أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - استحضار النص الديني في ديوان -طفل الكرز- عدلي شما















المزيد.....

استحضار النص الديني في ديوان -طفل الكرز- عدلي شما


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 5623 - 2017 / 8 / 28 - 14:32
المحور: الادب والفن
    


استحضار النص الديني في ديوان
"طفل الكرز"
عدلي شما
يمزج الشاعر لغته الشعرية بالنص لديني فيقدم لنا ديوان يكاد أن يكون استثنائيا، فلا يقلد احدا ولا يشبهه أحدا، فنجد اللغة قريبة منا وتنساب إلى القلب قبل العقل، فالمتعة حاضرة والتجديد حاضر، فلكل قصيدة موقعها وجماليتها الخاصة، بحيث يجد القارئ نفسه أمام عوالم من الابداع لا يمكنه أن يمر عليه مرور الكرام، وهنا يكمن تألق الشاعر "عدلي شما" الذي يمتعنا دون أن نكتفي، ويطعمنا دون أن يشبعنا، ويسقينا دون أن نروى، وكأننا نعيش في جنة لا نجوع فيها ولا نشبع، فالمتعة متجددة ومضطردة في آنا واحد، وكلما انتهينا من قصيدة نجد في الأخرى شيء جديد، ومتعة تختلف عن سابقتها.
استحضار النص الديني لم يقتصر على الدين الإسلامي فحسب، بل تناول أيضا المسيحية، فالشاعر يختار بحكمة ما يناسب قصائده، يقول في قصيدة "مقاطع هاربة"
"أراود هذه القصيدة عن نفسها
أهم بها وأقد قميصها
وتهم بي وتقد قميصي
ونغرق في بحر من حروف البنفسج" ص12، فهنا يستخدم الشاعر قصية يوسف كما وردت في القرآن الكريم بطريقة استثنائية، بحيث جعل نفسه والقصيدة كلهما يهما ببعضهما، وهذا الاستخدام يكاد أن يكون أول استخدام جاء بهذه الصيغة الجديدة.
ويقول أيضا:
"كلما ألقيت حجرا
على هذه الزانية
تلقفته طيور أبابيل
لم تمت هذه المرأة مات الراجمون" ص13، كلنا يعرف قصة الزانية التي جاءت في الإنجيل وكيف عفى عنها السيد المسيح، لكن الشاعر هنا يستخدم القصة بشكل مقلوب، فنجده يلقي الحجر عليها بدلا أن يعفو عنها، ونجد الراجمون يموتون ولا يرحلون كما جاء في الإنجيل، وهذا التغريب في القصة يجبر المتلقي على التوقف عما قصده الشاعر ويبحث عن الاسباب التي جعلته يغير في سيرورة الحدث الديني.
ويقول أيضا:
"من ألف عام
هذا الصليب يجر نبيا إلى الجلجلة
نزفت عروق الخشب
وما قام هذا النبي" ص13، وهنا أيضا نجد تغريب الحدث الديني، بحيث نجد الصليب يجر النبي وليس "المسيح" هو الذي يجر الصليب، ونجد خشب الصليب ينزف وليس جسد المسيح، وننذهل عندما نجد نفي قيامة المسيح، فالفكرة التي يطرحها الشاعر بالتأكيد رمزية لكنها جاءت بشكل رائع وجميل.
ونجد القفزة النوعية في التمرد على ما هو مألوف ومسلم به دينيا من خلال هذا المقطع:
"مددت حبلا طويلا إلى السماء
تسلقت حتى أصبحت في حضرة الإله
صرخت إلهي
الطين الذي استخلفته في الأرض
