الركاب. كان فقط صوتها الضارع الباكي يسود. وما من شك أن جميع المسافرين كانوا مشدودين إلى صوتها وإلى التفكر في حالها وحال ذاك الذي على الجانب الآخر، يبدو هذا جليَاً في لغة أجساد الجميع. سكون وتململٌ بسيط وتشتتٌ في النظر والتفاتات حذرة كما لو أنهم لا يريدون الإساءة إلى حزن وقهر هذه المرأة المخذولة.
كنت أفكر ماذا يفعل الآن ذاك الشاب أو الرجل في الطرف الآخر ولماذا يعذب هذه المرأة الرقيقة. أيكون لعوبا مزعزع الأخلاق؟ أليس وارداً أنه الآن مع "حبيبة" أخرى يلهو معها وقد باغتته حبيبته الأولى بمفاجأتها؟ أيكون قد خطط ومنّى نفسه بعطلة مع الحبيبة الجديدة فإذا بالأولى تداهم وتخرب خططه؟ والأهم لماذا هي بهذا الضعف وهي الجميلة الشابة التي يبدو عليها الغنى؟ لماذا هي متعلقة بهذا الرجل وبهذه الطريقة التي تبدو غير طبيعية بالمرة؟
كانت العجوز ومن خلف نظارات القراءة وبيديها المرتعشتين و برأسها الرقاص مثل لعبة الواجهة الأمامية في السيارات، تبدي امتعاضاً صامتاً. وفجأة عند آخر I thought I would surprise you "فكرت أن أعمل لك مفاجأة"، التي تجاوزت حتماً المائة مرة في تردادها، غرست العجوز عصاها في أرض الباص ونهضت وترنحت، ولكنها تماسكت. خطت خطوت إلى الأمام. وتحفزت أنا كي أساعدها كي لا تقع. ففي هذه البلاد يرفض الناس المساعدة بإباء إن لم يكونوا بحاجة إليها. ولن يشكروك على المساعدة مطلقاً إن لم يكونوا قد طلبوها.
مع سرعة الباص بدا أن العجوز لن تستطيع الثبات في وقفتها. بادرتُ مغامراً، ومسكتها من خصرها. وبدا جسدها راضياً ومستسلماً للمساندة. قالت للفتاة بالنرويجية كما لو أنها تصرخ Du... Nå må du slutt å klage på den måten... si til ham at han er drittsek, rasshøl og at det er slutt. vær kvinne " أنت يا هذه... توقفي عن الشكونة بهذه الطريقة... قولي له أنه فتحة طيز... كيس خراء وأنها النهاية. كوني امرأة". قالت "كوني امرأة" مثلما نقول لفتى لـيّنٍ "كن رجلاً".



#محمد_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لومٌ من بعض الأصدقاء الأكراد
- ملحمة حلب الكبرى أم هي ابراهيم اليوسف
- الساروت والعرعور. جرس إنذار عالي الصوت.
- وحدة المعارضة السورية بين الجهود والتمترس
- لماذا يُنتقد المجلسُ الوطني؟
- مقدمة لمُناقشة إشكالية العسكرة والانشقاقات العسكريّة
- لماذا سمح النظام السوري بعقد مؤتمر هيئة التنسيق الوطنية؟
- نقدُ المعارضة السورية وتجريحُها
- مهاجمو برهان غليون
- خفّة دم الانتفاضة السورية تزعجُ الأستاذ الخازن
- قائد فصيل المُهارفة ابراهيم الأمين يتمنى
- الحزب الشيوعي اللبناني يسكت دهراً وينطق ستالينية
- أُبيّ حسن في فينكس الناطق الرسميّ باسم العلويين الغاضبين
- هذه المرّة الشعبُ السوري أكثر تحضراً وتمدّناً من النظام بما ...
- العار في صحيفة العار صحيفة رامي مخلوف
- الثورة السورية أعظم الثورات العربية
- إعلان دمشق في الخارج يُبَيّن البَيّن
- الصنفُ الآيل للسقوط من المثقفين السوريين
- ليس أرخص من نظام يدفع نحو الطائفية
- -كرمال- الكرسيّ ترخصُ دماءُ السّوريين


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الحاج صالح - بين العاصمة أوسلو ومدينتنا