أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - المريزق المصطفى - مشروع ورقة أولية لحركة قادمون وقادرون بمناسبة الدخول الاجتماعي والسياسي المقبل (2017 -2018)















المزيد.....


مشروع ورقة أولية لحركة قادمون وقادرون بمناسبة الدخول الاجتماعي والسياسي المقبل (2017 -2018)


المريزق المصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 5625 - 2017 / 8 / 30 - 18:06
المحور: المجتمع المدني
    


في البداية أعبر عن ارتياحي لتفاعل العديد من النشطاء المدنيين والسياسيين من داخل المغرب ومن خارجه مع قيام حركة قادمون وقادرون، ومع ما تطرحه من مشاريع أفكار ورؤى، ومبادرات واقتراحات، لتجديد الفكر المدني الاجتماعي، والمساهمة في رفع اللبس والغموض والخلط في التعاطي مع مجمل القضايا الاجتماعية المغربية.
ولم تكن سلسلة الحوارات والمقالات والبلاغات والبيانات وغيرها من التعبيرات الاجتماعية والحقوقية والإعلامية التي أطلقناها، إلا إعلانا عن الرغبة الملحة في ترجمة روح السؤال الاجتماعي ودلالاته إلى رؤية مستقبلية من دون هزل أو طرافة أو مزايدة، وإلى التعبير الحر عن داء قصور المؤسسات وتعبيرات حركات الأفراد والجماعات وحركية بين الأجيال، ونظم الفئات الاجتماعية والمهنية.
إن ميلاد حركة قادمون وقادرون هو التزام نضالي وأخلاقي للدفاع عن مكتسبات شعبنا وصيانتها والنهوض بها، من أجل المساهمة في بناء الدولة الاجتماعية التي تعترف بالإنسان كثروة حقيقية، تقوم بحمايته من كل الأخطار والأمراض، وتؤمن له شروط الحق في الحياة، وتجعله في صلب كل إستراتيجيتها المحلية، الجهوية، الوطنية منها والدولية، من منطلق الحق في المواطنة الكاملة كحق من حقوق الإنسان.
كما أن ميلاد حركة قادمون وقادرون هو انخراط عضوي في فلسفة جديدة ، تقوم على تأسيس "أبراج" في كل ربوع الوطن، لمراقبة ومتابعة الشأن المحلي والعمل على فضح كل اختلال (كبير، متوسط أو صغير)، والتشهير به إعلاميا، والنضال من أجل تقويمه داخل المؤسسات والمجالس الترابية، وداخل كل المحافل والهيئات في الداخل والخارج، مع الحفاظ على التواصل التاريخي للتجارب الحقوقية والمدنية التي عاشها المغرب منذ القرن الماضي، كرد فعل على الظلم وانتهاك حقوق الإنسان، والتضييق على الحريات.
إن هذه المساهمة تأتي في إطار إيمان حركة قادمون وقادرون، بالنضال من أجل تفعيل أسس دستور المملكة المتعلقة بمناقشة السياسة المالية والاقتصادية والاجتماعية وتقييمها، والعمل على حماية قيم ومبادئ الحكامة المالية الجيدة والشفافية والمحاسبة، والمساهمة في تقييم السياسات والبرامج العمومية، على ضوء تصور ما تؤمن به حركتنا ومبادئها المسطرة في مشروع الأرضية التأسيسية.
وانطلاقا من اهتمام حركة قادمون وقادرون بتثمين وتأهيل الرأسمال البشري وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، والتي تخص ولوج البنيات والخدمات الأساسية (التربية والتكوين المهني، والبحث والابتكار، وإنعاش التشغيل، والصحة، والحماية الاجتماعية، وتسهيل الولوج إلى السكن)، وتنشيط النقاش العمومي حول السياسة العمومية المرتبطة بتنمية المدن المحورية ومناطق جبالة والريف والأطلس والشرق والغرب والجنوب؛ ونظرا لما تعانيه هذه الأخيرة من نقص في التكافل الاجتماعي والتضامن الوطني، وعجز في تنمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وفقر في تنمية أقاليم المغرب العميق ومغرب الهامش،و فشل في محاربة الهشاشة والفقر والاستبعاد الاجتماعي، و تغييب إرادة الاعتناء بالشباب وتحسين ظروف عيش النساء وذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين، والتنكر لحماية حقوق المغاربة المقيمين بالخارج، وعرقلة كل محاولات تعزيز ارتباطهم بالوطن وتقوية مشاركتهم في مسيرة التنمية الوطنية؛ ومن دون لف ولا دوران، تطمح حركة قادمون وقادرون للمشاركة في وضع أسس نقد الدولة، من خلال سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وسوء التخطيط والتدبير والتسيير، ومن خلال تفشي الرشوة في مجتمعنا، والفساد في مؤسساتنا، وهدر المال العام في مجالسنا، واقتراح بدائل لقيام الدولة الاجتماعية كجواب مغربي وطني، لتصحيح السياسة الضريبية وتحريك الأجور الثابتة، ومقاومة الاستدانة المفرطة ووحشيتها وتأثيرها على الإدارة والموارد والتنمية.
إن الثقافة المدنية التي نريد المساهمة بها، هي الثقافة النقدية لما هو سائد داخل الدولة والسلطة والمجتمع، وهي ثقافة متحررة من كل ما هو سلطوي ورجعي ونكوصي. كما أن نظرتنا المستقبلية هي رؤية لتحقيق المجتمع العادل، القائم على وجود الدولة الاجتماعية بعلاقاتها المؤسساتية، الاقتصادية والاجتماعية، وبمعاييرها الحمائية والإنسانية والتضامنية.
ومن المعلوم أن مبادرة حركة قادمون وقادرون، تندرج في سياق رؤية مستقبلية للإصلاح، بعيدا عن التيه وراء ضباب الصراعات الوهمية داخل الأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني، وهي نداء لكل الغيورين على مستقبل المصالح العليا للوطن، للكف عن البكاء والأسف والحسرة. فالمرحلة السوفياتية انتهت، والماوية (نسبة إلى ماو تسي تونغ) تحولت وتكيفت مع خصائص المجتمع العالمي الجديد، والأحزاب السياسية التاريخية التقليدية انتهت، والمنظمات المدنية المنبثقة والمتماهية والمتأثرة بكل هؤلاء قد انتهت، واليوم نعيش جميعا مرحلة جديدة، ونناضل من أجل مجتمع أفضل، للارتقاء بشعبنا إلى عالم العدالة والحرية والمساواة.
ونظرا لما وصلنا إليه اليوم من وضع استثنائي، طبعته الحكومة بغياب التواصل مع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وغياب تقييم موضوعي سليم لحصيلة الحكومة المنتهية ولايتها من خلال تنفيذ قانون المالية لسنة 2016، إعمالا لاشتراطات القاعدة الدستورية: ربط المسؤولية بالمحاسبة، و الذي تم إدراجه في وثيقة النظام الدستوري المغربي كركن رابع بعد الحكامة الجيدة، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وفصل السلط وتوازنها وتعاونها (الفصل الأول من الدستور)؛ واعتبارا للظرفية الاقتصادية الحالية، ولاسيما ما يشهده العالم من تغيرات كبرى ضبابية، متسارعة، وغير مستقرة، وفي ظل تقلبات الأسواق المالية الدولية، والصراع التنافسي بين اقتصاديات الدول الكبرى، ظل الاقتصاد الوطني تبعي للمؤسسات المالية الدولية، ودون القدرة على تحقيق نسبة النمو المتوقعة في حدود 3%، ناهيك عن عجز الميزانية ومعدل البطالة، ومعدل التضخم، وعاجز على النهوض والارتقاء إلى مرتبة عليا من التقدم بين الدول الصاعدة. وهذا بالنسبة لحركة قادمون وقادرون، يبعث على القلق والحيطة والحذر، خاصة وأن ارتفاع المديونية الخارجية للمغرب بأزيد من 10 ملايير دولار في عهد الحكومة السابقة، جر بلادنا من 25.22 مليار درهم في سنة 2012، إلى 32.08 مليار درهم في نهاية شهر مارس 2016، مع ملاحظة استحواذ اليورو على 62.5 في المائة من سلة العملات المشكلة للمديونية الخارجية للمغرب، متبوعا بالدولار الأمريكي الذي تقارب حصته ربع المديونية، والين الياباني بـ3.9 في المائة.
إن حركة قادمون وقادرون تعتبر أن السياق الذي أعد فيه مشروع قانون المالية لسنة 2017، لا علاقة له بالسياق الاجتماعي الراهن. لقد أدت وضعية التفاقم المهول للمديونية، إلى أزمة اقتصادية خانقة، رهنت مستقبل كل الأجيال الحالية واللاحقة، انعكست على جل القطاعات الحيوية وعلى الولوج العادل إلى الخدمات الأساسية (الصحة والتعليم والسكن والشغل)، ما أدى إلى استفحال البطالة وخاصة لدى حاملي الشهادات العليا، وإلى عزلة العالم القروي وتعميق هشاشته واستبعاده الاجتماعي، من دون أن ننسى الأزمة المتفشية في صفوف العديد من القطاعات والمقاولات الصغرى والمتوسطة، وغياب التضامن وتكافؤ الفرص بين الأفراد والفئات والأقاليم والجهات.
إن تشكيل الحكومة الحالية من دون قاسم مشترك بين مكوناتها، ومن دون أن يشارك البعض منها في صياغة المشروع، يجعل حركة قادمون وقادرون تشكك في مجمل ما ورد في تصريحاتها، لأن الواقع أظهر و لا يزال، أن المشروع الحكومي، ينطلق من حصيلة كارثية للتجربة الحكومية المنتهية ولايتها على مختلف مستويات تدبير الشأن العام، والتي أكدت النتائج أنها خدعة للمغاربة لأحلامهم وطموحاتهم، ناهيك عن الحديث عن تحقيق الرخاء ومحاربة الفساد التي وعدت به، واستفحال معضلات المديونية والبطالة والهشاشة والإقصاء الاجتماعي والارتهان للخارج. وهو ما يهدد الاستقرار السياسي ببلادنا والسلم المدني، عبر تحقير الحوار الاجتماعي، وتبخيس أدوار المؤسسات الحزبية والدستورية..
ونحن على أبواب الدخول الاجتماعي والسياسي لموسم 2017-2018، تعتبر حركة قادمون وقادرون، أن الحكومة الحالية، زادت من تعميق الهوة بينها وبين المواطن، وأجهزت على ما تبقى من حلم "المغرب الممكن"، وضربت عمق الأوراش الإصلاحية الكبرى، وعصفت بثقة الشركاء الأجانب والمستثمرين في الاقتصاد الوطني، ضدا على المسار الديمقراطي والتقدم السياسي الذي كانت انطلاقته مع العهد الجديد سنة 1999، والهادف إلى صيانة كرامة المواطن، ووضعها في صلب الإصلاحات السياسية والاجتماعية، وإرساء دولة الحق والقانون وأسس التحول الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والمجالية، والارتقاء ببلادنا إلى مجتمع الحداثة والديمقراطية والمواطنة الحقة.
إن الحديث عن الاسترجاع التدريجي لدينامية الشركاء الرئيسيين للملكة، وتنويع الشركاء الاستراتيجيين، حديث مرود عليه بالنظر للبطء الذي تتسم به دورات الاقتصاد والاستثمار وتعثر مؤسسات الحكامة على المستوى الداخلي، وتراجع تأثير الراسميل المتحركة على مستوى الاستثمار الدولي، وتوجه الاقتصاد العالمي نحو اقتصاد الخدمات على المستوى الخارجي.
إن حركة قادمون وقادرون، تقر بأزمة حقيقية يعيشها المغرب، وهو ما عبر عنه الشعب المغربي من خلال العديد من الحركات الاجتماعية والاحتجاجية في مختلف ربوع المملكة، ضدا على السياسات المتبعة من طرف الحكومة، التي تنكرت للإصلاحات الدستورية التي تمت سنة 2011، ووصلت ذروتها مع تغيير الدستور، وما تلاه من ديناميات إنتخابية وإصلاحية ومؤسساتية. كما ظهرت كذلك مع أحداث منطقة الريف.
الباب اليوم مغلق، الكل يطل من النوافذ و ينتظر ما ذا سيحدث..وتبدو حالة الانتظار هذه، حالة مرضية، تسائل حركة قادمون وقادرون وعلاقتها مع الواقع والحقيقة. حيث تعثر حلم إرساء الجهوية المتقدمة و بناء دعائم الاقتصاد الوطني المتكامل للمصالحة والإنقاذ المجالي، على أرضية تعاقد اجتماعي جديد، يؤسس للحق في الحكامة الترابية، وتفعيل السياسات العامة للدولة. كما تعتبر حركة قادمون وقادرون، أن ما جاءت به الحكومة في قانونها المالي وتوجهاتها القطاعية، جاء متناقضا مع ما جاء به الفصل 136 من الدستور، والذي ينص على: " يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن؛ ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة". حيث حدد مشروع قانون المالية بصفة تدريجية النسب المخصصة للجهات من الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات، والرسم على العقود والتأمين، من إعتمادات مالية من الميزانية العامة للدولة في أفق بلوغ سقف 10 ملايير درهم سنة 2021. بالإضافة إلى البطء في تنزيل اللاتمركز الإداري، والتحكم الحكومي في تحديد الدولة لموارد صندوق التضامن بين الجهات ونفقاته وكيفيات تسييره. وهذا يفرغ الفصل 136 من مضمونه ومحتواه، ويدعونا لمساءلة السيد وزير الاقتصاد والمالية حول حقيقة مبدأ التدبير الحر على مستوى الوحدات الترابية، وعلاقته بالتوزيع العادل للاستثمار العمومي على مستوى التراب الوطني من جهة، وشروط وآليات انبثاق أقطاب جهوية تنافسية مع أقطاب حضرية مندمجة من جهة أخرى.
ووعيا منها بالأسئلة المحرقة والتحديات الراهنة، وانطلاقا من خطاب العرش 18، وتوصيات مؤسسات الوساطة، وتقارير المؤسسات الدولية المختصة والنزيهة، ونظرا لاستعجالية إدراج القضايا الاجتماعية كأولوية في جدول أعمال السياسات الحكومية، فإن حركة قادمون وقادرون تنصب نفسها للترافع على سمو إنجاز كل مشاريع وأوراش البنيات التحتية بأقاليم وجهات المغرب العميق، وجعل كل الاستراتيجيات القطاعية في خدمة تسييد جميع الحقوق للجميع كما ينص عليها الدستور المغربي.
ومعلوم أن استمرار الارتهان للتقلبات المناخية، وضعف جاذبية مناخ الأعمال بسبب المحسوبية والزبونية والرشوة وصعوبة المساطر الإدارية وتعقد المنظومة الجبائية، وحقوق الملكية والحواجز المرتبطة بدخول الأسواق والتكلفة المالية ومدونة الشغل ووزن القطاع الغير المهيكل، وصعوبة ولوج القروض ومستوى أسعار الفائدة، وهدر المال العام، وغياب الانسجام والالتقائية في السياسات العمومية..، كلها عوامل جعلت مشروع قانون المالية محتشما، وبدون رؤية، ما يبرر نضال حركة قادمون وقادرون، وجعل أهدافها في صلب المطالبة ببلورة سياسة اجتماعية من خلال المطالبة بتسريع التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني عبر التركيز على التصنيع والتصدير، تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني وإنعاش الاستثمار الخاص، وتأهيل الرأسمال البشري وتعزيز آليات الحكامة المؤسساتية.
إن حركة قادمون وقادرون لا تفرق بين الإجراءات والطموحات، وتستشعر غياب الابتكار كعامل أساسي لتحقيق النمو الاقتصادي، وصناعة تصور جدي للنموذج التنموي الذي ينتظره المغاربة.
ومن جهة أخرى، وحسب العديد من المعطيات المرتبطة بالحصيلة المحبطة والتي زادتها كلفة التأخر في تشكيل الحكومة الجديدة، لازال المغرب يواجه هيمنة قطاع الخدمات والبناء على تركيبة الإنتاج، وهو ما يزيد من تفاقم البطالة ومن انخفاض الاستثمار ومن ارتهان الاقتصاد الوطني للاقتصاد الأوروبي، والاعتماد على هبات ظرفية.
إن الاقتصاد المغربي لازال معرضا للصدمات الخارجية، بسبب ثقل الدين العمومي ورهان البرنامج الحكومي الذي يحلم بخفضه إلى ما دون 60% من الناتج الداخلي الخام. ولهذه الأسباب والعوامل، تعتبر حركة قادمون وقادرون أن الحل لا يكمن فيما يوصي به صندوق النقد الدولي من توصيات تدعو للاستمرارية في التوجهات الإصلاحية المعتمدة سابقا، بل يكمن في تغيير بنية السياسة المغربية في مجال الاستثمار، للانتقال من مستوى الإنتاجية إلى مستوى التنافسية.
وأخيرا، إن طبيعة نمط الإنتاج المغربي المتخلف والكلونيالي، المركب والمعقد، يجعل الوضع الاجتماعي في المغرب في أزمة بنيوية نتيجة العلاقات الإنتاجية بين نظامين مختلفين، ونتيجة علاقة السيطرة السائدة، ما أدى إلى تعميق الأزمة وضعف النمو الاقتصادي وسوء تسيير وتدبير المؤسسات.
ومن خلال التقارير التي توصلت بها حركة قادمون وقادرون من مختلف مناطق المغرب، يمكن القول أن أوضاع العديد من مناطق مغرب الهامش باتت جد مقلقة، ولاسيما في مجال الولوج إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية والهجرة القروية، والانتقال الديموغرافي والتحولات التي تعرفها أنماط العيش، وغياب فرص الشغل، واستمرار المعانات نتيجة ضعف البنيات التحتية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية.
ولهذا تنتظر الحركة من الدولة وكل مؤسساتها، جبر الضرر والمصالحة مع المغرب العميق الذي يعتبر اليوم قضية سياسية، وأم قضايا التحرر والإعتاق والتقدم لبلادنا، حيث يمثل 90% من المساحة الإجمالية للبلاد، كما أنه يضم 43% من أصول البلاد، ويغطي 65% من حاجيات الحبوب، و96% من حاجيات الحليب، و98% من حاجيات اللحوم الحمراء...
وفي غياب مشروع اقتصادي واجتماعي متكامل للمصالحة والإنقاذ، ستزيد معاناة الساكنة فقرا وهشاشة، بالنظر إلى أن 79،4% من الفقراء يعيشون في القرى، كما أن 64% من الأشخاص الذين في وضعية إعاقة يعيشون في العالم القروي، و32% من الساكنة القروية هي التي تتوفر على التغطية الصحية.
وإذا كنا اليوم في حاجة ماسة لمقاربة علاجية للوقوف على حقيقة معاناة الجسد المغربي في علاقته بالعوامل والمؤثرات الاجتماعية، فلأن صحة المغاربة لا يمكن حصرها في الجسد ككيان فيزيقي مادي يعيش في الفراغ أو بعيدا عن محيطه الاجتماعي، بل بات من اللازم إدراك كل الترابطات القائمة بين الحياة الاجتماعية والجسد في معاناته مع الفاقة والحاجة والمرض. ذلك أن قضية الصحة مرتبطة بالأسس الاجتماعية وبأوضاع التفاوت واللامساواة الاجتماعيين. لذا يعتبر الحق في تلبية الاحتياجات الصحية للأفراد، لب الدفاع عن حقوق الإنسان، خاصة مع "ظهور الأمراض الحضارية" (كما يسميها عالم الاجتماع ادغار موران) وتزايد الاهتمام بقضايا الصحة والمرض من طرف ليس الأطباء فقط، بل حتى من طرف علماء الاجتماع وجمعيات المجتمع المدني.
إن المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تقر بالحق في الصحة وتنص على أن لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية (من المأكل إلى العناية الطبية، مرورا بالملبس والمسكن والخدمات الاجتماعية الضرورية) له ولأسرته، كما تعتبر الصحة في المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحق في الصحة، حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية، وهو ما يجب ترجمته على مستوى الحق في التعليم، العلاج الطبيعي والرعاية الطبية للمسنين..
كما أن أغلب المغاربة يعانون من درجات مختلفة من الأمراض، نظرا لغياب الرعاية الصحية، وأوضاع معيشية مناسبة لكافة المواطنين، كما تشهد على ذلك الميزانية الهزيلة جدا لقطاع الصحة، فيما توصي منظمة الصحة العالمية ب9% كمتوسط.
وعلى مستوى آخر، عمت السياسة النكوصية الحكومية المجال التعليمي، حيث همشت الجامعة والبحث العلمي، وقزمت دورها المهم والمحوري في التعاطي مع قضايا الصحة والأوبئة والبيئة والتماسك الاجتماعي والفوارق الصحية بين الجنسين والتنشئة الاجتماعية. وضربت عرض الحائط، كل الأبحاث والدراسات التي تقوم على نشر الوعي الصحي بين الناس، والبحث عن الحلول والبدائل، في ارتباط مع إلزامية ألمؤسسات العمومية في توفير المياه النقية، وتحسين أوضاع الناس، وتوفير الطعام والدواء على نطاق واسع، و محاربة سوء التغذية، توسيع برامج التغطية الصحية والرعاية النفسية.

