ميثاق شرف

شمدين شمدين

الحوار المتمدن-العدد: 1463 - 2006 / 2 / 16 - 11:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

ما زالت أزمة الرسوم الكاريكاتورية عن النبي محمد التي قامت إحدى الصحف الدانماركية بنشرها مؤخراً تتصاعد في أكثر من اتجاه وقد توجت أخيرا بحملة من العنف وحرق السفارات الأجنبية من قبل بعض المتظاهرين الغاضبين مما أدى إلى رد فعل عكسي لدى الجانب الآخر اقصد الجانب الغربي التي سارعت بعض صحفه الى إعادة نشر تلك الرسوم وأدى ذلك بالطبع إلي ما يشبه الثورات الشعبية في كثير من الدول العربية والإسلامية ولكن من المشاهدات الغريبة التي لوحظت في بعض هذه المظاهرات هو رفع الشعار الذي ما إن يطلق حتى تبدأ الماسي والآلام بالحضور والرقص في كل ركن وزاوية واقصد بهذا الشعار هو بالروح بالدم نفديك يا رسول وحاشا أن يشبّه الرسول الكريم بالطغاة والديكتاتوريين لأن هذا الرسول علم العالم لغة التخاطب بالحكمة والموعظة الحسنة وتحمل في سبيل رسالة العدل والمساواة المظالم والصعاب التي تنأى الجبال عن حملها وظهر ذلك جليا حين فتح مكة حيث أعطى الأمان لكل أهلها المسالمين دون أي اعتبار لما قاموا به سابقا ضده وضد الرسالة السماوية فكان المثال المشرق للرجل الحكيم والصبور والمسامح لكل من اساؤوا إليه واليوم وإيمانا منا بعظمة هذا الرسول الشريف فإننا نستنكر الإساءة إليه سواء بقصد أو غير قصد ولكننا في المقابل نسأل أنفسنا لماذا يا ترى بادر ذلك الصحفي وتلك الصحيفة إلى نشر مثل تلك الصور بل لماذا ينظر الغرب إلى الدين الإسلامي والمسلمين عموما على أنهم قتلة وإرهابيون وقاطعي رؤوس و من الذي أوصل هذا الدين الذي دخل القلوب بتسامحه وعدالته إلى هذا المستنقع الخطير، من الذي جعل الغرب يتحد من اجل إنهاء ما يصفونه بالتطرف الفكري لدى الأمة الإسلامية وبالرغم من إن الإجابة على مثل هذه الأسئلة تحتاج إلى بحوث كثيرة إلا إننا نفهم من التاريخ الإسلامي إن المسلمين أنفسهم هم أول من أهان الرسول الكريم حينما تقاتلوا فيما بينهم على المناصب والغنائم فلم يراعوا حرمة دار أو بيت مسلم بل وصل الحد يبعضهم إلى شتم وسب أهل الرسول وأحفاده على المنابر والى تدمير وحرق الكعبة المشرفة ذلك المكان الطاهر الذي باركه الرب ،وفي عصرنا الحديث لم يتوانى هؤلاء المدافعون اليوم عن الرسول الكريم وعن صورته والذي له رب يدافع عنه ويحمي ذكراه ، لم يتوانى هؤلاء عن قتل وإبادة العشرات بل المئات والآلاف من المسلمين من اجل كرسي الحكم وفتح بعضهم حدود بلاده وترابه الإسلامي أمام قوافل الجنود الغربيين أنفسهم من أجل احتلال وغزو دول إسلامية شقيقة ،إن من يمارسون البكاء على الرسول الكريم ينبغي أن يكون شعورهم واستنكارهم متوافقا مع التحلي بأخلاق هذا الرسول من احترام لحرمات الآخرين ومن احترام لدور العبادة لدى الآخرين ومن فهم لمعايير حقوق الإنسان وخصوصا حريته في التعبير التي نطالب أيضا أن تكون ملتزمة بحدود تنبع من الضمير الفكري والمهني وهنا يأتي دور العلماء المسلمين الذين يقع على عاتقهم واجب توضيح المبادئ السمحاء للدين الإسلامي وضرورة التفريق بين هذه المبادئ والتصرفات الشاذة لبعض المتطرفين من التيارات الإسلامية التي تبيح القتل لأهداف سياسية وتكفر كل من لا يتوافق معها في الفكر والسياسة .
إننا بحاجة اليوم وحتى لا تتكرر تلك الإساءات إلى شخصية النبي محمد والى غيره من الشخصيات المقدسة لدى الآخرين
إلى صياغة ميثاق عالمي يتوافق عليه الجميع من أجل حماية المقدسات من شخصيات وأفكار من عبث واهانة البعض بحجة حرية التعبير التي في الوقت نفسه لا نرضى أن ننتقص منها بأي شكل كان لأنها تعتبر مكسبا عالميا وحتى لا ننجر إلى الطوق الذي يريد البعض من المتشددين الإسلاميين فرضه علينا والذي يظهر جليا في القيود التي يفرضها بعض رجالات الدين على الكتاب وخصوصا الروائيين والمفكرين العرب والذين مازالوا يبحثون عن الأرضية الثقافية والفكرية المناسبة لنشر أفكارهم وأرائهم .
إن ميثاق الشرف الذي ندعو إليه ينبغي أن يقتصر على عدم التعرض للشخصيات المقدسة الكبرى في حياة البشرية بالاستهزاء والسخرية ولا سيما الأنبياء منهم وان لا يتعدى هذا الميثاق إلى نقد الأفكار الدينية والأماكن الدينية أو الشعائر الدينية لان شمول الميثاق لهذه الأشياء يمكن أن يجر العالم بأجمعه إلى زمن القمع والتسلط الفكري وهذا ما سيفرض على المسلمين أنفسهم عدم التعرض بأي شكل من الأشكال إلى مقدسات الآخرين حتى وان اعتبروها وثنية أو محرفة أو كافرة مما يستوجب النظر في النصوص الدينية لديهم .
وختام القول إن الفعل كان سيئا ولكن رد الفعل كان أسوء فقد استطاع شخص متطرف أن يشعل فتيل التطرف في كل مكان وان يجعل من حرية التعبير جريمة تستوجب العقاب رغم إننا مازلنا في الشرق نحلم باليوم الذي نحصل فيه على مثل هذه الحرية.

#شمدين_شمدين (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات