أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال المظفر - ليلة تحت الصفر















المزيد.....

ليلة تحت الصفر


جمال المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 1459 - 2006 / 2 / 12 - 03:15
المحور: الادب والفن
    


كما لو كان صوتها يخرج من فوهة اسد،تزأر ،وتكتم معها انفاس الصبية ،تعكر هدوء الروح الربانية ،تعبث بالاشياء والزوايا،وكأن شيئا لم يكن في هذا المكان او ذاك ،تجبرك على ان تشم بعضا من رائحتها الكربونية ،ترسم لوحات تراجيدية على جدران المدارس ورياض الاطفال والجوامع والكنائس ،تجعلك تحني قامتك كما لو انك تعبد الها من الهة قريش
* * * * * *
كان البيت بجدرانه المغمورة بمياه نهر السيف يسرق ضوءه الوحيد من شباك البيتونة حيث يتسلل ضوء القمر فترتسم على الحائط المقابل للشباك مربعات متوازية للدرفات بينما تطبع ظلال الخيول الثائرة الموضوعة على جهاز التلفاز اشباحها بأحجام تفوق حجمها الاصلي على الحائط.
كانت المرأة ذات الثلاثين عاما تصوب بصرها بأتجاه باب البيت المعمول من خشب الصاج والذي حفرت فيه الارضة اخاد يد تعطي عمره الزمني بعدا اخر بانتظار دقات المطرقة المصنوعة من البرونز ...الدقات الثلاث موعد وصول تومان من الميناء ...تنساب الى مسامعها هرولة المارة واصوات انفجارات بعيدة ثم تقترب شيئا فشيئا ..وقذائف تخترق سكون المدينة ،تئز فوق البيت قذيفة يحدث انفجارها دويا هائلا يخلع احدى درفات شباك الغرفة ...القصف يشتد وترتفع مواءات سيارات الاسعاف ...تهمس الى نفسها :الم ينته دوام عمال الميناء ،حتى في ايام القصف ... ميناء البضائع والشاي والرز والنفايات والجثث المتعفنة وعلب السردين والامنيات المعلقة على حبال الانتظار واحلام الفقراء المتسكعين على الارصفة ... ميناء الفقر والعوز والرذيلة وقناني الويسكي وعلب البيرة الفارغة ..!!
تنهض من مكانها تفتح شباك الغرفة المطل على النهر ،يتعالى نقيق الضفادع ،وحفيف الاشجار يحدث صفيرا وكأنه لاشباح في غابة غير مسكونة ،يثير انتباهها قفز ضفدع مهرج وسط النهر ،ينساب مخلفا وراءه موجات حلزونية .. تتأمل القمر الذي يرقص في النهر يتموج مثل خصر راقصة شرقية ...تفزعها قطة مذعورة تتسلق شجرة التوت المعمرة هربا من كلب اسود كان يطاردها ..يزعق غراب الشؤم في وجهها ،تهرب مذعورة الى وسط الغرفة ،تخطف طفلها المولود قبل سنة مضطربة تضمه بشدة الى صدرها ..تتمتم بصوت خافت : ياالهي ..ارحمني ياالهي ..من اجل طفلي ..القطة والكلب الاسود وغراب الشؤم واشياء اخرى غامضة ..ثلاثية القدر ،نفس الحلم الذي راودني قبل يومين .
- القدر اعمى ...لايعرف صاحبه .. عطفك ياالهي ،من اجل هذا المسكين ، تخرج ثد يها وتضعه في فم طفلها ،فهو منذ ساعات لم يتناول غذاءه الرباني ، تحس بدغدغة خفيفة في حلمة ثديها ورعشة في جسدها ..تشتاق الى تومان ،تتحدث بصوت خافت : اين انت ياتومان .. اشتاق اليك ،لقد كنت في قمة فحولتك ليلة البارحة ، وتصرخ من شدة الالم فالطفل اطبق اسنانه على حلمة ثديها : - كم انت فض مثل ابيك ،السادي لايخلف الا ساديا مثله ، يبكي الطفل منكسرا ،تعانقه معتذرة .. تطبع قبلة طويلة على رأسه ،تتداخل الى انفها رائحة الحليب المتخثر في فمه مع رائحة ابطها ..