أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - الحضارة الإسلامية في مرايا المناهج الغربية- المنهج التاريخي















المزيد.....

الحضارة الإسلامية في مرايا المناهج الغربية- المنهج التاريخي


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 5622 - 2017 / 8 / 27 - 15:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن الأثر المباشر وغير المباشر للهيمنة المنهجية الغريبة يظهر في الخواء الروحي والمعرفي السائد في العالم العربي وثقافته الحالية، مع ما يترتب عليه من هشاشة الوعي واستعداده لقبول كل "جديد" على انه حقيقة، بينما لا حقيقة خارج إطار المعاناة الفعلية للأمم في حل إشكاليات وجودها التاريخي بمعايير تجاربها الذاتية. فهو الأسلوب الوحيد الحقيقي والعملي في مواجهة وتحدي النفس والواقع والتأسيس للبدائل.
اذ يلعب المنهج دورا جوهريا في فهم الوجود وآفاقه. وعليه تتوقف رؤية كل ما يمكنه أن يكون موضوعا ومادة لاهتمامه النظري والعملي. وبالقدر ذاته يتمثل التجارب الذاتية ويعكسها في المواقف والأعمال. وبالتالي، فان تنوع المناهج هو تعبير عن تنوع التجارب النظرية، وبمجملها تعكس التجربة التاريخية الثقافية للشعب والقومية والأمة. من هنا لا يعني استعارة المناهج، وهي الصفة السائدة لحد الآن في الثقافة العربية، سوى تقليديتها الفجة وفقدانها لروح المعاناة النظرية في تناول قضاياها الواقعية المهمة. بمعنى فقدانها لهموم المعرفة الحقيقية والهوية الذاتية، وضعف أو جفاف الإبداع التلقائي.
فاستعارة المناهج، أيا كانت أنواعها، لا تعمل من حيث الجوهر إلا على فصل الإنسان والمجتمع والأمة عن إشكاليات وجودهم التاريخي. وينطبق هذا بقدر واحد على الماضي والحاضر والمستقبل، والذي تشكل قضايا التراث والحضارة من بين أكثرها أهمية، لأنهما يختزنان الطاقية التاريخية للروح الثقافي. ففصل الأمة عن تراثها يؤدي إلى فقدان هويتها ومن ثم يجعلها خاوية ومعرضة للتأثير والتأثر السريع بما يقدم لها. بينما يؤدي التشويه المتعمد أو الرؤية المسطحة أو المشوهة إلى تشويه العلم والعمل والعقل والضمير. وبالمقابل يعادل الارتباط التام بتراث الأسلاف والإبقاء عليه كما هو، البقاء ضمن شرنقة التقليد والاختناق الروحي والعقلي. أما البديل الحقيقي فيقوم في تأسيس الصلة الواقعية والعقلانية بين الخلف والسلف، بين التراث والمعاصرة بالشكل الذي يجعل من النظرة النقدية تجاه الماضي محكومة بمعايير الحاضر، والنظرة إلى الحاضر محكومة بمعايير المستقبل.
ذلك يعني، أن قضية الوعي الحضاري تتمثل الرحيق الأشد مذاقا لوعي الذات التاريخي والسياسي. من هنا قيمتها الكبرى بالنسبة للأمم التي قطعت في تطورها الذاتي مسار الصيرورة المعقدة للتمدن والحضارة. وقيمتها ليس فقط فيما يتعلق بتاريخها الذاتي، بل وفي موقفها من تجارب الأمم الحضارية الأخرى. وبالتالي، فأن موقفها من الحضارات الأخرى يعكس أو وقبل كل شيء تطورها الذاتي ومنظومة مرجعياتها الفكرية والثقافية الكبرى. كما يحتوي أيضا على غايات مختلفة ومتنوعة، معرفية وسياسية ومصالح قومية وثقافية. وذلك لانها تبلور الوعي القومي والثقافي بنمط معين من الرؤية لها أثرها المباشر وغير المباشر في السلوك العملي للدول ومجتمعاتها.
عموما هناك مناهج ومداخل عديدة جدا لكنني اكتفي هنا ببعض العينات النموذجية التي تختزل التطور التاريخي في المواقف والنماذج الأكثر انتشارا في المناهج الغربية في موقفها من الحضارة العربية الإسلامية. وسوف أتناول ثلاثة مناهج كبرى وهي المنهج التاريخي، ومنهج المقارنة الحضارية، والمنهج النقدي السياسي.
ولعل أفضل من حقق المنهج التاريخي هو المستشرق الروسي الكبير فاسيلي فلاديميرفتش بارتولد (1869-1930) في أبحاثه المتنوعة عن تاريخ الإسلام والثقافة الإسلامية. فقد انطلق بارتولد في تحديد ماهية الحضارة الإسلامية من تحليل فكرة "الشرق" التي تجعل منه كيانا معارضاومضادا "للغرب". ويشير بهذا الصدد إلى أن هذه الفكرة ظهرت للمرة الأولى زمن السيطرة الرومانية. أما قبل ذلك،فان مفهوم الشرق لم يتطابق مع الموقع الجغرافي. فاليونانيون على سبيل المثال كانوا يقسمون العالم إلى (جنوب مثقف وحضاري وحار ودافئ) و(شمال بارد وهمجي. بل أن أرسطو نفسه قسم العالم إلى شمال شجاع لكنه بربري ومعدوم القدرة على الحضارة، وجنوب يتميز بالقدرة على الحضارة لكنه بدون شجاعة، أما اليونانيون فيجمعون بين الاثنين (الحضارة والشجاعة). أما المسار اللاحق في أوربا فقد أدى إلى انتصار المسيحية، التي أدت بدورها إلى إضعاف العلوم والفنون المتبقية من الحضارة اليونانية والرومانية. ولكنها من جهة أخرى، رفعت المستوى الحضاري للعوام من خلال قراءة الكتب المقدسة بلغاتها القومية وإشراكها في الجدل الفكري.