لم يرتوي من شرب الدماء" ص13و14، ما يحسب للشاعر أنه تجاهل المكان الذي يتمرد فيه، ويتجاهل الزمان أيضا، ويتجاهل الجهة/الناس/الجماعية/الأفراد الذين يتمرد عليهم، لهذا يمكن لأي مضطهد أن يشهر بأنه المقصود بهذا التمرد، وأن الدماء التي تسيل في فلسطين وسورية والعراق وليبيا واليمن وفي أي مكان في العالم هي المقصودة، وهذا الطرح يتجاوز فيه الشاعر المكان والزمان والقوم بحيث يكون طرحة إنسانيا/عالميا.
ونجد استحضار آخر للنص المقدس في قصيدة "الكوبي الجميل" والتي جاء فيها:
"كأني رأيت المسيح يمشي على الماء
يهتف بالثائرين
الحق الحق أقول لكم
من مات وفي يده بندقية
فسيحيا" ص36، المسيح المسالم الذي قدم نفسه كتضحية عن وللناس نجده يدعو إلى الحرب والمواجهة الدامية، فأي مسيح هذا؟ وهل أرادنا الشاعر أن نتجاهل المسيح المعروف ونتقدم من مسيحه هو؟، علينا البحث عن سبب الاختلاف بين المسيحان ونحدد أيهما انسب لنا في هذا الزمن.
ويقول في قصيدة "النائم"
كم حربا وضعت أوزارها؟" ص41
"فارجع إلى كهفك الأزلي ولا تعد هذه المدينة
فجلادك لا زال باسطا ذراعيه في الوصيد" ص41، لم اقرأ تناص مع سورة الكهف بهذا الشكل بالمطلق، فقد اعطا الشاعر صفات الكلب للجلاد، وهذا جمالية استثنائي تحسب للشاعر ولقدرته على استخدام النص القرآني بشكل مغاير ومختلف عن الآخرين.
ويقول في قصيدة "سدو المنافذ":
"ولا خشب في سفينة نوح
فكيف سيبني النبي السفينة" ص45، حالة الكفر بالحاضر والحاضرين، جعلت الشاعر يتحدث بهذه الصيغة السوداء.
وهناك تماثل كامل مع حدث صلب المسيح في قصيدة " العائد" والتي جاء فيهال:
"وكنت أجر صليبي كنبي مطرود
إكليل الشوك على رأسي
أجرع كأسي
مترعة بالحزن وبالدمع القاني" ص46، فرغم التماثل بين ما جاء في القصيدة وفي الإنجيل إلا أننا نجد لفظ "نبي مطرود" يشير إلى نفي النبوة عن الحدث الديني في القصيدة، وهذا يعد تغريب في الفكرة الدينية، فكلنا يعلم أن المسيح نبي أو مقدس وليس بشخص عادي.
ونجد في قصيدة "اسفار المنفى" تغريب لقصة يوسف، بحيث يقلب الشاعر العديد من الاحداث:
"... أين قميصك يا ولدي؟
أترى ما زلت حبيس الجب
أم مرت تلك السيارة؟
...
هذا ملك من صلب ملك
أين قميصك يا ولدي؟
عيناي قد ابيضت من حزن مزمن
أصرخ .. أصرخ
يا عراف
يا من قال بسبع سنين عجاف
هل يرجع من أكل الذئب عيونه؟" ص55و56. ما يحسب لهذا التناول أن الشاعر جعل سرد القصة على لسان يعقوب/الأب، وتحدث هذا الأب وهو عارف وعالم بكافة مجريات الاحداث التي وقعت لابنه، وهذا التغريب يخدم فكرة الظلم الواقع على كل المظلومين في العالم، فالشاعر لم يحدد لنا المكان ولا الزمان ولا المعنين بهذا الظلم.
وهناك استخدام آخر لقصة يوسف في قصيدة " أسفار المنفى" لكنه يستخدم العديد من القصص الدينية في قصيدة "لماذا؟" والتي يقول فيها:
"لم أقتل ناقة صالح
إذ كيف لعبد صالح
أن يفعل هذا؟!
لم أرم أخي في الجب
ولم أصلب أي نبي
لم أقتل في المهد صبي
لم أسكن يوما في قرية لوط
صليت لأجل القابع في بطن الحوت
شاركت بأضلاعي ببناء الفلك الكوني
