شامل العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 5650 - 2017 / 9 / 25 - 15:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شامل العبيدي
12:10م , 25/9/2017
القرصنة البحرية: اطار مفاهيمي
كانت ولا تزال جريمة القرصنة البحرية من بين أكبر المشاكل التي تهدد أمن وسلامة الملاحة البحرية والتي أثرت بشكل كبير على مجمل حركة التجارة الدولية وباتت تلقي بآثارها الخطيرة على المجتمع الدولي ككل, وقد مهدت العديد من العوامل على إعادة انتشار القرصنة البحرية من جديد وخاصة قبالة السواحل الصومالية وخليج عدن وبحر العرب, وبهذا شعر المجتمع الدولي بمدى الخطر المحدق به إذا ما إستمر الحال على ما هو عليه وأحس بضرورة وجود جهد اقليمي ودولي مشترك تجتمع فيه الدول وحتى القطاع الخاص للتحرك السريع والفعال لمواجهة القرصنة البحرية.
المطلب الأول: تعريف جريمة القرصنة البحرية
مر تعريف جريمة القرصنة البحرية بالعديد من التطورات رغم صعوبة الموضوع ودقته, لكن مع تنامي هذه الظاهرة وشعور الدول بالخطر المتربص بها أبرمت العديد من الاتفاقيات الدولية لمكافحتها على الصعيد الدولي, كما أن القوانين الوطنية بالنظر لخطورة هذه الجريمة على أمن وسلامة الدول فقد نصت في ظل القوانين الإجرائية على هذه الجريمة والعقوبات المقررة عليها. وللوقوف على بيان هذا التعريف نتناوله بعدة نقاط لتوضيح تعريفها في القانون الجزائي وعند الفقه الدولي وما تناولته الاتفاقيات الدولية.
أولاً: تعريف جريمة القرصنة البحرية في القانون الجزائي
تجرم معظم التشريعات والقوانين البحرية الوطنية وقوانين العقوبات التي تصدرها الدول، أعمال القرصنة البحرية، ولاسيما التي ترتكب في المياه الإقليمية التابعة للاختصاص القضائي للدول، والتي تمنح السلطات القضائية الوطنية حقّ القبض والاعتقال والمحاكمة والعقاب لمرتكبي جرائم القرصنة البحرية ومشاركيهم في أراضي الدولة المعتدى عليها أمام محاكمها الوطنية، وذلك بغية الحفاظ على أمن الملاحة الدولية البحرية والتجارية وحريتها، وقد صدرت أول مجموعة قانونية تتضمن قواعد القانون البحري في عهد الإمبراطورية الرومانية، وكانت هذه المجموعة مستوحاة من أحكام الشريعة الإسلامية.
وقد تطرق قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل في الفصل الثالث منه على جرائم الاعتداء على سلامة النقل ووسائل المواصلات العامة المواد (354-364), فنصت المادة (354):)يعاقب بالسجن من عرض عمدا للخطر بأية طريقة كانت سلامة الملاحة الجوية أو المائية أو سلامة قطار أو سفينة أو طائرة أو أية وسيلة من وسائل النقل العامة. وتكون العقوبة السجن المؤبد اذا نجم عن الفعل حدوث كارثة للقطار أو غيره مما ذكر. وتكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد اذا أدى ذلك إلى موت إنسان ).
ونصت المادة (358) على (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس وبالغرامة, من عطل عمداً سير وسيلة من وسائل النقل العامة البرية أو المائية أو الجوية .
