أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - / السيد نجم - قصة -كذبت النجوم-















المزيد.....

قصة -كذبت النجوم-


/ السيد نجم

الحوار المتمدن-العدد: 5651 - 2017 / 9 / 26 - 21:03
المحور: الادب والفن
    


كذبت النجوم!
بقلم:السيد نجم
لست ممن يحتفلون بانقضاء السنة تلو الأخرى, بزعم أنه يوم الميلاد الجديد, وﺇنقضاء الساعات والأيام المقيدة بأسمائهم على الأرض. أعلم أن يوم ميلادي الحقيقي، كان قاسيا على أمي وعلي!
لا أنكر أنها فرحت بي كثيرا, لأنني كنت السبب الحقيقي الذي أبقى علي ﺇرتباطها بزوجها, الذي هو أبى. كما كنت أفرح به صغيرا, لأنه يوم الحلوى والهدايا.. ولا أدرى أين ذهبت بهجة تلك الأشياء البسيطة المفرحة؟
هانت بهجة الحلوى وقد نال مني داء السكري.. مثلما هانت متعة الأشياء الصغيرة ومشاهدة مباريات كرة القدم في الملعب، لأسباب لا أدركها بصدق، ربما مشاهدة المباريات أمام شاشة التليفزيون تجعلنى أغفو بسهولة أكثر، لعلها الميزة التى يجب أن أعترف بها الآن!
لماذا ﺇذن أحتفل بليلة رأس السنة الجديدة، هذه المرة؟!
لا أعرف, كل ما أعرفه هو ما أنهض به دوما في تلك الليلة: أطالع أجنده العام الفائت, أرفع منها ما كان سلبيا وما كان إيجابيا.. أقارن في العدد. وجدتها مقارنة ظالمة.
كيف يستوي حدث سلبي بفراق عزيز مع حادثة هزمتني في صراع العمل اليومي؟ دائما الأرقام عمياء غبية.. أكرهها, كما كرهت مادة الحساب صغيرا ونلت بسببها العقاب. وهو ما يبرر فشلي المتكرر مع الباعة النصابين ومغالطتهم لي, المرات القليلة التي أختبر فيها مهارتي, أكتشف أنني المخطئ, ولم أعد أتعمد مراجعة حساب بائع عن حق أو عن باطل.
لن أكشف سرا أن أقول أهم ما أفعله في تلك الليلة منذ سنوات طويلة, أعمد الذهاب إلى مكان بعينه, ليس بالمكان الفاخر حتى ترهب الجلوس فيه, ولا هو بالمكان التقليدي. نظيف وهادئ على الرغم من الضجيج المزروع في كل شبر فيه؛ أحتسي مشروبي وأنا النادم على صغائر أفعالي قبل غيرها. أجلس وحيدا أمام المنضدة المكتظة بالبندق والفول السوداني وغيرها، تلك التي لا أعرفها تفصيلا, لولا نادل المقهى العجوز الذي يلقبه الرواد بعاشق ليلة رأس السنة!
يعرفني باسمي ولا أعرف اسمه, ولا يمل الترحيب بي وبالعام الجديد. أطرف ما يقدمه للرواد بسمته الهينة مع زجره للزبائن بتناول ما يقدمه. لعله الوحيد الآن ممن يرتدون القفطان اللامع والعمامة البيضاء مع المنشفة الصغيرة المدلاة من قماط عريض حول خصره, وعلى الرغم من سنين عمره فلا تجده إلا في حركة ما. كل ما جد عليه خلال السنوات الطويلة أن ترك له صاحب المقهى سلطة إدارة الشباب أصحاب الزى الإفرنجي.. وﺇن علت أصوات خطواته الزاحفة على الأرض!
ذاك اللقاء السنوي بات كفيلا لأن يعرف الرجل عنى أكثر كثيرا عما أعرفه عنه، ولا أدرى كيف أصبحت كتابا مفتوحا له؟
لا ينتظر طويلا فور حضوري, تنشط مجموعات الشباب, تمتلئ المنضدة بالأشياء, أضيف علبة السجائر ليلقى هو بعلبة الكبريت الجديدة، وهو يقول بوجهه المحايد:
"حرام عليك يا بني.. صحتك"، ثم يختفي في الركن المعتم البعيد قليلا.
تلك العلبة ليست الشيء الوحيد الذي يخصني به، أنا الوحيد الذي ترى على منضدته الكفيار بجوار الفول السوداني! لست ثريا, الملعون العجوز يعمد إحضار العبوة الصغيرة خلسة أمامي, بصوته الهامس المعبأ برائحة عطر يخصه لا أعرفه ولا غيري يعرفونه, يقول:
