أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - هاشم صالح - كتاب يتحدث بصوتين.. من مانهاتن إلى بغداد أركون في كتابه الجديد بالاشتراك مع مايلا ينتقد الانغلاقات المزمنة داخل التراث الإسلامي وسياسة القوة الغربية المنفلتة















المزيد.....

كتاب يتحدث بصوتين.. من مانهاتن إلى بغداد أركون في كتابه الجديد بالاشتراك مع مايلا ينتقد الانغلاقات المزمنة داخل التراث الإسلامي وسياسة القوة الغربية المنفلتة


هاشم صالح

الحوار المتمدن-العدد: 410 - 2003 / 2 / 27 - 01:38
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


كتاب يتحدث بصوتين.. من مانهاتن إلى بغداد
أركون في كتابه الجديد بالاشتراك مع مايلا ينتقد الانغلاقات المزمنة داخل التراث الإسلامي وسياسة القوة الغربية المنفلتة
 

أخيرا صدر كتاب محمد اركون وجوزيف مايلا، الذي كان متوقعاً منذ عدة أشهر، وكما يدل عليه عنوانه فإنه يقدم تحليلاً معمقاً للوضع الراهن وللأزمة الرهيبة التي تشغل العالم اليوم، وهي أزمة تمتد من مانهاتن في قلب نيويورك، إلى بغداد، وما أدراك ما بغداد، في هذه الظروف المصيرية التي تتسارع فيها حركة التاريخ.. وبالتالي فربما كان تأخر الكتاب من حظه لا ضده، لأنه صدر في عزّ المعركة، أو في زحمة الأحداث.
هذا الكتاب يتحدث بصوتين، ويمكن القول بأنه مكتوب بقلمين: القلم الأول هو لمحمد اركون، أحد كبار الاختصاصيين في شؤون الفكر الإسلامي قديماً وحديثاً. وأما القلم الثاني فهو للباحث اللبناني الأصل جوزيف مايلا، عميد كلية العلوم الاجتماعية والاقتصادية في المعهد الكاثوليكي في باريس، وهو مختص أيضاً بشؤون الشرق الأوسط والإسلام.
وبالتالي فالباحثان يكملان بعضهما بعضا، فالأول، أي اركون، يركز على الجانب الفكري أو الفلسفي العميق للأحداث، والثاني يركز على الجانب السياسي والجيوبوليتيكي، دون أن يعني ذلك أنه لا يطرح أسئلة فلسفية مهمة..
هدف هذا الكتاب الأساسي هو: فهم هذا الحدث الرهيب الذي يدعى 11 سبتمبر، وفهم انعكاساته الضخمة على السياسة الدولية ومصير العالم. فمن الواضح أننا لا نزال نعيش في مرحلة 11 سبتمبر، وفي خضم التفاعلات والأزمات التي ولّدها. بالطبع لقد ظهرت كتب عديدة عن 11 سبتمبر طيلة الشهور الماضية، وذلك في مختلف اللغات، من انجليزية وفرنسية وسواهما، ولكن ربما كانت ميزة هذا الكتاب هي أنه لا يكتفي بالتحليل الصحافي أو السياسي السريع للحدث، وإنما ينبش عن جذوره وأعماقه التاريخية. فحدث ضخم من هذا الحجم والمستوى، لا يمكن فهمه إلا إذا موضعناه ضمن منظور المدة الطويلة للتاريخ، كما يقول اركون. من المعلوم أن المؤرخ الفرنسي الشهير فيرنان بروديل، كان قد تحدث عن ثلاثة مصطلحات اساسية: الأول هو مصطلح المدة القصيرة للتاريخ، والثاني المدة المتوسطة، والثالث المدة الطويلة.