ومعلوم أن لعشرة آلاف مواطن مغربي الحق في ما معدله 6 أطباء فقط ، في ظل أوضاع مسيئة للمرضى داخل المستوصفات والمستشفيات، التي تنعدم فيها الموارد البشرية ونقص حاد على كل الأصعدة، كما تشهد على ذلك كل التقارير، بمختلف مصادرها، حيث تصف الوضع بالمقلق جدا، نتيجة للإختلالات التي جعلت من المستشفيات مؤسسات البؤس وماكينة تصنع الموت، بسبب غياب الوسائل الضرورية لإنقاذ حياة الناس، وبسبب سوء الحكامة والتسيير والتدبير.

ومن جهة أخرى، إن مطالب الجمعيات الحقوقية (دسترة الحق في الصحة، وضع آليات الأجرة، خلق مجلس أعلى للصحة، إلى غيرها من المطالب ذات البعد الكوني الخاص بالصحة والحماية الاجتماعية)، لها ما يبررها اليوم. فكل المستوصفات والمستشفيات (في إقليم تاونات، والشاون، ومكناس، ووزان، والحسيمة، والرشيدية، وميدالت، وخنيفرة، وبولمان، وصفرو، وأزرو، وبني ملال، وستي فاضمة بأوريكة..إلخ)، وحسب التقارير الميدانية المتخصصة المنجزة من طرف الخبراء من داخل المغرب وخارجه، تشهد على الحالة الصحية المزرية ببلادنا، وهو ما يهدد حق كل إنسان في حياته.