تشعر بشوق الى تومان ، تهمس: لاادري لماذا تشتد الرغبة في لحظات القلق والخوف ،جسدي يلتهب وحرائق تشتعل في اطراف اصابعي ،صدري يكاد ينفجر ،الدم يجري في عروقي مثل ماء النار ،لااحد يطفئ حرائقي الا انت ياتومان ،فانت الوحيد الذي تعرف مكامن ضعفي وكيف انهار امامك مثل كتل الثلج في قدح الماء الساخن ،تعبث بفروة رأس طفلها ،تقرصه من خده تحاول اثارته كي يعيد الكرة ويقضم حلمتها ،يفعلها الطفل ثانية وكأنه احس باللعبة التي يجب اتقان ادائها فتصرخ به : هاه .. افعلها مرة اخرى .. هيه ..ايها الشقي ..تومان الصغير ..تومان المتوحش ..تومان امير السرير ،صائد الرغبات ..يكركر الطفل ،احس بارتعاشة الجسد الذي يحتويه وبالدفء الذي ينساب اليه من الحضن الانثوي ..تشتعل الانثى ،تفرك رأسها بشدة تشعر بأن النار تتحرك من اطراف اصابع قدميها حتى تصل الى رأسها تتداخل الصور امام عينيها ..صورة تومان وهو يعيد الكرة ،مرة ومرتان وثلاث ،تومان الذي يكرز البصل مثل فستق العبيد ،تتذكر كلماته
-هل تعرفين ان الفراعنة كانوا ينصحون عمال بناء الاهرامات بتناول البصل والثوم لانه يقوي العضلات ويزيد الفحولة ،العمال في الميناء يحسدوني لاني احمل ثلاثة اضعاف ما يحملونه من البضائع ..هذه قدرتهم لانهم لايعرفون قيمة البصل وربما يعرفونها ولكنهم يخافون من زوجاتهم لان رائحته تثير اشمئزازهن وينفرن منهم .
تنتبه الى نفسها وتضغط بصدرها على فم طفلها ،يكاد يختنق فيصفعها بحركة لاارادية ،تشعر بلذة اشد قسوة من قضمة حلمتها ،تتنهد :هيه ،الان عرفت اللعبة ،انت تومان بلحمه ودمه وانفعالاته ،احبه عندما يضربني بقوة ،اتلذذ بتلك الضربات ،تثيرني ،وهكذا كنت اغضبه دائما منذ تزوجته ولحد ليلة البارحة ..اضرب مرة اخرى يا توماني الصغير ، هيا ، تنهض من مكانها تسير بخطوات مسرعة نحو الباب تضع اذنها عليه لتسمع تومان وهو يقترب من المنزل فهي تعرفه من مشيته التي يشحط فيها حذاءه بالارض وتميزه من بين مئات الرجال : ياالهي اين انت ياتومان ، هل ابقوك بالاوفرتايم ،لانريد الاجر الاضافي ،نريدك انت يا تومان ،الم تشعر بي ،الاتعرف بأني اشتاق اليك ؟ لم اشعر في اي وقت بالرغبة مثل هذه اللحظة ، لقد فعلها ابنك الحقير ، اثارني من دون سابق انذار ،ماذا افعل ، اصابعي تشتعل من يطفئ حرائقي .. اه ،ليت لي جناحان واطير بهما اليك .
يشتد القصف ، قذائف تنفجر بعيدا ، وأخرى تئز فوق البيت تحدث صوتا يشبه زئير الاسد ، تهرب مذعورة الى الغرفة ، تسمع طرقات الباب الثلاث فتومان يدخل الى الباحة ..تركض اليه تلتصق به ، كل شئ اصبح لصق تومان تكاد تقصم ظهره من شدة الطوق الذي فرضته على ظهره بيديها ..تشتد الرغبة ،لم يرها يوما بهذه الوحشية ،تقضم شفته السفلى يصرخ ، فتصرخ به : من اجل ان تشعر بعذابي ، هذا الالم لايعادل جزءا مما في داخلي ..تنصهر مع تومان في اللذة ،يتعالى صراخ الطفل ، ويشتد القصف .. يخلع الباب والشبابيك ويمسك الرغبة من اطرافها ،تتمزق اشرعة السفن الراسية في اللوحة على حائط الغرفة وتهرب الخيول الثائرة الموضوعة على جهاز التلفاز الى خارج الدار بينما تغادر النوارس صواري السفن الى الاعالي ..



#جمال_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل قامت القيامة يا بغداد؟!!
- هل ستفعلها الحكومة
- لاتذلوا المواطن في سيطراتكم
- ازمات الحكومة
- كل عام.. وانتم بلا كهرباء
- مدن تفض بكارة الجدران


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال المظفر - ليلة تحت الصفر