ربما أن اركون من تلامذة بروديل والمدرسة التاريخية الفرنسية الكبيرة المدعوة بمدرسة «الحوليات»، فإنه طبق منهجيتها ومصطلحاتها على دراسة بن لادن والظاهرة الأصولية المتطرفة بشكل عام. فهذه الظاهرة لا يمكن فهمها إلا إذا عدنا في الزمن طويلاً إلى الوراء، وبالتالي فالتحليل الصحافي الذي يكتفي بقراءة الحدث من خلال منظور المدة القصيرة التي لا تتجاوز العشر سنوات أو العشرين سنة على أكثر تقدير، لا يمكنه أن يفهم الأسباب أو الجذور الحقيقية لحدث من هذا النوع. وحتى منظور المدة المتوسطة الذي يشمل مائة سنة، ويربط حدث (11) سبتمبر بالصراع الجاري بين العالم الإسلامي والغربي منذ أيام المرحلة الاستعمارية، لا يكفي. إنما يلزمنا أن نموضع الأمور ضمن منظور المدة الطويلة التي تصل إلى ألف سنة وربما أكثر، لكي نستطيع أن نتلمس الجذور العميقة للمشكلة. فالفكر الأصولي المتشدد له جذور عميقة لا يمكن التوصل إليها إلا عن طريق المنهجية الاركيولوجية على طريقة فوكو، أو الجنيالوجية على طريقة نيتشه. وهي المنهجية التي يطبقها اركون منذ سنوات طويلة، مع اضافة كل المنهجيات الأخرى: كالمنهجية الألسنية، والسيميائية الدولية، والانثربولوجية، والسوسيولوجية، ومنهجية مدرسة الحوليات التاريخية كما قلنا. باختصار، فإن الرجل يجيّش كل منهجيات العلوم الإنسانية والاجتماعية لفهم هذا الحدث الضخم: (11) سبتمبر.
وفي أثناء ذلك، يستعرض العلاقات الكائنة بين العالم الإسلامي/ والعالم الغربي على مدار القرون، وهذا ما يفعله جوزيف مايلا ايضا، لكن مع حصر الأمور ضمن منظور المدة المتوسطة التي لا تتجاوز المائة سنة في معظم الأحيان.
لكن هل يعني ذلك أن اركون ينتقد فقط الجهة الإسلامية ويلقي عليها وحدها مسؤولية الحدث؟، بالطبع لا، فالرجل ينتقد أيضا الغرب ولا يعفيه من المسؤولية أبداً، ومنذ الصفحة الأولى لمقدمة الكتاب يقول صاحب «نقد العقل الإسلامي» ما معناه:
«بعد حصول الحدث قلت فوراً بأنه ينبغي على حكومة الولايات المتحدة أن تفهم هذه الكارثة على أساس أنها نداء يائس صادر من الأعماق، انه نداء يدعو إلى توليد فكر جديد وممارسة سياسية جديدة على مستوى العالم كله. ووحدها أميركا قادرة على ذلك حاليا. فالمطلوب هو تحويل هذا الحدث المأساوي إلى حدث تدشيني: أي يدشن تاريخاً جديداً من التضامن، لا التصارع، بين جميع شعوب الارض».
ويرى المفكر الجزائري بأن (11) سبتمبر يكشف بطريقة دراماتيكية صارخة، عن ذلك الصراع الطويل الذي اندلع في حوض البحر الأبيض المتوسط منذ ظهور الإسلام قبل خمسة عشر قرناً تقريباً. فالعالم المسيحي الأوروبي، اعتبر أن توسع الإسلام تم على حسابه في الدول الواقعة على ضفاف المتوسط، ومنذ ذلك التاريخ ابتدأت الخصومة، ثم تعمقت أكثر بسبب الحروب الصليبية، فالحروب العثمانية الأوروبية، فالحروب الاستعمارية في القرنين التاسع عشر والعشرين، وانتهاء بالصراع العربي ـ الإسرائيلي الجاري حالياً، والذي لا يمكن فصله عن كل الصراعات السابقة على الرغم من خصوصيته.
وبالتالي فالقصة طويلة، و(11) سبتمبر لم يولد من العدم.. فالواقع ان زخم التاريخ والعداء المستحكم بين الطرفين منذ قرون عديدة، هما اللذان قادا إليه بشكل مباشر أو غير مباشر. على هذا النحو يمكن ان نموضع الحدث داخل منظور المدة الطويلة جداً للتاريخ دون أن يعني ذلك إهمال أسبابه القريبة أو المباشرة، والمسؤولية تقع على الطرفين في الواقع، لا على طرف واحد. فمن جهة الغرب نلاحظ ان «سياسة القوة» المستخدمة تجاه العالم الإسلامي والعربي منذ زمن الاستعمار وانتهاء بشارون مسؤولة عن إثارة رد الفعل العنيف للعرب والمسلمين. ومن جهتنا نحن نلاحظ أن الجمود الفكري المزمن والتعليم المتزمت للدين مسؤولان ايضا عن توليد ظاهرة الأصوليين المتطرفين الذين لا يتورعون عن ارتكاب أعمال التفجير والعنف العشوائي الأعمى.. فهم يعتقدون بسبب جهلهم وضيق أفقهم، بأن الدين يبرر ذلك، والدين الحق من ذلك براء.
