أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - العلمانية: المفهوم المظلوم (5/ 5)















المزيد.....

العلمانية: المفهوم المظلوم (5/ 5)


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 5639 - 2017 / 9 / 14 - 15:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(العلمانية: النشأة والمسيرة)

لا يقتصر استخدام اسم "المَظَالِيْمُ" على وصف من أصابهم الظلم من بني البشر ولكنه أيضا يتسع ليشمل تلك المفاهيم التي ظلمها المتعاملين معها فنالت شرف الانضمام لجمهور المظاليم. ويأخذ الظلم الذي يقع على المفاهيم أشكالا مختلفة فهو قد يكون على شكل تعدد تفسيرات المفهوم مع غيبة لمعايير تحديد أصوبها كما هو الحال مع مفهوم "الجهاد". وهناك مفاهيم ثرية متعددة الجوانب تعاني من النظرة الضيقة والمحدودة التي لا ترى الا جانبا واحدا من جوانب المفهوم. ولعل مفهوم "العلمانية" هو أحد هذه المفاهيم.

وحتى تتضح الفكرة نستعرض بعض التعاريف السائدة للعلمانية مع الاخذ في الاعتبار ان البحث عن تعريف لها يشبه البحث محاولة اللحاق بعربة مسرعة تتحرك في العديد من الاتجاهات. فلـ "العَلمانية" تعريفات متعددة تختلف باختلاف السياق وتغير الزمان. والعَلمانية، من المنظور الفلسفي، هي ببساطة "تحرير الإنسان من وصاية الأديان والما ورائيات، وتحويل اهتمامه من العوالم غير الملموسة إلى العالم الذي يعيش فيه". وهي من منظور علم الاجتماع "العملية التي تحرر قطاعات المجتمع وثقافته من سيطرة الرموز والمؤسسات الدينية". والبعض الآخر يعرفها بوصفها "حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الأرضية بدلاً من الاهتمام بالشؤون الأخروية" (دائرة المعارف البريطانية). وأخير تعنى العَلمانية، من منظور علم السياسة، "فصل الدين عن السياسة". ويمكن النظر الى هذه التعريفات بوصفها تنويعات مختلفة على عبارة "فصل شئون الدنيا عن شئون الدين". وهي العبارة التي يتبناها كل من يكتب عن العلمانية سواء كان ممن يدعو اليها بحماس أو ممن يهاجمها بقسوة.

وحجة دعاتها تقوم على مفهوم العالمين: "عالم الشهادة" و"عالم الغيب". و"عالم الشهادة" هو الواقع الذي نعيش فيه ونتفاعل معه فتتأثر حياتنا بما يقع فيه من احداث كما تؤثر افعالنا فيه. الواقع الذي يتميز بالتغير الدائم والمتسارع، ولا يوجد مكان للمطلق فيه فكل شيء فيه نسبى، وما ينجح في مكان بعينه قد لا ينجح في مكان مختلف، وما يصلح لزمن ما قد لا يصلح لزمن آخر. وهو عالم تشكل أحداثه المتلاحقة إرادة الإنسان وأفعاله، ويحاسب فيه الإنسان عن نتائج أفعاله حسابا آنيا لا يقبل التأجيل. وأخيرا هو العالم الذي تدركه حواسنا اما مباشرة أو بالاستعانة بالتكنولوجيا ويمكنا تتبع احداثه ورصد ظواهره. أما العالم الآخر فهو "عالم الغيب" الذي لا تدركه حواسنا وتأتينا اوصافه واخباره من النصوص المقدسة وكتابات الاولين. انه عالم المطلق بامتياز فكل ما فيه مقرر سلفا وكل ما فيه خالد لا يتغير، ولا مكان فيه لفعل أو إرادة الإنسان. عالمان منفصلين تماما ومختلفين اختلافا جذريا فلكل منهما قوانينه التي تحكمه والتي لا تصلح للتطبيق الا بداخله. لذا فإن الخيار الأصوب الذي يستفيد منه الجميع هو "فصل شئون الدنيا ("عالم الشهادة") عن شئون الدين"("عالم الغيب").

