أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ربيعة العربي - ضد هذا البياص أسير














المزيد.....

ضد هذا البياص أسير


ربيعة العربي

الحوار المتمدن-العدد: 5659 - 2017 / 10 / 4 - 10:16
المحور: الادب والفن
    



ضد هذا البياض...أسير
ربيعة العربي
كان الوقت ليلا. سمعت نباح الكلاب آتيا من بعيد. قادني فضولي إلى فتح الباب. الطبيعة مكسوة بالثلج، و ليس أمامي إلا هذا البياض المزهو بجبروته. أغمضت عيني أبتغي تلوينه بالأخضر أو البنفسجي أو الأزرق... لا يهم. ما يهمني هو أن أغتال هذا اللون... أن أجابه هذا البياض الفاضح المعلن الممتد بهذا السواد الخفي المستور. غير أن قبضته كانت آسرة هوت بي من عل إلى قعر الذاكرة. وجدتني أتجول في دروبها بعينين مغمضتين بإصرار كي لا أرى. رمقني بنظرة ساخرة و لسعني ببرده القارس و بالعينين الواسعتين و بالقامة التي تقف في تحد شامخ أمام الباب و بالصوت الذي يقول بإصرار:
- حان وقت الذهاب إلى المدرسة.
من قعر الذاكرة فتحت عيني و نظرت إليها نظرة كلها رجاء. فأكدت بنبرة هادئة:
- لا مجال للتردد.
أذكر أنني نظرت إلى الصندل المتآكل الذي كانت تنتعله لتتحدى به هذا الثلج الذي كان يتربص بنا منذ أول خطوة نخطوها خارج البيت. حملت محفظتي بتثاقل و تبعتها. لاحقتنا نظرات أمي المغلوبة على أمرها و دعواتها. سرنا نخطو ...تدفعنا الريح إلى الوراء. يدفعنا إصرارنا إلى الأمام. أحست أختي بشوكة تنغرز في الأصبع الذي يطل من الصندل. نزعتها بإصرار و قبضت على يدي بقوة لتحثني على السير. أحسست بالحرارة التي كانت تنبعث من يدها. قلت لها بسذاجة صبية لا تفقه معنى الأشياء:
- تنتعلين هذا الصندل الممزق، و مع ذلك جسمك تنبعث منه حرارة تحسدين عليها.
ضمتني أختي بقوة أحسست بالدفء. أحسست بحرارة جسمها تنتقل إلى جسمي البارد . قالت لي:
- اقتربنا من المدرسة. لم أعد أقوى على السير. واصلي طريقك بدوني.
قلت لها باستغراب:
- لكن أختي، لماذا؟
لم تجبني أختي فقد أغمي عليها. صحت بكل خوف:
- أختي..أختي
لم تجبني فوجدت نفسي أركض... أركض حتى وصلت إلى المدرسة. وجدت المدير بالباب، أخبرته بالأمر، فأمرني بالدخول و طمأنني. قال لي بأنه سيتدبر الأمر. انتظرت أختي طويلا غير أنها لم تأت، و كانت هذه هي المرة الأولى التي يأخذني المدير معه إلى منزلنا بدراجته النارية. استغربت للأمر لكن استغرابي زال حينما وصلت إلى البيت و رأيت عيني أمي المحمرتين و جسدا ممدا على الأرض مدثرا بالبياض صحت بكل قوتي:
- أين أختي؟
كانت العيون جاحظة تنظر إلى هذا البياض الممدد في سكون. هذا البياض الآسر الذي قفز من فوق الشجر و الجبل ليحتل هذا الجسد الأعزل. مددت اليدين لانتزاعه...لتمزيقه ... لرميه خارجا كي يلتحم مع هذا الثلج الذي يحاصرنا. غير أن أيادي كثيرة منعتني.. أيادي نحيلة قهرها هذا البياض ارتجافا... قهرها عزلة... قهرنا لهفة للنار و عشقا لأكوام من حطب.
أعلنت العصيان على هذا البياض الذي صادر أختي التي كانت مدفأة للقلب.. هذا البياض الذي يلف الطبيعة بكل امتدادها و لا يترك لنا إلا شبرا و كومة من أعواد تحترق لتدفئنا. بياض لف جسد أختي و أثلج القدمين و أشعل النار في صدري.
ضد هذا البياض أسير
ضد هذا البياض
أجمع حطبي
و أشعل النار
ضد هذا البياض
أرقبك كل مساء
و أنت آتية من بعيد
طيفك يحث الخطى
يأبى الرحيل
صيفي بعيد...بعيد
ضد هذا البياض
أفتح دفاتري
و أرسم عينيك و الصندل المتآكل
و أصنع من أناملي شمعا
و من يومياتي معطفا
و من محفظتي مرفأ للوصول
ضد هذا البياض
أجمع أشلائي
و أرتوي من حزن يكابر
و نغمات الجرح موسيقى ليالي البيضاء



#ربيعة_العربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بنية الثورات العلمية
- نظرية النحو الوظيفي
- نظرية الأنحاء التوليدية التحويلية: النشأة و التطور
- ملامح من الغني الزاهر
- عتبة العبور
- نحو نحو وظيفي للخطاب لسيمون ديك ترجمة
- بلاغة الحجاج و تقنيات التأثير
- حد الدنيا
- رجع الصدى
- سجين الصورة
- أفول
- اضطراب عسر الانتباه نموذجا
- إياب
- الحد بين النص و الخطاب
- انبلاج
- ومضة
- قراءة في كتاب: التنظير المعجمي و التنمية المعجمية في اللساني ...
- السخرية استراتيجية الخطاب و سلطة الحجاج
- الحجاج و إشكال التأثير
- المصطلحية العسكرية: مقاربة وصفية مقارنة


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ربيعة العربي - ضد هذا البياص أسير