ثانيا: تعريف جريمة القرصنة في الفقه الدولي
لا يوجد تعريف جامع مانع متفق عليه للقرصنة البحرية على السفن عند شراح القانون, ولا في الاتفاقيات الدولية ويعود ذلك لصعوبة وضع تعريف محدد لها, ونلاحظ انهم انقسموا في تعريفها إلى فريقين :
الفريق الأول: تعريف القرصنة البحرية من منظور العناصر الجوهرية
وضع للقرصنة البحرية عدة تعريفات فمنهم من عرفها بأنها " ارتكاب عمل أو أكثر من أعمال العنف ضد الأشخاص والأموال", ومنهم من عرفها بأنها اعتداء مسلح تقوم به سفينة في أعالي البحار دون أن يكون مصرحًا بذلك من جانب دولة من الدول ويكون الغرض الحصول على مكسب باغتصاب السفن أو البضائع أو الأشخاص أو تغيير اتجاهها . ومنهم من عرفها "القيام أو محاولة القيام بأعمال عنف من جانب أشخاص على ظهر سفينة خاصة أو طائرة خاصة ضد أشخاص أو ممتلكات على ظهر سفينة أو طائرة أخرى, تتم في عرض البحر, بهدف السلب والنهب , وعرفها الفقيه Pella أنها "أفعال العنف التي يتم ارتكابها بدافع المكاسب الخاصة, وهي موجهة ضد الأشخاص بذاتهم من اجل سلب أموالهم في أماكن لا تخضع لسيادة أي دولة معنية" , ويعرفها الدكتور صادق أبو هيف بأنها " كل اعتداء مسلح يقع في عرض البحر من مركب لحسابه الخاص مستهدفًا السلب ونهب السفن أيًا كان جنسيتها أو خطف وسلب الأشخاص الموجودين عليها أو الأمرين معاً , أما الفقيه فوشي فقد عرف القرصنة البحرية بأنها "قطع الطريق في البحر", وهناك جانب من ذهب إلى ان القرصنة هي كل عمل عنف غير قانوني ترتكبه سفينة خاصة في عرض البحر ضد سفينة أخرى بنية النهب , ويعرفها محمد سامي عبد الحميد بأنها "ما يقوم به الأفراد في البحر العالي من أعمال العنف غير المشروعة الموجهة ضد الأشخاص أو الأموال والمستهدفة لزوماً لتحقيق منفعة مادية خاصة للقائمين بها".
الفريق الثاني: تعريف القرصنة البحرية من منظور عناصر الجريمة
اكتفى ببيان عناصر جريمة القرصنة البحرية دون تقديم تعريف محدد لها، فمنهم من يرى أن عناصر هذه الجريمة ثلاث هي:
1.أعمال إكراه، يستوي في ذلك أن تكون هذه الأعمال موجهة للمال أو للأشخاص.
2.يجب أن ترتكب هذه الأعمال في البحر العام فالجرائم التي تقع في المياه الإقليمية لدولة ما لا تعد قرصنة بحرية بالمعنى الدقيق، وإنما تدخل في اختصاص الدولة التي وقعت في مياهها الإقليمية وهي التي تنظم كيفية المعاقبة عليها.
3.ألا تكون بوكالة مشروعة، أي ألا تكون هذه الأعمال مما يقره القانون الدولي العام، سواء بالقياس لمن يأتي هذه التصرفات بذاته أو لمن أمر بمباشرتها.
والبعض يعتبر العمل من قبيل القرصنة البحرية إذا توافرت فيه العناصر الآتية:
أ-أن يكون من الأعمال الإجرامية (عمل غير مشروع).
ب-أن ينطوي على استعمال العنف ضد الأشخاص وضد الأموال.
ت-أن يتم بقصد تحقيق منافع أو أغراض شخصية.
ث-أن يتم في البحار العالية أو في مكان لا يخضع لسلطة أي دولة.
وأي كان اختلاف الفقهاء حول تعريف القرصنة البحرية إلا أنهم متفقون على نقطة أساسية هي أنها جريمة من جرائم القانون الدولي وقد استقر العرف والقضاء على اعتبارها عملاً محظورًا وفقًا لأحكام القانون يستوجب العقاب عند وقوعه.
ثالثا: تعريف القرصنة البحرية في الاتفاقيات الدولية
(1). تعريف القرصنة البحرية في معاهدة جنيف لأعالي البحار لسنة 1958:
تعتبر اتفاقية جنيف المبرمة في 29 /4/ 1958 والتي دخلت حيز النفاذ في 30/ 12/ 1962, أول اتفاقية دولية تتناول موضوع القرصنة البحرية وهذا التعريف يحضَ بإقرار عدد من الدول يصل إلى 68 دولة, وقد جاء تعريف القرصنة في المادة (15) منها كما يلي:
1.أي عمل غير مشروع من أعمال العنف, أو حجز الأشخاص, أو السلب يرتكب لأغراض خاصة بواسطة ملاحي, أو ركاب سفينة, أو طائرة خاصة يكون موجهاً:
أ.في أعالي البحار ضد سفينة أخرى, أو طائرة, أو أشخاص أو الأموال في السفينة ذاتها, أو الطائرة ذاتها.
ب.ضد سفينة أو طائرة, أو أشخاص, أو أموال تقع خارج نطاق الاختصاص الإقليمي لأي دولة.
2.أي مساهمة إرادية في عملية تقوم بها سفينة, أو طائرة مع العلم بالوقائع التي تجعلها سفينة, أو طائرة قرصنة.
3.أي من أعمال التحريض, أو التسهيل عمداً لأي من الأعمال التي وردت في الفقرة(1 و2) من هذه المادة, أو يسهل ارتكابها.