الا ان الاكتفاء بهذه النظرة الضيقة لمفهوم العلمانية فيه ظلم واضح لها لإغفالها بقية جوانب هذا المفهوم. فالعلمانية، كما اوضحنا في الفصول السابقة، هي نتاج لتفاعل ثلاث حركات كبرى: الحركة الإنسانية وحركة الإصلاح الديني والحركة العقلانية وعليه فهي الوريث الشرعي لكل ما حملته هذه الحركات من أفكار وما بشرت به مبادئ. وهنا يبرز تساؤل مشروع عن صياغة جديدة لمفهوم العلمانية تأخذ في اعتبارها امرين. الأول هو عدم اغفال أي بعد من ابعاد هذا المفهوم. الامر الثاني أن تكون هذه الصياغة قابلة للتنفيذ على ارض الواقع. فأي مفهوم، وأيا كانت دقة تعريفه، لا تكتب له الحياة والاستمرارية مالم يتم تفعيله وتنزيله على ارض الواقع. فبهذا فقط يصبح المفهوم عنصر فاعل في عملية تغيير هذا الواقع. وابسط عمليات تنزيل مفهوم العلمانية هي ترجمة ما يحتويه من مضامين الى منظومة "قيم" يتبناها افراد المجتمع عن قناعة بضرورتها للارتقاء بأحوالهم. فـ "القيم عبارة عن محددات لسلوك الفرد التي تؤثر في اختياراته للمواقف في الحياة وتقرر سلوكه" (بوشامب, 1987).

وفي محاولة للإجابة على هذا السؤال سننظر للعلمانية بوصفها "منظومة متكاملة من المبادئ والقيم التي تهدف الى تمكين الانسان من إدارة شئونه وتحقيق مستوى الرفاه المنشود في عالم الشهادة". وتتكون هذه المنظومة من ثلاث مجموعات تضم الأولى كافة القيم التي تدعم تمكين الانسان، وتضم الثانية القيم المتعلقة بأدوات إنتاج المعرفة، أما المجموعة الأخيرة فتتعلق بالمبادئ وبالقيم التي تحدد اتجاه التغيير.
المجموعة الأولى: قيم تمكين الانسان
تشكل الحركة الإنسانية وحركة الإصلاح الديني الأساس الذي اشتقت منه قيم المجموعة الأولى والتي أطلقنا عليها اسم "تمكين الإنسان". وتضم هذه لمجموعة كافة القيم التي تؤكد على قدرة الانسان على لعب الدور الرئيسي والمحوري في إدارة شئون دنياه وذلك باستخدام ملكاته الفكرية وقدراته الذهنية فقط، هذا بالإضافة الى القيم التي تسهم في تعزيز هذه القدرة.

وأول هذه القيم قيمة "الثقة في الفرد" التي تنظر للفرد بوصفه كائن مستقل حر الإرادة قادر على اتخاذ القرارات التي تؤثر على مستقبله بنفسه ودون أي عون خارجي. وتعني هذه النظرة تحرير الفرد من كافة اشكال الهيمنة والتحكم التي تحد من قدرته على التفكير الحر والابداع. وثاني هذه القيم قيمة "الحرية" التي لا تقتصر على مجرد حرية الضمير والاعتقاد وحمايتها من كافة أشكال القهر السياسي والاقتصادي الساعية لكبتها، بل يمتد ليشمل الحرية السياسية والاقتصادية بكافة أشكالهما، وحرية التعبير عن الرأي والاعتقاد دون الخوف من المنع أو القهر قانونيا كان أو اجتماعيا، وأخيرا حرية نشر إبداعات الإنسان بكافة أشكالها الأدبية والفنية والفلسفية والعلمية. اما ثالث القيم، "تقدير الابداع"، فتحتفي بالإبداع البشري وتحث عليه أيا كان مجاله بوصفه مصدرا لثروة المجتمع ولزيادة رفاه افراده. ورابع قيم هذه المجموعة هي قيمة "الجدارة" بوصفها المعيار "الأوحد" الذي يحدد مكانة الفرد في المجتمع انطلاقا من قدرته على "الإنجاز" المرتكزة على ما حصله من علم وما اكتسبه من مهارات. وأخيرا نصل الى آخر قيم هذه المجموعة، قيمة "التعلم المستدام"، التي تهدف الى تشجيع افراد المجتمع على تنمية معارفهم وخبراتهم "من المهد الى اللحد". وتسهم هذه القيمة الأخيرة في تعزيز باقي القيم.

