أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - خيار المقاومة (القتل) وثقافة اليأس















المزيد.....

خيار المقاومة (القتل) وثقافة اليأس


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 1463 - 2006 / 2 / 16 - 12:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"خيار المقاومة" اصطلاح يتردد تقريباً على ألسنة العرب جميعاً، معبراً عن قيمة يبدو أنها قد صارت هي العظمى، سواء لدى الجماهير أو الصفوة، من النخب المسيطرة على الساحة الإعلامية باختلاف أجنحتها، مقروءة ومسموعة ومرئية، ناهيك عن الجماعات التي تمارس ما نسميه مقاومة على أرض الواقع، سواء في فلسطين أو العراق أو كشمير والشيشان، أو باقي أنحاء المعمورة التي امتد لها "خيار المقاومة" المبجل، وهو ما يدفعنا إلى مقاربة هذا الاصطلاح، لمحاولة اكتشاف أبعاده ومحمولاته، كذا معالم البيئة التي ينتشر فيها انتشار النار في الهشيم، كما يقولون.
للوهلة الأولى يبدو الأمر وكأنه يتعلق بقرار جماعة تتعرض لنوع أو آخر من الظلم، بأن تقاوم الظلم حتى النصر على الظالمين، وهو المعنى الذي لا نعدم بروزه في الخطاب المقاوم، وان كان يتوه أغلب الوقت، بين ركام هائل من التعبيرات والتصريحات والملابسات، التي تحمِّل الاصطلاح معان أخرى، تنحرف به عن صورته البسيطة النقية، والجديرة فعلاً بالاعتبار.
وإذا كنا ممن لا ينتوون خداع أنفسهم والآخرين، بترويج ذلك التبسيط المخل والزائف لشعار "خيار المقاومة" الرائج في أيامنا، وأردنا كشف المستور من حقيقته وحقيقة ثقافتنا العروبية، فإن علينا أن نستعرض الكثير من العناصر، أولها طبيعة الممارسات التي نسميها "مقاومة"، والأفكار والشعارات التي كثيراً ما تصاحب خطابها، وصولاً إلى المناخ الذي نعيش في ظله، والذي صار أرضاً خصبة لتلك "المقاومة".
الجانب الأعظم من ممارسات "المقاومة" هو إقناع صبي أو صبية بارتداء حزام ناسف أو قيادة سيارة مفخخة، وإرساله إلى منطقة يتزاحم بها مدنيون يمارسون حياتهم العادية اليومية، وهناك يفجر نفسه، فيتحول إلى أشلاء متناثرة، تمتزج بأشلاء الآحاد أو العشرات من ضحاياه، ويمكننا بسهولة ملاحظة مايلي:
· لا تترتب على هذه العمليات الانتقاص من قوة "الظالم" العسكرية ولو بقدر طفيف، يمكن أن يعطي الأمل بالتأثير الجدي فيه على المدى الطويل.
· تعقب هذه العمليات هجمات عسكرية مدمرة يقوم بها "الظالم"، توقع بالطرف "المقاوم" خسائر فادحة.
· تجلب هذه العمليات علينا إدانة العالم، ورعبه من امتداداتها، بما يفقد القضية الأصلية (رفع الظلم) رصيد التعاطف العالمي، بل ويتزايد باستمرار أعداد الدول والشعوب التي ندرجها في تصنيف الأعداء، نتيجة محاربتهم "لمقاومتنا الحبيبة".
· يترتب على استمرار تلك العمليات فشل أي طريق آخر (السلمي) لرفع الظلم الواقع علينا.
المشكلة الجديرة بالتأمل، أننا نعرف تماماً وبحكم الاعتياد النقاط الأربعة السابقة، يعرفها الجميع ويعاني نتائجها، أو على الأقل يشاهد مآسيها على شاشات التليفزيون، ومع ذلك "فخيار المقاومة" منتهى أمانينا وقرة أعيننا، فما هي حقيقة ذلك اللغز، الذي لا بد ويراه العالم من حولنا محيراً؟!!