وقد أضافت المادتان (16-17) من اتفاقية جنيف التي سبق الإشارة إليها حالتين أخريين هما:
1.أعمال القرصنة كما حددتها المادة (15) إذا ارتكبت بواسطة سفينة حربية أو سفينة حكومية, أو طائرة حكومية تمرد طاقهما وتحكم في السيطرة عليها.
2.تعد السفينة, أو الطائرة من سفن أو طائرات القرصنة البحرية اذا كان الأشخاص الذين يسيطرون عليها فعلا يهدفون إلى استعمالها بقصد ارتكاب عمل من الأعمال التي حددتها المادة 15 وتطبق القاعدة ذاتها اذا كانت السفينة أو الطائرة قد استعملت لارتكاب أي من هذه الأعمال ما دامت باقية تحت سيطرة الأشخاص المذنبين.
(2)تعريف القرصنة البحرية وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982
لقد عالجت هذه الاتفاقية القرصنة البحرية في المواد (101-107), فقد جاء في المادة (101) لتعرف القرصنة البحرية على أنها:
أ.أي عمل غير قانوني من أعمال العنف, أو الاحتجاز, أو أي عمل سلب يرتكب لأغراض خاصة ويكون موجهاً:
1.في أعالي البحار ضد سفينة أو طائرة أخرى, أو ضد أشخاص أو ممتلكات على ظهر تلك السفينة, أو على متن تلك الطائرة.
2.ضد سفينة, أو طائرة, أو أشخاص, أو ممتلكات في مكان يقع خارج ولاية أية دولة.
ب.أي عمل من أعمال الاشتراك الطوعي في تشغيل سفينة, أو طائرة مع العلم بوقائع تضفي على تلك السفينة, أو الطائرة صفة القرصنة.
ت.أي عمل يحرض على ارتكاب احد الأعمال الموصوفة في احدى الفقرتين أ و ب أو يسهل ارتكابها.
وتنص المادة (102) :(على انه اذا ارتكبت أعمال القرصنة في المادة 101, سفينة حربية أو سفينة حكومية, أو طائرة حكومية تمرد طاقمها واستولى على زمام السفينة أو الطائرة اعتبرت هذه الأعمال في حكم الأعمال التي ترتكبها سفينة أو طائرة خاصة).
ثم أضافت المادة (103) بأنه (تعتبر السفينة أو الطائرة سفينة أو طائرة قرصنة اذا كان الأشخاص الذين يسيطرون عليها سيطرة فعلية ينوون استخدامها لغرض ارتكاب احد الأعمال المشار اليها في المادة 101, وكذلك الأمر اذا كانت السفينة أو الطائرة قد استخدمت في ارتكاب أي من هذه الأعمال ما دامت تحت سيطرة الأشخاص الذين اقترفوا هذا العمل) .
(3) تعريف القرصنة البحرية في اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية لسنة 2005
تناولت هذه الاتفاقية تعريف القرصنة البحرية من خلال تعداد الأعمال غير المشروعة إذ نصت المادة (3)من هذه الاتفاقية على:
1.يرتكب أي شخص جرماً في مفهوم هذه الاتفاقية إذا ما قام بصورة غير مشروعة وعن عمد ما يلي:
أ.الاستيلاء على سفينة, أو السيطرة عليها باستخدام القوة أو التهديد باستخدامها أو باستعمال أي نمط من أنماط الإخافة.
ب.ممارسة عمل من أعمال العنف ضد شخص على ظهر السفينة إذا كان هذا يمكن ان يعرض للخطر الملاحة الآمنة لتلك السفينة.
ت.تدمير السفينة, أو إلحاق الضرر بها أو بحمولتها مما يمكن أن يعرض للخطر الملاحة الآمنة لتلك السفينة.
ث.الإقدام بأية وسيلة كانت على وضع, أو التسبب في وضع نبيضه (جهاز تدمير) أو مادة على ظهر السفينة يمكن ان تؤدي إلى تدميرها, أو الحاق الضرر بها, أو بحمولتها مما يعرضها للخطر, أو يعرض الملاحة الآمنة لتلك السفينة للخطر.
ج.تدمير المرافق الملاحية البحرية, أو إلحاق الضرر البالغ بها, أو عرقلة عملها بشدة اذا كانت هذه الأعمال يمكن ان تعرض الملاحة الآمنة للسفن للخطر.
ح.نقل معلومات يعلم ذلك الشخص أنها زائفة مما يهدد الملاحة الآمنة للسفينة.