وحين الطوفان أتى
لم أصعد جبلا يعصمني
فأنا أعلم أن لا عاصم إلا أنت
فلماذا يا رب
جاءتني من كل نواحي الأرض طيور أبابيل
وكأني من أصحاب الفيل؟!" ص93و94، شهادة برآءة من كل الآثام التي اقترفت في القصص الدينية يقدمها الشاعر، فهو خالي من الخطيئة، ومع هذا نجده يعاقب، فالتساؤل الذي وضعه في نهاية القصيدة يمكن اسقاطه على كافة المناطق الغربية التي تعرضت للتخريب والموت، فهي تناسب حالة العرق، وفلسطين، وسورية، وليبيا واليمن، لهذا نقول بأن الشاعر يمتلك ذكاء خاص في تجاوز جغرافية الحدث والزمان والناس، وكأنه يقدم نص ديني مقدس يمكن لأيا كان ان يتناوله ويسقطه على نفسه.
بعد هذا التناول لما جاء في ديوان "طفل الكرز" من حقنا أن نسأل ماذا أراد الشاعر من هذا الاستخدام؟ ولماذا ركز على استحضار الاحداث والقصص الدينية إن كانت إسلامية أم مسيحية؟ نستطيع الاستنتاج أنه أرادنا أن نعيد التفكير في العديد من المسلمات التي نومن بها، ليس لتغيرها بل لفهما بشكل جديد، بعيدا عما يقدمه لنا رجال الدين، الذين عاثوا في الأرض فسادا وحرقوا الأخضر واليابس وقتلوا وشردوا الناس الآمنين باسم الدين، كما أن استخدام القصص والاحداث والآيات المقدسة بطريقة التغريب يجعلنا نفكر ونتوقف عند ما نعتقد أنه مقدس، وهذا أهم ما يريده منا "عدلي شما" التفكير والتفكير، فهو لا يريدنا أن نكون مؤيدين له، بل يريدنا أن نكون واعين لما يحلك لنا، من خلال ما يقدم لنا من سموم بشكلها المقدس.
الديوان من منشورات بيت الشعر، فلسطين، الطبعة الأولى 2016.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناقشة -الاشتباك- في دار الفاروق للروائي الفلسطيني :سعادة أب ...
- المرأة والحرب في رواية -زبد الحديد- إيفان أوخانوف
- الهدهد الذي يرى في قصيدة
- أثر الواقع في ديوان -زفير- سعادة أبو عراق
- عالم السماء والأرض في قصيدة -مرايا العشق- جواد العقاد
- البياض والسواد في قصيدة -ذكريات وألم- منصور الريكان
- مناقشة بضع قصائد للشاعر مهند ضميدي
- نحن والاحتلال في قصة -الاشتباك- سعادة أبو عراق
- فاكهة الكتاب في -هذا ما أعنيه- سليم النفار
- المغالاة في رواية -رفقا بما تبقى مني- زينة إياد حلبوني
- اللقاء بين الإنجيل والقرآن
- حاجتنا إلى الإنجيل
- مصر والتحرر في كتاب -جمال عبد الناصر- اجار يشيف
- الخراب في كتاب -خريف الغضب- محمد حسنين هيكل
- الحكمة في كتاب -كهل وكهف وقول- نجاح الخياط
- حقيقة الاخوان في كتاب -سر المعبد- ثروت الخرباوي
- شعب لا يعرف كيف يفرح
- الدخول إلى قصة -العائد- إبراهيم نوفل
- تشابه سلوك التيارات الدينية في كتاب -الثورة البائسة- موسى ال ...
- سلاسة السرد وسهولته في مجموعة -الأدرد- مجدلين أبو الرب


المزيد.....




- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - استحضار النص الديني في ديوان -طفل الكرز- عدلي شما