أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيثم بن محمد شطورو - النداء التقدمي















المزيد.....

النداء التقدمي


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 5631 - 2017 / 9 / 5 - 20:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إذا كان بوسعك أن ترى في الجماعة " ملكوت الله على الأرض"، بمثل ما يقـتضيه هذا الإيمان من إيمان أن كل "نداء باطني" يخفق في أعماق الذات ما هو إلا "نداء الاهي"، وفق التعبير الهيغلي، فانك ساعتها فقط تخرج من شرنقـتك لتغدو فراشة تطير بحرية و خفة في أجواء الإدراك التام، انك خرجت من منطوق الجماعة الصغيرة المتعينة وفق مبدأ الاستغلال المتبادل ( و إن كان الأمر بصيغة النبالة الثورية المزيفة)، إلى منطوق الجماعة الأرحب و هي الإنسانية فيما تحقـقه من ارتباط بالواجب الأخلاقي الروحي الذي تـفرضه بمعرفة معينة و وعي يبحث عن أن يكون ذاته و العالم في نفس الوقت..
ستـنظر إلى اغتباطك العميق باكتـشاف الروح الجميل الذي كنت تدوس عليه بما تعتبره مقتضيات الحياة الواقعية. لكن أي حياة لا تـتوهج فيها الحياة بالحرية العميقة؟ الحرية التي تـشتعل كنار داخلك، النار التي تـنير عالمك الذاتي، عالمك الذاتي الذي ما أن تـنغمس فيه أكثر فأكثر حتى تكون في حضرة "ملكوت الله في الأرض"..
انك هنا عضو في جماعة جديدة، ( تتبادل فيها كل ذات مع الأخرى الضمير المرهف و القصد النبيل و النية الطيبة. انك وسط التبادل الحر للغبطة الروحية لما يتمتعون به من طهارة قلبية متبادلة، و سمو روحي في المعرفة و التعبير، و ما يقوم به أفراد الجماعة من اهتمامات مستمرة من اجل العمل على استبقاء ذاك الامتياز الروحي. فكل فرد في هذه الجماعة يعمل بوحي من ضميره، و لكن كل فرد أيضا يعترف بغيره من أفراد الجماعة.)( منقول عن كتاب "هيجل" للدكتور المصري "زكريا ابراهيم")..
كيف تحقـق الجماعة الروحية الجميلة نفسها في الواقع؟
ـ بتحديد مختلف الرؤى الجمالية القائمة على المعرفة العلمية في اتجاه اكتساب وعي فلسفي بما هو وعي موضوعي بالعالم بما هو وعي بالذات، و الوعي بالذات بما هو وعي بالعالم، أي وفق تحديد الفيلسوف "هيغل" للمثالية.
فالعلمية التي تـنطلق من الجزئي لتحدد به الكلي لا يحقق وعيا موضوعيا فعليا بالعالم، و إنما الوعي بالعالم المتضمن لمختلف الاكتشافات العلمية وفق تأليف و تجاوز بما يقتضيه النظر إنسانيا حيا و روحيا للوجود، و هو الوعي الثوري المطلوب على الإنسان الضائع في هذا العصر. الإنسان الآلة و الإنسان الشيء، أي الاانسان باعتبار الإنسان كائنا روحيا يعمل على بعث الإلوهية الكامنة في أعماقه دوما. هذا الوعي الضروري لحياة أخلاقية جديدة تتجاوز التحديدات القديمة و تتجاوز تجسيدات الدين بما أنها ماتت فعليا و افتـقدت القدرة على البعث الروحي للإنسان الذي اكتـشف نفسه في عالم واقعي قادر على تغييره و أنسنـته أو ألهنته بوعي إنساني.
ـ بالتوافق حول ضرورة الحسم للدخول إلى العصور الحديثة بذات متملكة لنفسها هاضمة لضياعها العاملة على تجاوزه نحو تآلف جديد بينها و بين ذاتها. بذلك لا ندخل العصر فقط و إنما نتـقدم به إلى عالم إنساني أفضل في ربوع الأرض جميعها. أي كأننا نردد قول السيد المسيح: " أنا الحق و الحياة"..
ـ يكون من المنطقي هنا التـفكير في السياسي بما هو تابع للفيلسوف و المفكر و المثـقـف، و ليس العكس مثلما هو عليه الحال اليوم في العالم.. نعتبر ذاك هو السبب العميق في أزمة العالم السياسية و بالتالي الاجتماعية و الاقـتصادية، التي افتـقدت للأخلاقية و استسلمت للاداتية و إدارة الأزمات و تعميق تعاسة العالم باعتبار الإنسان مجرد ذرة و بالتالي كمية معينة من البشر يعبر عنها بالأرقام المختلفة و كأنك أمام مدجنة بشرية هائلة..
يمكن ملاحظة ذلك في جميع السياسي الصغير منه و الكبير، و اليميني منه و اليساري و الوسطي، لكن دون أن نحجب ما يبقى لليسار من مزية هامة و هو تعلقه بالإنساني و توقه إلى تحرير الإنسان من اغترابه برغم أن المضمون الفكري لهذه النزعة سواء في نسخها السلفية أو المتجددة تسبق السياسي على المفكر، و تحتكم إلى الزعيم و ليس إلى الفكرة و الواجب الذي تعتبره الذات الحرة الواعية واجبا. و بالتالي فاليساري حقـق اغتراب الإنسان عن ذاته بتعلقه بالزعيم و ليس بالفكر..