2.يرتكب أي شخص جرماً أيضا إذا ما قام بالتهديد المشروط, أو غير المشروط طبقاً لما ينص عليه القانون الوطني بارتكاب أي من الأفعال التي تنص عليها الفقرات الفرعية ب ج ه من الفقرة 1 بهدف إجبار شخص حقيقي, أو اعتباري على القيام بعمل ما, أو الامتناع عن القيام به اذا كان من شأن هذا التهديد ان يعرض الملاحة الآمنة للسفينة المعنية للخطر).
نلاحظ من خلال الاطلاع على الاتفاقيات التي عالجت جريمة القرصنة ان هناك تدرج ملحوظ نحو معالجة هذه الجريمة والحد منها, لتغطي قواعد جديدة لم تشملها الاتفاقيات السابقة وهذا ينم عن استجابة المجتمع الدولي في وضع قواعد تواكب التطورات الحاصلة لجريمة القرصنة البحرية.
المطلب الثاني: تمييز جريمة القرصنة البحرية مما يشتبه بها
إن شيوع الحوادث ذات الخطر العام وتنوعها وتعدد أهدافها واختلاف وسائلها وطرقها وقد أدى إلى الخلط بين بعضها والبعض وعليه سوف نحاول التمييز بين القرصنة البحرية وغيرها من الجرائم الشائع الخلط بينها.
أولا: تمييز جريمة القرصنة البحرية عن جريمة السطو المسلح على السفن
نرى أن المنظمة البحرية الدولية قد أهتمت بهذا الموضوع ووضعت حداً لهذه الأفعال التي تقع في میاه خاضعة لسیادة الدول وهي المياه الإقليمية أو الداخلية وهو مصطلح السطو المسلح على السفن, وقد عرفت المنظمة البحریة الدولية ذلك في قرارها رقم ٢٢ /٠٩٢٢ أ في سنة ٢٠٠١ م وهو ( أي عمل غیر مشروع من أعمال العنف ، أو الاحتجاز أو أي عمل من أعمال السلب أو التهدید بالسلب غیر أعمال القرصنة یكون موجها ضد سفینة أو ضد أشخاص أو ممتلكات على متن تلك السفینة ، ویقترف ضمن ولایة حدود إحدى الدول).
یتضح لنا أن الأختلاف الجوهري بین السطو المسلح على السفن والقرصنة هو إختلاف مكاني, فالسطو المسلح یقع في المیاه الإقلیمیة والدولة صاحبة الإقلیم لها وحدها حق الملاحقة والمطاردة القانونیة إلا إذا طالبت هي بالتدخل من قبل دول أخرى ، أما القرصنة فأنها تقع خارج المیاه الإقلیمیة للدولة ، وللدول كافة الحق في مطاردة أعمال القرصنة في أعالي البحار. ولتمكین الدول من ممارسة قوتها في مواجهة القرصنة ، فقد أعطت أتفاقیة ١٩٨٢ ولایة شاملة في الإستیلاء على أي سفینة أو طائرة قرصنة ،أو أي سفینة أو طائرة أخذت بطریق القرصنة وكانت واقعة تحت سیطرة القراصنة وأن تقبض على من فیها من أشخاص وتضبط ما فیها من ممتلكات. وبموجب الفقرة (٢) من المادة (58) من إتفاقیة ١٩٨٢ , أعطت نفس الصلاحیة في المنطقة الاقتصادیة الخالصة.
أما بالنسبة للسطو المسلح على السفن الواقعة في المیاه الإقلیمیة لدولة ما فقد أوردت المادة ) ٦،٣ ) من أتفاقیة روما سنة ١٩٨٨ م ، أن تعمل الدولة الطرف ولایتها القضائیة في مجالها ، حینما ترتكب الجریمة ضد سفینة أو على متن سفینة تحمل علمها ، أو داخل أراضي تلك الدولة ، بما في ذلك بحرها الإقلیمي ، أو أذا كان مرتكبها أحد مواطنیها . كما تسمح أتفاقیة روما للدولة بان تمارس ولایتها القانونیة إذا كان مرتكب هذه الجریمة بدون جنسیة ومكان إقامته الأعتیادي هو تلك الدولة ، شریطة إعمال ولایتها القضائیة وإخطار المنظمة البحریة الدولیة بذلك.