وبالتالي، فإن اركون يدعو إلى تغيير جذري في كلتا الجهتين، لكي نستطيع أن نتجاوز جو العداء المشحون الذي سمّم الأجواء ووصل بنا حالياً إلى حافة الهاوية: أي إلى حافة الحرب بين مانهاتن وبغداد، بعد الحرب على «القاعدة» وافغانستان، والحبل على الجرار. فلا أعمال العنف والتفجيرات الإرهابية تنتهي، ولا أعمال الانتقام الغربية أو الأميركية تنتهي.
ولكي نتوصل إلى ذلك، إذا ما توصلنا إليه يوماً ما، فإن المفكر الجزائري ينخرط في نقد جذري للانغلاقات المزمنة داخل التراث الإسلامي، ونقد جذري أيضا لانحرافات الحداثة والحضارة الغربية. وفيما يخص النقطة الأولى، نلاحظ أنه يولّد مصطلحين جديدين ما كانا معروفين سابقاً في قاموسه النقدي، على الأقل بهذه الصياغة. الأول هو التاريخ الأسطوري، والثاني هو التاريخ الأسطوري ـ الآيديولوجي، ماذا يعني ذلك؟، انه يعني ان على المسلمين أن يفككوا التصورات الأسطورية العذبة التي تهيمن على عقولهم فيما يخص النظرة إلى تاريخهم التأسيسي القديم. فهذا التصور الأسطوري الذي يهضم بعض العناصر التاريخية كان قد تشكل في القرون الأولى، ثم ترسخ بعدئذ في الذاكرة الجماعية العربية والإسلامية بشكل عام. ولهذا السبب، فإننا لا نزال نحنّ إلى العصور الأولى، بل ونتمنى العودة إليها. والمشكلة هي أننا نتوهم أن ذلك أمر ممكن، في حين انه وهم أو سراب (هنا نقد للموقف السلفي الذي لا يأخذ تقدم التاريخ أو حركة التاريخ بعين الاعتبار. ولهذا السبب يمكن نعته بالأسطوري أو الغيبي، أو حتى الاستلابي. وأكبر مثال عليه الحركات الأصولية المعاصرة «المزدهرة» في مناطق شتى من العالم العربي والإسلامي). وأما التصور الأسطوري ـ الآيديولوجي للتراث، فهو أسوأ، وقد سيطر على عقليات الشبيبة العربية أو الإسلامية بعد الاستقلال، وهو عبارة عن خليط هجين من الآيديولوجيا التراثية الماضوية، وبعض العناصر الترقيعية للآيديولوجيات المستوردة بشكل رديء وناقص: كالماركسية، والاشتراكية، والقومية، والليبرالية.. وكل ذلك مُنتزع من سياقه التاريخي ومزروع في بيئتنا بشكل غير واضح وغير مقنع أصلاً.
هذا يعني أننا، وبعد خمسين سنة من الاستقلال، لم نتقدم خطوة واحدة في اتجاه تفكيك التراكمات التراثية وتشكيل صورة صحيحة وعقلانية وواقعية عن تراثنا العربي ـ الإسلامي!، لم نستطع ان نخرج من الصورة المضخمة أو المثالية التبجيلية، وسبب ذلك يعود إلى انعدام العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعاتنا، أو عدم تطبيق مناهجها على تراثنا، ثم نستغرب بعد ذلك ونتساءل: لماذا يهيمن التصور السلفي التقليدي على عقليات شبابنا أو قسم كبير منهم؟!، لا ينبغي أن نستغرب هذا الوضع على الإطلاق، ولا ينبغي أن نستغرب حتى (11) سبتمبر على الرغم من طابعه المباغت والصاعق، فهو مسجل في أحشاء الزمن العربي ـ الإسلامي، بل ويكاد يتخذ صفة الضرورة المنطقية!. انه نتيجة عقلية متحجرة، رهيبة، جبروتية، لا يجرؤ أحد حتى هذه اللحظة على الاقتراب منها مجرد اقتراب، لماذا؟..
لأن ذلك يعني «المساس بالمقدسات»، أو «بثوابت الأمة»!!.. لكأن الأمة تستطيع أن تتقدم دون أن تطرح أي سؤال على نفسها!.