ولعل التحديات التي تنتظر مغرب الجهات اليوم، تبدأ من إدراج الحق في الصحة ضمن كل مخططات التنمية الجهوية، من أجل خريطة صحية متوازنة بين الجهات، تضمن لكل المغاربة العدالة الصحية والمساواة في العلاج والعيش الكريم، كما نص على ذلك دستور منظمة الصحة العالمية، الذي يعتبر الصحة، حالة من اكتمال السلامة بدنيا وعقليا واجتماعيا، لا مجرد انعدام المرض والعجز.
وبخصوص التعليم، وبعيدا عن لغة الأرقام، تلفت حركة قادمون وقادرون الانتباه إلى معضلة التربية ببلادنا كواقع معاش، والتي تبدأ من الموت المدرسي والجامعي (كما يسمونه في إيطاليا، والذي يشكل عائقا مباشرا للنسيج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي)، مرورا بالاختلالات التي تنخر جسم المدرسة العمومية بشكل عام والإخفاق في التسيير والتدبير، وانهيار المنظومة التعليمية والتربوية في كل المستويات، والنقص المهول في التجهيز وبنيات الاستقبال (فالحاجة إلى الفصول الإعدادية مثلا تصل إلى 260 مؤسسة سنويا بينما لا تبني منها الدولة سوى العشرات كل عام) والاكتظاظ (إذ يصل المعدل إلى 41 تلميذا بكل فصل)، وصولا إلى مأسسة الفشل على جميع المستويات، والبقاء في المراكز المتأخرة في التصنيف الدولي والإفريقي والعربي.
لقد طالب المغاربة منذ الاستقلال ببلورة تعاقد بين مؤسسات الدولة والمجتمع والمدرسة، كما طالبت جمعيات آباء وأولياء التلاميذ، والمركزيات النقابية وجمعيات المجتمع المدني منذ ثمانينات القرن الماضي، بمراجعة وتجديد المناهج والبرامج الدراسية (حيث أكدت العديد من الدراسات أن 80% لا يفهمون ما يدرس لهم)، مع تدريس المواد العلمية باللغات الأجنبية.
واليوم تضاف إلى قائمة هذه المطالب، مطالب جديدة مثل المطالبة بالتفعيل الحقيقي للامركزية منظومة التربية والتكوين في ظل الجهوية المتقدمة، والتربية الإجبارية على المواطنة وحقوق الإنسان، وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص في منظومة التربية والتكوين، وتطوير استعمال اللغة الأمازيغية في ذات المنظومة.