فقد ظهر الجدل الفكري الأول داخل المسيحية في "الشرق"، بعد سقوط مدارس العرفان والفلسفة "الوثنية". آنذاك ظهرت تيارا الملكانية –(الارثودوكسية) واليعاقبة، الذين اعترفوا بصفة واحدة في المسيح (إلهية)، والنسطورية التي اعترفت بافتراق الطبيعة الإنسانية والإلهية في المسيح، بمعنى تفرقهما في شخصيتين، وانه لا يمكن إطلاق عبارة "والدة الرب" على مريم.
ووضع بارتولد هذه المقدمة التاريخية الفكرية للبرهنة على نشوء وتفاعل الحضارات السابقة. وان الحضارة الإسلامية سبق وان مهد لها واشترك فيها مختلف الشعوب واتباع مختلف الأديان والحضارات، وليس العرب فقط.
غير أن العرب لعبوا دورا خاصا في بناء الحضارة الجديدة، ومن ثم أثرهم في تاريخ الحضارة. فما يميز العرب بهذا الصدد هو أن سيادتهم لم تجر، كما كان الحال بالنسبة لكثير ممن سبقهم ولحقهم من الشعوب الأقل تطورا في بدايتها إلى الذوبان أو الخضوع للدول المتحضرة التي جرى احتلالها، كما جرى للجرمانيين بعد احتلالهم روما، اذ تحولوا إلى النصرانية، أو كما جرى للمغول بعد احتلهم آسيا الإسلامية والهند، اذ تحول والى الإسلام. بينما كان الأمر بالنسبة للعرب يختلف اختلافا كبيرا.
فقد كان انتشار اللغة العربية مرتبطا بكونها لغة متطورة آنذاك. بمعنى أنهم لم يتوسعوا ويسيطروا آ، وخصوصا فيلسلاح فقط، بل والى اللغة ومقومات الحضارة. إذ كانت عندهم ثقافة روحية متطورة، وخصوصا في ميدان الشعر.
ووضع بارتولد هذه الأفكار في اساس نقده لمختلف أشكال ومستويات ومظاهر الرؤية "الغربية" الضيقة التي حاولت تفسير التاريخ الثقافي والحضاري بمعايير فكرة التضاد والتفوق العرقي والحضاري وما شابه ذلك. من هنا انتقاده للفكرة القائلة، بان بناء المساكن(العمارة) في الحضارة الإسلامية هو تعبير عن روح الاستبداد فيها، استنادا إلى أن البناء الشرقي مفتوح الداخل مغلق الخارج. اذ وجد في هذه الفكرة مجرد اتهام لا نصيب له من الصحة، وذلك لان الأبحاث التاريخية العلمية تبرهن على أن هذا النمط من البناء كان موجودا قبل الإسلام. كما أن البيت الحرام في مكة مفتوح على الخارج.
وتوصل بارتولد في تتبعه اثر السيطرة العربية إلى أنها أينما حلت أدت إلى ازدهار ثقافي وعمراني واجتماعي. اذ أدت إلى انتشار وبناء المدن، وتحطيم نظام الطوائف والطبقات. كما أنها قامت بتجزئة ملكية الأراضي الكبيرة.
مما سبق يتضح، بان تحليل بارتولد للثقافة العربية الإسلامية وحضارتها اقرب ما تكون إلى الاستعراض التاريخي الموضوعي. كما أنها تحتوي على ملاحظات نقدية دقيقة لمواقف وأحكام الاستشراق الأوربي الغربي. لكن ما وضعه بهذا الصدد يفتقد إلى رؤية فلسفية أو ثقافية عميقة. ومع ذلك تتسم الفكرة العامة وحيثياتها بطابع موضوعي، يسعى للكشف عن المسار العام للثقافة الإسلامية، ويقترب في تحليله وتقييمه ومواقفه من إدراك حقائق الصيرورة التاريخية للحضارة الإسلامية.
***




#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرؤية الغربية لقضايا وإشكالات -الشرق والغرب-
- الاستشراق-الوجه الآخر للمركزية الأوربية ووعيها الذاتي
- الحضارة الإسلامية في دهاليز الوعي الغربي (الأوربي)
- نهج الحضارة ومنهج البدائل
- فلسفة الحضارة ووعي الذات القومي الثقافي
- إشكاليات الحضارة بين الفلسفة والسياسة
- الحضارة وإشكالية التقديس المزيف
- أبجدية اللغة وأبجدية الروح الثقافي
- تقاليد العقل الثقافي وبدائل الرؤية المستقبلية
- موت الحضارة وبقاء الثقافة
- الصراع الروسي من اجل شرعية الدولة في سوريا
- بوتين – لغز المستقبل الروسي
- الاستعادة الأدبية والثقافية للتراث العربي في مرحلة النهضة
- مرحلة النهضة واشكالية اللغة ووعي الذات العربي
- إرهاصات ما قبل النهضة العربية الحديثة
- قمة واطئة
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة (10-10)
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة(9)
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة (8)
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة (7)


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - الحضارة الإسلامية في مرايا المناهج الغربية- المنهج التاريخي