المفترض أن المقاومة (المسلحة) وسيلة لتحقيق غاية هي رفع الظلم، ولو كان الأمر كذلك في أذهاننا، لكانت خبراتنا المتراكمة عن نتائج هذه الممارسات، أقنعتنا بأن وسيلتنا فاشلة، بل وبأن الهدف المفترض أنه ثمين (رفع الظلم) يتبدد، بل لنقل يتضاعف "الظلم" أضعافاً مضاعفة بناء على تلك الممارسات، بمعنى أن التشبث "بالوسيلة" يضيع علينا "الغاية"، وهذا عكس الطبيعي تماماً، حيث من المفترض أن نكون شديدي التمسك "بالغاية"، وأن نستبدل الوسائل بالسهولة التي نستبدل بها الأحذية، إذا لم تكن مناسبة لحماية أرجلنا عبر الطرق الوعرة، أليست هذه الحالة لغزاً يبحث عن حل؟!!
الحل الواحد والوحيد لما يبدو لغزاً، هو أن الوسيلة المفترضة هي في الحقيقة غاية لنا، وما الغاية إلا مجرد تعلة نتعلل بها أمام العالم، أو أمام أنفسنا إذا ما سولت لنا بعضاً من إنسانية وتحضر، أما الغاية التي هي رفع الظلم والمعاناة عن شعوبنا، فلم تعد تحتل مكاناً في اهتماماتنا، وهناك لذلك سببان محتملان:
الأول أننا قد وصلنا إلى حالة من اليأس، أفقدتنا القدرة على رؤية أو اكتشاف طرائق بديلة، تحقق لنا غايتنا، التي هي بالنسبة لنا الحياة ذاتها، وبالتالي فقد قررنا جميعاً أن نسلك طريق الموت إلى النهاية، وكأننا بتمسكنا "بخيار المقاومة" إنما نرفع شعار "الموت لنا ولأعدائنا"، أو عبارة شمشون المعروفة: "علي وعلى أعدائي يارب"، وهي العبارة التي قالها -ويمكن أن يقولها- فرد قرر أن ينهي حياته، أما أن يكون هذا قرار شعوب بكاملها، فإن هذا يثير علامة استفهام ترجح الاحتمال الثاني.
الثاني هو أن ما شخصناه في المقاربة الأولى البسيطة على أنه وسيلة لتحقيق غاية، إنما هو غايتنا من الأساس، فمقاومتنا الحبيبة ليست قتالاً وإنما قتل مجرد، وشتان بين القتل والقتال، فالقتال محاولة فرض الإرادة على العدو بالعنف، الذي قد ينتهي بالقتل، أو باستسلام العدو وخضوعه لإرادتنا، وهنا أيضاً تكون ثمة غاية ووسيلة، الغاية هي فرض إرادتنا على العدو، والوسيلة هي العنف، أما القتل فإنه غاية في ذاته، وللقتال أصول وأعراف متعارف عليها منذ عرف الإنسان القتال، ولها في عصرنا مواثيق دولية، من صالح الجميع احترامها والتمسك بها، أما القتل فهو فعل مجرد، لا يعترف بقواعد أو أعراف، فهو قتل محض يقيم بحجم الإنجاز، أي عدد القتلى.
من حق كل جماعة أن تحدد أهدافها وفقاً لاحتياجاتها المادية والنفسية والثقافية، وأن تنتقي من بين خيارات عدة، الخيار الأكثر أهمية وإلحاحاً، وقد اخترنا (أو اختار الكثيرون منا) قتل الآخر، الذي قد يكون اليهود أو الكفار أو الغربيون أو الشيعة أو الأكراد أو المختلف في الرأي، المهم أن ننجز أكبر قدر من القتل والقتلى، علنا نشعر ببعض الارتياح!!
في الصراع بين طرفين، يمكن أن يحدد كل طرف أهدافه بمنهجين:
· منهج تحقيق أكبر مكاسب أو أقل خسائر ممكنة: ويترتب على هذا النهج ضبط نوع وحجم أعمال النزال وفترته الزمنية، وإدارة الصراع بالتكتيكات التي تعظم المكاسب وتخفض الخسائر، هذا لأن صالحنا والخير المنشود لشعوبنا هو الأساس، والصراع مجرد ممر نضطر لعبوره للوصول إلى الخير المنشود، والذي ينبغي أن يتحقق أكبر قدر منه بأقل تكلفة ممكنة.
· منهج إيقاع أكبر خسائر ممكنة بالطرف الآخر: وفيه يغيب تحقيق صالح الجماعة من الصورة والاعتبار، ليتحدد الأمر حصراً في إلحاق الأذى بالعدو، ويترتب عليه تعظيم عمليات الصراع بأقصى قدر مستطاع، دون مراعاة لحجم الخسائر التي تلحق بنا، واستخدام كل طرق إيقاع الخسائر بالعدو، دون التفات للمشروع منها وغير المشروع، كما يترتب عليه أن يمتد الصراع بلا سقف زمني، فيصير صراعاً أبدياً، وهو ما نطلق عليه في القضية الفلسطينية: "صراع وجود لا صراع حدود".
من الواضح بمقارنة التحليل السابق بخطاب أشاوس العروبة والتطرف الأصولي، مدعوماً بممارسات جماعات ما نسميه مقاومة، أن جل العرب قد وصلوا في أحسن الفروض إلى حالة يأس من الحياة فاختاروا الموت لأنفسهم ولأعدائهم، وفي أسوأ الفروض أن ثقافتهم ودخيلة نفوسهم قد أوصلتهم لاتخاذ القتل غاية، منتهجين نهج إيقاع أكبر خسائر ممكنة بالآخر، مهما كان الثمن الذي يدفعونه، وسيدفعونه في المستقبل، من حياتهم وحياة أبنائهم وأحفادهم.
إذا كان ما استنتجناه صحيحاً، فإن من الطبيعي والحالة هذه أن تعتبر الجماهير ونخبها المناضلة كل داعية للسلام خائن وعميل وكافر، وكل من يسعى لوقف مسلسل القتل استسلامي وانبطاحي وانهزامي، وكل من يدين ذلك الجنون الجمعي عدو للأمة وخارج عليها.
والآن هل ينجح النفر القليل من دعاة السلام في شرقنا، في استنفار قطاعات ربما كانت عريضة من شعوبنا، تحب الحياة، ولم تدركها ثقافة اليأس، ولم تتملك منها شهوة القتل وسفك الدماء؟!
هل تنجح بضع شموع خافتة في بث النور في ظلمات الصحارى العربية؟!
ليس أمامنا إلا أن نحاول، وأن نستمر في المحاولة، ولو بمنطق سيزيفوس.
ليس أمامنا إلا أن نقاوم الاستسلام لليأس لألا نشابه نشامى العروبة.
فعلينا أن نحاول إتقان صناعة الحياة، كما يتقنون صناعة الموت.
وعلينا أن نرفض ترك شعلة النور، كما يرفضون ترك الخنجر والسيف والحزام الناسف.



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وكأن على رؤوسهم الطير
- الرقص على أنغام إرهابية
- الدين والتدين وتبادل المقولات
- أزمة الحداثة في الشرق
- المصريون وسيكولوجية الرعية
- حالة تخلف مستعصية - مشكلة أسلمة القبطيات
- الليبرالية ومسيرة الحضارة
- مصر شجرة لن تموت
- قليل من الإخلاص يا سادة فمصرنا في خطر
- الفوضى الخلاقة مجرد احتمال
- كتابة عبر النوعية: حوار لم يتم
- حنانيك يا د. فيصل القاسم
- يا لك من متفائل يا صديقي د. شاكر النابلسي
- الصخرة الأرثوذكسية ورياح التغيير 2
- الكنيسة والوطن. . إعادة ترتيب الأوراق
- عقيدة التوحيد ومسيرة الحضارة
- همسة في أذن الأقباط، وحركة كفاية
- حاولت أن أدق في جلودكم مسمار
- الصخرة الأرثوذكسية ورياح التغيير
- مصر والعرب والعروبة


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - خيار المقاومة (القتل) وثقافة اليأس