"آخر الليلة لي نصف العبوة".
أكثر ما جذبني إليه صمته ونظراته الناطقة, أفصح ذات مرة وأخبرني بسر تعلقه بي، قال:
"لأنك تبكى وحدك وكل الناس تغنى وتضحك!" ثم مال وﺇقتحم أنفى برائحته متابعا:
"ولأنك صاحب مزاج!"
فلما ﺇبتسمت أخبره بسر تعلقي به: "لأنني أرى فيك أفاعيل الزمن!"
كانت المرة الأولى التي أسمع فيها صوته الحقيقي, عاليا ضجرا وكأنني وخزته بآلة حادة قال: "شوف نفسك, ألم تنظر إلى المرآة قبل أن تحضر إلى هنا؟ شاب شعرك, ترهل جلد رقبتك, ﺇرتخت جفونك, كبر كرشك وﺇن نقص وزنك.. هل تريد المزيد؟"
ﺇرتميت إلى ظهر المقعد حتى كدت التصق به. بحلقت متابعا الوجوه التي لا أراها من حولي جليا، من شدة خفوت الأضواء من حولنا.. وﺇن ضبطت النادل العجوز الأسمر بأسنانه اللامعة البيضاء، وحده هناك يرمقني. الملعون العجوز المجنون أضاع منى متعة مراجعة أحوالي وحدي.
لم يتركني وحدي, ألقى بالكتاب أمامي ثم غرب بخطواته المعهودة, العنوان سرق ﺇنتباهي: "ما تقوله النجوم للعام الجديد". كان من الممكن ألا أتابع بتصفح الكتاب، ولا أن أفتح على برج الحوت, لست ممن يقرأون البخت ولا أفضل قراءة الفنجان ولا غيره. لولا أن قرأت على الغلاف بأنها مقولات الكمبيوتر؛ "ماذا يقول لك الكمبيوتر عن العام الجديد؟. ﺇنه الكمبيوتر الذي أعشقه."
لم أهتم بملاحقة الرجل لي وأنا أتابع هرولة في الصفحات.. ولم يعد يشغلني مشهد من حولي, ولا بذاك الشيخ المتصابي وكأنه بصوته الضاحك وملابسه المزركشة ونكاته الفجة يتحدى شيئا ما في رأسه. قرأت ضمن ما قرأت: "ﺇحترس من يوم 10أغسطس"!
ترى ماذا في هذا التاريخ؟
أوقن أن الكمبيوتر هو ذروة التقدم التقني العلمي, على الأقل حتى اليوم. واثق أنا بأن المبرمج ﺇتبع ذروة معطيات نظرية اﻹحتمالات. هل سيكون يوم وفاتي, أم وفاة عزيز لدى.. بل ما علاقة الموت بالبخت أصلا؟ أستر يا ستار..
قد يكون حدث جلل, زلزال يضرب البلاد, سأنال منه مثل غيري, لماذا إذن يخص مواليد برجي، نحن نعد بالملايين من سكان البلاد؟! أستر يا ستار.
للمرة الأولى منذ أن عرفت أرض المقهى لمرة واحدة كل سنة.. أشوح ألوح للنادل المخادع العجوز. ترامى إلى مسامعي صوت أم كلثوم تغنى من شريط بالعمارة المجاورة.. "لن يطيل النوم عمرا, ولن ينقصه طول السهر".. مثلما ﺇنتبهت للمرة الأولى بوجود البالون الأحمر الكبير وقد كتبوا عليه تهنئة بالعام الجديد. ﺇفتعل الملعون اﻹنشغال بشجرة رأس السنة الكبيرة، وقد زينوها بالمصابيح الصغيرة الملونة. أظنه يفتعل أحواله وإلا لماذا يرمقني خلسة هكذا.. ماذا يريد هذا الرجل منى؟!
كأنه قرر أن يقصف بعنق العلاقة الخاصة بيننا. فشلت لفترة في تفسير أو تبرير سلوكه معي.
نهضت, ﺇندفعت نحوه, دفعته أمامي بجلافة وعنف أكثر من كونه عشم في علاقة خاصة عمرها سنوات. شجعني أكثر تلك العيون المتابعة من حولي, وصمته, مع إشاحة وجهه عمدا. ما يخفيه يثيرني أكثر كثيرا مما دار في رأسي من تفسيرات.
"ماذا تريد منى؟"
" أنت تعلم.. أنت السبب"
" لست ممن يقرأون البخت, ولا يعرفون تفسيرا"
" بل لماذا تعلقت بها.. قبل أن تسألني, ﺇسأل نفسك"
" لماذا إذن أحضرت أنت النبؤة ؟"