لا ريب في أن الجامعة العربية بقيادة عمرو موسى، اتخذت مبادرة نادرة من نوعها عندما دعت حشداً من المثقفين العرب إلى الاجتماع لمناقشة (11) سبتمبر، وكيف يمكن تحاشي انعكاساته السلبية على صورة الإسلام والعرب في العالم. ويبدو أن اركون كان من بينهم، لكن المبادرة على الرغم من طابعها الاستثنائي، ومن بعض التساؤلات الجريئة التي طرحت أثناء النقاش لم تستطع أن تعطي كل ثمارها، لماذا؟، لأن سياسة شارون الاستئصالية داخل فلسطين تشغل كل النفوس والعقول، ولا يعود هناك أي مجال لطرح أي تساؤل آخر، فمن الترف أن تتحدث عن نقد التراث والناس يُقتلون في مدنهم وقراهم ومزارعهم.
وهنا تتجلى مسؤولية الغرب، وبخاصة أميركا. فهي لا تستطيع من جهة أن تطالب المثقفين العرب بتحجيم الأصولية، ثم تطالبهم من جهة أخرى بالسكوت على جرائم شارون، بل واعتباره رجل سلام!، هنا تكمن نقطة الضعف الأساسية في الاستراتيجية الأميركية الخاصة بالعالم العربي والإسلامي. وربما لهذا السبب، اختار المؤلفان عنواناً ثانياً لكتابهما، وهو عنوان مستوحى من نيتشه: «فيما وراء الخير والشر». فبوش لا يستطيع أن يدّعي بأنه يمثل الخير المطلق، والعالم العربي أو الإسلامي الشر المطلق!، لا ريب في ان معه الحق في الرد على جريمة (11) سبتمبر والقوى الظلامية المتعصبة التي ارتكبتها، ومعه الحق في لجم صدام حسين ومنعه من ارتكاب حماقات أخرى، لكن الحق ليس معه، إذ يسكت على ما يحصل في فلسطين. الخير هنا أصبح في الجهة الأخرى لا في جهته هو، وحتى فيما يخص العراق يمكنه أن يجد وسيلة أخرى غير الحرب والضرب وسياسة العصا الغليظة، فالعراق كفاه دماراً وعذاباً.
وبالتالي فالمقصود «بما وراء الخير والشر»، إذا كنت قد فهمته جيداً، ليس القضاء على فكرة الخير والشر في العالم، فهذا شيء مستحيل، بل ويشكل خطراً على مفهوم الحق والعدل في العالم أو التاريخ، لا، المقصود به هو أن الأمور أكثر تعقيداً، هو ان هناك أسباباً تقف خلف الأعمال الإرهابية التي حصلت أو قد تحصل، وبالتالي فإن على القوة العظمى الأولى في العالم أن تأخذ هذه الأسباب بعين الاعتبار، لا أن تكتفي باتباع سياسة القوة ومنطق الحرب، وأخذ هذه الأسباب بعين الاعتبار لا يعني تبرير الإرهاب أو جريمة (11) سبتمبر النكراء، وإنما يعني النبش عن الجذور العميقة لهذه الجريمة ومحاولة معالجتها لكيلا تتكرر مرة أخرى. ومن هذه الأسباب، الوضع البائس واليائس الذي تعيشه المجتمعات العربية حالياً، وكذلك سوء التنمية، والفقر، والاستبداد، والكبت، والقمع، ثم بالطبع: مأساة فلسطين الكبرى.
يقول اركون بما معناه: ان المعركة الجارية حالياً غير متكافئة على الإطلاق، فهي تتم بين مجتمعات مسحوقة وتعيش أسوأ ظروفها التاريخية والانتكاسية من جهة، ومجتمعات قوية متقدمة تفرض خياراتها الفلسفية والسياسية على العالم كله، فالرد الأميركي عسكري وحربي، هذا في حين ان المشاكل التي تثيره ذات طابع فلسفي وروحاني، بالاضافة إلى ما ذكرناه للتوّ.
وهذا يعني ان الرد ليس صحيحاً، ولن يؤدي إلى حل مشكلة الخصومة التاريخية المندلعة بين الإسلام والغرب، وإنما إلى تعقيدها، فهناك طريقة أخرى للرد: هي الطريقة القائمة على معالجة المشاكل من جذورها بأسلوب إنساني متضامن مع آلام البشر، كل البشر. فالناس ينفجرون في العالم العربي والإسلامي لأنهم جائعون، مكبوتون، معذبون، لا أفق لهم على الإطلاق.