المجموعة الثانية: قيم إنتاج المعرفة
تهدف قيم هذه المجموعة الى تحرير عقل الإنسان من سطوة وسيطرة "الفكر اللاعقلاني" بشتى صوره وتنويعاته، والى تنقية فكره من "شبه المعرفة" التي تقوم على "الحكايات" التي يصعب التأكد منها وعلى ”الشهادات" التي تفتقد للإجماع. ويمكن صياغة أولى قيم هذه المجموعة على الصورة التالية: "بالعلم توجَد الإجابات". وتؤكد هذه القيمة على ان منظومة العلم الحديث، بمناهجها وادواتها، هي السبيل الاوحد والوحيد لمعرفتنا بالواقع ("عالم الدنيا" أو "عالم الشهادة"). اما ثاني القيم، "مرجعية الواقع"، فتؤكد على ان الواقع الملموس (لا النصوص) هو المصدر الوحيد للمعرفة التي يمكن التحقق من صحتها سواء بقدرتها على وصف ما يوجد فيه من كائنات وما يقع فيه من احداث، او بنتائج تطبيقها (منفعتها).

المجموعة الثالثة: قيم التطور الخلاق
يتميز المجتمع البشرى عن غيره من الكائنات بأن عملية تطوره يمكن أن تنشئها وتوجهها أفعال وقرارات الإنسان. إنه إذن التطور الواعي، غير العشوائي، الذي يقوم على المبادئ التالية:
1. مبدأ "الخلف" أفضل من "السلف"
2. مبدأ "المستقبل" أفضل من "الماضي"
وهما المبدئان اللذان تحتمهما تراكم المعرفة والخبرة الإنسانيتين على مستوى المجتمع ككل.
3. مبدأ "الإبداع هو شرط التطور الخلاق". والإبداع هو ببساطة هو عملية إنتاج أفكار غير مسبوقة لحل مشاكل المجتمع أو للتعامل مع ما يواجهه من تحديات.
وهي العملية التي يتطلب إنجازها توفر شرطين هما "رفض الوضع الراهن" و"الخروج عن المألوف"، وتعززها مجموعة من القيم.
وأول هذه القيم قيمة "التسامح مع الأخطاء" بوصفها مصدرا للدروس المستفادة التي تنشأ عنها الأفكار الجديدة. وتعزز هذه القيمة قيمة "التعلم المستمر" بما تنشئه من "نزعة فضولية" تدفع الإنسان للبحث عن كل جديد. كما تؤدى قيمة "التقييم الموضوعي (العادل) للأفكار" إلى تشجيع أعضاء المجتمع على إنتاج الأفكار الجديدة ومناقشتها. كما تعزز قيمتي "تقبل المخاطرة" و"تشجيع التجريب" القدرة على "الخروج عن المألوف". يؤدى البحث عن حلول غير مسبوقة للمشاكل، التي يواجها الكيان، إلى إنتاج العديد من الأفكار التي قد يناقض بعضها البعض، وتتباين حولها الآراء. وهنا تبرز أهمية قيمة "تقبل الخلافات" التي لا تقتصر على مجرد التقبل بل تعنى أيضا العمل على تجاوزها بطريقة بناءة. وآخر القيم الداعمة لعملية الإبداع هي قيمة "الاحتفاء بالتغيير" التي تعزز أحد شرطي عملية الإبداع وهو "رفض الوضع الراهن.

كان عرضا سريع لمجموعة المبادئ والقيم التي ان توفرت في مجتمع ما يمكنا وصفه بأنه مجتمع علماني.

المراجع
بوشامب, ج. 1987. نظرية المنهج (م. س. وآخرون, Trans.): الدار العربية للنشر.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العَلمانية: صحوة العقل (4/5)
- العَلمانية: انتفاضة الراهب (5/3)
- العلمانية: الانسان أولا (5/2)
- العلمانية: عصر الظلمات (1/5)
- استفتي عقلك
- حكاية الجزيرتين
- فرض عين
- عبء الاختيار
- جبر التنوير
- الفتوحات المدنية لابن الانسان
- والمثقفون يتبعهم الغاوون (عن المثقفون وعن أدوارهم)
- سلاح الغلابة
- مرافعة لم يطلبها أحد
- مذبحة الروبوتات
- جامعة المستقبل: الرؤية والرسالة
- نظرية ورقة النشاف
- المادة المضادة ومأساة انسان العقل المُغَيب
- الديموقراطية وجودتها المنشودة
- القيراط الخامس والعشرين
- أسطورة تجديد الخطاب


المزيد.....




- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...
- 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- الأتراك يشدون الرحال إلى المسجد الأقصى في رمضان
- الشريعة والحياة في رمضان- مفهوم الأمة.. عناصر القوة وأدوات ا ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - العلمانية: المفهوم المظلوم (5/ 5)