ـ لا تعتبر هذه الجماعة نفسها تـنـظيما سياسيا أو طائفيا، فهي تطمح إلى تحقيق جمالية وجودية إنسانية، و لكن لأجل التحقيق الواقعي لنفسها و الإفلات من حالة بقائها في نفـسها تغتبط بجماليتها بواسطة الكلمات فقط إلى الصراع لأجل تحقيق تصوراتها للعالم في العالم، فإنها ستضطر لتأسيس تنظيم و رؤى سياسية. هنا يعني أنها ستضطر للاغتراب عن نفسها، كي لا يكون موقـفها رواقيا يقتصر على الحرية المجردة و الألفاظ الرنانة للفضيلة و السعادة البشرية و الحكمة و الحق و الخير و المساواة حتى تموت وسط رتابة تكرار تلك الألفاظ التي ستـفـتـقـد بالضرورة بريقها بحكم عدم اتصالها بالواقع الحي. و بالتالي فان الجمالية تكتـشف هنا عقمها و وعيها الساذج و غبائها مما يجعلها ترتد إلى العدمية و ربما تـنـفجر منها القباحة الوجودية..
كما أن الجمالية الوجودية يجب أن تـنـتبه دوما من موقف الارتياب و الشك في كل شيء و الذي يقزمها و يجعل وجودها مرتبطا بآخر مقابل تطلق عبارات رفضه بـ"ألاء" الدائمة، و بالتالي تتحول من نظرة عقلية كلية إلى العالم إلى نظرة جزئية متعلقة بوجود آخر نقيض، فتـتـفـتـت في لاءاتها غير المجدية بما أنها لا تغادر بذلك موقف المتـفرج و المتأمل للعالم حتى و إن كان بتصورات ثورية مزيفة غير واقعية بما أنها عاجزة عن الفعل في الواقع. تـنحسر شيئا فشيئا و تـتـقـزم شيئا فشيئا و تـنكمش كقطعة جلد تحترق شيئا فشيئا و تبوء جميع محاولاتها الزائفة الرافضة في عمقها لمبدأ الفعل في الواقع و ما يقتضية من اغتراب عن الذات بالفـشل المريع..
كيف يمكن لهذه الروح الجميلة أن تجسد نفسها في الواقع؟ كيف تضفي من جماليتها على الواقع الذي هو بالضرورة قبيح بالنسبة لها؟
هنا، لابد لهذه الذات أن ترغم نفسها على القبول بالواقع ببحثه و إرادة معرفته و معرفته. ستدرك أن حقيقـتك السابقة تـفلت من بين يديك. لا تجزع فأنت مازلت لست العالم. إياك و أن تضع الشيء الذي اكتـشفـته خارج خواصه هو ذاته لتحافظ على وضعك الثابت المستقر في تصورك للعالم. انك لا تـقوم إلا بإخراج نفسك من العالم و أنت تعتـقد (بكبرياء زائف مشوب بشفقة مقيتة على الذات) أن العالم جاهل بحقيقـته التي ما هي إلا الحقيقة في تصورك أنت فقط. عليك أن تحذر دوما من الطمأنينة الزائفة لحقيقـتك الزائفة التي تحافظ بها على موقـفك الثابت بدعوى الثبات و المبدئية ثورجيا.
العناد في موقـف التـقابل بين حقيقـتك و الواقع يقودك إلى اعتبار نفسك مقابلا للواقع و بالتالي مرتبطا به و إن تعتـقد في نفسك محررا له و مستوعبا له في كليته. انها حرية زائفة بمفهوم زائف، و هنا تغادر موقع الاغتباط الأخلاقي كنداء إنساني الاهي، لتغوص في معارك تطحنك يوما فيوما و تـشيوئك يوما فيوما دون أن تدرك ذلك.. بل تجد نفسك تعاند بشراسة أكثر. من تعاند؟ انك تعاند العالم برمته و لكن ليس بالحقيقة و إنما فقط بكبرياء مجروح و وعي ساذج يتمسك ببعض المقولات التي لا تغني و لا تـنفع شيئا..
ليس من مفر أمام الروح الجميلة الجماعية الذاتية من أن تـتـقبل اغترابها عن ذاتها. أي أن تـتـقبل ما كانت تعتبره قبيحا حتى من باب البحث عن الجزء الجميل فيه لتنميته بمنطق الإيمان العميق بالجمالية الإنسانية في ذاتها أينما كانت.
من هنا تخرج هذه الروح من قوقعتها الرواقية و الارتيابية المتـفرجة على العالم حتى و إن كانت تعتـقد في نفسها تعبر عن آلام العالم، إلى الفعل في الواقع و الذي هو بالضرورة يكون ملتبسا بين رفض الواقع و تـقبله، بين نداء الواجب الإنساني الذي يشعل الذات و بين نكران الذات و تمزقها و اغترابها عن نفسها.. فذاك يجعلك نارا تـشتعل. بذلك تـنير نفسك و تـنير العالم من حولك بحركتك الصاخبة مع ذاتك و العالم.. نحن في عالم متحرك.. و من أدراك أن للاه فعلا عرش قد استوى عليه؟ ففي كل الأحوال فذاك شأن الله و ليس شأننا الموجودين في عالم متغير باستمرار. فأي عقم لأي ثبات؟
بذلك فقط تكتسب خبرة واقعية و فعل ملموس و حي في الواقع. هذا الفعل لن يكون مطابقا لصورته الأولى الذاتية عن العالم الجميل و الأخلاقي الأفضل، و لكن بتحرك الروح الجميل في العالم بذاك التحرك الاغترابي عن ذاته يحقق نفسه بالنظر الجزئي للأمور و بالتالي النسبي.
ستخرج أيها الثوري النبيل من المقولات العامة حين تريد تحقيق نفسك في العالم. هذا العالم الذي ليس بعالم إلا بشيطان رديف للإلاه. فلن تحقـق نفسك في العالم إلا بالتعين المستمر في الواقع بكل ما يعنيه هذا التعين من سلسلة من الميتات أو النهايات التي تعقبها بدايات. انك في النهر دائم التجدد و التطهر.. الماء الساكن مستـنـقع فلوثة و أمراض و موت نهائي باسم الثوابت و المبدئية..
بذلك فقط لا تحقـق الجماعة الجميلة نفسها في الواقع فقط و إنما تضفي على الواقع من جماليتها. تلك هي الحركة التـقدمية نحو الأفضل المتوقـفة على الحرص على الاستمرار بكل ما يعنيه الاستمرار من نهايات و بدايات..