واما جوزيف مايلا، فيختتم الكتاب بصفحات مضيئة عن الوضع العالمي الراهن بمجمله، ويركز فيه على تحليل الاستراتيجية الأميركية الجديدة التي تبلورت بعد (11) سبتمبر وكنتيجة لذلك اليوم الموعود. فكل ما تفعله أميركا حالياً، ناتج عن تلك الصدمة الرهيبة التي أصابتها في الصميم، ومصطلح «الحرب الوقائية» الذي يمثل حجر الزاوية في هذه الاستراتيجية، لا يمكن فهمه إلا إذا أخذنا هذه المسألة بعين الاعتبار، وهو مصطلح سوف يغير كل العلاقات الدولية إذا ما طبق حرفياً. فالأميركان يقولون صراحة أو ضمناً، بأنهم لا يستطيعون انتظار أن يُضربوا مرة أخرى لكي يتحركوا، إنما من حقهم أن يضربوا قوى الإرهاب قبل أن تضربهم، ولهذا السبب فإنهم لن يتوقفوا عند العراق، إنما سوف يترصدون كل البلدان أو المناطق أو الجماعات الفردية التي قد تشكل خطراً عليهم، وسوف يحاولون تحييدها الواحدة بعد الأخرى إذا أمكن، وهذا يعني أننا دخلنا في صيرورة طويلة لا يعرف أحد نهايتها.
والقيادة الأميركية تعتقد بأنها تجسد الآن قوة الخير والحق والعدل في صراعها ضد أشخاص من نوع بن لادن وصدام، وقوة السلاح بالمعنى الحرفي للكلمة، وبالتالي فهي تحقق التطابق النادر بين السياسة والأخلاق، (ولكن ماذا عن فلسطين؟!). في الواقع انه لكي نفهم الاستراتيجية الأميركية السائدة حالياً ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار فلسفة التاريخ كما بلورها ارسطو العصور الحديثة: أي هيغل. فهذه الفلسفة تقول لنا ما معناه: في كل حقبة من أحقاب التاريخ ينبثق شعب مهيمن على العالم، وهذا الشعب يعتقد انه مكلف بحمل رسالة إلى البشرية وبقيادة جميع الشعوب، وتكون قيمه عندئذ هي القيم المهيمنة عادة على تلك الحقبة. ففي العصور الماضية مثلاً، كان الشعب اليوناني هو الذي يجسّد هذه الروح الحضارية، ثم تلاه الشعب الروماني بكل امبراطوريته الكبيرة، ثم جاء دور العرب الذين حملوا رسالة الإسلام الحضارية إلى العالم، ثم جاء بعدئذ دور الغرب، حيث «حلّت الروح» في أوروبا كما يقول هيغل، والآن جاء دور أميركا، وبعد أميركا ربما جاء دور الهند والصين والعرق الآسيوي.
وفي كل حقبة، كان المضمون الفكري للرسالة يتنوع ويختلف. ففي عصرنا الراهن، أصبحت قيم العقلانية، والحرية، والديمقراطية، والتعددية الدينية والسياسية، وحرية الصحافة، وحقوق الإنسان والمواطن، هي المهيمنة.
وأميركا تشعر بأنها مكلفة بحمل هذه القيم إلى شتى أنحاء العالم، لإخراجه من تخلفه وتزمّته، لكن هل تستطيع أن تفرضها بالقوة على البشر؟ وهل سيتحول العرب إلى ديمقراطيين بقدرة قادر بعد قصفهم بالقنابل؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه حالياً، وسوف يزداد طرحه إلحاحاً كلما اقتربنا من لحظة الحسم.
* «من مانهاتن إلى بغداد. فيما وراء الخير والشر»
* De Manhattan a Bagdad. Au - dela du Bien at du mal
* المؤلف: محمد اركون، جوزيف مايلا
* Mohammed Arkoun, Joseph Maila
* دار النشر: دوكلي دو بروير ـ باريس ـ 2003
* Descle"e de Brouwer. Paris. 2003
2003.2.23



#هاشم_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسيرة التنوير الفرنسي من تورغو إلى فولتير
- الفقر أم المشاكل كلها
- قراءات في التنوير الألماني.. لماذا تقدمت أوروبا وتأخر غيرها؟
- سبينوزا.. فضيحة عصره
- هيغل والتنوير
- نحن والغرب.. قصة صراع تاريخي طويل
- كيفية التوفيق بين الفلسفة والإيمان
- هيجل في آخر سيرة ذاتية له
- بين العبقرية والجنون
- الأصولية وصراع الحضارات.. لا حضارة لنا الآن حتى نصارع حضارة ...
- ليسنغ والتنوير
- الأصولية الظلامية والمعركة التي لا بد منها..


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - هاشم صالح - كتاب يتحدث بصوتين.. من مانهاتن إلى بغداد أركون في كتابه الجديد بالاشتراك مع مايلا ينتقد الانغلاقات المزمنة داخل التراث الإسلامي وسياسة القوة الغربية المنفلتة