وعلى مستوى التعليم الجامعي (الذي يعتبر أساس بناء مغرب المستقبل)، تعيش الجامعة المغربية أزمة بنيوية تمس بنياتها المؤسسية ( نقص في الجامعات المتخصصة في البحث والتكنولوجيا والعلوم الاجتماعية، للإبداع)، وإختلالات على مستوى النظام البيداغوجي والقيم الثقافية التي تنتجها، كما تمس بنياتها التحتية ومدى استجابتها المادية التي تستدعيها. وهو ما يظهر للعموم أن الإصلاح الجامعي بات ضرورة مجتمعية وتاريخية، نظرا لما للجامعة من دور في تكوين الأفراد وتأهيلهم للمواطنة والانخراط في دينامية المجتمع.

إن الواقع يشهد بالملموس على معدلات البطالة بين خريجي الجامعات ذكورا وإناثا (والتي تفوق 30%)، نتيجة عدم توافق محتويات المناهج الجامعية مع خصائص الشغل، وهذا ما يؤدي إلى فجوة كبيرة بين المعرف الأكاديمية التي يتلقاها الطلبة والمكاسب المهنية التي يحتاجون إليها في سوق الشغل، زد على ذلك أن غالبيتهم يجدون صعوبة الاندماج عند محاولتهم ولوج القطاعات التي تشترط الكفاءة والجودة.

ونظرا لأهمية التذكير بكل هذه الخصائص والمميزات والمؤشرات، واعتبارا لضرورة التفكير في تمفصل الحقوق، أجيالا ومجالات، وما يتطلبه ذلك من تنسيق وتكامل بين الجهات المعنية، ومن تكثيف التبادل والعمل المشترك بين مختلف الفاعلين في المجال المدني الحقوقي والاجتماعي في أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والتنموية، وخاصة في ارتباطها مع قضايا مجتمعية كحقوق المرأة وحقوق الطفل والتنوع الثقافي وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والحق في الماء والبنيات التحتية والحق في التنمية المستدامة، ألخ، فإن حركة قادمون وقادرون تتقدم بهذه المرافعة الأولية لكل الفاعلين السياسيين والنقابيين وجميع المعنيين قصد دعم ومساندة رؤيتها الاجتماعية المدنية، في أفق أجرأة مطالبنا وحقوقنا الشرعية والمشروعة.



#المريزق_المصطفى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشروع ورقة أولية لحركة قادمون وقادرون في موضوع الهجرة
- بمناسبة الدخول الجامعي الجديد 2017-2018، حركة قادمون وقادرون ...
- المغرب بلد آمن..ولكن؟
- من أجل الإنقاذ والمصالحة
- الى الفنانة سيليا الريفية خلف القضبان
- المقهى الثقافي بمكناس يختم دورته السنوية 2016/2017
- رهانات حركة قادمون وقادرون
- الريف العزة فوق رؤوسنا والذل تحت أقدامنا
- الرف العزة فوق رؤوسنا والذل تحت أقدامنا
- من أزمة الديمقراطية التمثيلية إلى حكومة المقاولة السياسية
- رسالة إلى صديقي اليساري
- حكومة -المونسينيور العثماني-
- النيوأصولية والاحتكام للمشترك بيننا
- مهام النخب وتحديات المستقبل
- السياسة كفكر وممارسة
- حسناء أبو زيد في ضيافة المقهى الثقافي بقصر التراب بمكناس
- عذرا سيدتي...في عيدك الأممي
- ما نريده لحميد شباط و لحامي الدين
- من أجل مدن للعيش المشترك وإنتاج قيم المواطنة
- الصحة وحقوق الانسان


المزيد.....




- عهد جديد للعلاقات بين مصر وأوروبا.. كيف ينعكس على حقوق الإنس ...
- -إسرائيل اليوم-: نتنياهو يستبعد غانتس من مفاوضات الهدنة وتبا ...
- ماسك يوضح استغلال بايدن للمهاجرين غير الشرعيين في الانتخابات ...
- سفير فرنسا في الأمم المتحدة يدعو لإنهاء فوري للحرب على غزة
- شكري: مصر تدعم الأونروا بشكل كامل
- تقرير يدق ناقوس الخطر: غزة تعاني نقصا بالأغذية يتخطى المجاعة ...
- الأمم المتحدة تدين اعتقال مراسل الجزيرة والاعتداء عليه في غز ...
- نادي الأسير يحذّر من عمليات تعذيب ممنهجة لقتل قيادات الحركة ...
- الجيش الإسرائيلي: مقتل 20 مسلحا واعتقال 200 آخرين خلال مداهم ...
- وفد إسرائيلي يصل الدوحة لبدء مباحثات تبادل الأسرى


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - المريزق المصطفى - مشروع ورقة أولية لحركة قادمون وقادرون بمناسبة الدخول الاجتماعي والسياسي المقبل (2017 -2018)