ومن جانب آخر فإنه كلاً من القرصنة البحرية والسطو المسلح على السفن, يعد جريمة ومخالفة قانونية, فالأولى مخالفة للقانون الدولي والثانية مخالفة للقانون المحلي , فيعتبر السطو المسلح قرصنة من الناحية التقنية أي من ناحية طريقة التنفيذ والوسائل المستخدمة كما أن كلاهما ينطوي على العنف في معظم الأحوال وهما متفقان من حيث الأهداف والبواعث.
ثانياً: تمييز جريمة القرصنة البحرية عن جريمة خطف الطائرات
تعرف جريمة خطف الطائرات بأنها (قيام شخص أو أكثر بصورة غير قانونية, وهو على متن الطائرة في حالة الطيران بالاستيلاء عليها, أو محاولة السيطرة عليها بطريق القوة أو التهديد باستعمالها), من خلال التعريف نلاحظ مدى الشبه والاختلاف بين الجريمتين, مما ولد ثلاثة آراء حول العلاقة بينهما, فقد ذهب جانب من الفقه إلى ان اختطاف الطائرات يعد صورة من صور القرصنة, بينما ذهب جانب آخر من الفقه, إلى أن خطف الطائرات ليس من قبيل القرصنة فلكل منهما مفهوم مختلف, والشيء المشترك بينهما هو العنف أو القوة في الأعمال المكونة لكل منهما ضد وسيلة من وسائل المواصلات الدولية, أما الاتجاه الثالث فقد عد جريمة خطف الطائرات شبه قرصنة بالاستناد إلى فكرة الاختصاص في ردع وعقاب كل من الجريمتين.
وعلى الرغم من رأي كل فريق والمبررات التي استند اليها إلا ان الرأي الأقرب إلى الصواب هو الاتجاه الثاني القائل بأن جريمة خطف الطائرات جريمة مستقلة عن جريمة القرصنة البحرية وذلك للأسباب الآتية:
1. إن جريمة القرصنة لا ترتكب إلا في أعالي البحار أو في مكان لا يخضع للاختصاص الإقليمي لأية دولة, أما خطف الطائرات فمن الممكن وقوعها في المجال الجوي لأية دولة.
2. ترتكب جريمة القرصنة لتحقيق مصلحة شخصية, وهي ذات طابع اقتصادي, أما خطف الطائرات فهي ترتكب لأسباب سياسية أو لتحقيق أغراض عامة.
3. تفترض جريمة القرصنة وقوع أفعال العنف من طاقم أو ركاب سفينة أو طائرة خاصة, ضد سفينة أو طائرة أخرى أو ضد ما تحمله من أشخاص أو أموال, أما جريمة خطف الطائرات فتفترض وقوع الفعل على متن الطائرة المخطوفة ومن احد ركابها.
ثالثاً: تمييز جريمة القرصنة البحرية عن الجريمة السياسية
يقصد بالجريمة السياسية "الفعل الذي يتجه نحو الأضرار بالسلطة العامة أو بالأجهزة والمؤسسات الحكومية التي تتولى تصريف شؤون البلاد إذا وقع -ذلك الفعل- بدافع سياسي"
ونعني بالدافع السياسي "الرغبة في الاصطلاح والتدبير الأمثل لشأن أو أكثر من شؤون الدولة تحقيقا للمصلحة الوطنية", هذا يعني ان للجريمة السياسية معيارين: المعيار الشخصي "الباعث على ارتكاب الجريمة" والمعيار الموضوعي "طبيعة الحق المعتدى عليه".
من ذلك نرى ان شرط الدافع السياسي هو جوهر الجريمة السياسية, ولكن الفقه الدولي اختلف حول هذا الشرط, اذ يرى جانب من الفقه انه اذا توافر هذا الشرط لدى الخارجين في البحر فانه سوف يسبغ أفعالهم بالصفة السياسية ويجردها من صفة القرصنة البحرية, بمعنى ان القرصنة البحرية لا يمكن ان تقع بدافع سياسي, في حين يرى أخرون ان جميع أعمال التعرض للناس في البحار هي قرصنة بحرية, ولا يمكن وصفها بأنها جرائم سياسية حتى ولو وقعت بدافع سياسي وذلك لأن العبرة –في رأيهم- هي بالمظهر الخارجي للسلوك.
ويذهب رأي ثالث إلى ان القرصنة البحرية يمكن ان تكون جريمة عادية اذا هي وقعت تحقيقاً لأغراض خاصة, كما يمكن ان تكون جريمة سياسية إذا هي وقعت لدافع أو لغرض سياسي, فمن المتصور ان تقع الجرائم السياسية بالخروج على السلطة الحاكمة في البحر , عندئذ يمكن وصفها بأنها جريمة قرصنة بحرية بدافع سياسي.
#شامل_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