ﺇنتهينا إلى نتيجة واحدة ﺇتفقنا عليها.. ألا أفكر ولو للحظة واحدة فيما قرأت. وافقته وتابع وهو منكب على أذني كعادته: "بالأمس فقط ﺇنتهيت من كتابة مذكراتي الشخصية.. ألست على وعدك لي بصياغتها من جديد وأنت الشاعر المفوه؟"
كدت أضحك, فلا أدرى ماذا يمكن أن يكتب هذا الرجل وأمثاله؟ ربما أقل ما أنتظره منه أن يصافح رقبتي بكفيه حتى يحمل رأسي عليها! أعلم مقدار ﺇهتمامه بمذكراته التي لا تعنى شيئا, أظن يقينا أنها لا تعنى أحدا.. أعجز عن مصارحته, طوال السنوات الماضية يسألني الوعد بكتابتها من جديد, أوافقه حتى يبرح رأسي ويتركني وحدي، ولا أفعل.
ففي العاشر من أغسطس بالتحديد له عندي ذكريات لا تمحى.. فأنا من محاربي أكتوبر 73, يدي تلك أسرت طيارا منهم, وأحد أفراد اﻹستطلاع, وهى نفسها التي قبرت الدفعة "عبده المقص" أمهر رماة الجيش الثالث. فتزوجت أخته حتى لا أنسى صديقي, لكنها صرخت في وجهي ذات ليلة ليلاء وأنا أجالسها، وأخبرتني بأنها تكره "عبده" مثلما تكرهني بالضبط.
لم أنتبه إلى جفونها المتورمة ولا إلى احتقان كرتي عينيها ولا إلى الصفرة التي ﺇعتلت بشرتها, إلا بعد أن أضاءت المصباح. أزاحت حديثها إلى جانب المزاح والنكتة. عادت وأقسمت أنها دفنت أخيها منذ زمن. فلما ﺇعتبرتها نكتة جديدة, ﺇندفعت نحو رقبتي وتعلقت بها حتى شعرت بانطباق السماء على الأرض, وطلقتها فى ذات الليلة!
وفى العاشر من أغسطس أيضا كسرت ساقي وأنا العب مباراة لكرة القدم, كسرني المجرم عنوة, لأنني تغلبت على فريقه بهدف مباغت في أول دقيقة. ﺇنتهز فرصة كرة مشتركة بيننا.. تركني أعلو، قبل أن أعود إلى الأرض علق حذاءه.. فسقطت مغشي على, وقد تحطمت عظامي.
ولا أنسى العاشر من أغسطس الماضي, هاجمني اللصوص الملثمون, سرقوني, جعلوني بلا ماض ولا مستقبل. تركوا الفلوس كلها, لم يسرقوا إلا أوراقي.. شهادة الميلاد, شهادة أداء الخدمة العسكرية, البطاقة العائلية, حتى ورقة طلاق أخت "عبده المقص". أظنهم لم يتركوا لي إلا أصداء ضحكاتهم التي لا أعرف لها تفسيرا, ربما بسبب مشهد وجهي المرعوب.
لا أنكر أنني تعلقت بحديث النادل الملعون, وقد أضاع علي ﺇحتفاليتي الخاصة برأس السنة الجديدة. لم يترك لي فرصة ولو كانت ضئيلة جدا كي أجد تفسيرا واحدا لهذا اليوم القادم. لم يتركني وحدي ولم يشاركني التفكير.
العجوز زاد من جنونه حتى ﺇنفلتت العيون والأيادي المتلامسة من حولنا, كما ﺇشرأبت الرؤوس وطالت الرقاب... الكل أرهف السمع لعله يفهم, أن يجد تفسيرا لهياج العجوز الأسمر صاحب الأسنان البيضاء في الظلمة. لعنني وكل أهلي وأقاربي, بل طال مسئولين كبار في الدولة, ثم
صاحب المقهى؟!
أصبح همي الوحيد أن يصيح بعيدا عن منضدتي, حتى إذا ما حققوا معه في قسم الشرطة, فلا يخبرهم بأنه كان يتحدث إلى صديقه الذي هو أنا.. وأنا أقسم أنني لا أعرفه, ولا حتى اسمه. كان سياج النظرات والعيون شديدا إلى حد جعله يصمت فجأة. فتسللت خلسة من مقعدي وقد بدءوا يتجهون نحوه, أدرت ظهري لهم جميعا, أتمتم:
"ﺇنه العاشر من أغسطس إذن"

........................
[email protected]



#/_السيد_نجم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة -بسم الله ربنا الذى فى السموات-


المزيد.....




- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - / السيد نجم - قصة -كذبت النجوم-