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاريخية القرآن ( من خلال سيرة ابن هشام)
- الرئيس التونسي يتحدى الشرق البائس
- زقاق الجن
- الأيادي القذرة
- نهاية الفصل الأول من الثورة
- الدوامة السورية إلى أين؟
- معركة -بدر-
- من يخون من؟
- ضرورة الانبعاث الفكري للثورة العربية
- انبعاث ثورية السلطة في تونس
- معركة -المصالحة- في تونس
- الأخلاق حرية
- يوم الإضراب العام
- دولة الثورة
- الهجوم الصاروخي الامريكي على سوريا
- الثورة المخاتلة
- الإصلاح التربوي ليس من مشمولات الوزير
- سلفنا السعيد المفقود فينا
- قراءة في الإصرار على إقالة وزير التربية
- المشهد الثقافي التونسي يعكس حقيقة ما يدور بالمشهد السياسي


المزيد.....




- تحطيم الرقم القياسي العالمي لأكبر تجمع عدد من راقصي الباليه ...
- قطر: نعمل حاليا على إعادة تقييم دورنا في وقف النار بغزة وأطر ...
- -تصعيد نوعي في جنوب لبنان-.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إ ...
- البحرية الأمريكية تكشف لـCNN ملابسات اندلاع حريق في سفينة كا ...
- اليأس يطغى على مخيم غوما للنازحين في جمهورية الكونغو الديمقر ...
- -النواب الأمريكي- يصوّت السبت على مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
- شاهد بالفيديو.. العاهل الأردني يستقبل ملك البحرين في العقبة ...
- بايدن يتهم الصين بـ-الغش- بشأن أسعار الصلب
- الاتحاد الأوروبي يتفق على ضرورة توريد أنظمة دفاع جوي لأوكران ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيثم بن محمد شطورو - النداء التقدمي